الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان النَّاصِر لدين الله يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق رَحمَه الله تَعَالَى
لما مرض السُّلْطَان يَعْقُوب بقصره من الجزيرة الخضراء مَرضه نساؤه وطيرن بالْخبر الى ولي عَهده الْأَمِير يُوسُف وَكَانَ يَوْمئِذٍ بالمغرب فاتصل بِهِ الْخَبَر وَهُوَ بأحواز فاس فأسرع السّير إِلَى طنجة وَقد مَاتَ أَبوهُ قبل وُصُوله فَأخذ الْبيعَة لَهُ الوزراء والأشياخ وَلما عبر إِلَيْهِم الْبَحْر واحتل بالجزيرة جددوا لَهُ الْبيعَة غرَّة صفر سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وأخذوها لَهُ على الكافة فاستتب ملكه واستقام أمره فَفرق الْأَمْوَال وأجزل الصلات وسرح السجون وَرفع عَن النَّاس الْأَخْذ بِزَكَاة الْفطر ووكلهم فِيهَا إِلَى أمانتهم وكف أَيدي الظلمَة والعمال عَن النَّاس وأزال المكوس وَرفع الأنزال عَن دور الرّعية وَصرف اعتناءه إِلَى إصْلَاح السابلة فأزال أَكثر الرتب والقبالات الَّتِي كَانَت بالمغرب إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا فِي الأقطار الخالية والمفازات المخوفة فخضعت مرين تَحت قهره وَصلح أَمر النَّاس فِي أَيَّامه وَكَانَ أول شَيْء أحدث من أمره أَن بعث إِلَى ابْن الْأَحْمَر وَضرب لَهُ موعدا للإجتماع بِهِ فبادر إِلَيْهِ ولقيه بِظَاهِر مربالة فِي الْعشْر الأول من ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة فلقاه السُّلْطَان مبرة وتكريما وتجافى لَهُ عَن جَمِيع الثغور الأندلسية الَّتِي كَانَت فِي مكلة أَبِيه وَنزل لَهُ عَنْهَا مَا عدى الجزيرة ورندة وطريف وتفرقا من مكانهما على أكمل حالات المصافاة والوصلة وَرجع السُّلْطَان يُوسُف إِلَى الجزيرة فَقدم عَلَيْهِ بهَا وَفد الطاغية سانجة مجددين عقد السّلم الَّذِي عقده لَهُم السُّلْطَان يَعْقُوب رحمه الله
وَلما تمهد للسُّلْطَان يُوسُف أَمر الأندلس عقد لِأَخِيهِ أبي عَطِيَّة الْعَبَّاس بن يَعْقُوب على الثغور الغربية وأوصاه بضبطها وَعقد للشَّيْخ الْمُجَاهِد أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن يزكاتن على مسلحتها وَجعل إِلَيْهِ أَمر الْحَرْب وأعنة الْخَيل وأمده بِثَلَاثَة آلَاف من بني مرين وَالْعرب ثمَّ عبر الْبَحْر إِلَى الْمغرب يَوْم
الِاثْنَيْنِ سَابِع ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة فَنزل بقصر الْمجَاز ثمَّ سَار إِلَى حَضْرَة فاس فَدَخلَهَا ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى مِنْهَا ولحين استقراره بهَا خرج عَلَيْهِ مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن عبد الْحق فِي بنيه وَإِخْوَته وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِ وَلحق بجبال ورغة ودعا لنَفسِهِ فسرح إِلَيْهِ السُّلْطَان يُوسُف أَخَاهُ أَبَا معرف مُحَمَّد بن يَعْقُوب فَبَدَا لَهُ فِي النُّزُوع إِلَيْهِم فلحق بهم وشايعهم على