الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجَاوز حد الْعَادة وَعجز وجدهم عَنْهَا فَكَانَ ثمن مكيال الْقَمْح ومقداره اثْنَا عشر رطلا وَنصف مثقالين وَنصفا من الذَّهَب الْعين وَثمن الشَّخْص الْوَاحِد من الْبَقر سِتِّينَ مِثْقَالا وَمن الضَّأْن سَبْعَة مَثَاقِيل وَنصفا وأثمان اللَّحْم من الْجِيَف الرطل من لحم البغال وَالْحمير بِثمن المثقال وَمن الْخَيل بِعشر المثقال والرطل من الْجلد البقري ميتَة أَو مذكى بِثَلَاثِينَ درهما والهر الداجي بمثقال وَنصف وَالْكَلب بِمثلِهِ والفأر بِعشْرَة دَرَاهِم والحية بِمثل ذَلِك والدجاجة بِثَلَاثِينَ درهما وَالْبيض وَاحِدَة بِسِتَّة دَرَاهِم والعصافير كَذَلِك وَالْأُوقِية من الزَّيْت بِاثْنَيْ عشر درهما وَمن السّمن بِمِثْلِهَا وَمن الشَّحْم بِعشْرين درهما وَمن الْملح بِعشْرَة دَرَاهِم وَمن الْحَطب كَذَلِك وَالْأَصْل الْوَاحِد من الكرنب بِثَلَاثَة أَثمَان المثقال وَمن الخس بِعشْرين درهما وَمن اللفت بِخَمْسَة عشر درهما والواحدة من القثاء والفقوس بِأَرْبَعِينَ درهما وَالْخيَار بِثَلَاثَة أَثمَان الدِّينَار والبطيخ بِثَلَاثِينَ ردهما والحبة من التِّين والإجاص بِدِرْهَمَيْنِ واستهلك النَّاس أَمْوَالهم وموجودهم وَضَاقَتْ أَحْوَالهم وَهَلَكت حاميتهم فاعتزموا على الْإِلْقَاء بِالْيَدِ وَالْخُرُوج للاستماتة فَهَيَّأَ الله لَهُم الصنع الْغَرِيب وَنَفس عَن مخنقهم بمهلك السُّلْطَان يُوسُف على يَد الْخصي الْمُرِيب وأذهب الله العناء عَن آل زيان وقومهم وَخَرجُوا كَأَنَّمَا نشرُوا من الْقُبُور وَكَتَبُوا بعد هَذِه الْحَادِثَة فِي سكنهم مَا أقرب فرج الله استغرابا لَهَا
قَالَ ابْن خلدون حَدثنِي شَيخنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الابلي قَالَ جلس السُّلْطَان أَبُو زيان بن عُثْمَان بن يغمراسن صَبِيحَة يَوْم الْفرج وَهُوَ يَوْم الْأَرْبَعَاء سَابِع ذِي الْقعدَة فِي زَاوِيَة من زَوَايَا قصره يفكر واستدعى ابْن جحاف خَازِن الزَّرْع فَسَأَلَهُ كم بَقِي من الأهراء والمطامير المختومة فَقَالَ لَهُ إِنَّمَا بَقِي عولة الْيَوْم وغد فاستوصاه بكتمان ذَلِك وبينما هم يتذاكرون فِي ذَلِك دخل عَلَيْهِم أَخُوهُ أَبُو حمو فأخبروه بذلك فَوَجَمَ وجلسوا سكُوتًا لَا ينطقون
وَإِذا بدعد قهرمانة الْقصر وَكَانَت وصيفة من وصائف بنت السُّلْطَان أبي إِسْحَاق حظية أَبِيهِم قد خرجت من الْقصر إِلَيْهِم وحيتهم وَقَالَت لَهُم تَقول لكم خَطَايَا قصركم وَبَنَات زيان حرمكم مَا لنا وللبقاء وَقد أحيط بكم وأسف عَدوكُمْ لالتهامكم وَلم يبْق الأفواق نَاقَة لمصارعكم فأريحونا من معرة السَّبي وقربونا إِلَى مصارعنا وأريحوا أَنفسكُم فِينَا فالحياة فِي الذل عَذَاب والوجود بعدكم عدم فَالْتَفت أَبُو حمو إِلَى أَخِيه أبي زيان وَكَانَ من الشَّفَقَة بمَكَان فَقَالَ قد صدقتك الْخَبَر فَمَا تنْتَظر بِهن فَقَالَ يَا مُوسَى أرجئني ثَلَاثًا لَعَلَّ الله يَجْعَل بعد عسر يسرا وَلَا تشاورني بعْدهَا فِيهِنَّ بل سرح الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِلَى قتلهن وَتَعَالَى إِلَيّ نخرج مَعَ قَومنَا إِلَى عدونا فنستميت وَيَقْضِي الله مَا شَاءَ فَغَضب أَبُو حمو وَأنكر عَلَيْهِ التَّأْخِير فِي ذَلِك وَقَالَ إِنَّمَا نَحن وَالله نتربص المعرة بِهن وبأنفسنا وَقَامَ عَنهُ مغضبا وجهش السُّلْطَان أَبُو زيان بالبكاء قَالَ أَيْن جحاف وَأَنا بمكاني بَين يَدَيْهِ لَا أملك مُتَأَخِّرًا وَلَا مُتَقَدما إِلَى أَن غلب عَلَيْهِ النّوم فَمَا راعني إِلَّا حرسي يالباب يُشِير إِلَيّ أَن أعلم السُّلْطَان بمَكَان رَسُول