الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بتبديل الصيعان وَجعلهَا على مد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَانَ ذَلِك بالحضرة على يَد الْفَقِيه ابي فَارس عبد الْعَزِيز الملزوزي الشَّاعِر الْمَشْهُور
ثمَّ دخلت سنة أَربع وَتِسْعين وسِتمِائَة فِيهَا صلح أَمر النَّاس وانجبرت أَحْوَالهم ورخصت الأسعار فِي جَمِيع الْأَمْصَار فَبيع الْقَمْح بِعشْرين درهما للصحفة وَفِي هَذِه السّنة كسفت الشَّمْس أَيْضا الْكُسُوف الْكُلِّي بِحَيْثُ غَابَ قرص الشَّمْس كُله وَصَارَ النَّهَار لَيْلًا كالحالة الَّتِي تكون مَا بَين العشاءين وَظَهَرت النُّجُوم وماج النَّاس وَضَاقَتْ نُفُوسهم وَلَوْلَا أَن الله سُبْحَانَهُ تداركهم بِسُرْعَة انجلائها لهلكوا جزعا وَكَانَ ذَلِك بعد صَلَاة ظهر الثُّلَاثَاء الثَّامِن وَالْعِشْرين من ذِي الْحجَّة من سنة أَربع وَتِسْعين الْمَذْكُورَة
وَفِي سنة سَبْعمِائة أسس السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب مدينته المنصورة بِإِزَاءِ تلمسان وَهُوَ محاصر لَهَا الْحصار الطَّوِيل حَسْبَمَا مر الْخَبَر على ذَلِك مُسْتَوفى وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي ثَابت عَامر بن عبد الله ابْن يُوسُف ابْن يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله
قد تقدم لنا أَن أَبَا عَامر عبد الله ابْن السُّلْطَان يُوسُف كَانَ قد انتبذ عَن أَبِيه وَبَقِي متنقلا فِي جِهَات الرِّيف وبلاد غمارة إِلَى أَن هلك فِي بِلَاد بني سعيد مِنْهُم وَأَنه خلف ثَلَاثَة أَوْلَاد أحدهم أَبُو ثَابت عَامر بن عبد الله هَذَا الَّذِي ولي الْأَمر بعد جده وَذَلِكَ أَنه لما هلك السُّلْطَان يُوسُف رحمه الله بالمنصورة كَمَا تقدم كَانَ حافده أَبُو ثَابت هَذَا فِي جملَته وَكَانَ لَهُ فِي بني ورتاجن من أهل تِلْكَ الْبِلَاد خؤلة فلحق بهم ودعا لنَفسِهِ فَبَايعُوهُ وَقَامُوا مَعَه فِي أمره وَبَايَعَهُ مَعَهم أَشْيَاخ بني مرين وَالْعرب بِظَاهِر المنصورة يَوْم الْخَمِيس ثَانِي يَوْم وَفَاة جده يُوسُف وبادر الْحَاشِيَة والوزراء وَمن شايعهم بداخل المنصورة إِلَى بيعَة الْأَمِير أبي سَالم بن السُّلْطَان يُوسُف وَكَاد أَمر بني
مرين يفْسد وكلمتهم تتفرق فَبعث السُّلْطَان أَبُو ثَابت لحينه وَكَانَ شهما مقداما إِلَى صَاحِبي تلمسان أبي زيان وَأبي حمو ابْني عُثْمَان بن يغمراسن فعقد لَهما عهدا على أَن يرحل عَنْهُم بجموعه وَأَن يمدوه بالآلة ويرفعوا لَهُ كسر بَيتهمْ ويضموه إِلَيْهِم إِن خَابَ أمله وَلم يتم لَهُ أَمر فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك وَحضر العقد أَبُو حمو فأحكمه وَشرط عَلَيْهِ السُّلْطَان أَبُو ثَابت أَن لَا يتَعَرَّضُوا لمدينة جده المنصورة بِسوء وَأَن يتعاهدوا مساجدها وقصورها بالإصلاح وَأَن من أَرَادَ الْإِقَامَة بهَا من أَهلهَا فَمَا لأحد عَلَيْهِ من سَبِيل لِأَن النَّاس كَانُوا قد استوطنوها وألفوها وطاب مقامهم بهَا وتأثلوا بهَا الأثاث وَالْمَتَاع والخرثي وَسَائِر الماعون مِمَّا يثبط المرتحل ويثقل جنَاح الناهض فَقبل أَبُو حمو ذَلِك كُله
