الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَخِيهَا الْفضل بسلطانه ومظاهرته على تراث أَبِيه فاطمأنت بِهِ الدَّار عِنْد السُّلْطَان أبي الْحسن إِلَى أَن سَار فِي جملَته وَتَحْت لوائه إِلَى إفريقية كَمَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله
غَزْو السُّلْطَان أبي الْحسن إفريقية واستيلاؤه على تونس وأعمالها
كَانَ السُّلْطَان أَبُو بكر الحفصي رحمه الله قد عهد بِالْأَمر بعده لِابْنِهِ أبي الْعَبَّاس أَحْمد وَكَانَ أوفد على السُّلْطَان أبي الْحسن حَاجِبه ابا الْقَاسِم بن عتو فِي غَرَض لَهُ وأصحبه كتاب الْعَهْد إِلَى السُّلْطَان الْمَذْكُور ليُوَافق عَلَيْهِ فَوقف عَلَيْهِ السُّلْطَان أَبُو الْحسن وَكتب على حشايته بِخَطِّهِ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ رحمه الله وَأحكم العقد فِي ذَلِك وَلما مَاتَ السُّلْطَان أَبُو بكر كَانَ ولي الْعَهْد غَائِبا عَن الحضرة فَبَايع أَبُو مُحَمَّد بن تافراجين لِابْنِهِ عمر
ذكر الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس الوانشريسي فِي أقضية المعيار عَن الشَّيْخ ابْن عَرَفَة أَن سُلْطَان إفريقية أَبَا بكر الحفصي كتب الْعَهْد لوَلَده أَحْمد فَلَمَّا توفّي السُّلْطَان الْمَذْكُور أحضر أَبُو مُحَمَّد بن تافراجين قاضيي تونس قَاضِي الْجَمَاعَة أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام وقاضي الأنكحه أَبَا عبد الله الآجمي وَأَمرهمَا أَن يبايعا ولد الخليفه عمر فَقَالَا كَيفَ نُبَايِعهُ وَنحن شَهِدنَا بيعَة أَخِيه أَحْمد والتزمناها وَكَانَ الْحَاجِب ابْن تافراجين نبيلا فَلَمَّا دخلا أحضر الْحَاجِب الْمَذْكُور أهل العقد والحل وَأمرهمْ أَن يباييعوا عمر فَبَايعُوهُ فَلَمَّا خرج القاضيان وجدا الْبيعَة قد حصلت وَكَانَ فِي انْتِظَار أَحْمد الْمَشْهُود لَهُ بالعهد وَهُوَ غَائِب بقفصة خوف الْفِتْنَة فَبَايع القاضيان وَكَانَ ابْن عَرَفَة يستصوب فعل الْحَاجِب وَامْتِنَاع القاضيين أَولا وبيعتهما ثَانِيًا ثمَّ قدم ولي الْعَهْد وَوَقع بَينه وَبَين أَخِيه قتال وَجَرت خطوب كَانَ فِي آخرهَا قتل ولي الْعَهْد وَقتل وليه أبي الهول بن حَمْزَة أَمِير الكعوب من عرب سليم فِي آخَرين مِنْهُم وَقطع عمر
أَيْضا أَخَوَيْهِ عبد الْعَزِيز وخالدا من خلاف فهلكا وَكَانَ الْحَاجِب أَبُو مُحَمَّد بن تافراجين قد حس بِالشَّرِّ من جِهَة عمر المتغلب وتوقع النكبة من جَانِبه فتسلل إِلَى قصره وَأخذ مَا خف من ذخيرته وَلحق بالسلطان أبي الْحسن وقص عَلَيْهِ الْخَبَر وأغراه بتملك إفريقية وَأوجب عَلَيْهِ النّظر للْمُسلمين فِيهَا وَكَانَ السُّلْطَان أَبُو الْحسن يتَمَنَّى ذَلِك لَوْلَا مَكَان صهره أبي بكر فَأَقَامَ بتحين لَهَا الْأَوْقَات ويترقب لَهَا الفرص حَتَّى كَانَت هَذِه وَإِنَّمَا تنجع الْمقَالة فِي الْمَرْء إِذا صادقت هوى فِي القؤاد فأظهر أَبَوا لحسن الإمتعاض لما فعله عمر بأَخيه ولي الْعَهْد من مَنعه من حَقه أَولا ثمَّ غراقة دَمه ثَانِيًا لَا سِيمَا وَقد كَانَ أعْطى خطّ يَده بالموافقة على الْعَهْد الْمَذْكُور فأجمع الْحَرَكَة إِلَى إفريقية وَلحق بِهِ خَالِد بن حَمْزَة بن عمر أَخُو أبي الهول الْمَقْتُول مَعَ ولي الْعَهْد فاستعداه على عدوه فَفتح السُّلْطَان أبوة الْحسن ديوَان الطعاء ونادى فِي النَّاس بِالْمَسِيرِ إِلَى إفريقية وأزاح عللهم وعسكر بِظَاهِر تلمسان ثمَّ نَهَضَ فِي صفر من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة يجر الدُّنْيَا بِمَا حملت بعد أَن عقد لِابْنِهِ الْأَمِير أبي عنان على الْمغرب الْأَوْسَط وعهد إِلَيْهِ بِالنّظرِ فِي أُمُوره كَافَّة وَجعل إِلَيْهِ جبايته وقدمت عَلَيْهِ فِي طَرِيقه أَعْرَاب إفريقية وولاة قابس وبلاد الجريد وأطاعته طرابلس والزاب وبجاية وصاحبها يَوْمئِذٍ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي زَكَرِيَّاء بن أبي بكر وَلما وصل قسنطينة خرج غليه أَبنَاء الْأَمِير أبي عبد الله بن أبي بكر وَلما وصل إِلَى قسنطينة خرج إِلَيْهِ أَبنَاء الْأُمِّي أبي عبد الله بن أبي بكر فَبَايعُوهُ فَأقبل عَلَيْهِم وصرفهم إِلَى الْمغرب وأنزلهم بوحدة وأقطعهم جبايتها وَأنزل بقسنطينة خلفاءه وعماله وَقد كَانَ صرف أَبَا عبد الله صَاحب بجاية إِلَى ندرومة فأنزله بهَا وأقطعه الْكِفَايَة من جبايتها ثمَّ وَفد عَلَيْهِ بَنو حَمْزَة بن عمر أُمَرَاء الكعوب من سليم فأخبروه بإجفال عمر المتغلب بتونس مَعَ ظاعنة أَوْلَاد مهلهل واستحثوه فِي اعتراضهم قبل لحاقهم بالقفر فسرح مَعَهم العساكر فِي طلبه لنظر حمو بن يحيى العسكري
وتلوم السُّلْطَان أَبُو الْحسن بقسنطينة وَعرض جيوشه بسطح الجعاب مِنْهَا ثمَّ ارتحل على أَثَرهم وأغذ حمو بن يحيى السّير مَعَ ناجعة أَوْلَاد أبي اللَّيْل فَلَحقُوا بعمر صَاحب تونس بِأَرْض الحامة من نَاحيَة قابس فدافعوا عَن
أنفسهم بعض الشَّيْء ثمَّ انْهَزمُوا وكبا بعمر جَوَاده فِي نافقاء بعض اليرابيع وانجلى الْغُبَار عَنهُ وَعَن مَوْلَاهُ ظافر راجلين فتقبض عَلَيْهِمَا وأوثقهما قَائِد الْعَسْكَر بِيَدِهِ حَتَّى إِذا جن اللَّيْل ذبحهما خوفًا من أَن تفتكهما الْعَرَب من يَده وَبعث برأسيهما إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن فوصلا إِلَيْهِ بباجية وخلص الفل من تِلْكَ الْوَقْعَة إِلَى قابس فتقبض عبد الْملك بن مكي صَاحبهَا على رجالات من أهل الدولة كَانَ فيهم أَبُو الْقَاسِم بن عتو من مشيخة الْمُوَحِّدين وصخر بن مُوسَى من رجالات سدويكش وَغَيرهمَا من أَعْيَان الدولة فَبعث بهم ابْن مكي إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن ممقرنين فِي الأصفاد فَأَما ابْن عتو وصخر بن مُوسَى وَعلي بن مَنْصُور فقطعهم من خلاق لفتيا الْفُقَهَاء بجرابتهم واعتقل الْبَاقِي
وسرح السُّلْطَان عساكره إِلَى تونس وَعقد عَلَيْهِم لصهره على ابْنَته يحيى بن سُلَيْمَان من بني عَسْكَر فاحتلوا بتونس ثمَّ جَاءَ السُّلْطَان على أَثَرهم فَنزل بظاهرها يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّامِن من جُمَادَى الْآخِرَة من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وتلقاه وَفد تونس وشيوخها من أهل الْفتيا وأرباب الشورى فآتوه طاعتهم وانقلبوا مسرورين بولايته مغتبطين بملكته وَكَانَت تونس يَوْمئِذٍ مشحونة بالأعلام الأكابر مِنْهُم ابْن عبد السَّلَام وَابْن عَرَفَة وَابْن عبد الرفيع وَابْن رَاشد القفصي وَابْن هَارُون وأعلام آخَرُونَ ثمَّ عبا السُّلْطَان أَبُو الْحسن يَوْم السبت مواكبه لدُخُول الحضرة فَصف جُنُوده سماطين من مُعَسْكَره بسيجوم إِلَى بَاب الْبَلَد نَحْو أَرْبَعَة أَمْيَال وَركبت بَنو مرين من مراكزهم من جموعهم وَتَحْت راياتهم وَركب السُّلْطَان من فسطاطه وَعَن يَمِينه وليه عريف بن يحييى كَبِير سُوَيْد ويليه أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن تافراجين وَعَن يسَاره الْأَمِير أ [وَعبد الله مُحَمَّد بن أبي زَكَرِيَّاء وَهُوَ أَخُو السُّلْطَان أبي بكر ويليه الْأَمِير أَبُو عبد الله ابْن أَخِيه خَالِد كَانَا معتقلين بقسنطينة فأطلقهما السُّلْطَان أَبُو الْحسن وصحببوه إِلَى تونس فَكَانُوا طراز ذَلِك الموكب فِيمَن لَا يُحْصى من أعياص بني مرين وكبرائهم وهدرت طبوله وخفقت راياته وَكَانَت يَوْمئِذٍ نَحْو الْمِائَة وَجَاء السُّلْطَان والمواكب تَجْتَمِع عَلَيْهِ صفاصفا إِلَى أَن وصل إِلَى الْبَلَد
