الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فغلب أَولا على الْحُصُون الغربية كلهَا ثمَّ أَسف إِلَى مالقة فَأَنَاخَ عَلَيْهَا بعساكره وضاق على ابْن الْأَحْمَر النطاق وَلم تغن عَنهُ مُوالَاة سانجة شَيْئا وبدا لَهُ سوء المغبة فِي شَأْن مالقة وَنَدم على تنَاولهَا فأعمل نظره فِي الْخَلَاص من ورطتها وَلم ير لَهَا إِلَّا الْأَمِير يُوسُف ابْن السُّلْطَان يَعْقُوب فخاطبه بمكانه من الْمغرب مستصرخا لَهُ لرقع هَذَا الْخرق ورتق هَذَا الفتق وَجمع كلمة الْمُسلمين على عدوهم فَأَجَابَهُ واغتنم المثوبة فِي مسعاه وَعبر الْبَحْر إِلَى الأندلس فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ الْمَذْكُورَة فَوَافى أَبَاهُ بمعسكره على مالقة وَرغب مِنْهُ السّلم لِابْنِ الْأَحْمَر فِي شَأْنهَا والتجافي لَهُ عَنْهَا فأسعف رَغْبَة ابْنه لما يؤمل فِي ذَلِك من رضى الله عز وجل فِي جِهَاد عدوه وإعلاء كَلمته وانعقد السّلم وانبسط أمل ابْن الْأَحْمَر وتجددت عزائم الْمُسلمين للْجِهَاد وقفل السُّلْطَان يَعْقُوب الى الجزيرة الخضراء فَبَثَّ السَّرَايَا فِي دَار الْحَرْب فأوغلوا وأثخنوا ثمَّ أستأنف الْغَزْو بِنَفسِهِ الى طليطلة فَخرج من الجزيرة غازيا غرَّة ربيع الثَّانِي من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ الْمَذْكُورَة حَتَّى انْتهى إِلَى قرطبة فأثخن وغنم وَخرب الْعمرَان وافتتح الْحُصُون ثمَّ ارتحل نَحْو البرت وَترك محلته على بياسة بالمغانم والأثقال وَترك مَعهَا خَمْسَة آلَاف فَارس يحمونها من كرة الْعَدو ثمَّ أغذ السّير فِي أَرض قفرة لَيْلَتَيْنِ حَتَّى انْتهى إِلَى البرت من نواحي طليطلة فسرح الْخَيل فِي البسائط وجالت فِي أكنافها وَلم تَنْتَهِ إِلَى طليطلة لتثاقل النَّاس بِكَثْرَة الْغَنَائِم وأثخن فِي الْقَتْل وقفل على غير طَريقَة فأثخن وَخرب
وانْتهى إِلَى أبذة فَوقف بساحتها وقاتلها سَاعَة من نَهَار فَرَمَاهُ علج من خلف السُّور بِسَهْم أصَاب فرسه فارتحل عَنْهَا إِلَى مُعَسْكَره ببياسة فأراح بهَا ثَلَاثًا ينسف آثارها ويقتلع أشجارها وقفل إِلَى الجزيرة وَبَين يَدَيْهِ من السَّبي والغنائم مَا يعجز عَنهُ الْوَصْف فَدَخلَهَا فِي شهر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة فقسم الْغَنَائِم وَنفل من الْخمس وَولى على الجزيرة حافده عِيسَى بن عبد الْوَاحِد بن يَعْقُوب فَهَلَك شَهِيدا على شريش بِسَهْم مَسْمُوم لشهرين من ولَايَته
ثمَّ عبر السُّلْطَان إِلَى الْمغرب فاتح شعْبَان وَمَعَهُ ابْنه أَبُو زيان منديل فأراح
