الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلما رأى عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء ذَلِك سقط فِي يَده وأيس من الْمغرب فَعبر الْبَحْر فِيمَن مَعَه من الْقَرَابَة إِلَى الأندلس وَولي مشيخة الْغُزَاة بهَا فَكَانَت لَهُ فِي جِهَاد الْعَدو الْيَد الْبَيْضَاء وَعلا أمره بالأندلس وزاحم بني الْأَحْمَر مُلُوكهَا فِي رياستهم وجبايتهم حَتَّى كَاد يستولي على الْأَمر من أَيْديهم وشرقوا بدائه ومارسهم ومارسوه مُدَّة طَوِيلَة وَعدلُوا فِي أمره إِلَى المصانعة والمجاملة فِي أَخْبَار لَيْسَ جلبها من غرضنا إِلَى أَن توفّي لَكنا نذْكر من ذَلِك أنموذجا يسْتَدلّ بِهِ الْوَاقِف عَلَيْهِ على مَا وَرَاءه فَنَقُول لما توفّي عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء رحمه الله كتب على قَبره مَا صورته هَذَا قبر شيخ الحماة وَصدر الْأَبْطَال والكماة وَاحِد الْجَلالَة لَيْث الْإِقْدَام والبسالة علم الْأَعْلَام حامي ذمار الْإِسْلَام صَاحب الْكَتَائِب المنصورة وَالْأَفْعَال الْمَشْهُورَة والمغازي المسطورة وَإِمَام الصُّفُوف الْقَائِم بِبَاب الْجنَّة تَحت ظلال السيوف سيف الْجِهَاد وقاصم الأعاد وَأسد الآساد العالي الهمم الثَّابِت الْقدَم الْهمام الْمَاجِد الأرضى البطل الباسل الأمضى الْمُقَدّس المرحوم أبي سعيد عُثْمَان ابْن الشَّيْخ الْجَلِيل الْهمام الْكَبِير الْأَصِيل الشهير الْمُقَدّس المرحوم أبي الْعَلَاء إِدْرِيس بن عبد الله بن عبد الْحق
كَانَ عمره ثمانيا وَثَمَانِينَ سنة أنفقهُ مَا بَين رَوْحَة فِي سَبِيل الله وغدوة حَتَّى استوفى فِي المشهورر سَبْعمِائة واثنتين وَثَلَاثِينَ غَزْوَة وَقطع عمره مُجَاهدًا مُجْتَهدا فِي طَاعَة الرب محتسبا فِي إدارة الْحَرْب ماضي العزائم فِي جِهَاد الْكفَّار مصادما بَين جموعهم تدفق التيار وصنع الله تَعَالَى لَهُ فيهم من الصَّنَائِع الْكِبَار مَا سَار ذكره فِي الأقطار أشهر من الْمثل السيار حَتَّى توفّي رحمه الله وغبار الْجِهَاد طي أثوابه وَهُوَ مراقب لطاغية الْكفَّار وأحزابه فَمَاتَ على مَا عَاشَ عَلَيْهِ وَفِي ملحمة الْجِهَاد قَبضه الله إِلَيْهِ واستأثر بِهِ سعيدا مرتضى وسيفه على رَأس ملك الرّوم منتضى مُقَدّمَة قبُول وإسعاد ونتيجة جِهَاد وجلاد ودليلا على نِيَّته الصَّالِحَة وتجارته الرابحة فارتجت الأندلس لبعده أتحفه الله برحمة من عِنْده توفّي يَوْم الْأَحَد الثَّانِي لذِي الْحجَّة من سنة ثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة رَحمَه الله