وَقد ماجت الأَرْض بالجيوش قَالَ ابْن خلدون وَكَانَ يَوْمًا لم ير مثله فِيمَا عَقَلْنَاهُ قلت كَانَ سنّ أبن خلدون يَوْمئِذٍ سِتّ عشرَة سنة لِأَنَّهُ ولد غرَّة رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة
وَكَانَ قدم فِي جملَة السُّلْطَان أبي الْحسن جمَاعَة كَبِيرَة من أَعْلَام الْمغرب كَانَ يلْزمهُم شُهُود مَجْلِسه ويتجمل بمكانهم نيه ثمَّ دخل الْقصر الخلافي وخلع على أبي مُحَمَّد بن تافراجين وَقرب إِلَيْهِ فرسا بسرجه ولجامه وَطعم النَّاس بَين يَدَيْهِ وانتشروا إِلَى مَنَازِلهمْ ثمَّ دخل السُّلْطَان أَبُو الْحسن مَعَ ابْن تافراجين إِلَى حجر الْقصر ومساكن الْخُلَفَاء فَطَافَ عَلَيْهَا وَدخل مِنْهَا الى الرياض الْمُتَّصِلَة بهَا المدعوة بِرَأْس الطابية فَطَافَ على تِلْكَ الْبَسَاتِين وسرح نظره فِيهَا وَاعْتبر بِحَالِهَا ثمَّ أفْضى مِنْهَا إِلَى مُعَسْكَره وَأنزل يحيى بن سُلَيْمَان بقصبة تونس فِي عَسْكَر لحمايتها ثمَّ ارتحل من الْغَد إِلَى القيروان فجال فِي نَوَاحِيهَا ووقف على اثار الْأَوَّلين ومصانع الأقدمين والطلول الماثلة لصنهاجة والعبيديين وَالْتمس الْبركَة فِي زِيَارَة الْقُبُور الَّتِي نذْكر للصحابة وَالسَّلَف من التَّابِعين والأولياء فِي ساحتها ثمَّ سَار إِلَى سوسة ثمَّ إِلَى المهدية ووقف على سَاحل الْبَحْر مِنْهَا وَتَطوف فِي معالمها وَنظر فِي عَاقِبَة الَّذين كَانُوا من قبله أَشد قُوَّة وآثارا فِي الأَرْض وَاعْتبر باحوالهم وَمر فِي طَرِيقه بقصر الأجم ورباط المنستير وانكفأ رَاجعا إِلَى تونس فاحتل بهَا غرَّة رَمَضَان من السّنة وَنزل المسالح على ثغور إفريقية وأقطع بني مرين الْبِلَاد والضواحي وأمضى إقطاعات الْعَرَب الَّتِي كَانَت لَهُم من قبل الحفصيين وَاسْتعْمل على الْجِهَات وخفتت الْأَصْوَات وسكنت الدهماء وانقبضت أَيدي أهل الْفساد وانقرض أَمر الحفصيين فِي هَذِه الْمدَّة إِلَّا أَنه عقد على بونة لصهره الْفضل ابْن السُّلْطَان أبي بكر إِكْرَاما لصهره ووفادته عَلَيْهِ واتصلت ممالك السُّلْطَان أبي الْحسن مَا بَين مسراته إِلَى السوس الْأَقْصَى من هَذِه العدوة وَإِلَى رندة من عدوة الأندلس وَدخل الْمغرب بأسره فِي طَاعَته وحذر مُلُوك مصر وَالشَّام مَا شاع من بسطته وانفساخ دولته ونفوذ كَلمته وَالْملك لله يؤتيه من يَشَاء من عبَادَة وَالْعَاقبَة لِلْمُتقين وَقد كَانَ الشُّعَرَاء رفعوا إِلَيْهِ قصائد فِي سَبِيل التهنئة بِالْفَتْح وَكَانَ سَابق
على محلّة الْمولى السعيد بالقنطرة فانتسفوها بِمَا فِيهَا وَقتلُوا من البربر وَأهل فاس وَغَيرهم خلقا كثيرا واحتووا على أَمْوَال طائلة مِمَّا كَانَت البربر قد نهبته من ملاح تطاوين وأفلت الْمولى السعيد وبطانته بجريعة الذقن ودخلوا فاسا فأغلقوها عَلَيْهِم وثابت إِلَيْهِم نُفُوسهم وَفِي هَذِه الْأَيَّام قتل الْمعلم الْأَكْبَر أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد عنيقيد التطاوني وَكَانَ عجبا فِي صناعَة الرَّمْي بالمهراس وَكَانَ الْمولى السعيد قد أَتَى بِهِ من تطاوين ليحاصر بِهِ على فاس