الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مراسلة السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الْمُسْتَنْصر بِاللَّه الحفصي للسُّلْطَان الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمهمَا الله
كَانَت دولة بني أبي حَفْص أَصْحَاب تونس وإفريقية فرعا من دولة بني عبد الْمُؤمن وَشعْبَة مِنْهَا حَسْبَمَا نبهنا عَلَيْهِ غير مرّة وَلما ضعفت دولة بني عبد الْمُؤمن بمراكش وَالْمغْرب كَانَ صَاحب إفريقية أَبُو زَكَرِيَّاء يحيى بن عبد الْوَاحِد الهنتاني يأمل الِاسْتِيلَاء عَلَيْهَا والتملك لَهَا ويتمنى ذَلِك لَو ساعده الْقدر لِأَنَّهُ كَانَ يرى انه اولى بِتِلْكَ الحضرة من غَيره حَتَّى من بني عبد الْمُؤمن لِأَنَّهَا أَرض سلفه وموطن أَصله وعشيرته لِأَن عمالة مراكش لم تعرف إِلَّا للمصامدة من قديم الزَّمَان وقبيلة هنتانة هِيَ صميمها وذؤابتها فَبِهَذَا وَنَحْوه كَانَ بَنو أبي حَفْص يتطاولون إِلَى ملك مراكش وَلما نبغ بَنو مرين بالمغرب وغلبوا على الْكثير من ضواحيه كَانُوا يدعونَ إِلَى أبي زَكَرِيَّاء الحفصي تأليفا لأهل الْمغرب واستجلابا لمرضاتهم وإتيانا لَهُم من نَاحيَة أهوائهم إِذْ كَانَت صبغة الدعْوَة الموحدية قد رسخت فِي قُلُوبهم فَلَو دعوا إِلَى غَيرهَا من أول الْأَمر لحاصوا عَنْهَا حَيْصَة حمر الْوَحْش وَلما لم يُمكن بني مرين أَن يدعوا إِلَى بني عبد الْمُؤمن لأَنهم أقتالهم وإياهم ينازعون وَلَهُم يُحَاربُونَ ويجالدون دعوا إِلَى طَاعَة الحفصيين الَّذين هم فرع مِنْهُم والدعوة إِلَى الْفَرْع كالدعوة إِلَى أَصله فَلم تنفر نفوس أهل الْمغرب عَنْهَا وَإِنَّمَا كَانَ بَنو مرين يسرون من ذَلِك حسوا فِي ارتغاء وَلِهَذَا لما اسْتَقل السُّلْطَان يَعْقُوب بِالْأَمر وَتمكن لَهُ السُّلْطَان بالمغرب قطع دَعْوَة الحفصيين حَالا بعد أَن كَانَ أَولا يَدْعُو إِلَيْهَا هُوَ وَإِخْوَته من قبله وَكَانَ بَنو أبي حَفْص ينشطون لذَلِك ويهادون بني مرين ويمدونهم بِالْمَالِ وَالسِّلَاح وَغير ذَلِك وَلما عزم السُّلْطَان يَعْقُوب على منازلة مراكش كتب إِلَى أبي عبد الله مُحَمَّد الْمُسْتَنْصر بِاللَّه بن أبي زَكَرِيَّا يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص يُخبرهُ بذلك ويستمده حَتَّى
آيت يسري ثمَّ رَحل السُّلْطَان عَنْهُم إِلَى مراكش فوفدوا عَلَيْهِ بعد أَيَّام خاضعين تَائِبين فعفى عَنْهُم ونقلهم إِلَى جبل سلفات من أحواز فاس فأوطنوه حينا من الدَّهْر
إغراء السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بآيت أدراسن وَالسَّبَب فِي ذَلِك
لما كَانَ من السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله لآيت أدراسن من الْإِحْسَان مَا كَانَ حَتَّى أوقع بالودايا لأجلهم مَعَ أَنهم صميم الْجند وركن الدولة وَأطَال لَهُم الرسن فِي ذَلِك بِمَا أطغاهم وَحَملهمْ على الدَّالَّة عَلَيْهِ صدرت مِنْهُم هَنَات اعتدها السُّلْطَان عَلَيْهِم فَانْتدبَ لتأديبهم بِأَن كتب وَهُوَ بمراكش إِلَى الودايا لقتالهم وَإِلَى العبيد وجروان يَأْمُرهُم أَن يجتمعوا على حربهم والإيقاع بهم فَكَانَ ذَلِك عِنْد الودايا من أكبر متمناهم فَاجْتمعُوا مَعَ من ذكر ونهدوا إِلَيْهِم فكبسوهم فِي دِيَارهمْ وَجَرت بَينهم حَرْب فظيعة انهزم فِي آخرهَا آيت أدراسن ونهبت حللهم وَقتل مِنْهُم عدد كثير وَأسر مثل ذَلِك ووجهوا فِي السلَاسِل إِلَى السُّلْطَان بمراكش