وَأما السُّلْطَان أَبُو الرّبيع فَإِنَّهُ لما سَار عَن طنجة دخل حَضْرَة فاس حادي عشر ربيع الأول من سنة ثَمَان وَسَبْعمائة فَأَقَامَ بهَا سنة المولد الْكَرِيم وَفرق الْأَمْوَال واستقامت الْأُمُور وتمهد الْملك وَعقد السّلم مَعَ صَاحب تلمسان أبي حمو مُوسَى بن عُثْمَان بن يغمراسن وَأقَام وادعا بِحَضْرَتِهِ مجتنيا ثَمَرَة ملكه وَكَانَ فِي أَيَّامه غلاء إِلَّا أَن النَّاس انفتحت لَهُم فِيهَا أَبْوَاب المعاش والترف حَتَّى تغَالوا فِي أَثمَان الْعقار فبلغت قيمتهَا فَوق الْمُعْتَاد حَتَّى لقد بيع كثير من الدّور بفاس بِأَلف دِينَار من الذَّهَب الْعين وتنافس النَّاس فِي الْبناء فاتخذوا الْقُصُور المشيدة وتأنفوا فِيهَا بالزليج والرخام وأنواع النقوش وتناغو فِي لبس الْحَرِير وركوب الفاره وَأكل الطّيب واقتناء الْحلِيّ من الذَّهَب وَالْفِضَّة واستبحر الْعمرَان وَظَهَرت الزِّينَة والأمور كلهَا بيد الله تَعَالَى
نكبة الْفَقِيه الْكَاتِب أبي مُحَمَّد عبد الله بن أبي مَدين واستئصال بني وقاصة الْيَهُودِيين بعد ذَلِك
كَانَ الْفَقِيه الْكَاتِب أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي مَدين شُعَيْب بن مخلوف من بني أبي عُثْمَان إِحْدَى قبائل كتامة المجاورين للقصر الْكَبِير وَكَانَ بَيته بَيت الْعلم وَالدّين واتصلوا خدمَة بني مرين أَيَّام دُخُولهمْ الْمغرب واستيلائهم عَلَيْهِ وَكَانَ أَبُو مُحَمَّد هَذَا من خَاصَّة السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب وَجعل بِيَدِهِ وضع الْعَلامَة على الرسائل وفوض إِلَيْهِ فِي حسبان الْخراج وَالضَّرْب على أَيدي الْعمَّال وتنفيذ الْأَوَامِر بِالْقَبْضِ والبسط فيهم واستخلصه لمناجاته والإفضاء إِلَيْهِ بسره وَلما هلك السُّلْطَان يُوسُف وَولي بعده السُّلْطَان أَبُو ثَابت ضاعف رُتْبَة هَذَا الرجل وشفع لَدَيْهِ حَظه ومنصبه وَرفع على الأقدار قدره ثمَّ ولي بعده أَخُوهُ أَبُو الرّبيع فسلك فِيهِ مَذْهَب سلفه واضطلع أَبُو مُحَمَّد بن أبي مَدين بِأُمُور دولته وَكَانَ بَنو وقاصة الْيَهُود حِين نكبوا أَيَّام السُّلْطَان يُوسُف يرَوْنَ أَن نكبتهم كَانَت بسعاية أبي مُحَمَّد فيهم وَكَانَ خَليفَة الْأَصْغَر مِنْهُم قد أفلت من تِلْكَ النكبة كَمَا ذَكرْنَاهُ
بمراكش فاستولى على مَا فِيهِ من الذَّخِيرَة والأثاث من مَتَاع الْمولى هِشَام ومتخلف الْمولى يزِيد فاضطر أهل مراكش حِينَئِذٍ إِلَى مبايعة الْمولى حُسَيْن وَالْخطْبَة بِهِ وَكَانَ ذَلِك سنة تسع وَمِائَتَيْنِ وَألف وافترقت الْكَلِمَة بالحوز فَكَانَ بعضه كعبدة وأحمر ودكالة مَعَ الْمولى هِشَام وَبَعضه مثل الرحامنة وَسَائِر قبائل حوز مراكش مَعَ الْمولى حُسَيْن واتقدت نَار الْفِتْنَة بَين هَؤُلَاءِ الْقَبَائِل وتفانوا فِي الحروب إِلَى أَن بلغ عدد الْقَتْلَى بَينهم أَكثر من عشْرين ألفا هَذَا كُله وَالسُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان مُقيم بفاس معرض عَن الْحَوْز ومتربصين بأَهْله الدَّوَائِر إِلَى أَن ملوا الْحَرْب وملتهم وَكَانَ ذَلِك من سعادته فصاروا يَتَسَلَّلُونَ إِلَيْهِ أَرْسَالًا ويسألونه الذّهاب إِلَى بِلَادهمْ ليعطوه صَفْقَة بيعتهم فَكَانَ يعدهم بذلك وَيَقُول إِذا فرغت من أَمر الشاوية قدمت عَلَيْكُم إِن شَاءَ الله