الْجَدِيد فَدس إِلَيْهِ السُّلْطَان من قَتله ناداه رجل وَهُوَ فِي محلّة أَصْحَابه لَيْلًا يَا فلَان أجب مَوْلَانَا السُّلْطَان فَظن أَنه دعِي إِلَى الْمولى السعيد فَقَالَ هَا أَنا ذَا وبرز من خبائه فَرَمَاهُ الْمُنَادِي برصاصة كَانَ فِيهَا حتفه ثمَّ عزم السُّلْطَان على محاصرة فاس حَتَّى يفيئوا إِلَى أَمر الله وَلَكِن اكْتفى من الْحصار بمنعهم من الدُّخُول وَالْخُرُوج وَكَانَ الودايا قد ألحوا عَلَيْهِ فِي أَن يرميهم بالبنب فَأبى رحمه الله وَقَالَ لَو كَانَت البنبة الَّتِي نرميها تذْهب حَتَّى تقع بدار ابْن سُلَيْمَان أَو بدار الطّيب البياز أَو غَيرهمَا من رُؤُوس الْفِتْنَة لفعلنَا وَلَكِن إِنَّمَا تقع فِي دَار أرملة أَو يَتِيم أَو ضَعِيف حَبسه الْعَجز مَعَهم ثمَّ إِن أهل فاس بدؤوا بِالرَّمْي وَكَانَ مَعَهم سعيد الْعجل عَارِفًا بِالرَّمْي فَجعلُوا يقصدون دَار السُّلْطَان فَوَقَعت بنبة بالموضع الَّذِي كَانَ يجلس فِيهِ للْقِرَاءَة وَوَقعت أُخْرَى بِالْمَدْرَسَةِ الَّتِي بِبَاب دَاره وَكَانَ بهَا جمَاعَة من طبجية سلا ورباط الْفَتْح فقتلت مِنْهُم أَربع نفر مِنْهُم الباشا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن فنيش السلاوي فَعِنْدَ ذَلِك حنق السُّلْطَان وَأمر أَن يُؤْتى بالمهاريس الْكِبَار من طنجة من فرمة ثَمَانِينَ إِلَى فرمة مائَة فجيء بهَا ونصبها عَلَيْهِم فَكَانَ الْقِتَال لَا يفتر لَيْلًا وَنَهَارًا والكور والبنب تخْتَلف بَين أهل البلدين فِي كل وَقت وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك قَرِيبا من عشرَة أشهر وَلَا يدْخل أحد إِلَى فاس وَلَا يخرج مِنْهَا إِلَّا على خطر وَفِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة نَهَضَ السُّلْطَان إِلَى طنجة للنَّظَر فِي أَمر تطاوين الْخَارِجَة عَلَيْهِ بعد أَن تقدم إِلَى الودايا فِي الْحصار والتضييق على فاس إِلَى
أَن يعود إِلَيْهِم وَلما اسْتَقر بطنجة بعث إِلَى أهل تطاوين وراودهم على الرُّجُوع إِلَى الطَّاعَة فَأَبَوا ولجوا فِي عصيانهم فَبعث إِلَيْهِم جَيْشًا كثيفا مَعَ الْقَائِد حمان الصريدي البُخَارِيّ فَنزل بوادي أبي صفيحة وحاصرهم مُدَّة فَكَانَت الْحَرْب بَينه وَبينهمْ سجالا مرّة لَهُ وَمرَّة عَلَيْهِ وَهَلَكت نفوس من أَعْيَان تطاوين وَغَيرهم
مَجِيء الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام من الصويرة إِلَى الغرب واستخلافه بفاس وَمَا تخَلّل ذَلِك
كَانَ الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام فِي ابْتِدَاء أمره بتافيلالت وَلما توسم فِيهِ عَمه الْمولى سُلَيْمَان مخايل الْخَيْر والنجابة استقدمه مِنْهَا وولاه على الصويرة وأعمالها فكفاه أمرهَا وَقَامَ بشأنها ثمَّ لما كَانَ الْمولى سُلَيْمَان بطنجة فِي هَذِه الْمرة واستعصى عَلَيْهِ أَمر فاس وتطاوين وانصرم فصل الشتَاء وَأَقْبل فصل الرّبيع كتب إِلَى ابْن أَخِيه الْمولى عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور يَأْمُرهُ بالقدوم عَلَيْهِ فِي قبائل الْحَوْز ويلقاه بهم برباط الْفَتْح وَكَانَ غَرَض السُّلْطَان أَن يزحف بهم إِلَى فاس إِلَّا أَن السياسة اقْتَضَت أَن يكون الْأَمر هَكَذَا فَجمع الْمولى عبد الرَّحْمَن قبائل الْحَوْز وقواده وَقدم بهم إِلَى رِبَاط الْفَتْح وَلما لم يَجدوا السُّلْطَان بِهِ تثاقلوا عَن العبور مَعَ الْمولى عبد الرَّحْمَن إِلَى بِلَاد الغرب لِأَن السُّلْطَان إِنَّمَا وعدهم أَن يلقوه برباط