الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزرائه وبطانته بذلك وتفطن خَاصَّة السُّلْطَان لما وَقع فأخبروه الْخَبَر وحضوه على الْخُرُوج إِلَى النَّاس قبل أَن يَتَفَاقَم الْأَمر ويتسع الْخرق فبرز السُّلْطَان إِلَى فسطاط جُلُوسه وتسامع أهل المعسكر بِهِ فازدحموا إِلَى بساطة وتقبيل يَده وتقبض على أهل الظنة من الْجَيْش فأودعهم السجْن وَسخط على الأميرين وَأمر برحيل من كَانَ مَعَهُمَا من الْجند فردهم إِلَى مُعَسْكَره ثمَّ رَجَعَ إِلَى فسطاطه وطفئت نَار الْفِتْنَة وَسكن سعي المفسدين وانتبذ النَّاس عَن الأميرين الْمَذْكُورين فبقيا أوحش من وتد بقاع فَاشْتَدَّ جزع الْأَمِير أبي عبد الرَّحْمَن وَركب من فسطاطه وخاض اللَّيْل فَأصْبح بحلة أَوْلَاد على أُمَرَاء بني زغبة من هِلَال الموطنين بِأَرْض حَمْزَة فتقبض عَلَيْهِ أَمِيرهمْ مُوسَى بن أبي الْفضل ورده إِلَى أَبِيه فاعتقله بوجدة ورتب الْعُيُون لحراسته وَلحق وزيره زيان بن عمر الوطاسي بالموحدين أَصْحَاب تونس فأجاروه وَرَضي السُّلْطَان صَبِيحَة فرار أبي عبد الرَّحْمَن عَن أَخِيه أبي مَالك وَعقد لَهُ على ثغور عمله بالأندلس وَصَرفه إِلَيْهَا وانكفأ رَاجعا إِلَى تلمسان وَالله أعلم
ثورة ابْن هيدور الجزار وَمَا كَانَ من أمره
لما تقبض السُّلْطَان أَبُو الْحسن على ابْنه عبد الرَّحْمَن وأودعه السجْن تفرق خدمه وحشمه فِي الْجِهَات وَكَانَ مِنْهُم رجل جزار مُرَتّب فِي مطبخه يعرف بِابْن هيدور وَكَانَ لَهُ شبه فِي الصُّورَة بِأبي عبد الرَّحْمَن فلحق ببني عَامر بن زغبة وَكَانُوا لذَلِك الْعَهْد منحرفين عَن طَاعَة السُّلْطَان أبي الْحسن لاختصاصه عريف بن يحيى أَمِير بني سُوَيْد أعدائهم فَلَمَّا لحق بهم ابْن هيدور هَذَا انتسب لَهُم إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن وَأَنه ابْنه أَبُو عبد الرَّحْمَن فَشبه لَهُم وَبَايَعُوهُ وأجلبوا بِهِ على نواحي لمدية فبرز إِلَيْهِم قائدها فهزموه ثمَّ جمع لَهُم ونزمار بن عريف بن يحيى فَهَزَمَهُمْ وافترق جمعهم ونبذوا للجزار عَهده فلحق ببني يزناتن من زواوة فَنزل على شيختهم شمسي من بني
وَسَائِر الْحَاشِيَة وخرجا مَعَ الركب النَّبَوِيّ على الْهَيْئَة الْمَعْهُودَة فِي حفظ الله وَفِي هَذِه السّنة عزل السُّلْطَان وصيفه ابْن عبد الصَّادِق عَن فاس وَولى عَلَيْهَا كَاتبه أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد الرِّفَاعِي الرباطي الْمَدْعُو القسطالي كَانَ يعلم أَوْلَاده فنقله عَن ذَلِك إِلَى مرتبَة الْولَايَة وأوصاه أَن يسير بِالْعَدْلِ فِي الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين ويشتد على الفجرة والمتمردين وَفِي هَذِه السّنة عَشِيَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع ربيع الثَّانِي مِنْهَا توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة الْمُحَقق الأديب البليغ أَبُو الْفَيْض حمدون بن عبد الرَّحْمَن بن حمدون بن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ المرداسي الشهير بِابْن الْحَاج صَاحب التآليف الْحَسَنَة والفوائد المستحسنة والخطب النافعة وَالْحكم الجامعة رحمه الله ونفعنا بِهِ
وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف عزل السُّلْطَان الْفَقِيه أَبَا الْعَبَّاس عَن فاس لعَجزه عَن الْقيام بالخطة وَولى على فاس خديمه الْحَاج أَبَا عبد الله مُحَمَّد الصفار من بَيت رياسة وَفِي هَذِه السّنة أبطل السُّلْطَان الْجِهَاد فِي الْبَحْر وَمنع رؤساءه من القرصنة بِهِ على الْأَجْنَاس وَفرق بعض قراصينه على الإيالات الْمُجَاورَة مثل الجزائر وطرابلس وَمَا بَقِي مِنْهَا أنزل مِنْهَا المدافع وَغَيرهَا من آلَة الْحَرْب وَأعْرض عَن أَمر الْبَحْر رَأْسا بعد أَن كَانَت قراصين الْمغرب أَكثر وَأحسن من قراصين صَاحب الجزائر وتونس قَالَه منويل وَفِي هَذِه السّنة قدم ولدا السُّلْطَان الْمولى عَليّ وَالْمولى عمر من الْمشرق مَعَ الركب ونزلوا بثغر طنجة وَكَانَ السُّلْطَان قد بعث إِلَيْهِمَا بمركب من مراكب النجليز فَانْتهى إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وحملهما وَمن مَعَهُمَا من الخدم والتجار وَسَائِر الْحَاج وَلما نزلُوا بطنجة حدث الوباء بالمغرب فَقَالَ النَّاس إِن ذَلِك بسببهم فانتشر أَولا بِتِلْكَ السواحل وَمِنْهَا شاع فِي الحواضر والبوادي إِلَى أَن بلغ فاسا ومكناسة فِي بَقِيَّة الْعَام
وَلما دخلت سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف شاع الوباء وَكثر فِي بِلَاد الغرب فَتوجه السُّلْطَان إِلَى مراكش وَكَانَ الْأَمر لَا زَالَ مُحْتملا ثمَّ زَاد
المنقبة فِي أوصافكم تذكر وَفِي صحيفتكم تكْتب وتسطر فقابلوا بالصفح والإغضا عَمَّا سلف وَمضى وكلنَا من رعيتكم ومقتطفون من ثمار روضتكم ومستمدون من مائدتكم وَالظَّن الْأَقْوَى بكم أَنكُمْ تقبلون الشَّفَاعَة منا وتمنون على الْمُسْتَضْعَفِينَ من رعيتكم منا وكأنا بِكِتَابِكُمْ بضمن ذَلِك يُتْلَى وكلماته أشهر من الْعَسَل وَأحلى وَالله يتَوَلَّى أَمر الائتلاف بمتعود إحسانه وَيجمع قُلُوبنَا على طَاعَته وموجبات رضوانه حَتَّى نَكُون فِي ذَات الله إخْوَانًا وعَلى الدّين أنصارا وأعوانا والقلوب بيد من لَهُ الْأَمر وَالِاخْتِيَار وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار وَإِذا تَعَارَضَت الحظوظ فَمَا عِنْد الله خير للأبرار وَخير الْعَمَل عمل قرب إِلَى الْجنَّة وَأبْعد من النَّار فَالْوَاجِب على كل مُسلم أَن يدع مَا يزري بِالْإِسْلَامِ ويهينه وَلَا يلْتَفت لدواعي القطيعة فَإِنَّهَا تقَوِّي الْكفْر وتعينه أما علمنَا أَن من وَرَائِنَا عدوا يَشْتَهِي مواطىء أقدامنا وتنكيس أعلامنا تقضي أخوة الْإِسْلَام ومناصرته ومعاضدته ومواصلته أَن لَا يكون لجميعنا طموح إِلَّا إِلَيْهِ وَلَا تمالؤ إِلَّا عَلَيْهِ وفقنا الله لما فِيهِ رِضَاهُ وَجعل سعينا فِيمَا يُحِبهُ ويرضاه آمين وَالسَّلَام فِي منتصف رَمَضَان الْمُعظم عَام تسعين وَمِائَتَيْنِ وَألف اهـ
ثمَّ دخل السُّلْطَان الْمولى الْحسن أعزه الله رِبَاط الْفَتْح صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان الْمَذْكُور وَكَانَ الْعِيد يَوْم السبت فَأَقَامَ السُّلْطَان أيده الله سنة الْعِيد برباط الْفَتْح وَختم بِهِ صَحِيح الإِمَام البُخَارِيّ على الْعَادة وَكَانَ فَقِيه الْمجْلس ومدرسه يَوْمئِذٍ الْفَقِيه الْعَلامَة السَّيِّد الْمهْدي بن الطَّالِب ابْن سَوْدَة الفاسي وَحضر ذَلِك الْمجْلس وُفُود الْمغرب وقضاة العدوتين وعلماؤها وحضرنا فِي جُمْلَتهمْ ومدح السُّلْطَان بقصائد بليغة واحتفل أعزه الله لهَذَا الْخَتْم بأنواع الْأَطْعِمَة والأشربة وَالطّيب وَفرق الْأَمْوَال على من حضر ثمَّ وصل أهل العدوتين من علمائهما وقرائهما ومؤذنيهما وطبجيتها وبحريتهما على الْعَادة وَهُنَاكَ قدم عَلَيْهِ أهل آزمور متنصلين مِمَّا صدر من عامتهم فِي حق مُحَمَّد بن الْمُؤَذّن فقابلهم بالبشر والصفح إِلَى أَن بحث عَن رُؤُوس الْفِتْنَة بعد ذَلِك فعاملهم بِمَا يستحقونه وَأقَام السُّلْطَان أعزه