بطنجة ثَلَاثًا ثمَّ نَهَضَ إِلَى فاس فَدَخلَهَا آخر شعْبَان وَلما قضى صِيَامه ونسك عيده ارتحل إِلَى مراكش لتمهيدها وتفقد أحوالها وَقسم من نظره لنواحي سلا حظا فَأَقَامَ برباط الْفَتْح شَهْرَيْن اثْنَيْنِ وَتوفيت فِي هَذِه الْمدَّة الْحرَّة أم الْعِزّ بنت مُحَمَّد بن حَازِم الْعلوِي وَهِي أم الْأَمِير يُوسُف وَكَانَت وفاتها برباط الْفَتْح فدفنت بشالة ثمَّ نَهَضَ السُّلْطَان يَعْقُوب إِلَى مراكش فَدَخلَهَا فاتح ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وبلغه مهلك الطاغية هراندة بن أذفونش واجتماع النَّصْرَانِيَّة على ابْنه سانجة الْخَارِج عَلَيْهِ فحركت همته إِلَى الْجِهَاد ثمَّ سرح ابْنه الْأَمِير يُوسُف ولي عَهده بالعسكر إِلَى بِلَاد السوس لغزو الْعَرَب الَّذين بهَا وكف عاديتهم ومحو آثَار الْخَوَارِج المنتزين على الدولة فأجفلوا أَمَامه وَاتبع آثَارهم إِلَى الساقية الْحَمْرَاء آخر الْعمرَان من بِلَاد السوس فَهَلَك أَكثر الْعَرَب فِي تِلْكَ القفار جوعا وعطشا وقفل رَاجعا لما بلغه من اعتلال وَالِده السُّلْطَان يَعْقُوب فوصل إِلَى مراكش وَقد أبل من مَرضه وعزم على الْجِهَاد شكرا لله تَعَالَى على نعْمَة الْعَافِيَة وَفِي هَذِه السّنة وصل مَاء عين غبولة إِلَى قَصَبَة رِبَاط الْفَتْح بِأَمْر السُّلْطَان يَعْقُوب وَكَانَ ذَلِك على يَد الْمعلم المهندس أبي الْحسن عَليّ بن الْحَاج وَالله تَعَالَى أعلم
الْجَوَاز الرَّابِع للسُّلْطَان يَعْقُوب إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد
لما اعتزم السُّلْطَان يَعْقُوب على العبور إِلَى الأندلس عرض جُنُوده وحاشيته وأزاح عللهم وَبعث فِي قبائل الْمغرب بالنفير ونهض من مراكش فِي جُمَادَى الْآخِرَة لثلاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة واحتل برباط الْفَتْح منتصف شعْبَان فَقضى بِهِ صَوْمه ونسكه ثمَّ ارتحل إِلَى قصر الْمجَاز وَشرع فِي إجَازَة العساكر والحشود من المرتزقة والمتطوعة خَاتم سنته ثمَّ أجَاز الْبَحْر بِنَفسِهِ غرَّة صفر من سنة أَربع وَثَمَانِينَ بعْدهَا واحتل بِظَاهِر طريف ثمَّ سَار إِلَى الجزيرة الخضراء فأراح بهَا أَيَّامًا ثمَّ خرج غازيا حَتَّى انْتهى إِلَى وَادي لَك وسرح الْخُيُول فِي بِلَاد الْعَدو وبسائطه يحرق وينسف فَلَمَّا خرب بِلَاد النَّصْرَانِيَّة
ذكر السَّبَب الَّذِي هاج غضب السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله على ابْنه الْمولى يزِيد رحمه الله
ثمَّ دخلت سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف فِيهَا قدم ولد السُّلْطَان الْمولى عبد السَّلَام من الْحجاز فولاه السُّلْطَان رحمه الله تارودانت والسوس وَمَا إِلَيْهَا ثمَّ لما حضر زمَان خُرُوج الركب الْحِجَازِي أحضر السُّلْطَان صهره وَابْن عَمه الْمولى عبد الْملك بن إِدْرِيس وكاتبيه أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عُثْمَان المكناسي وَأَبا حَفْص عمر الوزريق وَشَيخ الركب أَبَا مُحَمَّد عبد الْكَرِيم بن يحيى وَحَملهمْ على وَجه الْأَمَانَة مَالا لأشراف مَكَّة وَالْمَدينَة وَسَائِر الْحجاز واليمن وَقدره