ثورة الْمولى عبد الْملك بن إِدْرِيس بآنفا وَالسَّبَب فِي ذَلِك
كَانَت قبائل الشاوية مُنْذُ هزموا جَيش الْمولى الطّيب بن مُحَمَّد وهم حذرون من سطوة السُّلْطَان عالمون بِأَنَّهُ غير تاركهم فعزموا على تلافي أَمرهم عِنْده وأوفدوا عَلَيْهِ جماعات من أعيانهم الْمرة بعد الْمرة يسألونه أَن يولي عَلَيْهِم رجلا يكونُونَ عِنْد نظره ويقفون عِنْد أمره وَنَهْيه فولى عَلَيْهِم ابْن عَمه وصهره على أُخْته الْمولى عبد الْملك بن إِدْرِيس بن الْمُنْتَصر وَوَجهه مَعَهم فَقدم الْمولى عبد الْملك أَرض تامسنا وَنزل بِمَدِينَة آنِفا وَهِي الْمُسَمَّاة الْيَوْم بِالدَّار الْبَيْضَاء وَتَوَلَّى الْقيام على مُسْتَفَاد مرْسَاها وَصَارَ يُسهم فِيهِ لأعيان الشاوية الَّذين مَعَه وَكَانَ قَصده بذلك أَن يتألفهم على الطَّاعَة والخدمة فَلَمَّا حصل لَهُم ذَلِك السهْم من المَال تطاولوا إِلَى الزِّيَادَة عَلَيْهِ وَقد قيل فِي الْمثل قَدِيما لَا تطعم العَبْد الكراع فيطمع فِي الذِّرَاع فَصَارَ الْمولى عبد الْملك يقاسمهم الْمُسْتَفَاد شقّ الأبلمة فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان ذَلِك كتب إِلَيْهِ يعاتبه على
فعله ثمَّ نَهَضَ على تفئة ذَلِك من فاس يُرِيد تامسنا إِذْ لم يشف الْمولى عبد الْملك الغليل فِي ضَبطهَا فَلَمَّا بلغ كتاب السُّلْطَان الْمولى عبد الْملك أنف من ذَلِك العتاب وَكَانَت لَهُ وجاهة عِنْد السُّلْطَان الْأَعْظَم سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَكَانَ من كبار بني عَمه وخواص قرَابَته ثمَّ اتَّصل بِهِ الْخَبَر بِخُرُوج السُّلْطَان من فاس فطارت نَفسه شعاعا وَاسْتَشَارَ بطانته من الشاوية فَقَالَ لَهُم إِن هَذَا الرجل قادم علينا لَا محَالة وَلَيْسَ لَهُ قصد إِلَّا أَنا وَأَنْتُم فَمَا الرَّأْي قَالُوا الرَّأْي أَن نُبَايِعك ونحاربه قَالَ ذَلِك الَّذِي أُرِيد فَبَايعُوهُ وَلما انْفَصل السُّلْطَان عَن رِبَاط الْفَتْح بعث فِي مقدمته أَخَاهُ وخليفته الْمولى الطّيب وَعقد لَهُ على كَتِيبَة من الْخَيل وَتَبعهُ السُّلْطَان على أَثَره وَلما بَات بقنطرة الحلاج جَاءَهُ الْخَبَر بِأَن قبائل الشاوية قد بَايعُوا الْمولى عبد الْملك بن إِدْرِيس واتصل بالمولى عبد الْملك وَهُوَ بآنفا أَن السُّلْطَان بائت بالقنطرة فتضاعف خَوفه وفر فِيمَن بَايعُوهُ من أهل الشاوية وأخلى مَدِينَة آنِفا من خيله وَرجله ففرح أَهلهَا بِخُرُوجِهِ من بَين أظهرهم لِئَلَّا يعديهم جربه وَبَادرُوا بِإِخْرَاج المدافع لَيْلًا إعلاما للسُّلْطَان بفراره ثمَّ أنفذوا إِلَيْهِ رسلهم بجلية الْخَبَر فهش لَهُم السُّلْطَان وَبعث مَعَهم كَتِيبَة من الْخَيل تقيم بآنفا وَتقدم هُوَ بالعساكر إِلَى