جَاءَ من محلّة بني مرين وَهَا هُوَ بسدة الْقصر قَالَ ابْن جحاف فَلم أطق رد جَوَابه إِلَّا بِالْإِشَارَةِ وانتبه السُّلْطَان من همسنا فَزعًا فأعلمته فاستدعاه للحين فَلَمَّا وقف بَين يَدَيْهِ قَالَ إِن السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب هلك السَّاعَة وَأَنا رَسُول حافده أبي ثَابت إِلَيْكُم فَاسْتَبْشَرَ السُّلْطَان أَبُو زيان واستدعى أَخَاهُ وَقَومه حَتَّى بلغ الرَّسُول الْمَذْكُور رسَالَته بمسمع مِنْهُم فَكَانَت إِحْدَى المغربات فِي الْأَيَّام وَكَانَ من خبر هَذِه الرسَالَة أَن السُّلْطَان يُوسُف لما هلك تطاول لِلْأَمْرِ بعده القربابه من إخْوَته وَولده وحفدته وتحيز حافده أَبُو ثَابت إِلَى بني ورتاجن لخؤلة كَانَت لَهُ فيهم فاستجاش بهم واعصوصبوا عَلَيْهِ وَبعث إِلَى بني زيان أَن يعطوه آلَة الْحَرْب ويكونوا مفزعا لَهُ إِن أخفق مسعاه على أَنه إِن تمّ أمره قوض عَنْهُم معسكر بني مرين وَأَفْرج عَنْهُم فعاقدوه على ذَلِك فوفى لَهُم لما تمّ أمره وَنزل لَهُم عَن جَمِيع الْأَعْمَال الَّتِي كَانَ السُّلْطَان يُوسُف غلب عَلَيْهَا من بِلَادهمْ ورحلوا إِلَى مغربهم وَالله غَالب على أمره
بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان يُوسُف وَسيرَته
كَانَ السُّلْطَان يُوسُف رحمه الله أَبيض حسن الْقد مليح الْوَجْه أقنى الْأنف مهيبا لَا يكَاد أحد يبدأه بالْكلَام جوادا مشفقا على الرّعية متفقدا لأحوالها شجاعا شهما ذَا عَزِيمَة
(إِذا هم ألْقى بَين عَيْنَيْهِ همه
…
ونكب عَن ذكر العواقب جانبا)
وَهُوَ أول من هذب ملك بني مرين وأكسبه رون لحضارة وبهاء الْملك وَكَانَ غليظ الْحجاب لَا يكَاد يُوصل إِلَيْهِ إِلَّا بعد الْجهد وَمن أَعْيَان كِتَابه الْكَاتِب أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أبي مَدين العثماني وَمن أَعْيَان شعرائه أَبُو الحكم مَالك بن المرحل السبتي وَأَبُو فَارس عبد الْعَزِيز الملزوزي المكناسي وَغَيرهمَا وَالله تَعَالَى أعلم
ولنذكر مَا كَانَ فِي هَذِه الْمدَّة من الْأَحْدَاث فَفِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَهِي السّنة الَّتِي بُويِعَ فِيهَا السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق كَانَ الرخَاء المفرط بالمغرب بِحَيْثُ كَانَ الدَّقِيق يُبَاع بفاس وَغَيرهَا ربع مِنْهُ بدرهم والقمح سِتَّة دَرَاهِم للصحفة وَالشعِير ثَلَاثَة دَرَاهِم للصحفة وَأما القطاني فَلم يكن لَهَا ثمن وَالْعَسَل ثَلَاثَة أَرْطَال بدرهم وَالزَّيْت أَرْبَعُونَ أُوقِيَّة بدرهم وَالزَّبِيب دِرْهَم وَنصف للربع وَالثَّمَر ثَمَانِيَة أَرْطَال بدرهم واللوز صَاع بدرهم والشابل الطري فردة بقيراط وَالْملح حمل بدرهم وَلحم الْبَقر مائَة أُوقِيَّة بدرهم وَلحم الضَّأْن سَبْعُونَ أُوقِيَّة بدرهم والكبش بِخَمْسَة دَرَاهِم وَهَكَذَا
وَفِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وستمائه ظهر النَّجْم أَبُو الذوائب وَكَانَ ابْتِدَاء ظُهُوره لَيْلَة الثُّلَاثَاء الثَّانِي عشر من شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة وَبَقِي يطلع كل لَيْلَة وَقت السحر نَحوا من عشْرين يَوْمًا
وَفِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة كَانَ دُخُول الشريف الْمولى حسن بن قَاسم الحسني من أَرض يَنْبع الْحجاز إِلَى سجلماسة وَهَذَا الشريف هُوَ جد الْأَشْرَاف العلويين السجلماسيين مُلُوك الْمغرب الْأَقْصَى فِي عصرنا هَذَا أَعلَى
الله تَعَالَى قدرهم وخلد مجدهم وفخرهم وَعند الْكَلَام على دولتهم السعيدة نذْكر كَيْفيَّة دُخُول هَذَا الشريف إِلَى الْمغرب وَالسَّبَب فِيهِ إِن شَاءَ الله
وَفِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة سرق من بَيت المَال بقصبة فاس اثْنَا عشر ألف دِينَار وَثَلَاث قلائد يساوين أَكثر من ذَلِك
وَفِي حُدُود السّبْعين وسِتمِائَة كَانَ ظُهُور البارود على مَا مر من أَن السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق فتح بِهِ سجلماسة فِي هَذِه الْمدَّة وَالله تَعَالَى أعلم
وَفِي سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة بنى الْمَسْجِد الْجَامِع بفاس الْجَدِيد وَفِي سنة تسع وَسبعين وسِتمِائَة علقت بِهِ ثرياه وَذَلِكَ يَوْم السبت السَّابِع وَالْعِشْرين من ربيع الأول مِنْهَا وَوزن هَذِه الثريا سَبْعَة قناطير وَخَمْسَة عشر رطلا وَعدد كؤوسها مِائَتَا كأس بالتثنية وَسبع وَثَمَانُونَ كأسا وفيهَا كَانَ الْجَرَاد الْعَام بالمغرب أكل الجسر وَالزَّرْع وَلم يتْرك خضراء على وَجه الأَرْض وَبلغ الْقَمْح عشرَة دَرَاهِم للصاع
وَفِي سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة بنيت قنطرة وَادي النجَاة وقنطرة ماريج
وَفِي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة كَانَ بالمغرب قحط شَدِيد لم ير النَّاس قَطْرَة مَاء حَتَّى كَانَ الْيَوْم السَّابِع وَالْعشْرُونَ من رَمَضَان وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي توفيت فِيهِ الْحرَّة أم الْعِزّ بنت مُحَمَّد بن حَازِم العلوية من بني عَليّ بن عَسْكَر وَهِي أم السُّلْطَان يُوسُف فغاث الله الْعباد وأحيى برحمته الْبِلَاد
وَفِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بنيت قَصَبَة تطاوين وفيهَا ركبت الناعورة الْكُبْرَى على وَاد فاس شرع فِي عَملهَا فِي رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة ودارت فِي صفر من السّنة بعْدهَا
وَفِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة بني سور قصر الْمجَاز وَركبت أبوابه وفيهَا غرس بُسْتَان المصارة بفاس الْجَدِيد وبنيت الدَّار الْبَيْضَاء بهَا أَيْضا
وَفِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة كَانَت الرّيح الشرقية المتوالية الهبوب وَنَشَأ عَنْهَا الْقَحْط الشَّديد وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى آخر سنة تسعين بعْدهَا فرحم الله
حُدُوث الْفِتْنَة بالمغرب وَظُهُور الْمُلُوك الثَّلَاثَة من أَوْلَاد سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَمَا نَشأ عَن ذَلِك
لما قتل الْمولى يزِيد رحمه الله بمراكش افْتَرَقت الْكَلِمَة بالمغرب فَأَقَامَ أهل الْحَوْز وَأهل مراكش على التَّمَسُّك بدعوة الْمولى هِشَام وشايعه على أمره الْقَائِد أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر الْعَبْدي صَاحب آسفي وأعمالها والقائد أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْهَاشِمِي بن عَليّ بن العروسي الدكالي البوزراري وَكَانَ الْمولى مسلمة بن مُحَمَّد شَقِيق الْمولى يزِيد خَليفَة عَنهُ بِبِلَاد الهبط والجبل يدبر الْأَمر بثغورها وَينظر فِي أمورها فَلَمَّا اتَّصل بِهِ خبر وَفَاة أَخِيه دَعَا إِلَى نَفسه أهل تِلْكَ الْبِلَاد فَبَايعُوهُ واتفقت كلمتهم عَلَيْهِ وَوصل خبر موت الْمولى يُزْبِد إِلَى فاس وأعمالها فَبَايعُوا الْمولى سُلَيْمَان بن مُحَمَّد رحمه الله وَكَانَ من أمره مَا نذكرهُ
الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الرّبيع الْمولى سُلَيْمَان بن مُحَمَّد رحمه الله