وتفرغ السُّلْطَان أَبُو ثَابت لشأنه وَجمع كلمة قومه واختل أَمر أبي سَالم فَلم يتم وَكتب السُّلْطَان أَبُو ثَابت إِلَى حامية بني مرين وحصصها الَّتِي كَانَت مُتَفَرِّقَة فِي الثغور الشرقية الَّتِي استولى عَلَيْهَا السُّلْطَان يُوسُف أَيَّام حَيَاته فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَنْسلونَ من كل حدث وَأَسْلمُوا الْبِلَاد إِلَى أَهلهَا من بني عبد الواد وَقتل السُّلْطَان أَبُو ثَابت عَمه أَبَا سَالم بن يُوسُف ثمَّ أتبعه بعم أَبِيه أبي بكر بن يَعْقُوب فِي آخَرين من الْقَرَابَة وَغَيرهم مِمَّن يتَوَقَّع مِنْهُ الشَّرّ وفر بَقِيَّة الْقَرَابَة خشيَة على أنفسهم من سطوة أبي ثَابت فَلَحقُوا بعثمان بن أبي الْعَلَاء الثائر بجبال غمارة من عهد السُّلْطَان يُوسُف فشايعوه على أمره وتقوى بهم على مَا نذكرهُ ثمَّ ارتحل السُّلْطَان أَبُو ثَابت قَاصِدا حَضْرَة فاس فِي جموع لاتحصى وأمم لَا تستقصى فعيد عيد الْأَضْحَى من سنة سِتّ وَسَبْعمائة فِي طَرِيقه بن تلمسان ووجدة ثمَّ نَهَضَ إِلَى فاس فَدَخلَهَا فاتح سنة سبع وَسَبْعمائة ثمَّ نَهَضَ بعد ذَلِك إِلَى مراكش على مَا نذكرهُ وَلما علم بَنو يغمراسن أَن أَبَا ثَابت قد أبعد عَنْهُم وَأَنه توغل فِي الْبِلَاد المراكشية واشتغل بحروب الثائرين بهَا عَمدُوا إِلَى المنصورة فَجعلُوا عاليها سافلها وطمسوا معالمها ومحوا آثارها فَأَصْبَحت كَأَن لم تغن بالْأَمْس
وَلما اتَّصل بالمولى سُلَيْمَان خبر مسير الزعري إِلَى رِبَاط الْفَتْح عقد لِأَخِيهِ الْمولى الطّيب على بني حسن وَبَعثه فِي اعتراضه فتوافى الجيشان مَعًا برباط الْفَتْح وَوَقعت الْحَرْب فَانْهَزَمَ الزعري وشيعته وَقتل الْعَبَّاس مرينو وفر الْمَكِّيّ فرج إِلَى الزاوية التهامية فَاسْتَجَارَ بهَا وَقبض الْمولى الطّيب على الزعري وَجَمَاعَة من أَصْحَابه ثمَّ سرحه بِأَمْر السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وَاجْتمعت كلمة أهل العدوتين على طَاعَته هَكَذَا سَاق صَاحب الْبُسْتَان هَذَا الْخَبَر وَآل فرج يثبتونه وَيَقُولُونَ إِن أصل هَذِه الْفِتْنَة أَن آل مرينو كَانَت لَهُم الوجاهة مَعَ الْمولى يزِيد رحمه الله فسعوا عِنْده بآل فرج وَقَالُوا لَهُ إِنَّهُم تقاعدوا على مَال الْوَزير أبي عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ قادوس الَّذِي أَمنه عِنْدهم فبطش بهم الْمولى يزِيد وصادرهم واستحكمت الْعَدَاوَة يَوْمئِذٍ بَينهم وَبَين آل مرينو فَلَمَّا توفّي الْمولى يزِيد بَادر آل مرينو وَمن لافهم إِلَى بيعَة الْمولى مسلمة وانحرف عَنْهُم إِلَى بيعَة