الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ جمَاعَة من أهل مَمْلَكَته مَعَ ترجمان من الملثمين المجاورين لبلادهم من صنهاجة فوفدوا على السُّلْطَان أبي الْحسن فِي سَبِيل التهنئة بالظفر فَأكْرم وفادتهم وَأحسن مثواهم ومنقلبهم وَنزع إِلَى مذْهبه فِي الْفَخر فانتخب طرفا من مَتَاع الْمغرب وماعونه وشيئا من ذخيرة دَاره وأسنى الْهَدِيَّة وَعين رجَالًا من أهل دولته كَانَ فيهم كَاتب الدِّيوَان أَبُو طَالب بن مُحَمَّد بن أبي مَدين ومولاه عنبر الْخصي فأوفدهم بهَا على ملك مَالِي منسى سُلَيْمَان لمهلك أَخِيه مُوسَى قبل مرجع وفده وأوعز إِلَى أَعْرَاب الفلاة من بني معقل بالسير مَعَهم ذَاهِبين وجاءين فشمر لذَلِك عَليّ بن غَانِم أَمِير أَوْلَاد جرار من معقل وصحبهم فِي طريقهم امتثالا لأمر لسلطان وتوغل ذَلِك الركب فِي القفر إِلَى بلد مَالِي بعد الْجهد وَطول الشقة فَأحْسن منسى سُلَيْمَان مبرتهم وَأعظم موصلهم وَأكْرم وفادتهم ومنقلبهم وعادوا إِلَى مرسلهم فِي وَفد من كبار مَالِي يعظمون السُّلْطَان أَبَا الْحسن ويوجبون حَقه ويؤدون طَاعَته ويذكرون من خضوع مرسلهم وقيامه بِحَق السُّلْطَان أبي الْحسن واعتماله فِي مرضاته مَا استوصاهم بِهِ
وَاعْلَم أَن منسى مُوسَى الَّذِي ذَكرْنَاهُ كَانَ من كبار الْمُلُوك كَمَا قُلْنَا وَهُوَ الَّذِي صَحبه أَبُو إِسْحَاق الساحلي الْمَعْرُوف بالطويجي من شعراء الأندلس كَانَ قد لقِيه فِي لموسم بِعَرَفَة فحلى بِعَيْنِه وحظيت مَنْزِلَته عِنْده فصحبه إِلَى بِلَاده وَأقَام عِنْده مصحوبا بِالْبرِّ والكرامة وَبنى للسُّلْطَان الْمَذْكُور قبَّة رائعة فازدادت حظوته عِنْده قَالَ ابْن خلدون أطرف أَبُو إِسْحَاق الطويجن السُّلْطَان منسى مُوسَى بِبِنَاء قبَّة مربعة الشكل استفرغ فِيهَا إجادته وَكَانَ صناع الْيَدَيْنِ وأضفى عَلَيْهَا من الكلس ووالى عَلَيْهَا بالأصباغ المشبعة فَجَاءَت من أتقن المباني وَوَقعت من السُّلْطَان منسى مُوسَى موقع الاستغراب لفقدان صَنْعَة الْبناء بأرضهم وَوَصله بِاثْنَيْ عشر ألفا من مَثَاقِيل التبر مثوبة عَلَيْهَا اه وَكَانَت وَفَاة أبي إِسْحَاق بتنبتكوا يَوْم الِاثْنَيْنِ السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة
كَانَ فِي ثَانِي حَال وَأما أهل تطاوين فامتثلوا وَكَانَ قَاضِي طنجة أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الْفُلُوس قد عزم على بيعَة الْمولى إِبْرَاهِيم فَنَذر بِهِ عاملها أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ السعيدي فنفاه وَقدم للْقَضَاء مَكَانَهُ الْفَقِيه الأديب أَبَا الْبَقَاء خَالِد الطنجي وَلما ورد على الْمولى إِبْرَاهِيم وَحزبه جَوَاب أهل تطاوين بِالْقبُولِ سَارُوا إِلَيْهَا فَدَخَلُوهَا واستولوا على مَال المرسى وعَلى مخازن السُّلْطَان وَمَا فِيهَا من سلَاح وكتان وملف وَغير ذَلِك فتوزعته البربر ثمَّ انتهبوا ملاح الْيَهُود واكتسحوه فعثروا فِيهِ على أَمْوَال طائلة يُقَال إِنَّهُم وجدوا بِهِ عددا كثيرا من فنائق الضبلون والبندقي فَكَانَ ابْن الْغَازِي الزموري وَغَيره من رُؤَسَاء ذَلِك الْجمع لَا يُعْطون أَصْحَابهم إِلَّا البندقي فَكثر جمعهم لذَلِك وَلما مَضَت لَهُم من قدومهم تطاوين سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا توفّي الْمولى إِبْرَاهِيم رحمه الله وَكَانَ قد دَخلهَا مَرِيضا يُقَاد بِهِ فِي المحفة فأخفوا مَوته ودفنوه بداره وَكَانَ من أَمرهم مَا نذكرهُ