ثَلَاثمِائَة ألف ريال وَخَمْسُونَ ألف ريال وَبعث مَعَهم صلات أخر لِأُنَاس مُعينين فِي حقاق مختوم عَلَيْهَا مَكْتُوب على كل وَاحِد مِنْهَا اسْم صَاحبه وَأمرهمْ أَن يذهبوا أَولا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة حَتَّى يكون مَسِيرهمْ إِلَى الْحجاز مَعَ أَمِين الصرة الَّذِي يوجهه السُّلْطَان العثماني إِلَى الْحَرَمَيْنِ كل عَام وَإِنَّمَا ارْتكب السُّلْطَان هَذِه الْمَشَقَّة حذرا من ابْنه الْمولى يزِيد أَن يعترضهم فِي الطَّرِيق وينتزع مِنْهُم المَال فبعثهم السُّلْطَان فِي الْبَحْر فِي بعض قراصين السُّلْطَان عبد الحميد وَكتب إِلَيْهِ أَن يَبْعَثهُم مَعَ أَمِين صرته فَلَمَّا وصلوا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وجدوا أَمِين الصرة قد سَافر بالركب إِلَى الْحجاز فأقاموا بهَا إِلَى الْعَام الْقَابِل وَحِينَئِذٍ سافروا صُحْبَة الركب وَلما وصلوا إِلَى الْمَدِينَة المنورة فرقوا على أَهلهَا وعَلى سَائِر شرفاء الْحجاز حظهم من المَال
وَلما وصلوا إِلَى مَكَّة وجدوا الْمولى يزِيد بهَا يترصدهم ففرقوا على أهل مَكَّة حظهم وَبَقِي عِنْدهم حَظّ الْيمن والحقاق الَّتِي فِيهَا صلات الذَّهَب فتغفلهم الْمولى يزِيد وَقت القيلولة وهجم عَلَيْهِم فِي جمع من أَصْحَابه وهم بدار شيخ الركب عبد الْكَرِيم بن يحيى فَانْتزع مِنْهُم مَا قدر عَلَيْهِ وَأخذ الحقاق وَذهب فَذهب شيخ الركب وَالْمولى عبد الْملك والكاتبان إِلَى أَمِير
مَكَّة الشريف سرُور وَأَخْبرُوهُ الْخَبَر فَبعث أعوانه إِلَى الْمولى يزِيد فَحَضَرَ عِنْده وألزمه رد المَال وتهدده فَرد الْبَعْض وَجحد الْبَعْض فبسبب هَذَا فِيمَا قيل غضب السُّلْطَان عَلَيْهِ وتبرأ مِنْهُ وَكتب بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ مناشير بعث بهَا إِلَى الْآفَاق فعلق أَحدهَا بِالْكَعْبَةِ وَالْآخر بالحجرة النَّبَوِيَّة وَالثَّالِث بِبَيْت الْمُقَدّس وَالرَّابِع بضريح الْحُسَيْن بِمصْر وَالْخَامِس بضريح الْمولى عَليّ الشريف بتافيلالت وَالسَّادِس بضريح الْمولى إِدْرِيس بزرهون وَالسَّابِع بضريح الْمولى إِدْرِيس بفاس وَكتب إِلَى السُّلْطَان عبد الحميد بِأَن لَا يقبله إِذا أَوَى إِلَيْهِ وَاسْتمرّ الْمولى يزِيد مُقيما بالمشرق وَلم يقدر أَن يواجه أَبَاهُ لسوء صَنِيعه إِلَى سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ وَألف كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف أسر أهل الجزائر نَصْرَانِيَّة من قرَابَة طاغية الإصبنيول كَانَت متوجهة فِي مركبها من أصبانيا إِلَى نابل لزيارة ابْن عَمها الَّذِي هُوَ صَاحب نابل فَلَمَّا عرف أهل الجزائر محلهَا من قَومهَا امْتَنعُوا من فدائها بِكُل وَجه فَكتب طاغية الإصبنيول إِلَى السُّلْطَان رحمه الله يسْأَله أَن يشفع لَهُ فِي فدائها بِكُل مَا