الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبعث أهل فاس إِلَى المرتضى بالصريخ فَلم يرجع إِلَيْهِم قولا وَلَا ملك لَهُ ضرا وَلَا نفعا وَلَا وجد لكشف مَا نزل بهم حِيلَة وَلَا وَجها سوى أَنه استجاش على الْأَمِير أبي بكر بيغمراسن بن زيان صَاحب تلمسان وأمله لكشف هَذِه النَّازِلَة عَمَّن انحاش إِلَى طَاعَته فَأَجَابَهُ يغمراسن إِلَى ذَلِك وطمع أَن يكون ذَلِك سَببا لَهُ فِي تملك الْمغرب وسلما للصعود إِلَى ذرْوَة ملكه فاحتشد لحركته ونهض من تلمسان للأخذ بحجزة الْأَمِير أبي بكر عَن فاس وَأَهْلهَا
واتصل بالأمير أبي بكر خبر نهوضه إِلَيْهِ لتسعة أشهر من منازلته فاسا فجمر الْكَتَائِب عَلَيْهَا وصمد إِلَيْهِ قبل فصوله عَن تخوم بِلَاده فَلَقِيَهُ بوادي أيسلي من بسيط وَجدّة فتزاحف الْقَوْم وَكَانَت ملحمة عَظِيمَة هلك فِيهَا عبد الْحق بن مُحَمَّد بن عبد الْحق بيد إِبْرَاهِيم بن هِشَام من بني عبد الواد
ثمَّ انكشفت بَنو عبد الواد وَنَجَا يغمراسن بن زيان إِلَى تلمسان بِرَأْس طمرة ولجام وَترك محلته بِمَا فِيهَا فاحتوى عَلَيْهَا الْأَمِير أَبُو بكر وانكفأ رَاجعا إِلَى فاس للأخذ بمخنقها فوصل إِلَيْهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وأناخ عَلَيْهَا بكلكله واستأنف الْجد وأرهف الْحَد وشدد فِي الْحصار وأيس أهل فاس من إغاثة المرتضى وَسقط فِي أَيْديهم وَرَأَوا أَنهم قد ضلوا وَلم يَجدوا وليجة من دون مُرَاجعَة طَاعَة بني مرين فسألوا الْأَمِير أَبَا بكر الْأمان فبذله لَهُم على غرم مَا أتلفوا لَهُ بِالْقصرِ من المَال يَوْم الثورة وَقدره مائَة ألف دِينَار فتحملوها وأمكنوه من قياد الْبَلَد فَدَخلَهَا فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور فَأَقَامَ بهَا إِلَى رَجَب الموَالِي لَهُ وطالبهم بِالْمَالِ فسوفوه وتلووا فِي الْمقَال
فَلَمَّا رأى ذَلِك مِنْهُم قبض على جمَاعَة من أشياخها وأمنائها وأثقلهم بالحديد وطالبهم بِالْمَالِ والأثاث الَّذِي انتهبوه من الْقصر فَقَالَ لَهُ شيخ يعرف بِابْن الخبا إِنَّمَا فعل الذَّنب منا سِتَّة فَكيف تُهْلِكنَا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا وَلَو فعل الْأَمِير مَا أُشير بِهِ عَلَيْهِ لَكَانَ صَوَابا من الرَّأْي فَقَالَ وَمَا ذَلِك قَالَ تعمد إِلَى هَؤُلَاءِ النَّفر السِّتَّة وَالَّذين سعوا فِي الْفِتْنَة فتأخذ رؤوسهم وتشرد بهم من خَلفهم ثمَّ تأخذنا نَحن بغرم المَال فَقَالَ لعمري لقد أصبت
ثمَّ أَمر بِالْقَاضِي المغيلي وَابْنه وَابْن أبي طاط وَابْنه وَابْن جشار وأخيه فَقتلُوا وَرفعت على الشرفات رؤوسهم وَأخذ البَاقِينَ بغرم المَال طَوْعًا وَكرها قَالَ ابْن خلدون فَكَانَ ذَلِك مِمَّا عبد رعية فاس وقادها لأحكام بني مرين وَضرب الرهب على قُلُوبهم فخشعت مِنْهُم الْأَصْوَات وانقادت مِنْهُم الهمم وَلم يحدثوا بعْدهَا أنفسهم بغمس يَد فِي فتْنَة وَكَانَ مقتل النَّفر الْمَذْكُورين خَارج بَاب الشَّرِيعَة يَوْم الْأَحَد الثَّامِن من رَجَب الْمَذْكُور
اسْتِيلَاء الْأَمِير أبي بكر على مَدِينَة سلا ثمَّ ارتجاعها مِنْهُ وهزيمة المرتضى بعد ذَلِك
لما أكمل الله للأمير أبي بكر فتح مَدِينَة فاس واستوسق أَمر بني مرين بهَا رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ فِيهِ من منازلة بِلَاد فازاز فافتتحها ودوخ أوطان زناتة وَاقْتضى مغارمهم وحسم علل الثائرين بهَا ثمَّ تخطى ذَلِك إِلَى مَدِينَة سلا ورباط الْفَتْح سنة تسع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة فملكها وتاخم الْمُوَحِّدين بثغرها وَاسْتعْمل عَلَيْهَا ابْن أَخِيه يَعْقُوب بن عبد الله بن عبد الْحق وَعقد لَهُ على ذَلِك الثغر وَضم الْأَعْمَال إِلَيْهِ