الْفَتْح فَكتب الْمولى عبد الرَّحْمَن إِلَى عَمه يُعلمهُ بِصُورَة الْحَال وَكَانَ السُّلْطَان رَحمَه قد استوزر فِي هَذِه الْمدَّة الْفَقِيه أَبَا عبد الله أكنسوس فَبَعثه إِلَى الْمولى عبد الرَّحْمَن وأصحبه مَالا يفرقه على جَيْشه لينشطوا للقدوم وَكَانَ قدر المَال خمسين أُوقِيَّة لكل فَارس وَأمره إِذا قدم أَرض سلا أَن ينزل عِنْد عاملها أبي عبد الله مُحَمَّد بن أبي عزة الْمَعْرُوف بِأبي جميعة وَبعث للْمولى عبد الرحمن ليعبر إِلَيْهِ فِي وُجُوه الْجَيْش لقبض الصِّلَة وَلَا يذكر لَهُم سفرا فَإِذا قبضوها فليقرأ عَلَيْهِم كِتَابه وَكَانَ مضمنه أَنه يَأْمُرهُم بالقدوم عَلَيْهِ لقصر كتامة لقبض الْكسْوَة
الَّتِي أَتَى بهامن طنجة وَحِينَئِذٍ يذهب مَعَهم السُّلْطَان إِلَى الْحَوْز فَفعل الْوَزير ذَلِك كُله وَتقدم الْمولى عبد الرَّحْمَن فِي جَيْشه إِلَى قصركتامة
قَالَ الْوَزير الْمَذْكُور فَلَمَّا جِئْنَا الْقصر وجدنَا السُّلْطَان لَا زَالَ مُقيما بطنجة فتقدمت إِلَيْهِ وأعلمته بوصول الْمولى عبد الرَّحْمَن وجيشه إِلَى الْقصر فَخرج السُّلْطَان من طنجة وَجعل طَرِيقه على آصيلا وَلما بَات بسوق الْأَحَد بالغربية بعث إِلَيْهِ الْمولى المجذوب سَيِّدي مُحَمَّد بن مَرْزُوق يَدعُوهُ للقدوم عَلَيْهِ والبيات عِنْده فَأجَاب دَعوته وَدخل عَلَيْهِ وتبرك بِهِ وَمن هُنَاكَ كتب إِلَى ابْن أَخِيه الْمولى عبد الرَّحْمَن أَن يتَقَدَّم بالجيش إِلَى العرائش ويلقاه بِهِ هُنَالك فَفعل الْمولى عبد الرَّحْمَن وَهُنَاكَ اجْتمع بِعَمِّهِ السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان فسر بمقدمه ودعا لَهُ بِخَير وَأثْنى عَلَيْهِ بِمحضر أُولَئِكَ الْمَلأ من النَّاس ثمَّ دَعَا السُّلْطَان قواد الْحَوْز فيهم الْقَائِد عبد الْملك بن بيهي والقائد عَليّ بن مُحَمَّد الشيظمي وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن الغنيمي نَائِبا عَن الْحَاج حمان الْعَبْدي وَكَانَ فِي ركابه ابْنه فضول بن حمان صَغِيرا والقائد بلعباس بن المزوار الدكالي البوزراري والحاج الْعَرَبِيّ بن رقية البوزراري والقائد مُحَمَّد بن حَدِيدَة البوعزيزي والقائد الْمُعْطى الحمري والقائد الصّديق ابْن الْفَقِيه العمراني وَلم يكن فيهم من الرحامنة إِلَّا الْحَاج الْمُعْطى بن مُحَمَّد الْحَاج وَلم يكن فيهم من السراغنة وَلَا من الشاوية أحد وَلما اجْتَمعُوا خرج عَلَيْهِم السُّلْطَان وَجلسَ على طنفسة ثمَّ دَعَا بالقائد عبد الْملك بن بيهي فأجلسه إِلَى جنبه ودعا لَهُ بِخَير ثمَّ قَالَ إِنَّكُم تعبتم فِي سَبِيل الله وَنحن أتعب مِنْكُم ونسأل الله أَن لَا يضيع أجرنا وأجركم وأعلموا أَنكُمْ فِي طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله وَلكم المزية التَّامَّة وَقد وَجب علينا الْإِحْسَان إِلَيْكُم وَقد ظهر لي أَنكُمْ حِين وصلتم إِلَى هَذَا الْمحل لَا يَنْبَغِي لكم أَن ترجعوا بِدُونِ زِيَارَة مَوْلَانَا إِدْرِيس وَكنت أردْت أَن أوجهكم إِلَى بِلَادكُمْ من هُنَا وَلَكِن أَنا لايمكنني أَن أرجع إِلَّا بعد أَن يحكم الله بيني وَبَين هَؤُلَاءِ الخارجين عَن الْحق وَأَنْتُم لَا يجمل بكم أَن ترجعوا بِغَيْر سُلْطَان فَاصْبِرُوا قَلِيلا وتمموا عَمَلكُمْ حَتَّى تذْهبُوا إِن شَاءَ الله بسلطانكم فرحين مستبشرين