رَأْيهمْ من الْخلاف فأغزاهم السُّلْطَان يُوسُف عساكره وردد إِلَيْهِم الْبعُوث والكتائب ثمَّ تلطف فِي استنزال أَخِيه حَتَّى نزل على الْأمان وفر بَنو إِدْرِيس إِلَى تلمسان فَقبض عَلَيْهِم اثناء طريقهم وَجِيء بهم فِي الْحَدِيد إِلَى تازا فَبعث السُّلْطَان يُوسُف أَخَاهُ أَبَا زيان فَقَتلهُمْ خَارج بَاب الشَّرِيعَة مِنْهَا فِي رَجَب من السّنة ورهب الأعياص من بني عبد الْحق يَوْمئِذٍ وخافوا بادرة السُّلْطَان يُوسُف فَلَحقُوا بغرناطة ملتفين على بني إِدْرِيس مِنْهُم ثمَّ ارتحل السُّلْطَان فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة إِلَى مراكش لتمهيد نَوَاحِيهَا وتثقيف أطرافها فَدَخلَهَا فِي شَوَّال وَأقَام بهَا إِلَى رَمَضَان الْقَابِل من سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة فَنَهَضَ من مراكش لغزو عرب معقل بصحراء درعة لأَنهم كَانُوا قد اضروا بالرعايا وأفسدوا السابلة فَسَار إِلَيْهِم فِي اثْنَي عشر الْفَا من الْخَيل وَمر على بِلَاد هسكورة مُعْتَرضًا جبل درن وأدركهم نواجع بالقفر فأثخن فيهم بِالْقَتْلِ والسبي واستكثر من رؤوسهم فعلقت بشرفات مراكش وسجلماسة وفاس وقفل من غَزوه آخر شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة الى مراكش فنكب مُحَمَّد بن عَليّ بن محلى عاملها الْقَدِيم الْولَايَة بهَا من لدن انْقِرَاض الدولة الموحدية لما وَقع من الإرتياب بأولاد محلى بِكَثْرَة خُرُوجهمْ على الدولة وَكَانَت نكبته غرَّة محرم سنة سبع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَهلك فِي السجْن فِي صفر الموَالِي لَهُ وَعقد السُّلْطَان يُوسُف على مراكش وأعمالها لمُحَمد بن عطوا الجاناتي من موَالِي دولتهم وَلَاء حلف وَترك مَعَه ابْنه أَبَا عَامر عبد بن يُوسُف ثمَّ ارتحل السُّلْطَان يُوسُف إِلَى فاس فَدَخلَهَا منتصف ربيع من السّنة الْمَذْكُورَة
بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد ابْن عبد الله ومآثره وَسيرَته
كَانَ السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله محبا للْعُلَمَاء وَأهل الْخَيْر مقربا لَهُم لَا يغيبون عَن مَجْلِسه فِي أَكثر الْأَوْقَات وَكَانَ يحضر عِنْده جمَاعَة من أَعْلَام الْوَقْت وأئمته مِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة المشارك أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الإِمَام سَيِّدي عبد الله الغربي الرباطي والفقيه الْعَلامَة الْمُحَقق أَبُو عبد الله سَيِّدي مُحَمَّد المير السلاوي والفقيه الدراكة أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْكَامِل الرَّشِيدِيّ والفقيه السَّيِّد أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن الْمَدْعُو بِأبي خريص هَؤُلَاءِ هم أهل مَجْلِسه الَّذين كَانُوا يسردون لَهُ كتب الحَدِيث ويخوضون فِي مَعَانِيهَا ويؤلفون لَهُ مَا يَسْتَخْرِجهُ مِنْهَا على مُقْتَضى إِشَارَته