الْمولى سُلَيْمَان من لم يكن من حزبهم وَلما قتل الْعَبَّاس مرينو عمد أوباش رِبَاط الْفَتْح إِلَى شلوه وربطوا فِي رجله حبلا وجروه فِي أسواق الْمَدِينَة وعرضوه على حوانيتها حانوتا حانوتا إِذْ كَانَ فِي حَيَاته محتسبا رحمه الله وَكَانَ السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان فِي هَذِه الْمدَّة مُقيما بفاس لم يَتَحَرَّك مِنْهُ ثمَّ أَن الْمولى مسلمة صَاحب بِلَاد الهبط بعث وَلَده إِلَى آيت يمور وَأمرهمْ أَن يشنوا الْغَارة على أهل زرهون الَّذين هم فِي طَاعَة السُّلْطَان فَفَعَلُوا وَكثر عيثهم فِي الرعايا فَسَار السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان إِلَى مكناسة واستنفر جَيش العبيد وقبائل البربر ثمَّ وافاه الودايا وَأهل فاس وشراقة فَاجْتمع عَلَيْهِ الجم الْغَفِير وصمد بهم إِلَى آيت يمور فألفاهم على نهر سبو بالموضع الْمَعْرُوف بِالْحجرِ الْوَاقِف فصمدت إِلَيْهِم العساكر وأوقعت بهم وقْعَة شنعاء وفر ولد الْمولى مسلمة فلحق بِأَبِيهِ ولجأ آيت يمور بقضهم وقضيضهم إِلَى جبل سلفات وَبقيت حلتهم بماشيتها وأثاثها بيد السُّلْطَان فانتهبتها جيوشه من العبيد والودايا والبربر وَبَات السُّلْطَان هُنَالك وَلما أصبح بعث إِلَيْهِ آيت يمور نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ للشفاعة وَطلب الْعَفو فَعَفَا عَنْهُم وثابوا إِلَيْهِ وَبَايَعُوهُ فأنعم عَلَيْهِم بماشيتهم وزرعهم وَعَاد إِلَى فاس ثمَّ
بلغه أَن الْمولى مسلمة معسكر بِبِلَاد الحياينة فَنَهَضَ إِلَيْهِ من فاس فأوقع بِهِ فَانْهَزَمَ الْمولى مسلمة وجيشه وَنهب جَيش السُّلْطَان حلَّة الحياينة وجاؤوا تَائِبين فَعَفَا عَنْهُم ونظمهم فِي سلك الْجَمَاعَة وتفرق عَن الْمولى مسلمة كل من كَانَ مَعَه من عرب الْخَلْط وَأهل الْجَبَل وَلم يبْق مَعَه إِلَّا خاصته وَأَوْلَاده وَابْن أَخِيه الْمولى حسن بن يزِيد فَسَار إِلَى جبل الزَّبِيب فَلم يقبلوه ثمَّ انْتقل إِلَى الرِّيف فأهملوه ثمَّ صعد إِلَى جبل بني يزناسن فطردوه ثمَّ توجه إِلَى ندرومة فَمَنعه صَاحبهَا من الْوُصُول إِلَى الباي صَاحب الجزائر وَكَانَ ذَلِك عَن أَمر مِنْهُ فَتوجه إِلَى تلمسان وَأقَام بهَا
قَالَ صَاحب الْبُسْتَان وَهُنَاكَ اجْتمعت بِهِ فِي ضريح الشَّيْخ أبي مَدين بالعباد يَعْنِي حِين قدم تلمسان مفارقا للسُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وَزعم أَن الْمولى مسلمة لما اجْتمع بِهِ لامه على تخذيل النَّاس عَن بيعَته وحضه إيَّاهُم على بيعَة أَخِيه الْمولى سُلَيْمَان قَالَ فبينت لَهُ حَال الْمولى سُلَيْمَان وَمَا هُوَ عَلَيْهِ من اتِّبَاع سيرة وَالِده فِي الْعدْل والرفق بالرعية وَبِذَلِك أحبه النَّاس فَلَمَّا سمع كَلَامي بَكَى واعترف بِالْحَقِّ وتلا قَوْله تَعَالَى {وَلَو كنت أعلم الْغَيْب لاستكثرت من الْخَيْر} الْأَعْرَاف 188 ثمَّ طلب من صَاحب الجزائر أَن يَأْذَن لَهُ فِي الذّهاب إِلَى الْمشرق والمرور بإيالته فَأبى وَبعث من أزعجه من تلمسان إِلَى سجلماسة