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة تسع وَسبعين وَمِائَة وَألف أَمر السُّلْطَان بِجمع جند اليكشارية من قبائل الْحَوْز ووكل بِجَمْعِهِمْ الْقَائِد عبد النَّبِي المنبهي وَأَن يثبتهم فِي ديوَان الْعَسْكَر وَأَن كل من كَانَ عزبا وَأَرَادَ الدُّخُول فِي الجندية فليكتبه فَاجْتمع لَهُ من ذَلِك أَرْبَعَة آلَاف وَخَمْسمِائة فَأَعْطَاهُمْ السُّلْطَان الكسي وَالسِّلَاح واستخدمهم مُدَّة ثمَّ كَانَ مآلهم أَن رجعُوا إِلَى إخْوَانهمْ وقبائلهم وَضرب عَلَيْهِم المغرم فِي جُمْلَتهمْ وفيهَا مَاتَ عَامل فاس الْحَاج مُحَمَّد الصفار فولى السُّلْطَان على فاس ابْنه الْعَرَبِيّ بن مُحَمَّد الصفار
ثمَّ دخلت سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف فِيهَا قدم السُّلْطَان إِلَى مكناسة وَقبض على الْقَائِد عبد الصَّادِق بن أَحْمد الريفي صَاحب طنجة وعَلى مائَة من
فَإِذا أَخذه لم يفلته وَيدل على تغلبه واستقلاله عدم وُقُوفه عِنْد أَمر العثماني وامتثاله بل لَا يكترث بِهِ أصلا وَلَا يتبع لَهُ قولا وَلَا فعلا كَيفَ وَقد أمره أَن يعْقد مَعَ النَّصَارَى صلحا فَلم يقبل لَهُ قولا وَلَا نصحا وَطلب مِنْهُ بعض الْأَمْوَال ليستعين بهَا على مَا حل بِهِ مَعَ النَّصَارَى من الْأَهْوَال فَامْتنعَ غَايَة الِامْتِنَاع وَلم يُمكنهُ من شبر مِنْهَا فضلا عَن الباع حَتَّى أَخذهَا الْعَدو الْكَافِر وَهَذَا جَزَاء كل فَاسق فَاجر مَال جمع من حرَام سلط الله عَلَيْهِ الْأَعْدَاء اللئام وَهَذَا كُله من هَذَا المتغلب متواتر مشَاهد بالعيان مستغن عَن إِقَامَة الدَّلِيل والبرهان النَّاس كلهم عبيد الله وإماؤه وَالسُّلْطَان وَاحِد مِنْهُم ملكه الله أَمرهم ابتلاء وامتحانا فَإِن قَامَ فيهم بِالْعَدْلِ وَالرَّحْمَة والإنصاف وَالصَّلَاح مثل سيدنَا نَصره الله فَهُوَ خَليفَة الله فِي أرضه وظل الله على عبيده وَله الدرجَة عِنْد الله تَعَالَى وَإِن قَامَ فيهم بالجور والعسف والطغيان وَالْفساد مثل هَذَا المتغلب فَهُوَ متجاسر على الله فِي مَمْلَكَته ومتسلط ومتكبر فِي الأَرْض بِغَيْر الْحق ومتعرض لعقوبة الله الشَّدِيدَة وَسخطه هَذَا وعَلى فرض تَسْلِيم أَن للعثماني فِي عنقنا بيعَة فَلَا تكون علينا حجَّة لِأَنَّهُ تبَاعد علينا قطره فَلم يغن عَنَّا شَيْئا ملكه لما بَيْننَا وَبَينه من المفاوز والقفار والبحار والقرى والمدن والأمصار وَرُبمَا قرب مَحَله من جِهَة الْبَحْر لَكِن مَنعه الْآن من ركُوبه الْكفَّار على أَنه ثَبت بتواتر الْأَخْبَار الْبَالِغَة حد الْكَثْرَة والانتشار أَنه مشتغل لنَفسِهِ ومقره عَاجز عَن الدّفع عَن إيالته الْقَرِيبَة من مَحَله حَتَّى أَنه هادن النَّصَارَى خمس سِنِين على عدد كثير من المئين وَأعْطى فِيهِ مِنْهُم ضَامِنا ليَكُون فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة على نَفسه وحشمه آمنا فَكيف يُمكنهُ مَعَ هَذَا الدفاع عَن قطرنا وناحيتنا وَبَلَدنَا وأدل دَلِيل على بعده عَن هَذَا المرام خبر مصر ونواحي الشَّام فقد استولى عَلَيْهَا أَعدَاء الدّين مُدَّة تزيد على الْخمس سِنِين فَلم يجد لَهُم نفعا وَلَا ملك عَنْهُم دفعا حَتَّى اسْتَعَانَ بالعدو الْكَافِر وَالله تَعَالَى قد يُؤَيّد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر هَذَا وَنَصّ الأبي فِي شرح مُسلم مفصح عَن مثل قَضِيَّتنَا ومعلم على أَن الإِمَام إِذا لم ينفذ فِي نَاحيَة أمره جَازَ إِقَامَة غَيره فِيهَا وَنَصره فانتظار نصرته يُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاك كَيفَ وَقد تطاولت