قَصَبَة عَليّ بن الْحسن فَأَغَارَ على حلَّة مديونة وزناته فنهبها وامتلأت أَيدي الْجَيْش وأوغل الْمولى عبد الْملك فِي الْفِرَار إِلَى جِهَة أم الرّبيع وَعَاد السُّلْطَان بِالنعَم والماشية إِلَى رِبَاط الْفَتْح فَدَخلَهَا مؤيدا منصورا وَنقل تجار النَّصَارَى الَّذين كَانُوا بآنفا إِلَى رِبَاط الْفَتْح وأبطل مرْسَاها واستمرت معطلة إِلَى دولة السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام فأحياها كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله ثمَّ ارتحل السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان إِلَى مكناسة فاحتل بهَا وَقَالَ فِي ذَلِك الْعَلامَة الأديب أَبُو مُحَمَّد عبد الْقَادِر بن شقرون
(مولَايَ أَنْت الَّذِي صفت مشاربه
…
إِن تغز نَاحيَة أوليتها جِلْدك)
(هذي البشائر وافت وَهِي قائلة
…
أعوذ بِاللَّه من شَرّ الَّذِي حسدك)
الْأَدَب والخضوع للْمولى الْعَبَّاس مَا جَاوز الْحَد وتفاوضوا سَاعَة ثمَّ انفض الْمجْلس وتناقل النَّاس أَن حَاصِل مَا دَار بَينهمَا أَن أردنيل رغب فِي الصُّلْح وتأكيد الوصلة بَينهم وَبَين الْمُسلمين على شُرُوط ذكرهَا وَأَن الْمولى الْعَبَّاس توقف فِيهَا وأحال ذَلِك على مشورة أَخِيه السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد وَذهب كل إِلَى سَبيله وَبَقِي النَّاس ينتظرون الْجَواب بِأَيّ شَيْء يَأْتِي من عِنْد السُّلْطَان وَبعد أَيَّام ورد الْخَبَر بِأَن السُّلْطَان لم يقبل ذَلِك الصُّلْح فاستمر النَّاس على حالتهم الأولى من كَون محلّة الْعَدو بتطاوين وَبَعضهَا خَارِجهَا شرقا وغربا ومحلة مولَايَ الْعَبَّاس على بعد من الْبَلَد مِقْدَار نصف يَوْم ثمَّ إِن الْمُسلمين اجْتَمعُوا ذَات يَوْم وبيتوا محلّة الْعَدو النَّازِلَة خَارج الْبَلَد فِي لَيْلَة مَعْلُومَة فتقدموا إِلَيْهَا وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر شعْبَان سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وهجموا عَلَيْهَا فِي لَيْلَة مظْلمَة وَالنَّصَارَى غَارونَ وفتكوا فيهم فتكة بكرا باتوا يَقْتُلُونَهُمْ اللَّيْل كُله وَمن الْغَد كَذَلِك إِلَى الْمسَاء وَقَاتل النَّصَارَى ذَلِك الْيَوْم أَيْضا وَلَكِن الظُّهُور كَانَ للْمُسلمين وَلَوْلَا قُوَّة نفوس الْعَدو باستنادهم إِلَى الْبَلَد وتحصن كَبِيرهمْ بهَا لكانوا انكسروا كسرة شنيعة وَكَانَ عدد الْقَتْلَى من النَّصَارَى فِي هَذِه الْوَقْعَة نَحْو الْخَمْسمِائَةِ والجرحى أَكثر من ألف وَأما الْمُسلمُونَ فَكَانَ الْقَتْل فيهم ضَعِيفا وَلما أصبح أردنيل وَرَأى مَا حل بعسكره ساءت أخلاقه وقلب لأهل تطاوين ظهر الْمِجَن وأبدل تِلْكَ الشَّفَقَة الَّتِي كَانَ يعاملهم بهَا بالغلظة والبشاشة بالاكفهرار وَعمد إِلَى مَسْجِد الشَّيْخ أبي الْحسن عَليّ بركَة رحمه الله فاتخذه