فَقَالُوا كلهم سمعا وَطَاعَة لَا نُفَارِقك حَتَّى نرْجِع بك وَلَو مكثنا عشر سِنِين وعَلى أثر هَذَا عقد السُّلْطَان لقائد خيل الْجَيْش البُخَارِيّ الْحَاج إِبْرَاهِيم بن رزوق على مِائَتَيْنِ من الْخَيل مَفْرُوضَة من الحوزية وَالْعَبِيد وَأمره أَن يسير إِلَى تطاوين وَيُقِيم بمرتيل وَيمْنَع أَهلهَا من الْوُصُول إِلَى المرسى فَفعل وارتحل السُّلْطَان من العرائش يُرِيد فاسا فِي قبائل الْحَوْز فَمر بِبِلَاد سُفْيَان وَنزل بسوق الْأَرْبَعَاء مِنْهَا قرب ضريح سَيِّدي عِيسَى بن الْحسن المصباحي فَأَصَابَهُ مرض هُنَالك وَورد عَلَيْهِ الْخَبَر بِأَن إِبْرَاهِيم بن رزوق قد كاده صَاحب تطاوين الْعَرَبِيّ بن يُوسُف حَتَّى قبض عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه وسلبهم وسجنهم فآلم هَذَا الْخَبَر السُّلْطَان وزاده إِلَى مَا بِهِ من الْمَرَض ثمَّ أبل مِنْهُ بعد أَيَّام فَنَهَضَ إِلَى فاس وعرج على طَرِيق تازا وَلما بَات بسوق الْخَمِيس بالكور من بِلَاد الحياينة أغارت عَلَيْهِ غياثة وَمن شايعهم من أهل تِلْكَ النواحي وَكَانُوا قد دخلُوا فِي بيعَة أبي يزِيد فَدَارُوا بالمحلة ونضحوها بالرصاص فَقَامَ السُّلْطَان وَجعل يسكن النَّاس بِنَفسِهِ ونهاهم عَن الرّكُوب وَالِاضْطِرَاب فحفظ الله الْمحلة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَلم يصب أحد من النَّاس وَلَا من الدَّوَابّ وأصبحت قَتْلَى الْعَدو مصرعة حول الْمحلة ثمَّ دخل السُّلْطَان مَدِينَة تازا فوفد عَلَيْهِ بهَا أهل الرِّيف وعرب آنقاد والصحراء وَجعلُوا يزدحمون عَلَيْهِ ليروا وَجهه وَيَقُولُونَ إِنَّه وَالله للسُّلْطَان لِأَن أهل فاس كَانُوا يشيعون مَوته ويكتبون بذلك إِلَى الْقَبَائِل ثمَّ تقدم السُّلْطَان إِلَى فاس فَنزل بقنطرة وَادي سبو وَذَلِكَ أَوَاخِر رَجَب سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف وَكَانَ أهل فاس قد سئموا الْحَرْب وعضهم الْحصار وملوا دولة أبي يزِيد فاختلفت كلمتهم عِنْد مَا قدم السُّلْطَان وهاجت الْحَرْب دَاخل الْبَلَد بَين شيعَة السُّلْطَان وشيعة السعيد فكثرهم شيعَة السُّلْطَان وفتحوا الْبَاب وَخَرجُوا إِلَيْهِ بالأشراف وَالصبيان والمصاحف وتهافتوا على فسطاطه تَائِبين خاضعين وَجَاء السعيد فِي جوَار الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام وَمَعَهُ الْأمين الْحَاج الطَّالِب ابْن جلون فَكَانَ جَوَاب السُّلْطَان لَهُم أَن قَالَ {قَالَ لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم يغْفر الله لكم وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ} يُوسُف 92 وَكَانَ رحمه الله قد رأى
(فالعلم أَنْفَع للفتى وأجله
…
مَا قد وعاه الْقلب لَا القرطاس)
(وارو الحَدِيث وَكن بِهِ متأدبا
…
وَالْفِقْه حَقَّقَهُ يطعك قِيَاس)
(وأقم بِعلم النَّحْو لفظك ولتكن
…
فِيهِ الْمُقدم إِذْ بِهِ الإيناس)
(كل الْعُلُوم إِذا نظرت رَأَيْتهَا
…
والنحو مِصْبَاح لَهَا وأساس)
(واكتب من الشّعْر الْمُهَذّب نبذة
…
فالشعر أفضل مَا وعاه الراس)
(إِن لم تقله فَكُن لَهُ مستحضرا
…
إِن رمت نطقا يرتضيه النَّاس)
(كم من وضيع قد علا بقريضه
…
رتبا تشرفه وحسبك شَاس)
(إِذْ خلصته من الأسار وقده
…
أَبْيَات عَلْقَمَة الْفَتى القنعاس)
(وَإِذا قصدت أَخا النوال بمدحة
…
فاقصد فَتى لَهُ فِي الندى آراس)
(مثل الإِمَام أبي عَليّ الرضي
…
حسن الَّذِي هُوَ فِي العلى نبراس)
(الْمَاجِد الْملك الْهمام المرتضى
…
فَخر الْمُلُوك سنامها والراس)
(شملت بِلَاد الغرب رأفته وَقد
…
بهج الزَّمَان وعمت الأرغاس)
(وحبا الورى من نيله حَتَّى لقد
…
طَابَ السرُور وَطَابَتْ الأنفاس)
(سعدت بمقدمه سلا وتقدست
