الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَتَّى نزل بواد سبو ثمَّ أدخلهُ كَذَلِك لَيْلًا إِلَى قصره فَأَدْرَكته الْمنية فِي طَرِيقه فَتوفي لَيْلَة الْجُمُعَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وَكَانَ مَرضه بعلة النقرس فوضعوه بمكانه من بَيته واستدعى ابْنه أَبُو الْحسن الصَّالِحين لمواراته فَدفن بِبَعْض قبابه رحمه الله وَكَانَت أَيَّامه أعيادا ومواسم وَمن أكَابِر كِتَابه الرئيس أَبُو مُحَمَّد عبد الْمُهَيْمِن الْحَضْرَمِيّ السبتي
الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الْمَنْصُور بِاللَّه أبي الْحسن عَليّ ابْن عُثْمَان بن يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله
هَذَا السُّلْطَان هُوَ أفخم مُلُوك بني مرين دولة وأضخمهم ملكا وأبعدهم صيتًا وأعظمهم أبهة وَأَكْثَرهم آثارا بالمغربين والأندلس وَيعرف عِنْد الْعَامَّة بالسلطان الأكحل لِأَن لأمه كَانَت حبشية فَكَانَ أسمر اللَّوْن والعامة تسمي الأسمر وَالْأسود أكحل وَإِنَّمَا الأكحل فِي لِسَان الْعَرَب أكحل الْعَينَيْنِ فَقَط وَكَانَ أَخُوهُ أَبُو عَليّ لمملوكة من سبي النَّصَارَى فَكَانَ أَبيض وانضاف لذَلِك أَن كَانَ أَبُو الْحسن ملكا على الحضرة وَأَبُو عَليّ ملكا على بِلَاد الْقبْلَة فَكَانَا أَخَوَيْنِ ملكَيْنِ فِي عصر وَاحِد أَحدهمَا أسمر وَالْآخر أَبيض فَعرف هَذَا بالأكحل وَالْآخر بالأبيض للمقابلة
وَلما هلك السُّلْطَان أَبُو سعيد رحمه الله اجْتمع الْخَاصَّة من المشيخة ورجالات الدولة على ولي عَهده أبي الْحسن الْمَذْكُور وعقدوا لَهُ على أنفسهم وآتوه طاعتهم فَأمر للحين بِنَقْل مُعَسْكَره من نَاحيَة سبو إِلَى الزَّيْتُون من نَاحيَة فاس وَلما فرغ من دفن أَبِيه خرج إِلَى مُعَسْكَره بِالْمحل الْمَذْكُور وَاجْتمعَ النَّاس إِلَيْهِ على طبقاتهم لأَدَاء الْبيعَة بفسطاطة وَتَوَلَّى أَخذ الْبيعَة لَهُ يَوْمئِذٍ على النَّاس الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن قَاسم المزوار والمزوار فِي لِسَان
مراسلة صَاحب تونس حمودة باشا ابْن عَليّ باي للسُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله وَمَا اتّفق فِي ذَلِك
وَفِي هَذِه الْمدَّة أَو مَا يقرب مِنْهَا بعث صَاحب تونس وَهُوَ الرئيس حمودة باشا ابْن عَليّ باي الْعَالم الأديب الطَّائِر الصيت الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الْقَادِر الريَاحي إِلَى السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله فَقدم عَلَيْهِ حَضْرَة فاس وَمَعَهُ هَدِيَّة وَكتاب يتَضَمَّن طلب الْإِمْدَاد بالميرة لحدوث المسغبة بالبلاد التونسية فأعظم السُّلْطَان رحمه الله مقدم هَذَا الشَّيْخ واهتزت لَهُ فاس وامتدح السُّلْطَان بقصيدة من جيد شعره يَقُول فِي أَولهَا
(إِن عز من خير الْأَنَام مَزَار
…
فلنا بزورة نجله استبشار)
وَمن جُمْلَتهَا قَوْله
(هَذَا الْخَلِيفَة وَابْن أكْرم مُرْسل
…
وسليل من تمطى لَهُ الأكوار)
(وخلاصة الْأَشْرَاف وَالْخُلَفَاء من
…
بَيت البتول وحبذا الأظهار)