كَانَ الْمولى سُلَيْمَان بن مُحَمَّد رحمه الله أعلق بقلب أَبِيه من سَائِر إخْوَته على مَا قيل لسعيه فِيمَا يُرْضِي الله وَرَسُوله ويرضي وَالِده واشتغاله بِالْعلمِ والعكوف عَلَيْهِ بسجلماسة وَغَيرهَا وَلم يلْتَفت قطّ إِلَى شَيْء مِمَّا كَانَ يتعاطاه إخْوَته الْكِبَار وَالصغَار من أُمُور اللَّهْو كالصيد وَالسَّمَاع ومعاقرة الندمان وَمَا يزري بالمروءة وَلم يَأْتِ فَاحِشَة قطّ من صغره إِلَى كبره وَكَانَ رحمه الله يرى لَهُ ذَلِك ويثيبه عَلَيْهِ بالعطايا الْعَظِيمَة والذخائر النفيسة وَالْأُصُول الْمُعْتَبرَة الَّتِي تغل الْألف وَأكْثر وينوه بِذكرِهِ فِي المحافل وَيبْعَث إِلَيْهِ بأعيان الْفُقَهَاء والأدباء إِلَى سجلماسة ليقْرَأ عَلَيْهِم وَيَأْخُذ عَنْهُم وَيَدْعُو لَهُ فِي كل موقف على رُؤُوس الأشهاد وَيَقُول إِن وَلَدي سُلَيْمَان رضي الله عنه لم يبلغنِي عَنهُ قطّ مَا يكدر باطني عَلَيْهِ فأشهدكم أَنِّي عَنهُ رَاض وَنَشَأ رحمه الله نشأة حَسَنَة
طيبَة وَكَانَت شمائل الْملك لائحة عَلَيْهِ إِلَى أَن أظفره الله بِهِ وَكُنَّا قدمنَا أَنه قدم على أَخِيه الْمولى يزِيد بقبائل الصَّحرَاء فأجل مقدمه وَأكْرم وفادته فَأَقَامَ الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله بفاس إِلَى أَن كَانَت وَفَاة الْمولى يزِيد فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم فاتصل خبر مَوته بِأَهْل فاس ومكناسة فَقَامُوا على سَاق وَاتفقَ العبيد والودايا والبربر وَأهل فاس على بيعَته لما كَانَ عَلَيْهِ من الْعلم وَالدّين وَالْفضل وَسَائِر الْأَوْصَاف الحميدة الَّتِي تفرد بهَا عَن غَيره وَلما قدم العبيد والبربر من مكناسة إِلَى فاس اجْتَمعُوا بأعيان الودايا وَأهل فاس ودخلوا ضريح الْمولى إِدْرِيس رضي الله عنه وَبَايَعُوا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى سُلَيْمَان يَوْم الأثنين سَابِع عشر رَجَب سنة سِتّ وَمِائَتَيْنِ وَألف وَلما تمت بيعَته انْتقل إِلَى فاس الْجَدِيد فاستقر بدار الْملك مِنْهَا وقدمت عَلَيْهِ وُفُود الْقَبَائِل من الْعَرَب والبربر بهداياهم ثمَّ قدم عَلَيْهِ بعدهمْ قبائل بني حسن وَأهل الغرب ثمَّ أهل العدوتين سلا ورباط الْفَتْح وانحرف بعض أهل رِبَاط الْفَتْح عَن بيعَته كَمَا سَيَأْتِي ثمَّ قدم عَلَيْهِ أهل الثغور الهبطية بعد أَن توقفوا عَن بيعَته مُدَّة يسيرَة لأَنهم كَانُوا قد بَايعُوا الْمولى مسلمة كَمَا مر
وَنَصّ بيعَة أهل فاس الْحَمد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه الْحَمد لله الَّذِي نظم بالخلافة شَمل الدّين وَالدُّنْيَا وَأَعْلَى قدرهَا على كل قدر فَكَانَت لَهَا الدرجَة الْعليا وأشرق شمسها على العوالم وأنار بنورها المعالم وَأصْلح بهَا أَمر المعاش والمعاد وَألف بهَا بَين قُلُوب الْعباد من الْحَاضِر والباد وَجعلهَا صونا للدماء وَالْأَمْوَال والأعراض وغل بهَا أَيدي الْجَبَابِرَة فَلم تصل إِلَى مفاسد الْأَغْرَاض وَقَامَ بهَا أَمر الْخلق واستقام وأقيمت الشَّرَائِع وَالْحُدُود وَالْأَحْكَام وَنصب منارها علما هاديا وأقامه إِلَى الْحق دَاعيا فأوى لظلها الوريف الْقوي والضعيف والمشروف والشريف فسبحان من قدر فهدى وَلم يتْرك الْإِنْسَان سدى بل أمره وَنَهَاهُ وحذره اتِّبَاع هَوَاهُ وطوقه الْقيام بالنفل وَالْفَرْض وَهُوَ أحكم