وَكَانَت لَهُ عناية كَبِيرَة بذلك وجلب من بِلَاد الْمشرق كتبا نفيسة من كتب الحَدِيث لم تكن بالمغرب مثل مُسْند الإِمَام أَحْمد ومسند أبي حنيفَة وَغَيرهمَا وَألف رحمه الله فِي الحَدِيث تآليف بإعانة الْفُقَهَاء الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ آنِفا مِنْهَا كتاب مساند الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَهُوَ كتاب نَفِيس فِي مُجَلد ضخم الْتزم فِيهِ أَن يخرج من الْأَحَادِيث مَا اتّفق على رِوَايَته الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة أَو ثَلَاثَة مِنْهُم أَو اثْنَان فَإِذا انْفَرد بِالْحَدِيثِ إِمَام وَاحِد أَو رَوَاهُ غَيرهم لم يُخرجهُ وَهَذَا المنوال لم يسْبق إِلَيْهِ رحمه الله وَكَانَ كثيرا مَا يجلس بعد صَلَاة الْجُمُعَة فِي مَقْصُورَة الْجَامِع بمراكش مَعَ فقهائها وَمن يحضرهُ من عُلَمَاء فاس وَغَيرهمَا للمذاكرة فِي الحَدِيث الشريف وتفهمه وَيحصل لَهُ بذلك النشاط التَّام وَكَانَ كثيرا مَا يتأسف أثْنَاء ذَلِك وَيَقُول وَالله لقد ضيعنا عمرنا فِي البطالة ويتحسر على مَا فَاتَهُ من قِرَاءَة الْعلم أَيَّام الشَّبَاب وَلما فَاتَهُ الِاشْتِغَال بفنون الْعلم فِي حَال الصغر اعْتكف أَولا على سرد كتب التَّارِيخ وأخبار النَّاس وَأَيَّام الْعَرَب ووقائعها إِلَى أَن تملى من ذَلِك وَبلغ فِيهِ الْغَايَة القصوى وَكَاد يحفظ مَا فِي كتاب الأغاني لأبي الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ من كَلَام الْعَرَب وشعراء الْجَاهِلِيَّة
وَالْإِسْلَام وَلما ولاه الله أَمر الْمُسلمين بعد وَفَاة وَالِده زهد فِي التَّارِيخ وَالْأَدب بعد التضلع مِنْهُمَا وَأَقْبل على سرد كتب الحَدِيث والبحث عَن غريبها وجلبها من أماكنها ومجالسة الْعلمَاء والمذاكرة مَعَهم فِيهَا ورتب رحمه الله لذَلِك أوقاتا مضبوطة لَا تنخرم حذا بهَا حَذْو الْمَنْصُور السَّعْدِيّ فِي أوقاته المرسومة عِنْد الفشتالي فِي مناهل الصَّفَا حَتَّى أَنه كَانَ إِذا خرج لزيارة أَو صيد أَو نزهة أَيَّام الرّبيع وَأقَام الْأُسْبُوع وَنَحْوه فَإِذا حانت الْجُمُعَة وَدخل تحرى النُّزُول بمنازل الْمَنْصُور الَّتِي كَانَ ينزل بهَا وَقت خُرُوجه لزيارة أغمات وَنَحْوهَا ورجوعه وَيَقُول هَذِه منَازِل الْمَنْصُور رحمه الله وَهُوَ أستاذنا فِي مثل هَذِه الْأُمُور وَمن عَجِيب سيرته رحمه الله أَنه كَانَ يرى اشْتِغَال طلبة الْعلم بِقِرَاءَة المختصرات فِي فن الْفِقْه وَغَيره وإعراضهم عَن الْأُمَّهَات المبسوطة الْوَاضِحَة تَضْييع للأعمار فِي غير طائل وَكَانَ ينْهَى عَن ذَلِك غَايَة وَلَا يتْرك من يقْرَأ مُخْتَصر خَلِيل ومختصر ابْن عَرَفَة وأمثالهما ويبالغ فِي التشنيع على من اشْتغل بِشَيْء من ذَلِك حَتَّى كَاد النَّاس يتركون قِرَاءَة مُخْتَصر خَلِيل وَإِنَّمَا كَانَ يحض على كتاب الرسَالَة والتهذيب وأمثالهما حَتَّى وضع فِي ذَلِك كتابا مَبْسُوطا أَعَانَهُ عَلَيْهِ أَبُو عبد الله الغربي وَأَبُو عبد الله المير وَغَيرهمَا من أهل مَجْلِسه