مارستانا للجرحى فظلت الْجَرْحى تنقل إِلَيْهِ وَفرض على أهل تطاوين اللحف والقطائف فَجمع من ذَلِك شَيْئا كثيرا فرشه بِالْمَسْجِدِ الْمَذْكُور لجرحاه وَصَارَ عَامَّة عَسْكَر النَّصَارَى بتطاوين كلما لقوا أحدا من الْمُسلمين عيروه بالغدر وقبحوه ثمَّ إِن أردنيل أَقَامَ بعد هَذِه الْوَقْعَة نَحْو عشرَة أَيَّام ريثما استجم جَيْشه وأبلت جرحاه وَخرج فِي تَمام الشَّوْكَة وَكَمَال الاستعداد يُرِيد أَن يضْرب فِي محلّة الْمُسلمين فَجعل تطاوين
خَلفه وَتقدم حَتَّى كَانَ بوادي أبي صفيحة فَلَمَّا شعر بِهِ النَّاس من أهل المداشر والمتطوعة تسابقوا إِلَيْهِ من كل جَانب وَوَافَقَ ذَلِك الْيَوْم قدوم عرب الحياينة جاؤوا فِي حرد كَبِير وحنق شَدِيد فَقَوِيت قُلُوب النَّاس بهم وَاشْتَدَّ أزرهم وتقدموا إِلَى الْعَدو فأنشبوا مَعَه الْحَرْب بِأبي صفيحة قبل أَن يصل إِلَى محلّة الْمُسلمين وكثروه فأوقعوا بِهِ وقْعَة أنست مَا قبلهَا فَقتلُوا مِنْهُ مَا خرج عَن الْحصْر وَأما الْجَرْحى فَقل مَا شِئْت وكست قتلاه الأَرْض وَلما أعياه الدّفن جعل يجمع الْجَمَاعَة من الثَّمَانِية إِلَى الْعشْرَة ويهيل عَلَيْهَا التُّرَاب وَمَعَ ذَلِك بَقِي مِنْهُ عدد كَبِير بِلَا دفن حَتَّى أنتن مَوضِع المعركة من شدَّة نَتن الْجِيَف ونال الْمُسلمُونَ من عدوهم فِي هَذَا الْيَوْم مَا لم ينالوا قبله مثله وَلَا مَا يُقَارِبه وَكَانَ الذّكر فِيهِ لعرب الحياينة ثمَّ للمتطوعة غَيرهم وَأما محلّة الْمولى الْعَبَّاس فَكَانَت بعيدَة عَن المعركة بمسافة كَبِيرَة
وَقد ذكر منويل خبر هَذَا الْيَوْم فَأقر بِأَنَّهُ أهرق مِنْهُم دم كثير وخسروا فِيهِ عددا كَبِيرا من نفوس الْعَسْكَر وَالْخَيْل وَلما بلغ الْمولى الْعَبَّاس أَن الْعَدو قد برز من تطاوين وَأَن الْمُسلمين يقاتلونه الْآن فِي أبي صفيحة قلب رَأْيه واستأنف النّظر فِي عَاقِبَة أمره وَرَأى أَن الْمُسلمين وَإِن نالوا من الْعَدو فِي هَذِه الْمرة وأبلغوا فِي نكايته لَكِن الثَّمَرَة ضَعِيفَة من جِهَة أَن نكايتنا لَهُ إِنَّمَا هِيَ فِي الْقَتْل وَالْجرْح ونكايته فِي أَخذ الأَرْض والاستيلاء عَلَيْهَا كَمَا قُلْنَا غير مرّة فجنح رحمه الله إِلَى الصُّلْح وَاخْتَارَهُ على الْحَرْب حَتَّى تَدور للْمُسلمين سعود إِن شَاءَ الله
أَخْبرنِي صاحبنا الْقَائِد الْأَجَل أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن حمان الجراري حفظه الله قَالَ لما طَالَتْ الْحَرْب بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى على تطاوين استدعاني السُّلْطَان وسيدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن رحمه الله وَأَعْطَانِي سِتِّينَ ألف مِثْقَال أذهب بهَا إِلَى جَيش الْمُسلمين المرابط على تطاوين بِقصد الْمُؤْنَة والصائر وَقَالَ لي مَعَ ذَلِك إِذا وصلت إِلَى محلّة الْمُسلمين فَانْظُر