يطْلبُونَ فأسعفه وَكتب لصَاحب الجزائر فِي شَأْنهَا فَاعْتَذر إِلَيْهِ بِأَن النَّصْرَانِيَّة فِي سهم الْعَسْكَر وَلَا يُمكنهُ إكراههم على فدائها فَلَمَّا رد صَاحب الجزائر شَفَاعَة السُّلْطَان كتب إِلَى السُّلْطَان عبد الحميد بذلك فَكتب عبد الحميد رحمه الله إِلَى أهل الجزائر يوبخهم على رد شَفَاعَة السُّلْطَان وَيَقُول لَهُم إِن الْوَاجِب أَن تسرحوها لَهُ بِدُونِ مَال وَمَا عَسى أَن يبلغ ثمن هَذِه النَّصْرَانِيَّة وَلَو طلب مني سُلْطَان الْمغرب ألف نَصْرَانِيَّة لبعثتها إِلَيْهِ وَحَتَّى الْآن نأمركم أَن تبعثوا إِلَيْهِ بِهَذِهِ النَّصْرَانِيَّة وَلَو كَانَت هِيَ الملكة وَلَا تقبضوا فِيهَا فدَاء أَو مَا رَأَيْتُمْ مَا افتكه ملك الْمغرب من أسرى التّرْك من كل جنس حَتَّى لم يبْق فِي أسر الْكفَّار مُسلم وَأَنْتُم تردون شَفَاعَته فِي نَصْرَانِيَّة لَا بَال لَهَا فَلَا تعودوا لمثل هَذَا فَيكون سَببا لتغير باطننا عَلَيْكُم وَالسَّلَام
فَوجه مَعَهم الْخَلِيفَة من يصحبهم إِلَى أَبِيه بفاس وَفِي أثْنَاء ذَلِك عمد الْحَاج عبد الْقَادِر ذَات لَيْلَة إِلَى طَائِفَة من جنده نَحْو الْخمس عشرَة مائَة على مَا قيل كلهم بَطل مجرب انتقاهم انتقاء وَكَانَ جَيش الْخَلِيفَة منقسما قسمَيْنِ بعضه مَعَه وَبَعضه مَعَ أَخِيه الْمولى أَحْمد فضمد الْحَاج عبد الْقَادِر إِلَيْهِمَا
(فِي لَيْلَة من جُمَادَى ذَات أندية
…
لَا يبصر الْكَلْب من ظلمائها الطنبا)
بِتِلْكَ الْعصبَة الَّذين هم فتيَان الكريهة ومساعير الهيجاء وجمرات الْحَرْب كالما شهد بهم الوقائع وخاض غَمَرَات الْمَوْت مَعَ الفرنسيس وَغَيره فَلم يقف بهم إِلَّا بَين المجلتين وأطلقوا الرصاص مثل الْمَطَر وَأَرْسلُوا حراقيات على الْجمال وتهاويل مفزعة فماج النَّاس فِي ذَلِك الظلام الْغَاسِق وَنزل بهم من الهول مَا يقصر اللِّسَان عَن وَصفه وَقَامَ الْخَلِيفَة فَجعل يسكن النَّاس بِنَفسِهِ ويمنعهم من الرّكُوب خوف الْفِرَار وَأمر الْعَسْكَر والطبجية بِالرَّمْي بالكور والضوبلي فَكَانُوا يرْمونَ إِلَى جِهَة محلّة الْمولى أَحْمد ظنا مِنْهُم أَن الْعَدو لَا زَالَ مقابلهم ومحلة الْمولى أَحْمد يرْمونَ إِلَى جهتهم كَذَلِك فَهَلَك من المحلتين بِسَبَب ذَلِك بشر كثير وَأما الْحَاج عبد الْقَادِر فَإِنَّهُ فر فِي أَصْحَابه بعد أَن حملُوا الْكثير من موتاهم مَعَهم وَكَانَ للقائد مُحَمَّد فِي تِلْكَ اللَّيْلَة ذكر وَلما أصبح النَّاس وتفقدوا حَالهم وجدوا فيهم من الْجَرْحى نَحْو الْألف وَمن الْقَتْلَى مَا يقرب ذَلِك وَأصْبح حول الْمحلة من قَتْلَى أَصْحَاب الْحَاج عبد الْقَادِر الَّذين أجهضهم الْقِتَال عَن حملهمْ نَحْو الْخمسين وأسروا نَفرا أَحيَاء فشاهدوا من طمأنينتهم عِنْد الْقَتْل مَا قضوا مِنْهُ الْعجب ووجدوا عَلَيْهِم كسى رفيعة مطرزة بالصقلى وَالْحَرِير