وَلما أفْضى الْأَمر إِلَى السُّلْطَان الْعَادِل الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله صَار يحض النَّاس على التَّمَسُّك بالمختصر ويبذل على حفظه وتعاطيه الْأَمْوَال الطائلة وَالْكل مأجور على نِيَّته وقصده غير أَنا نقُول الرَّأْي مَا رأى السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رحمه الله وَقد نَص جمَاعَة من أكَابِر الْأَعْلَام النقاد مثل الإِمَام الْحَافِظ أبي بكر بن الْعَرَبِيّ وَالشَّيْخ النظار أبي إِسْحَاق الشاطبي والعلامة الواعية أبي زيد عبد الرَّحْمَن بن خلدون وَغَيرهم أَن سَبَب نضوب مَاء الْعلم فِي الْإِسْلَام ونقصان ملكة أَهله فِيهِ إكباب النَّاس على تعَاطِي المختصرات الصعبة الْفَهم وإعراضهم عَن كتب الأقدمين المبسوطة الْمعَانِي الْوَاضِحَة الْأَدِلَّة الَّتِي تحصل لمطالعها الملكة فِي أقرب مُدَّة ولعمري لَا يعلم هَذَا يَقِينا
نحارب هَؤُلَاءِ المفسدين فِي الْمحل الْمَشْهُور بالخميسات فَكَانَت الْمحَال لَا تستوعبهم قتلا ونهبا وتشريدا وَضَربا فَرَأَيْنَا هَذِه الْمرة أَن ننزل عَلَيْهِم أَولا بِعَين العرمة مَحل أفسدهم على الْإِطْلَاق والشمول والاستغراق فخيمنا بهَا أَيَّامًا ثمَّ رحلنا مِنْهَا ونزلنا بمحصى ثمَّ رحلنا مِنْهُ ونزلنا الخميسات وَفِي خلال مقامنا ورحيلنا حل ولدنَا سَيِّدي مُحَمَّد حفظه الله من الرِّبَاط وَنزل بتيفلت مَحل المفسدين ومحط رحال الْبُغَاة الْمُعْتَدِينَ وتقاربت المحلتان فعظمت على المفسدين بذلك النكاية وَبَلغت فيهم الْحَد وَالنِّهَايَة واشتغلت الْمحَال بِأَكْل زُرُوعهمْ وتبديدها واستخراج خباياهم قديمها وجديدها وهم حيارى ينظرُونَ وَإِلَى مَا حل بهم من الْبلَاء يبصرون وَكلما عزموا على المدافعة رجعُوا بالهوان وتخطفت رُؤُوس زعمائهم العقبان فعجزوا إِذا وَخَرجُوا من بِلَادهمْ وأيقنوا أَن الشَّقَاء الْمَكْتُوب عَلَيْهِم حكم بطردهم وبعادهم وَلم يبْق بهَا أنيس إِلَّا اليعافير والا العيس وتحصنوا بأوعارهم الْمَعْلُومَة وصياصيهم المشؤومة فِي جبال تنقبت بالغيوم وكادت تصافح النُّجُوم فَضَاقَ بهم الْحَال وَهلك الْعِيَال وضاعت الْأَمْوَال جوعا وعطشا وَتصرف فيهم الْبلَاء كَيفَ شَاءَ وَمَعَ تحصنهم بِتِلْكَ الأوعار وملتف تِلْكَ الْأَشْجَار كَانَت الجيوش تود أَن تقتحمها عَلَيْهِم وتهب نَفِيس أعمارها فِي أَخذهم وَنحن قد هبنا الرِّفْق الَّذِي يزين وَتَركنَا الْخرق الَّذِي يشين فَأمرنَا بالإمساك عَنْهُم حَتَّى تلفظهم أوعارهم وتحرقهم نارهم فَلَمَّا طَال بهم الأمد وتجرعوا حمى الكمد استجاروا بولدنا سَيِّدي مُحَمَّد حفظه الله فشفع عندنَا فيهم فَقبلنَا شَفَاعَته على شُرُوط قبلوها وَحُقُوق التزموها ومثالب نبذوها وجنحنا إِلَى الْحلم وَالْعَفو اللَّذين أَمر الله بهما وأسندنا أَمرهم إِلَى ولدنَا الْمَذْكُور قطعا لأعذارهم ونهضنا عَنْهُم وَالْحَمْد لله محتسبين وَالله أسَال توفيق الْمُسلمين أَجْمَعِينَ آمين فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة الْحَرَام عَام تِسْعَة وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف اه نَص الْكتاب الشريف