وَلما اتَّصل خَبره بالسلطان الْمولى سُلَيْمَان وَأَنه عَاد إِلَى سجلماسة أرسل إِلَيْهِ مَالا وكسى وَعين لَهُ قَصَبَة ينزلها ورتب لَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي كل شهر كَسَائِر إخْوَته فَلم يطب لَهُ مقَام بهَا وَسَار إِلَى الْمشرق فاجتاز فِي طَرِيقه بِصَاحِب تونس الْأَمِير حمودة باشا ابْن عَليّ باي
قَالَ صَاحب الْخُلَاصَة النقية قدم الْمولى مسلمة بن مُحَمَّد على الْأَمِير حمودة باشا شَرِيدًا أثر خلعه من مملكة فاس فأنزله أَسْنَى منزلَة وأجرى عَلَيْهِ جراية سلطانية وَبَالغ فِي بره اه ثمَّ أَن الْمولى مسلمة سَافر إِلَى الْمشرق فَأَقَامَ بِمصْر مُدَّة ثمَّ توجه إِلَى مَكَّة فَنزل على سلطانها صهره على أُخْته فَأكْرمه ورتب لَهُ جراية ثمَّ عَاد من مَكَّة إِلَى مصر وَسَاءَتْ حَاله فِي هَذِه الْمدَّة وَضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ فَرجع إِلَى تونس وَنزل على حمودة
وَبَاتُوا ليلتهم كَذَلِك إِلَى الصَّباح وَلما طلع النَّهَار وتراءت الْوُجُوه انتقلوا من نهب الْأَمْتِعَة إِلَى الْمُقَاتلَة عَلَيْهَا فَهَلَك دَاخل الْمَدِينَة نَحْو الْعشْرين نفسا وعظمت الْفِتْنَة وتخوف من بَقِي بتطاوين عَاجِزا عَن الْفِرَار فَاجْتمع جمَاعَة مِنْهُم على الْحَاج أَحْمد بن عَليّ آبعير أَصله من طنجة وَسكن تطاوين وَتَشَاوَرُوا فِيمَا نزل بهم فأجمع رَأْيهمْ على أَن يكتبوا كتابا إِلَى كَبِير محلّة الْعَدو أردنيل يطْلبُونَ مِنْهُ أَن يقدم عَلَيْهِم لتحسم مَادَّة الْفِتْنَة الَّتِي هم فِيهَا فَكَتَبُوا الْكتاب ووجهوه مَعَ جمَاعَة مِنْهُم فَمَا انفصلوا عَن الْمَدِينَة غير بعيد حَتَّى عثروا على طلائع الْعَدو يطوفون حول الْمَدِينَة ويحرسون محلتهم فتسابقوا إِلَيْهِم وهشوا وبشوا وسألوهم مَا الَّذِي أقدمكم فَقَالُوا جِئْنَا بِكِتَاب إِلَى أردنيل فأبلغوهم إِلَيْهِ فأظهر أَيْضا الْبشر والفرح وَقدم إِلَيْهِم طَعَاما من الْحَلْوَاء وَقَالَ لَهُم فِي جملَة كَلَامه إِنِّي أفعل مَعكُمْ مَا لم يَفْعَله الفرنسيس مَعَ أهل الجزائر وتلمسان يَعْنِي من الْإِحْسَان وَكذب خذله الله فَإِن ذَلِك من حيله الَّتِي يستهوي بهَا الأغمار وَيفْسد بهَا الدّين وَإِلَّا فَأَي إِحْسَان فعله الفرنسيس مَعَ أهل الجزائر وتلمسان أَلسنا نرى دينهم قد ذهب وَأَن الْفساد قد عَم فيهم وَغلب وَأَن ذَرَارِيهمْ قد نشؤوا على الزندقة وَالْكفْر إِلَّا قَلِيلا وَعَما قريب يلْحق التَّالِي بالمقدم وَالله تَعَالَى يحوط مِلَّة الْإِسْلَام وَيكسر بقوته شَوْكَة الزَّنَادِقَة وَعَبدَة الْأَصْنَام وَلما عرضوا على الْعَدو الدُّخُول إِلَى بلدهم قَالَ لَهُم أما الْيَوْم فَيوم الْأَحَد وَهُوَ عيد