الْحَاكِمين {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض وَلَكِن الله ذُو فضل على الْعَالمين} الْبَقَرَة 25 فَمن رَحمته نصب الْمُلُوك ومهد الطَّرِيق للسير والسلوك وَلَو ترك النَّاس فوضى لأكل بَعضهم بَعْضًا وَآل الْأَمر إِلَى الخراب وأفضى لَوْلَا الْخلَافَة لم تؤمن لنا سبل وَكَانَ أضعفنا نهبا لقوانا وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على الْمَبْعُوث رَحْمَة للأنام أصل الْوُجُود ومبدأه وَغَايَة الْكَمَال ومنتهاه سيد الْأَوْلِيَاء وَإِمَام الْأَنْبِيَاء وقائد الأصفياء وعَلى آله أولي الْمجد العميم وَالْقدر الْعَظِيم وَأَصْحَابه الْخُلَفَاء الرَّاشِدين والهداة المهتدين الَّذين شيدوا أَرْكَان الدّين ومهدوا قَوَاعِده للمشيدين وأخبروا عَنهُ وأسندوا إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إِن الله اخْتصَّ بِهَذَا الْأَمر قُريْشًا وَأنزل عَلَيْهِ {وَالله يُؤْتِي ملكه من يَشَاء} الْبَقَرَة 247 هَذَا وَلما قضى الله سُبْحَانَهُ وَله الْبَقَاء والدوام بنزول مَا لَا بُد مِنْهُ من فَجْأَة الْحمام لمن كَانَ قَائِما بِهَذَا الْأَمر الْعَظِيم وانتقاله إِلَى دَار عَفوه ورضوانه العميم أسْكنهُ الله فسيح الْجنان وَسَقَى ثراه سحائب الرَّحْمَة والغفران وَجب على النَّاس نصب إِمَام لقَوْله عليه الصلاة والسلام من مَاتَ وَلَيْسَت فِي عُنُقه بيعَة مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة فجالت أفكارهم وخاصت عُقُولهمْ وأنظارهم فِيمَن يقدمُونَ لهَذَا المنصب الْأَعْظَم ويسلك بهم السَّبِيل الأقوم فهداهم التَّوْفِيق والتسديد والرأي الصَّالح السديد إِلَى من نَشأ فِي عفة وصيانة ومروءة وديانة وعكوف على تَحْصِيل الْعلم الشريف ودؤب على التحلي بحلى الْعَمَل المنيف مَعَ نجدة ونباهة وذكاء وفطانة ونزاهة وعلو همة وَقُوَّة عَزمَة وتدبير وسياسة وَخَبره بالأمور وفراسة فَتى جمع الله لَهُ بَين الصرامة والحلم وزاده بسطة فِي الْعلم والجسم وَألبسهُ الهيبة وَالْوَقار ورقاه أَعلَى رتب الْعِزّ والفخار وَهُوَ السّري الْمُقدم الشهم الأبر الْهمام ذُو الْأَخْلَاق الطاهرة الزكية والمآثر الظَّاهِرَة السّنيَّة عالي الْقدر والشأن فريد الْعَصْر ووحيد الأوان أَبُو الرّبيع مَوْلَانَا سُلَيْمَان ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مُحَمَّد ابْن
مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الله ابْن مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِسْمَاعِيل ابْن مَوْلَانَا الشريف فانعقد الْإِجْمَاع من أهل هَذِه الحضرة الإدريسية وَمَا حولهَا من الْبِقَاع على تقدمه وإمامته وَاسْتَبْشَرُوا بإمرته وخلافته وَبَادرُوا إِلَى تَعْيِينه وَبَايَعُوهُ بيعَة انْعَقَد على ألوية النَّصْر عقدهَا وطلع فِي أفق الهناء سعدها حضرها الصُّدُور والأعيان وَأهل الوجاهة فِي هَذَا الزَّمَان وذوو الْحل وَالْعقد وَمن إِلَيْهِم الْقبُول وَالرَّدّ من عُلَمَاء وأعلام وَأَصْحَاب الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَام وَعُظَمَاء أَشْرَاف كرام ورماة كبرا وولاة أمرا ورؤساء أجناد والمتقدمين فِي كل نَاد من عرب البدو والحضر وجيوش العبيد والبربر فانعقدت بِحَمْد الله مؤسسة على التَّقْوَى وَاشْتَدَّ بهَا عضد الْإِسْلَام وتقوى بيعَة تَامَّة محكمَة الشُّرُوط وفية العهود وَثِيقَة الربوط جَارِيَة على سنَن السّنة وَالْجَمَاعَة سَالِمَة من كل كلفة ومشقة وتباعة رَضِي الْكل بهَا وارتضاها وألزم حكمهَا بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وأمضاها شهد بذلك الْحَاضِرُونَ على أنفسهم طَوْعًا وأدوا إِلَيْهِ تَعَالَى مَا وَجب عَلَيْهِم شرعا جعلهَا الله رَحْمَة على الْخلق وَأقَام بهَا فِي البسيطة الْعدْل وَالْحق وأيد بعونه وتأييده وتوفيقه وتسديده من تلقاها بِالْقبُولِ وَأَحْيَا بِهِ سنة سيدنَا ومولانا الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَشرف وكرم فهنيئا لأرضنا إِذْ أَلْقَت مقاليدها إِلَى من يحمي حماها ويحقن دماها ويكبت عَداهَا وَيدْفَع رداها وينصر