(وَأجل وَارِث ملك إِسْمَاعِيل من
…
بَطل شذا أخباره معطار)
(وأعز سُلْطَان وأشرف مَالك
…
شَرقَتْ بِملك يَمِينه الْأَحْرَار)
(وأحق من تَحت السَّمَاء بِأَن يرى
…
ملك البسيطة والورى أنصار)
(لَكِن إِذا كل الْقُلُوب تحبه
…
فلغيره الْأَجْسَام وَهِي نفار)
(هَذَا سُلَيْمَان الرضي ابْن مُحَمَّد
…
من أشرقت لجبينه الْأَنْوَار)
(هَذَا الَّذِي رد الْخلَافَة غضه
…
وسما بِهِ للْمُسلمين منار)
(وأعز دين الله فَهُوَ بشكره
…
فِي أيكها تترنم الأطيار)
فأعجب السُّلْطَان وَمن حضر بهَا وأمده بمطلبه من الْميرَة وبهدية جليلة وآب الشَّيْخ من سفارته بِخَير مآب
إِلَيْهِم وَالْأَدب فِي تلقي مَا تعرضونه عَلَيْهِم كَمَا أننا نتحقق أَنكُمْ لحسن معاملتكم ومزيد محبتكم توصون نوابكم الَّذين توجهونهم للْخدمَة بإيالتنا السعيدة بِحسن الْمُعَامَلَة والتقصي فِي ترحيب الصَّدْر والمجاملة وَالْوُقُوف عِنْد الشُّرُوط وَالْعَمَل بمقتضاها والتمام فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من ربيع الأول سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف اهـ
وَاعْلَم أَن هَذَا الْكتاب بديع فِي بَابه غَرِيب فِي منواله قد اشْتَمَل من التوريات والنكات ومقتضيات الْأَحْوَال على مَا يشْهد لمنشئه بالمعرفة والمهارة والبصيرة والبصارة رحمه الله وَفِي شَوَّال من هَذِه السّنة مرض السُّلْطَان رحمه الله مَرضا شَدِيدا أشرف مِنْهُ على الْهَلَاك بل أشاع المرجفون أَنه قد هلك واضطربت أَحْوَال الرّعية وَعَاد أَعْرَاب الْبَادِيَة إِلَى العيث فِي الطرقات واستلاب النَّاس بهَا من الْمَارَّة وَغَيرهم وحاصر عرب عَامر مَدِينَة سلا وعاثوا فِي جناتها وَمنعُوا الدَّاخِل إِلَيْهَا وَالْخَارِج مِنْهَا وغلقت الْأَبْوَاب وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى عيد الْأَضْحَى ثمَّ ورد الْخَبَر الْيَقِين بإبلال السُّلْطَان وإفاقته من علته وَكَانَت علته الدَّاء الْمَعْرُوف بالخوانق بلغ بِهِ إِلَى حد الْيَأْس والإشراف ثمَّ تدارك الله الْمُسلمين بِلُطْفِهِ وَمن على إمَامهمْ بعافيته فأعملت المفرحات والولائم فِي جَمِيع الْأَمْصَار
قَالَ أَبُو عبد الله أكنسوس مَا ملخصه لما أَفَاق السُّلْطَان رحمه الله من علته هَذِه كتب حجاب الحضرة ووزراؤها لِابْنِهِ الْخَلِيفَة الْمُنْتَصر بِاللَّه أبي عَليّ الْمولى حسن بن مُحَمَّد يهنئونه بعافية السُّلْطَان فَأمر هَذَا الْخَلِيفَة أعزه الله بِإِخْرَاج المدافع والأنفاض حَتَّى اهتزت الْجبَال ثمَّ دَعَا أيده الله النَّاس الدعْوَة الحفلا فَلم يتَخَلَّف مِمَّن كَانَ بمراكش أحد من الْعُقَلَاء فَأمر أيده الله بتهيئة جنان رضوَان ففتحت أبوابه وفرشت قصوره وقبابه وفجرت أنهاره حَتَّى تفتقت أزهاره وَحضر وُجُوه الدولة وأعيانها ورؤساء الْقَبَائِل وأقيالها وَكَانَ ذَلِك بأثر عيد الْأَضْحَى قبل انْفِصَال وُفُود الْعِيد عَن الحضرة ثمَّ انْدفع عَلَيْهِم من الدَّار المولوية من سيول مَوَائِد الطَّعَام الفاخر مَا عَم الأول مِنْهُم وَالْآخر هَذَا للعامة الْمُطلقَة والأوزاع الملفقة وَأما الْخَواص وَالْوُجُوه