الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الْحق فَخرج من رِبَاط الْفَتْح وأسلمه فضبطه السُّلْطَان وثقفه ثمَّ نَهَضَ إِلَى بِلَاد تأمسنا فاستولى عَلَيْهَا وَملك مَدِينَة آنفى وَهِي الْمُسَمَّاة الْآن بِالدَّار الْبَيْضَاء فضبطها وَلحق يَعْقُوب بن عبد الله بحصن علودان من جبال غمارة فَامْتنعَ بِهِ وسرح السُّلْطَان ابْنه أَبَا مَالك عبد الْوَاحِد وَعلي بن زيان لمنازلته وَسَار هُوَ إِلَى لِقَاء يغمراسن فَلَقِيَهُ وَعقد مَعَه المهادنة وافترقا على السّلم وَوضع أوزار الْحَرْب وَرجع السُّلْطَان إِلَى الْمغرب فَخرج عَلَيْهِ بَنو أَخِيه إِدْرِيس على مَا نذكرهُ
خُرُوج بني إِدْرِيس بن عبد الْحق على عمهم السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله
قد تقدم لنا أَن الْأَمِير عبد الْحق المريني كَانَ لَهُ تِسْعَة من الْوَلَد أكبرهم إِدْرِيس وَقتل مَعَ وَالِده فِي حَرْب ريَاح وَكَانَ لإدريس هَذَا عدَّة أَوْلَاد بقوا فِي كَفَالَة أعمامهم وَلما أفْضى الْأَمر إِلَى السُّلْطَان يَعْقُوب وَكَانَ أَوْلَاد إِدْرِيس قد ملكوا أَمر أنفسهم واشتدت شكيمتهم فنفسوا عَلَيْهِ مَا أَتَاهُ الله من الْملك وَرَأَوا أَنهم أَحَق بِهِ مِنْهُ لِأَن أباهم هُوَ الْأَكْبَر من ولد عبد الْحق كَمَا مر فَخَرجُوا على عمهم يَعْقُوب وَلَحِقُوا بقصر كتامة وتابعوا ابْن عمهم يَعْقُوب بن عبد الله على رأية واجتمعوا الى كَبِيرهمْ مُحَمَّد بن ادريس بن عبد الْحق وانضم اليه من كَانَ على رَأْيهمْ من عشيرتهم ومواليهم واعتصموا بجبال غمارة فَنَهَضَ إِلَيْهِم السُّلْطَان يَعْقُوب وتلطف بهم حَتَّى اسْتَنْزَلَهُمْ واسترضاهم وَعقد لعامر بن إِدْرِيس مِنْهُم سنة سِتِّينَ وسِتمِائَة على عَسْكَر من ثَلَاثَة آلَاف فَارس أَو يزِيدُونَ من المتطوعة من بني مرين وأغزاهم الأندلس لجهاد الْعَدو بهَا وَحَملهمْ وَفرض لَهُم فِي الْعَطاء وشفع بِهَذِهِ الفعلة الْحَسَنَة عمله فِي وَاقعَة سلا وَهُوَ أول جَيش عبر الْبَحْر إِلَى الأندلس من بني مرين فَكَانَ لَهُم فِي الْجِهَاد والمرابطة مَوَاقِف مَذْكُورَة ومقامات محمودة تبع الْخلف فِيهَا السّلف ودام ذَلِك فيهم بُرْهَة من الدَّهْر وَقَامُوا عَن أهل الْمغرب والأندلس بِهَذَا الْوَاجِب الْعَظِيم رحمهم الله وجزاهم عَن الْمُسلمين خيرا
وَأما رُؤُوس الْقَتْلَى فقد أَمر السُّلْطَان رحمه الله بتوجيه نَحْو الثَّمَانِينَ مِنْهَا إِلَى سلا فعلقت بالصقالة الْقَرِيبَة من ضريح الشَّيْخ ابْن عَاشر رضي الله عنه وَبعد هَذَا وَقع الصُّلْح مَعَ جنس الفرنسيس وانعقدت الشُّرُوط مَعَه كَمَا سَيَأْتِي
ثمَّ إِن السُّلْطَان رحمه الله قدم العرائش عقب الْوَقْعَة وَأقَام بهَا شهرا واعتنى بشأنها فَبنى بهَا الصقائل والأبراج حَتَّى صَارَت من أعمر الثغور وبيد الله تصاريف الْأُمُور
مراسلة السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله لطاغية الإصبنيول وَمَا اتّفق فِي ذَلِك