…
مراكش الْحَمْرَاء مِنْهُ وفاس)
(أبدا سيوف الْعَزْم مِنْهُ على العدا
…
برق وغيث نواله بجاس)
(شهم بَصِير بالأمور مجرب
…
يقظان من دَاء الضَّلَالَة ياس)
(حلب الزَّمَان شطوره فَمَتَى اعتصى
…
دَاء الخطوب فرأيه النسطاس)
(يلقى الْوُفُود بحشمة وطلاقة
…
لَا يختشى مِنْهُ أَذَى وشماس)
(فِي الْجُود كَعْب والبسالة عَامر
…
والحلم قيس والذكاء إِيَاس)
(فَالله يحفظه ويحفظ ملكه
…
حَتَّى يُصِيب عداهُ مِنْهُ عماس)
(ويشيد لِلْإِسْلَامِ من عزماته
…
عزا تطأطىء دونه الْأَجْنَاس)
(وينيله مجدا ينسى ذكره
…
فِي عزة قعساء لَيْسَ نقاس)
(فليعل ملك بني على وليدم
…
مَا خلدت مَرْوَان وَالْعَبَّاس)
وَقد تَبِعنِي صاحبنا شَاعِر الْعَصْر الْفَقِيه الأديب أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن نَاصِر حركات فِي رُوِيَ هَذِه القصيدة دون بحرها وَهِي من ميلادياته قَالَ
(أدر كؤوسك فالسراء فِي الكأس
…
واشرب على طرب بروضك الكاسي)
(وقم لتنظر وَجه الدَّهْر مبتهجا
…
مُسْتَبْشِرًا بعد تقطيب وتعباس)
(والأفق طلق وَذَا النسيم منطلق
…
مسكي نشر خلال الجو جواس)
(وَالْأَرْض تضحك من بكا الْغَمَام كَمَا
…
يشكو الكئيب على مستهزىء قاسي)
(كَأَنَّهَا وَهِي بِالربيعِ حَالية
…
عواطل قد تحلت يَوْم أعراس)
(وَالْوَرق من ضحك الأزهار نائحة
…
كنوح صب على أحبابه آسى)
(والدوح زاهية الأفنان زاهرة
…
تهدي الْبَهَاء إِلَى البهار والآس)
(كَأَنَّمَا الزهر إِذْ ترَاهُ منتثرا
…
على جداولها الْحباب فِي الكاس)
(كَأَنَّمَا طيب نشره شمائل من
…
قد سَاد بالمكرمات سَائِر النَّاس)
(إمامنا الْحسن المجلي بطلعته
…
عَن الورى كل أزمة وقسقاس)
(كسا الرّعية أَثوَاب المنى جددا
…
من بعد مَا اشْتَمَلت بِكُل إدراس)
(سبط الرَّسُول وَفرع من سلالته
…
طيب الْفُرُوع ترى بِطيب أغراس)
(خَليفَة الله من دَانَتْ لعزته
…
شم الْمُلُوك برغم كل دمناس)
(أنداهم فِي الندى كفا وأشجعهم
…
قلبا وأسطاهم بِكُل دعاس)
(من ذَا ينازله عِنْد الجلاد وَهل
…
يهول اللَّيْث يَوْمًا صوب ولاس)
(قد عَمه النَّصْر فِي ورد وَفِي صدر
…
وحفه الْيمن من سَاق إِلَى راس)
(مولى تردى رِدَاء المكرمات فَقل
…
مَا شِئْت فِي شيم لَهُ واتواس)
(لم يمض مشبهه على الْحَقِيقَة فِي
…
بني أُميَّة أَو أَبنَاء عَبَّاس)
(من ذَا يدانيه فِي حلم وَفِي كرم
…
وَمن يضاهيه فِي الْإِقْدَام والباس)
(يَا كم بِهِ قوي الضَّعِيف وامتلأت
…
كف الْفَقِير وأثرى رب إفلاس)
(سلا كَمثل سلا الغرا وضرتها
…
أَو مثل مراكش وحضرتي فاس)
(فكم بهَا من مآثر لَهُ كرمت
…
لَيست تعد بأقلام وأنقاس)
(بل كل مصر وقرية لَهُ ديم
…
تهمي لأهلهما بِكُل ارغاس)
(فدا الْأَمِير أدام الله عزته
…
طول المدى كل أنفس وأنفاس)
(إليكها أَيهَا الجحجاح مائسة
…
أزرت طلاوتها بِكُل مياس)
(خريدة من بَنَات الْفِكر غانية
…
لرقمها يتَمَنَّى كل قرطاس)
(جاءتك تطلبك الْقبُول عائذة
…
بِاللَّه من شَرّ وسواس وخناس)
(فليهنها أَنَّهَا تشرفت بك إِذْ
…
حوت مَعَاني من مديحك الراسي)
(وَأَنَّهَا لَك قد وافت مهنئة
…
بليلة ذَات أسفار وإهلاس)
(أكْرم بهَا لَيْلَة غراء قد فضلت
…
بِأَفْضَل الرُّسُل كل ذَات إغباس)
(إِذْ أشرق الْكَوْن من أنوار مولده
…
حَتَّى كَفاهُ سناها كل نبراس)
(والشرك فِي الْهون قد أضحت طوائفه
…
مستيقنين حُلُول الْبُؤْس والبأس)
(إِذْ هالهم أَمر أَحْمد وأوقعهم
…
فِي حيرة عبثت بهم وإبلاس)
(تيقنوا أَنه مَا كَانَ يُخْبِرهُمْ
…
بِشَأْنِهِ كل قسيس وشماس)
(وأصبحت جملَة الْأَصْنَام سَاقِطَة