وَبلغ الْخَبَر بذلك إِلَى المرتضى بمراكش فأهمه الشَّأْن وأحضر الْمَلأ من الْمُوَحِّدين وفاوضهم واعتزم على حَرْب بني مرين وسرح العساكر سنة خمسين وسِتمِائَة فأحاطت بسلا ثمَّ افتتحوها وعادت إِلَى طَاعَة المرتضى وَعقد عَلَيْهَا لأبي عبد الله بن يَعْلُو من مشيخة الْمُوَحِّدين ثمَّ اجْمَعْ المرتضى النهوض بِنَفسِهِ إِلَى بني مرين فَبعث فِي الْمَدَائِن والقبائل حاشرين فأهرعت إِلَيْهِ أُمَم الْمُوَحِّدين وَالْعرب والمصامدة وَغَيرهم وَفصل من مراكش سنة ثَلَاث وَخمسين وسِتمِائَة فِي نَحْو الثَّمَانِينَ ألفا وَولى السّير حَتَّى انْتهى إِلَى جبال بهلولة من نواحي فاس وصمد إِلَيْهِ الْأَمِير أَبُو بكر فِي عَسَاكِر بني مرين وَمن اجْتمع إِلَيْهِم من ذويهم
أَمر السُّلْطَان رحمه الله الْقَائِد قدور بن الْخضر أَن يسرح البَاقِينَ من إخوانه وَيضم إِلَيْهِم من الودايا والمغافرة تَكْمِلَة ألف ويشرد من عداهم إِلَى قبائلهم وحللهم ثمَّ عين السُّلْطَان رحمه الله لأولئك الْألف إصطبل مكناسة ينزلون بِهِ وَيكون قَصَبَة لَهُم فحملوا أَوْلَادهم إِلَى مكناسة واستوطنوها مَعَ العبيد غير أَنهم قد انفردوا بالإصطبل كَمَا قُلْنَا وَولى عَلَيْهِم السُّلْطَان الْقَائِد قدور بن الْخضر وَكَانَ أَصْغَرهم سنا وأكملهم عقلا وأصدقهم خدمَة وَأمره بتأديبهم وإجراء الْأَحْكَام عَلَيْهِم حَتَّى رئموا ملكة الدولة وَسَكنُوا تَحت تصريفها وخضعوا لأمرها ونهبها وَأخذ السُّلْطَان فِي دفع الْخَيل وَالسِّلَاح والكسى لَهُم شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى أَن أركبهم كلهم فصلحت أَحْوَالهم ونمت فروعهم واستمروا بمكناسة إِلَى أَن ردهم إِلَى فاس الْجَدِيد الْمولى يزِيد بن مُحَمَّد لأوّل ولَايَته كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة وَألف بَاعَ السُّلْطَان أمكاس فاس لعاملها الْحَاج مُحَمَّد الصفار بِاثْنَيْ عشر ألف مِثْقَال فِي السّنة ثمَّ ارتحل إِلَى مراكش فاحتل بهَا إِلَى أَن كَانَ من أمره مَا نذكرهُ
مَجِيء السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله من مراكش إِلَى الغرب مرّة أُخْرَى وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك
ثمَّ دخلت سنة خمس وَسبعين وَمِائَة وَألف فِيهَا خرج السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله من مراكش يُرِيد بِلَاد الغرب وعرج فِي طَرِيقه على جملَة من الْقَبَائِل الَّذين كَانُوا مشتغلين بِالْفَسَادِ فأوقع بهم وشرد بهم من خَلفهم وَذَلِكَ أَنه وصل إِلَى بِلَاد الشاوية فنهبهم وانتسف أَمْوَالهم وقتلهم وَقبض على عدد كثير مِنْهُم بَعثهمْ فِي السلَاسِل إِلَى مراكش ثمَّ عدل إِلَى جِهَة تادلا فَمر على برابرة شقيرين من آيت ومالو فنهب أَمْوَالهم وَقتل من ظفر بِهِ مِنْهُم ثمَّ سَار إِلَى بِلَاد الغرب عَازِمًا على الْإِيقَاع بعرب الحياينة لإفسادهم
وتمردهم فابتدأ أَولا بِنَهْب آيت سكاتو وثنى ببني سادان وَثلث بالحياينة فَفرُّوا إِلَى جبال غياثة وتحصنوا بهَا فَترك الجيوش ببلادهم تَأْكُل زُرُوعهمْ وَتقدم هُوَ إِلَى تازا ثمَّ اقتحم على الحياينة جبال غياثة فأبادهم قتلا وتشريدا والعساكر ببلادهم تنتسف الزروع وَتحرق العمائر وتستخرج الدفائن إِلَى أَن تركتهَا أنقى من الرَّاحَة وَعَاد إِلَى مكناسة