الشَّرِيعَة ويشيد مبناها ويعلن بِحَقِيقَة الْحق ويوضح مَعْنَاهَا نَصره الله وَنصر بِهِ وأمات الْبدع والظلالة بِسَبَبِهِ وَدَمرَ بِهِ شيعَة الْجور وَالْفساد وَأبقى الْخلَافَة فِي بَيته إِلَى يَوْم التناد وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النبيئين وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ والراوين عَنْهُم والمتلقين مِنْهُم آمين وَفِي ثامن عشر رَجَب الْفَرد الْحَرَام من سِتَّة وَمِائَتَيْنِ وَألف من هِجْرَة الْمُصْطَفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وأزكى السَّلَام أفقر العبيد إِلَى الله سُبْحَانَهُ عبد الله تَعَالَى مُحَمَّد التاودي بن الطَّالِب ابْن سَوْدَة المري كَانَ الله لَهُ وليا وَبِه حفيا أَحْمد بن التاودي الْمَذْكُور أَخذ
الْخَمْسَة آلَاف وزحفوا إِلَى الْعَدو وقاتلوه نَحْو نصف شهر وكل يَوْم يقتل مِنْهُ ضعف مَا يقتل من الْمُسلمين لِأَن حربه كَانَ زحفا بالصف وحربهم كَانَ مطاردة بالكر والفر فَلَا بُد أَن يهْلك مِنْهُ أَكثر مِمَّا يهْلك من الْمُسلمين غير أَنهم لم يتمكنوا من مخالطته فِي مُعَسْكَره وَلَا من هزيمته لِأَنَّهُ كَانَ يحصن على نَفسه بأشبارات والمتارزات بخناشى الرمل وَغَيرهَا غَايَة التحصين ثمَّ بعث السُّلْطَان رحمه الله أَخَاهُ الْفَقِيه الْعَلامَة الْمولى الْعَبَّاس فِي كَتِيبَة من الْخَيل نَحْو الْخَمْسمِائَةِ فَارس فَنزل بِموضع يعرف بِعَين الدالية قرب طنجة ثمَّ بعد أَيَّام زحف إِلَى الْعَدو فَنزل بمدشر يُقَال لَهُ الْبيُوت باللانجرة وَاسْتمرّ الْقِتَال بَين الْمُسلمين وَالنَّصَارَى على نَحْو ماسبق نَحْو الْعشْرَة أَيَّام ثمَّ انْتقل الْمُسلمُونَ إِلَى مَوضِع آخر يعرف بِأبي كدان خوفًا من كرة الْعَدو ودهمه إيَّاهُم فَكَانَ ذَلِك مِمَّا جرأ الْعَدو عَلَيْهِم وَأظْهر الفشل فيهم وقاتلوا هُنَالك نَحْو الْخَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ إِن الْعَدو اجْتمع يَوْمًا وَتحمل بخيله وَرجله وزحف إِلَى الْمُسلمين فصدمهم بِجَمِيعِ قوته وشوكته فصبروا لَهُ وَصَدقُوهُ اللِّقَاء فَردُّوهُ على عقبه وَلما لم يستقم لَهُ ذَلِك جمع نَفسه ذَات لَيْلَة من غير شُعُور من الْمُسلمين وَركب الْبَحْر وَنزل بِمحل يعرف بالفنيدق لِأَنَّهُ كَانَ هُنَالك فندق قديم وَكَانَ الْعَدو فِي تنقلاته هَذِه لَا يُفَارق السَّاحِل ليحمي ظَهره بمراكبه البحرية وَكَانَ بَين الفندق ومحلة الْمُسلمين نَحْو سَاعَة وَنصف فَأَشَارَ أهل الرَّأْي على الْمولى الْعَبَّاس بِأَن يتَأَخَّر فليلا لكَون الْعَدو قد ضايقه فَتَأَخر الْمولى الْعَبَّاس بالجيش إِلَى مَوضِع يعرف بمجاز الْحَصَا فازداد طمع الْعَدو فِي الْمُسلمين وَظهر لَهُ ضعف رَأْيهمْ فِي مَكَائِد الْحَرْب وَعدم ثباتهم لَدَى الطعْن وَالضَّرْب وَكَانَ قَائِد عَسْكَر الإصبنيول يُسمى أردنيل ووزيره المشير عَلَيْهِ يُسمى بريم ورينتهم يَوْمئِذٍ إيسابيلا الثَّانِيَة ثمَّ عَاد الْمُسلمُونَ إِلَى مطاردة الْعَدو ومقاتلته على نَحْو مَا أسلفنا فَكَانُوا يذهبون إِلَيْهِ وَهُوَ بالفنيدق فيقاتلونه من الصَّباح إِلَى الْمسَاء فَكَانُوا ينالون مِنْهُ وينال مِنْهُم وَفِي أثْنَاء هَذِه الْمدَّة وَفد جمَاعَة من أهل تطاوين على السُّلْطَان رحمه الله بمكناسة فأعظموا أَمر الْعَدو