وَفِي هَذِه السّنة ظهر الْكَوْكَب ذُو الذَّنب أَيْضا وَفِي أوائلها استوزر السُّلْطَان رحمه الله الْفَقِيه الْعَلامَة الْأَفْضَل أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله
الصفار التطاوني عقب قدومه إِلَى مراكش وفيهَا تمّ بِنَاء البستيون الْعَظِيم بسلا الْمَوْضُوع بالزاوية الشمالية مِنْهَا على شاطىء الْبَحْر وَكَانَ الصائر عَلَيْهِ بِأَمْر السُّلْطَان من أحباس الْمَسْجِد الْأَعْظَم برباط الْفَتْح خَمْسُونَ ألف مِثْقَال أَو مَا يقرب مِنْهَا وفيهَا أَيْضا وَقعت نادرة بفاس وَهِي أَن الإِمَام كَانَ يخْطب يَوْم الْجُمُعَة بِمَسْجِد الْقرَوِيين فَسقط بالصف الثَّالِث مِنْهُ قِطْعَة من الجبص الْمَبْنِيّ بِهِ السّقف تزن نَحْو ربع قِنْطَار ففر النَّاس الَّذين كَانُوا بذلك الصَّفّ فَرَآهُمْ الَّذين من خَلفهم فَفرُّوا لفرارهم فَرَآهُمْ غَيرهم فَفَعَلُوا مثلهم حَتَّى تقوضت صُفُوف الْمَسْجِد كلهَا وَخَرجُوا يتسابقون إِلَى الْأَبْوَاب وَوَقع عَلَيْهَا ازدحام شَدِيد وجاوزت مقدمتهم سوق الشماعين وَتركُوا نعَالهمْ ولبدهم وطيالسهم بل وَقَلَانِسِهِمْ وَضاع من الْمَصَاحِف والأجزاء وَدَلَائِل الْخيرَات مَا لَا يُحْصى كل ذَلِك وهم لَا يَدْرُونَ مَا وَقع وَمَا تراجعوا إِلَّا بعد حِين
ثورة إِبْرَاهِيم يسمور اليزدكي بالصحراء
لما كَانَت أواسط إِحْدَى وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف ظهر إِبْرَاهِيم يسمور اليزدكي بصحراء تافيلالت وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن برابرة الصَّحرَاء يَوْمئِذٍ كَانُوا حزيين حزب آيت عطة وَلَهُم الْعِزَّة وَالْكَثْرَة بذلك الْقطر وحزب آيت يفلمان وهم دون ذَلِك وَكَانَت آيت عطة تؤذي الْأَشْرَاف بِتِلْكَ النَّاحِيَة وتسيء جوارهم فَقَامَ إِبْرَاهِيم هَذَا فِي آيت يفلمان وجنح إِلَى الْأَشْرَاف وَبَالغ فِي إكرامهم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم وَصَارَ يَأْمر قومه بِالْمَعْرُوفِ وينهاهم عَن الْمُنكر وَيذكر السُّلْطَان بِخَير ويحض قومه على طَاعَته حَتَّى اشْتهر بذلك الْقطر وَكثر الثَّنَاء عَلَيْهِ وَاتفقَ أَن حدث فِي أثْنَاء ذَلِك بَينهم وَبَين آيت عطة شنآن فزحف إِلَيْهِم إِبْرَاهِيم وأوقع بهم وقْعَة بعد الْعَهْد بِمِثْلِهَا فازداد قومه فِيهِ محبَّة وغبطة وعلقت بِهِ آمال الْأَشْرَاف وأحبوه لِأَن غَلَبَة آيت عطة يَوْمئِذٍ كَانَت من الْأَمر الْغَرِيب وانضم إِلَى ذَلِك بسط يَده بالعطاء للبعيد والقريب واتصل خَبره بالسلطان وَكَانَ من طبعه رحمه الله محبَّة أهل الْخَيْر والجنوح لَهُم فَأقبل عَلَيْهِ