بيعَة الْمولى السعيد بن يزِيد بتطاوين ورجوعه إِلَى فاس
لما توفّي الْمولى إِبْرَاهِيم بن يزِيد اخفى رُؤَسَاء دولته مَوته لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ دعوا أهل تطاوين إِلَى بيعَة أَخِيه الْمولى السعيد بن يزِيد فافترقت كلمتهم فَمنهمْ من أَبى وَمِنْهُم من أجَاب فأحضر ابْن سُلَيْمَان وَابْن الْغَازِي وأشياعهما من أَبى من أهل تطاوين وألزموهم الْبيعَة فالتزموها وكتبوها وأحكموا عقدهَا وَكَانَ الْمُتَوَلِي يَوْمئِذٍ بتطاوين الْحَاج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ أشعاش فأخروه وولوا مَكَانَهُ أَبَا عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بن يُوسُف المسلماني وَكَانَ داهية شهما وبينما هم فِي ذَلِك ورد عَلَيْهِم الْخَبَر بمجيء السُّلْطَان من مراكش وَأَنه قد وصل إِلَى قصر كتامة ففت ذَلِك فِي عضدهم وَخَرجُوا مبادرين إِلَى فاس على طَرِيق الْجَبَل وَكَانَ من أَمرهم مَا نذكرهُ
(فَإِن أهملت عدلا فَإِنِّي مهمل
…
وإ، صادفت وَقت الْقبُول فيا سعدي)
(وَمَا كنت فِي بَاب القريض مبرزا
…
شهيرا وَلَكِنِّي تعاطيته جهدي)
(لأجل امتحاني لذت فِيهِ بربنا
…
فَأَصْبَحت ذَا وجد وَقد كنت ذَا فقد)
(فها أَنا ضيف زائر لحماكم
…
وحسبي رضاكم فَهُوَ نفس المنى عِنْدِي)
(وَيَا رَبنَا أعْط الْأَمِير مرامه
…
وظفره بالمطلوب مِنْك وبالقصد)
ثمَّ إِن السُّلْطَان أعزه الله نَهَضَ من الدَّار الْبَيْضَاء وَمَعَهُ الْجند الوافر والعسكر المجر والجم الْغَفِير من قبائل الْحَوْز وَأهل دكالة وتامسنا فأوقع بعرب الزيايدة أهل تامسنا وَتقدم إِلَى رِبَاط الْفَتْح فدخله غرَّة جُمَادَى الأولى من السّنة فَمَكثَ بِهِ نَحْو سَبْعَة أَيَّام وَعبر إِلَى سلا فزار أولياءها وَدخل مَسْجِدهَا الْأَعْظَم وَصلى الظّهْر بِهِ وَأمه فِي صلَاته يَوْمئِذٍ صاحبنا الْفَقِيه الْعَلامَة البارع أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن الْهَاشِمِي بن خضراء وَدخل السُّلْطَان أعزه الله خزانَة الْكتب العلمية بِالْمَسْجِدِ الْمَذْكُور وتأملها وَمَعَهُ يَوْمئِذٍ شَيخنَا الْفَقِيه الْعَلامَة القَاضِي سَيِّدي أَبُو بكر بن مُحَمَّد عواد فَطلب من السُّلْطَان أيده الله أَن يزِيد فِي شِرَاء الْكتب للخزانة الْمَذْكُورَة فَأذن لَهُ بِأَن يَشْتَرِي من ذَلِك مَا ثمنه نَحْو مائَة ريال فَفعل وَهِي يَوْمئِذٍ بالخزانة الْمَذْكُورَة وَوصل أيده الله عُلَمَاء العدوتين ومجاهديها على الْعَادة وَقد كنت أنشأت قصيدة فِي غَرَض من الْأَغْرَاض فَلَمَّا اتّفق قدوم السُّلْطَان أيده الله هَذِه الْمرة حولتها إِلَى مدحه وَنَصهَا
(قلب كواه من النَّوَى مقباس
…
فغدا بِهِ الوسواس والخناس)
(ونحول جسم يشتكي ألم الضنى
…
وجوى بِهِ تتصاعد الأنفاس)
(والدمع فِي الوجنات محمرا غَدا
…
ولدى الوشاة بِهِ انْتَفَى الإلباس)
(إِن الألى يستعذبون ملامه
…
مَا أَن لَهُم بعذابه إحساس)
(قدما عذلت ذَوي الغرام سفاهة
…
حَتَّى غَدَوْت بمنسميه أداس)
(وحسبته حُلْو الجنى فأساغني
…
من بأسه مَا لَا يسيغ الباس)
(إِن الَّذين علقتهم قد انجدوا
…
بمها الْخُدُور ودونها الحراس)
(أبدا أُؤَمِّل فِي حَياتِي وصلهم
…
وَالْيَوْم قد غلب الرَّجَاء الياس)