وتخوفوا معرته فِي مَالهم وَأَوْلَادهمْ لأَنهم كَانُوا قد أحسوا بِشدَّة شوكته فَوَعَدَهُمْ السُّلْطَان رحمه الله بِأَن يمدهُمْ ويحامي عَنْهُم وَلَا يدّخر عَنْهُم شَيْئا من الْعدَد وَالْعدَد حَتَّى يعْذر فيهم وَفِي غَيرهم ثمَّ إِن الْعَدو ارتحل من الفنيدق بعد نَحْو عشرَة أَيَّام وَتقدم نَحْو تطاوين وَكَانَ النَّاس قبل هَذَا لَا يَدْرُونَ أَيْن هُوَ قَاصد وَلما ارتحل من الفنيدق عرفُوا أَنه قَاصد تطاوين فَنزل بِموضع يُقَال لَهُ النيكرو فَأَقَامَ هُنَالك نَحْو ثَمَانِيَة أَيَّام والقتال على حَاله الْمُتَقَدّم غير أَن الْعَدو كَانَ فِي مَادَّة قَوِيَّة من الْبر وَالْبَحْر يصل إِلَيْهِ من سبتة وَغَيرهَا كل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من طَعَام وعلف وأرز وشعير وبقسماط وَغير ذَلِك حَتَّى أَنه كَانَ إِذا ارتحل ترك من ذَلِك فضلَة كَثِيرَة يتعيش فِيهَا ضعفاء أهل تِلْكَ النَّاحِيَة وَكَانَ ذَلِك مكيدة مَقْصُودَة عِنْده يظْهر بهَا الْقُوَّة والرفاهية وَكَانَ شذاذ المتطوعة من أهل الْبَادِيَة يهجمون على مُعَسْكَره بِاللَّيْلِ ويجلبون مِنْهُ البغال والنيران ويصبحون بهَا فِي تطاوين وَغَيرهَا وَكَانَ ضعفاء الْعُقُول من الْعَامَّة يستحسنون ذَلِك وينشطون لَهُ ويرون أَنهم قد صَنَعُوا شَيْئا مَعَ أَن ذَلِك لَا عِبْرَة بِهِ فِي جنب مَا كَانَ يستولي عَلَيْهِ الْعَدو من الأَرْض ويتقدم بِهِ فِي نحر الْمُسلمين وهم يتأخرون وَالْحَاصِل أَن الْمُسلمين لم يَكُونُوا يقاتلونه على تَرْتِيب مَخْصُوص وهيئة منضبطة إِنَّمَا كَانُوا يقاتلونه وهم متفرقون أَيدي سبا فَإِذا حَان الْمسَاء تفَرقُوا إِلَى محالهم فِي غير وَقت مَعْلُوم وعَلى غير تعبية فَكَانَ قِتَالهمْ على هَذَا الْوَجْه لَا يجدي شَيْئا وَكَانَ الْعَدو يُقَاتل بالصف وعَلى تَرْتِيب مُحكم وَكَانَت عنايته بِمَا يستولي عَلَيْهِ من الأَرْض وَيرى تقدمه إِلَى أَمَام وَتَأَخر الْمُسلمين بَين يَدَيْهِ إِلَى خلف هزيمَة عَلَيْهِم
وَقد ذكر ابْن خلدون فِي فصل الحروب قتال أهل الْمغرب الَّذِي هُوَ المطاردة بالكر والفر وعابه فَقَالَ وَصفَة الحروب الْوَاقِعَة بَين أهل الْخَلِيفَة مُنْذُ أول وجودهم على نَوْعَيْنِ نوع بالزحف صُفُوفا وَنَوع بالكر والفر أما الَّذِي بالزحف فَهُوَ قتال الْعَجم كلهم على تعاقب أجيالهم وَأما الَّذِي بالكر والفر فَهُوَ قتال الْعَرَب والبربر من أهل الْمغرب وقتال الزَّحْف أوثق وَأَشد
من قتال الْكر والفر وَذَلِكَ لِأَن قتال الزَّحْف ترَتّب فِيهِ الصُّفُوف وتسوى كَمَا تسوى القداح أَو صُفُوف الصَّلَاة ويمشون بصفوفهم إِلَى الْعَدو قدما فَلذَلِك تكون أثبت عِنْد المصارع وأصدق فِي الْقِتَال وأرهب لِلْعَدو لِأَنَّهُ كالحائط الممتد وَالْقصر المشيد لَا يطْمع فِي إِزَالَته
وَفِي التَّنْزِيل {إِن الله يحب الَّذين يُقَاتلُون فِي سَبيله صفا كَأَنَّهُمْ بُنيان مرصوص} الصَّفّ 4 اه ولازال الْعَدو هَكَذَا يتنقل شَيْئا فَشَيْئًا حَتَّى وصل إِلَى وَادي يعرف بوادي آسمير وَكَانَ يتحَرَّى فِي تنقلاته يَوْم السبت مُعْتَمدًا فِي ذَلِك حكما نجوميا على مَا قيل فَلَمَّا احتل بآسمير صَادف ريحًا شرقية هاج من أجلهَا الْبَحْر حَتَّى لم تقدر مراكبه أَن تحاذيه قرب السَّاحِل فَانْقَطَعت عَنهُ مَادَّة الْبَحْر وطلع مَاء الْبَحْر فِي وَادي النيكرو من خَلفه فأفعمه وَقطع عَنهُ الْمَادَّة من سبتة كَمَا طلع أَيْضا فِي وَادي آسمير من أَمَامه فحبسه عَن العبور وَصَارَ الْعَدو متوسطا بَين الوادين وَالْبَحْر عَن يسَاره وانقطعت عَنهُ الْموَاد حَتَّى حكى بعض عسكره بعد ذَلِك الْيَوْم أَن الكليطة وَهِي خبْزَة صَغِيرَة تشبه البقسماط كَانَت أول النَّهَار تبَاع ببسيطة وَفِي آخِره بِيعَتْ بريال وَلَا وجود لَهَا وأيقنوا بِالْهَلَاكِ لَو وجدوا من ينتهز الفرصة فيهم وَلَكِن أَيْن الْيَد الباطشة وبقوا على تِلْكَ الْحَال يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة ثمَّ سكن الْبَحْر وانفش الواديان وجاءه المدد وَلما رأى الْمُسلمُونَ أَن الْعَدو وصل إِلَى ذَلِك الْمحل تقهقروا ونزلوا بمدشر القلالين بَينه وَبَين تطاوين نَحْو نصف سَاعَة ثمَّ إِن الْعَدو عبر الْوَادي من آخر اللَّيْل وَأصْبح بِموضع يُقَال لَهُ الْمضيق وَكَانَ متطوعة الْأَعْرَاب فِي هَذِه الْمدَّة على قسمَيْنِ الحازمون وَأهل الْغيرَة مِنْهُم يَقُولُونَ لَوْلَا أَنه بَين الْجبَال ومتحصن بالمتارزات لفعلنَا وَفعلنَا وَالْآخرُونَ يَقُول أحدهم مَا لي وللتقدم إِلَى هَذِه الشرشمة وَإِنَّمَا أهل تطاوين يُقَاتلُون عَن تطاونهم وَأما أَنا فحتى يصل إِلَيّ بخيمتي فِي عَبدة أَو دكالة أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ كَأَنَّهُ يعْتَقد أَنه لَا تجب عَلَيْهِ نصْرَة الْمُسلمين نعم الَّذين قَاتلُوا قتالا شَدِيدا وأحسنوا الدفاع وَقَامُوا بالنصرة بنية خَالِصَة وهمة صَادِقَة هم طَائِفَة من شُبَّان أهل فاس وَطَائِفَة من أهل زرهون وَالْبَعْض من آيت يمور وخصوصا
الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بِأبي ريالة مِنْهُم فَإِنَّهُ أبدأ وَأعَاد وأتى بِمَا لم يسمع إِلَّا فِي زمَان الصَّحَابَة رضي الله عنهم
حكى من حضر وتواتر عَنهُ أَنه كَانَ معلما براية صفراء وَكَانَ يضمها إِلَى صَدره ويسددها نَحْو الْعَدو ثمَّ يحمل على صفهم فيخرقه حَتَّى يَأْتِي من خَلفه ويفتك فيهم أَشد الفتك ثمَّ يعود ويستلب خيل الْعَدو ويقودها بأرسانها وَيَأْتِي بهَا حَتَّى يَدْفَعهَا لمن بإزائه وَكَانَ إِذا تقدم نَحْو الْعَدو يَقُول لمن حوله تقدمُوا فَأَنا درقتكم وَأَنا سوركم تكَرر ذَلِك مِنْهُ الْمرة بعد الْمرة وَلما أصبح الْعَدو بالمضيق فَارق الْبَحْر وصمد إِلَى تطاوين فَدخل بَين جبلين وَكَانَ فِي انْتِهَاء ذَلِك الْمضيق الَّذِي بَين الجبلين من جِهَة تطاوين وَيُسمى فَم العليق بعض أخبية أهل فاس وَغَيرهم فصمد الْعَدو نحوهم وبغتهم بالكور والضوبلي وَهُوَ يقرع طبوله حَتَّى أعجل الْبَعْض مِنْهُم عَن حمل أثقاله وَلما وصل إِلَى هَذَا الْموضع حصل بتطاوين انزعاج كَبِير واستأنف النَّاس الْجد وَالِاجْتِهَاد والقتال وتذامر جَيش الْمُسلمين وَكَانَ الْيَوْم شَدِيد الْمَطَر وقاتلوا قتالا شَدِيدا وأبدأ أَبُو ريالة وَأعَاد فِي هَذَا الْيَوْم هلك تَحْتَهُ فرسَان وَأرْسل لَهُ الْمولى الْعَبَّاس فرسه وَكَانَ يعتني بِهِ وينوه بِقَدرِهِ وَيبْعَث الطبل يقرع على خبائه وأصابته فِي هَذَا الْيَوْم جِرَاحَة خَفِيفَة وَهلك من الْمُسلمين وَالنَّصَارَى عدد كثير قيل هلك من أهل تطاوين فَقَط نَحْو الْخَمْسمِائَةِ وَكَانَ الظُّهُور فِي ذَلِك الْيَوْم لِلْعَدو وَمن الْغَد ارتحل من فَم العليق وَعدل يسارا إِلَى المرسى فَنزل بهَا ليتَمَكَّن من مدد الْبَحْر وَاسْتولى على برج مرتيل وَمَا وَالَاهُ كدار مرتيل الَّتِي هِيَ الديوانة وبمجرد وُصُوله إِلَيْهَا حصنها بأشبارات الرمل والمدافع وَغير ذَلِك وَاتخذ بهَا دورا من اللَّوْح وحوانيت مِنْهُ وَأقَام مطمئنا وَصَارَت المراكب تَتَرَدَّد لَهُ فِي الْبَحْر بالأقوات وَالْعدة والعسكر وَجَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ حَتَّى استراح ثَلَاثَة عشر يَوْمًا وَلم يكن فِي هَذِه الْمدَّة قتال وَلَا أنشبه الْعَدو وَفِي هَذِه الْأَيَّام ورد الْمولى أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن فِي جَيش بعث بِهِ السُّلْطَان من مكناسة وَنزل بِموضع يُقَال لَهُ فَم الجزيرة بِالتَّصْغِيرِ وَكَانَ الْمولى الْعَبَّاس نازلا بمدشر القلالين بِمحل مُرْتَفع يشرف على مَا حوله وَلما استراح الْعَدو