النَّصَارَى وَلَا يحل لي التحرك والانتقال وَأما غَدا فانظروني فِي السَّاعَة الْعَاشِرَة من النَّهَار فَرَجَعُوا إِلَى أهلهم وأصحابهم وأعلموهم بمقالة الْعَدو وَالْحَال مَا حَال والقتال لَا زَالَ وأبواب الحوانيت تكسر والدور تخرب وَالْقَوِي يَأْكُل الضَّعِيف وَبَاتُوا لَيْلَة الِاثْنَيْنِ كَذَلِك وَأَصْبحُوا من الْغَد كَذَلِك ثمَّ إِن الْعَدو استعد وَأخذ أهبته وَتقدم إِلَى تطاوين بعد أَن فرق عسكره على جِهَتَيْنِ فرقة مرت مَعَ أردنيل على الْجَبانَة قاصدة الْبَاب الَّذِي يُفْضِي إِلَيْهَا وَفرْقَة ذهبت مستعلية إِلَى جِهَة القصبة والبرج وَلما وصل أردنيل إِلَى الْبَاب وصل الْآخرُونَ إِلَى القصبة فَأَما أردنيل فَوجدَ الْبَاب مغلقا وَكَلمه الْمُسلمُونَ من دَاخل الْمَدِينَة فَأَمرهمْ
بِالْفَتْح فَقَالُوا إِن المفاتيح قد ذهبت فِي الْفِتْنَة فَقَالَ اكسروا الأقفال فكسروها وَدخل وَدخل مَعَه كبراء عسكره فَتوجه هُوَ إِلَى دَار المخزن فَنزل بهَا وافترق كبراء الْعَسْكَر فِي الْمَدِينَة بِأَيْدِيهِم وَرَقَات مَكْتُوب فِيهَا أَسمَاء الدّور الَّتِي ينزلون بهَا كل وَاحِد بداره مَكْتُوبَة فِي ورقته فَكَانَ أحدهم يسْأَل عَن دَار الرزيني وَآخر يسْأَل عَن دَار اللبادي وَآخر يسْأَل عَن دَار ابْن الْمُفْتِي وَهَكَذَا بِحَيْثُ دخلُوا على بَصِيرَة بأَمْره الْبَلَد ودور كِبَارهَا فاستقر كل وَاحِد مِنْهُم فِي دَاره الَّتِي عينت لَهُ وَأما الَّذين ذَهَبُوا نَحْو القصبة فَإِنَّهُم لما وصلوا إِلَى السُّور أنشبوا فِيهِ سلاليم من قمن غِلَاظ برؤوسها مخاطيف معوجة وتسلقوا فِيهَا بِسُرْعَة وَلما صَارُوا فِي أَعلَى البرج رفعوا سنجقهم فِي أَعلَى الصاري وأخرجوا عَلَيْهَا مدفعا وَلما سمع المشتغلون بالنهب وَالْقَتْل حس المدفع رفعوا رؤوسهم إِلَى البرج وبمجرد مَا وَقع بصرهم على بنديرة الْعَدو تلوح خَرجُوا على وُجُوههم فارين كالنعم الشارد فَالْأَمْر لله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَا أسفي على الدّين وَأَهله وَلما اسْتَقر الْعَدو بِالْبَلَدِ رتب حكامها وكف الْيَد العادية عَنْهَا وَولى على الْمُسلمين الْحَاج أَحْمد آبعير الْمَذْكُور آنِفا وَكَانَ دُخُوله إِلَى تطاوين واستيلاؤه عَلَيْهَا ضحوة يَوْم الْإِثْنَيْنِ الثَّالِث عشر من رَجَب سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف ورثاها الأديب الشريف السَّيِّد الْفضل أفيلال بقصيدة يَقُول فِيهَا
(يَا دهر قل لي على مَه
…
كسرت جمع السَّلامَة)
(نصبته للدواهي
…
وَلم تخف من ملامة)
(خفضت قدر مقَام
…
للرفع كَانَ علامه)
(ملكته لأعاد
…
لَيست تَسَاوِي قلامة)
(فالدين يبكي بدمع
…
يحكيه صوب الغمامة)
(على مَسَاجِد أضحت
…
تبَاع فِيهَا المدامة)
(كم من ضريح ولي
…
تلوح مِنْهُ الْكَرَامَة)
(علق فِيهِ رهيب
…
صليبه ولجامه)
(ومنزل لشريف
…
وعالم ذِي استقامة)