وَنَحْو ذَلِك فَلَقَد كَانَ للرجل اعتناء بالجيش كَمَا نرى ثمَّ إِن الْخَلِيفَة رحمه الله أَمر بِاتِّبَاع الْحَاج عبد الْقَادِر فتبعته الْكَتَائِب المختارة فَكَانَ اللِّقَاء ثَانِيًا بمشرع الرحائل من وَادي ملوية قرب الْبَحْر عِنْد مسْقط ملوية فِي الْبَحْر فصدمته الجيوش صدمة أُخْرَى فنى فِيهَا كماته وَكسرت شوكته وفل حَده وخشعت نَفسه وأيس من جبر حَاله ففر إِلَى الفرنسيس ولجأ إِلَيْهِ وَترك محلته بِمَا فِيهَا فاستولى جَيش الْخَلِيفَة عَلَيْهَا
حكى من حضر أَن الْخَيل كَانَ يطردون الْجَمَاعَة من أَصْحَاب الْحَاج عبد الْقَادِر وهم راجلون ليأسروهم فَمَا كَانُوا يدركونهم إِلَّا بعد الْمسَافَة الْبَعِيدَة جدا وَالْحَاصِل أَن مقَام هَذَا الرجل فِي الشجَاعَة مَعْرُوف وبصارته بمكائد الْحَرْب مَعْلُومَة لَوْلَا مَا ذَكرْنَاهُ من انعكاس حَاله ورومه الاستبداد وخلعه طَاعَة الإِمَام الْحق الَّذِي كَانَت بيعَته فِي عُنُقه
وَاعْلَم أَنه قد يقف بعض المنتقدين على مَا حكيناه من أَخْبَار هَذَا الرجل فينسبنا إِلَى تعصب وَسُوء أدب وَالْجَوَاب أَنا مَا حكينا إِلَّا الْوَاقِع وَأَيْضًا فَلَقَد قَالَ لِسَان الدّين ابْن الْخَطِيب رحمه الله حضرت يَوْمًا بَين يَدي السُّلْطَان أبي عنان فِي بعض وفاداتي عَلَيْهِ لغَرَض الرسَالَة وَجرى ذكر بعض أعدائه فَقلت مَا أعتقد فِي إطراء ذَلِك الْعَدو وَمَا عَرفته من فَضله فَأنْكر عَليّ بعض الْحَاضِرين مِمَّن لَا يحطب إِلَّا فِي حَبل السُّلْطَان فصرفت وَجْهي وَقلت أيدكم الله تحقير عَدو السُّلْطَان بَين يَدَيْهِ لَيْسَ من السياسة فِي شَيْء بل غير ذَلِك أَحَق وَأولى فَإِن كَانَ السُّلْطَان قد غلب عدوه كَانَ قد غلب غير حقير وَهُوَ الأولى بفخره وجلالة قدره وَإِن غَلبه الْعَدو لم يغلبه حقير فَيكون أَشد للحسرة وآكد للفضيحة فَوَافَقَ رحمه الله على ذَلِك وَاسْتَحْسنهُ وشكر عَلَيْهِ وخجل الْمُعْتَرض اه
وَلما كَانَ هَذَا الْفَتْح كتب السُّلْطَان إِلَى الْبِلَاد وزينت الْأَسْوَاق وأعلمت المفرحات وَنَصّ مَا كتب بِهِ السُّلْطَان بعد الِافْتِتَاح وَبعد فَإِن الْفَاسِد الفتان وَخَلِيفَة الشَّيْطَان أبعد فِي الجسارة وامتطى مطي الخسارة وَاسْتَوْسَعَ سَبِيل العناد واستضل سَبِيل الرشاد وَقَالَ من أَشد مِنْهُ قُوَّة وسولت لَهُ نَفسه الأمارة الاتصاف بالإمارة وَأَرَادَ شقّ عَصا الْإِسْلَام وصدع مهج الْأَنَام فأعلن بِكُل قَبِيح وَاسْتشْكل كل صَرِيح واستبطن الْمَكْر وَالْخداع وفَاق فِيهِ عابدي ود وسواع وشاع فِي طرف الإيالة ضَرَره وساء مخبره وَهُوَ فِي خلال ذَلِك يظْهر مظَاهر يستهوي بهَا أهل الْجَهَالَة والعماية والضلالة فأيسنا من رشده وعرفنا مُضْمر قَصده فجهزنا لَهُ محلّة منصورة ذَات أَعْلَام منشورة جعلنَا فِي وَسطهَا ولدنَا الأبر سَيِّدي مُحَمَّد أصلحه الله وأسندنا إِلَيْهِ