…
منكسات الرؤوس أَي تنكاس)
(وَفِي انصداع الْبناء أَصبَحت عبر
…
لَهُم كَذَا فِي خمود نَار أَفْرَاس)
(وَالْجِنّ لَا تصل السَّمَاء إِذْ منعت
…
مِنْهَا بشهب لرميها وحراس)
(وَمن يرم مِنْهُم للسمع مسترقا
…
ينحط محترقا مِنْهَا بمقباس)
(مُحَمَّد صفوة الْبَارِي وَخيرته
…
من خلقه الْجِنّ والأملاك وَالنَّاس)
(جَاءَت شَرِيعَته البيضا مطهرة
…
للدّين من كل أدران وأدناس)
(وَلم تزل أمد الْأَعْصَار رَافِعَة
…
عَن الْهَدْي كل شُبْهَة وتدلاس)
(أصل الْهدى والندى فَلَيْسَ يُشبههُ
…
هطال غيث وَلَا تيار رجاس)
(فَلَا تقسه بِشَيْء فِي مكارمه
…
فَمَا ترام خلاله بمقياس)
(فَإِنَّهُ الْبَحْر فِي فضل وَفِي كرم
…
وَفِي الشجَاعَة ضيغم بأخياس)
(كَانُوا بِهِ يَتَّقُونَ فِي الوغا بَدَلا
…
عَن اتِّخَاذ مغافر وأتراس)
(أسرى بِهِ الْملك الْأَعْلَى لحضرته
…
وَالروح مونسه أتم إيناس)
(وَاللَّيْل أحرس لَيْسَ فِيهِ يسمع من
…
صياح ديك وَلَا عواء لواس)
(حَتَّى دنا فَتَدَلَّى ثمَّ كَلمه
…
وَقد رأى ربه بمقة الراس)
(ونال من فَضله عزت جلالته
…
مَا لَا يسام بأوهام وأحداس)
(فآب وَالدّين أسست قَوَاعِده
…
على أصُول حميدة وأساس)
(ترَاهُ كَالْقَمَرِ الْمُنِير فِي غسق
…
من الدجى بَين أَصْحَاب وجلاس)
(غَدا يحدث والملا يصدقهُ
…
وَلَيْسَ يرتاب غير المائق الماس)
(دَعَا على المعتدي عتيبة فغدا
…
يَوْمًا بدعوته قَتِيل هماس)
(ورد عين قَتَادَة فَصَارَ بهَا
…
بعد الْعَمى ذَا تمقل وإيناس)
(وَالْمَاء من كَفه السمحاء سَالَ فكم
…
من وَارِد عذبه الروي وَكم حاسي)
(هُوَ الرَّسُول الَّذِي جمت فضائله
…
فَلَيْسَ تحصر أَو تحصى بأطراس)
(مديم ذكر فَإِن تذهل لواحظه
…
فالقلب لَيْسَ بذاهل وَلَا ناسي)
(فالأرض طاولت السَّمَاء قائلة
…
لخير رسل بِبَطن خير ارماس)
(كل النَّبِيين طرا لائذون بِهِ
…
كَمثل نوح وَيُونُس والياس)
(كَذَاك مُوسَى وَعِيسَى والخليل بِهِ
…
لدفع باس بِيَوْم الْحَشْر أباس)
(يَا أكْرم الْخلق يَا خير الورى شرفا
…
يَا من أَتَانَا بتطهير وتقداس)
(أشكوك دَاء أساي فأسه كرما
…
فَمَا لداء الأسى سواك من آسى)
(قسا الزَّمَان وَفِي قسم النوائب لم
…
يعدل فيا ويحه من قَاسم قاسي)
(لَكِن قصدتك والكريم قاصده
…
مَا أَن يرد بخيبة وَلَا يأس)
(وَقد توسلت للْمولى بجاهك أَن
…
يشد بالشرعة الْبَيْضَاء أمراسي)
(وَأَن يحسن أعمالي ومعتقدي
…
فِيهِ ويكشف بلبالي ووسواسي)
(وَأَن يعاملني بِالْعَفو عَن زللي
…
وَأَن يُبدل إقلالي بإقعاس)
(وَأَن يهيىء أَسبَاب السَّعَادَة لي
…
حَتَّى أُنِيخ بِذَاكَ الْبَيْت عرماسي)
(إِذْ قلت من أم طيبتي وَمَات بهَا
…
نَالَ الشَّفَاعَة فِي أهل وَفِي نَاس)
(صلى عَلَيْك إِلَه الْعَرْش مَا نفحت
…
نوافح الزهر من دوح وأخياس)
(صلى عَلَيْك إِلَه الْعَرْش مَا اعتصمت
…
بك الْخَلَائق من عَار وَمن كاس)
(صلى عَلَيْك إِلَه الْعَرْش مَا رمقت
…
بيض الْقَرَاطِيس يَوْمًا سود أنقاس)
(والآل مَا قَالَ نشوان بحبهم
…
أدر كؤوسك فالسراء فِي الكاس)
ثمَّ نَهَضَ السُّلْطَان أعزه الله من رِبَاط الْفَتْح فِي عَاشر جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَألف قَاصِدا مكناسة وَجعل طَرِيقه على زمور الشلح فَخَرجُوا إِلَيْهِ متذللين خاضعين متقربين إِلَيْهِ بالهدايا والضيافات فَضرب عَلَيْهِم الإتاوة والبعث فانقادوا ثمَّ دخل أعزه الله مكناسة ثامن عشر الشَّهْر الْمَذْكُور فَمَكثَ بهَا أَيَّامًا يسيرَة ثمَّ نَهَضَ إِلَى فاس فَمَكثَ بهَا أَيَّامًا يسيرَة كَذَلِك ريثما