كَانَ السَّبَب الَّذِي أوجب مراسلة السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله لطاغية الإصبنيول أَن جمَاعَة من أسرى الْمُسلمين الَّذين كَانُوا بأصبانيا كتبُوا مكاتيب عديدة إِلَى السُّلْطَان رحمه الله يعلمونه بِمَا هم فِيهِ من ضيق الْأسر وَثقل الإصر وَمَا نالهم من الْكفَّار من الامتهان وَالصغَار وَكَانَ فيهم من ينتمي للْعلم وَمن يقْرَأ الْقُرْآن وَغير ذَلِك فَلَمَّا وصلت كتبهمْ إِلَى السُّلْطَان وقرئت عَلَيْهِ تأثر لذَلِك وَوَقعت مِنْهُ موقعا كَبِيرا وَأمر فِي الْحسن بالكتب إِلَى طاغية الإصبنيول يَقُول لَهُ إِنَّه لَا يسعنا فِي ديننَا إهمال الْأُسَارَى وتركهم فِي قيد الْأسر وَلَا حجَّة فِي التغافل عَنْهُم لمن ولاه الله الْأَمر وَفِيمَا نظن أَنه لَا يَسَعكُمْ ذَلِك فِي دينكُمْ أَيْضا وأوصاه أَن يعتني بخواص الْمُسلمين الَّذين هُنَالك من أهل الْعلم وَحَملَة الْقُرْآن وَأَن لَا يسْلك بهم مَسْلَك غَيرهم من عَامَّة الْأُسَارَى قَالَ مثل مَا نَفْعل نَحن بأساركم من الفرايلية فَإنَّا لَا نكلفهم بِخِدْمَة وَلَا نخفر لَهُم ذمَّة
فَلَمَّا وصل هَذَا الْكتاب إِلَى الطاغية أعظمه وَكَاد يطير سُرُورًا بِهِ وللحين أَمر بِإِطْلَاق الْأُسَارَى الَّذين بِحَضْرَتِهِ وَبعث بهم إِلَى السُّلْطَان ووعده أَن يلْحق بهم غَيرهم من الَّذين بقوا بِسَائِر إيالته فَوَقع ذَلِك من السُّلْطَان رَحمَه
(فجَاء الْعَفو مِنْك وهم ثَلَاث
…
أَسِير أَو كسير أَو ذبيح)
(وَقد قسمت بِلَادهمْ بِعدْل
…
ودورهم كَمَا قسم الوطيح)
(وَقد نظمت مكايدهم قَدِيما
…
بني سعد وزيدان نطيح)
(فظنوا آل إِسْمَاعِيل يرنو
…
لغير الحزم طرفهم الطموح)
(وَمَا علمُوا بأنكم سيوف
…
لحدكم نجيعهم سفوح)
(أَبَا زيد إِذا تبقى عَلَيْهِم
…
بصفح رُبمَا نَدم الصفوح)
(فَلَا تحلم فَإِن الْجرْح يكوي
…
طريا بالمحاور أَو يقيح)
(فَلَا زَالَت بك الدُّنْيَا عروسا
…
ومجدك من مفارقها يفوح)
وَمن ذَلِك قَول بَعضهم وَلَعَلَّه الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد عبد الله الديماني قَالَ
(بشرى تقر بأعين الْإِيمَان
…
كالوصل ينْسَخ دولة الهجران)
(جاد الزَّمَان بهَا على مقداركم
…
فتقاصرت عَنْهَا خطا الأذهان)
(أَيْن المفر لمن عَنَّا عَن أَمركُم
…
أَتَرَى البغاث تفوت مَا لعقبان)
(الْأَمر أَمر الله غير مُنَازع
…
لَاحَ الصَّباح لمن لَهُ عينان)
(يَا من يُطَالب أَمرهم بدلائل
…
أتطالب الْبُرْهَان بالبرهان)
(إِن كنت تجْهَل فالحسام معلم
…
يشفي البريء بِهِ ويشقي الْجَانِي)
(كم من غوي قد عتا عَن أَمرهم
…
كزرارة فَمضى إِلَى الخسران)
(أَيْن المفر لمن عتا عَن أَمركُم
…
يَوْم الكفاح إِذا التقى الْجَمْعَانِ)
(لم يمْنَع الْأَعْدَاء مِنْهُم معقل
…
لَو أَنهم صعدوا إِلَى كيوان)
(لكِنهمْ باؤوا بأخسر صَفْقَة
…
فكأنهم غصبوا أَبَا غبشان)
(جَيش تسد وفوده مسرى الصِّبَا
…
وتهد وطأته ذرى ثهلان)
(يَا مَالِكًا مَلأ الْوُجُود محاسنا
…
لَا تختفي عَن أعين العميان)
(أجريت بَين المعتقين مكارما
…
يسلوا الْغَرِيب بهَا عَن الأوطان)
(لوقيل للغيث اعْترف لم يعْتَرف
…
إِلَّا بِفضل نداكم الهتان)
(إِنْسَان عين الدَّهْر أَنْت وَإِنَّمَا
…
تَكْمِيل شكل الْعين بالإنسان)
(ذكراك بالأفواه تعذب كاللما
…
وتخف كالبشرى على الآذان)
(أيقظت جفن الْحق من إغفائه
…
وأقمت مَيْلَة عطفه الكسلان)