وَفِي مقَامه بهَا قبض على الشَّيْخ مَحْمُود الشنكيطي المتصوف النابغ بفاس كَانَ قد قدم من بِلَاده وَنزل بمستودع الْقرَوِيين وَأظْهر التنسك فَصَارَ يجْتَمع عَلَيْهِ الْأَعْيَان والتجار من أهل فاس ويعتقدونه قَالَ فِي الْبُسْتَان فَلم يقْتَصر على مَا هُوَ شَأْنه من إقبال الْخلق عَلَيْهِ بل صَار يتَكَلَّم فِي الدولة ويكاتب البربر وَيَزْعُم أَن سُلْطَان الْوَقْت جَائِر وَلم يُوَافق عَلَيْهِ من الْأَوْلِيَاء أحد فنما ذَلِك إِلَى السُّلْطَان فَأمر بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَبعث بِهِ إِلَى مراكش فسجن بهَا ثمَّ امتحن إِلَى أَن مَاتَ وَلم تبكه أَرض وَلَا سَمَاء
وَقَالَ أكنسوس إِنَّه كَانَ يَقُول إِن السُّلْطَان يَمُوت إِلَى شهر فَفَشَا ذَلِك فِي الْعَامَّة وتسابقوا إِلَى شِرَاء الفحم والحطب وادخار الأقوات وحصلت فتْنَة بفاس فأنهى ذَلِك إِلَى السُّلْطَان فَكتب إِلَى عَامل فاس بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وتوجيهه إِلَى مراكش ثمَّ أَمر السُّلْطَان أَيْضا وَهُوَ بمكناسة بِالْقَبْضِ على الْأمين الْحَاج الْخياط عديل وَإِخْوَته فسجنوا فِي مَال كَانَ عَلَيْهِم بعضه لَهُ وَبَعضه لوالده من قبله وَفِي تَمام السّنة أَمر بتسريحهم وَبعث الْحَاج الْخياط مِنْهُم وَالسَّيِّد الطَّاهِر بناني الرباطي سفيرين عَنهُ إِلَى السُّلْطَان مصطفى بن أَحْمد العثماني صَاحب الْقُسْطَنْطِينِيَّة الْعُظْمَى وفيهَا أَيْضا اسْتخْلف السُّلْطَان رحمه الله ابْن عَمه الْمولى إِدْرِيس بن الْمُنْتَصر بفاس وولاه على قبائل الْجَبَل كلهَا وفيهَا أَمر بتحبيس الْكتب الإسماعيلية الَّتِي كَانَت بدويرة الْكتب بمكناسة وعددها اثْنَا عشر ألف مُجَلد وَزِيَادَة فحبسها على مَسَاجِد الْمغرب كُله وَلَا زَالَت خزائنها مشحونة بهَا إِلَى الْآن مَكْتُوبًا عَلَيْهَا رسم التحبيس باسم السُّلْطَان
والخارجة عَنْهَا ليَكُون السُّلْطَان على بَال من ذَلِك الثغر فَاسْتَأْذن فِي ذَلِك بِوَاسِطَة الْوَزير أبي عبد الله بن إِدْرِيس فَكَانَ من جَوَاب الْوَزير لَهُ أَن قَالَ حَسْبَمَا وقفت عَلَيْهِ بِخَطِّهِ إِنِّي أخْبرت سيدنَا الْمَنْصُور بِاللَّه بِمَا كتبت فِي شَأْنه فأعجبه ذَلِك وَقَالَ لَا بَأْس بِهِ وَليكن خفِيا من غير شُعُور أحد ليطلع سيدنَا على الْأُمُور وَيكون على بَصِيرَة فِيهَا فَلَا تقصر فِي ذَلِك واجتهد فِي إصْلَاح مَا ولاك وَأعظم ذَلِك وأهمه أَمَان الطَّرِيق وخمود الْفِتْنَة حَتَّى لَا يصل من تِلْكَ النَّاحِيَة إِلَّا الْخَيْر فَأَنت من فضل الله ذُو رَأْي وبصيرة بالأمور وخصوصا تِلْكَ النواحي وَالله يوفقك ويسددك وَهَذِه النواحي بِخَير وعافية وَفِي نعم من الله وافية قد نزل فِيهَا الْمَطَر الغزير وَكثر الخصب وحرث النَّاس الْحَرْث الْكثير وَسَيِّدنَا بمكناسة الزَّيْتُون وَلَا مَا يشوش البال غير أَن والدته المقدسة صَارَت إِلَى عَفْو الله وَرَحمته وَذَلِكَ قبل تَارِيخه بِشَهْر وَنحن على الْمحبَّة وَالسَّلَام فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى الثَّانِيَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف مُحَمَّد بن إِدْرِيس لطف الله بِهِ انْتهى لفظ الْكتاب الْمَذْكُور
وَفِي هَذِه الْمدَّة كَانَ السُّلْطَان رحمه الله قد اسْتعْمل الشَّيْخ أَبَا زيان بن الشاوي الأحلافي على تازا وأعمالها وأوصاه بالتعاون على أَمر الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالقائد إِدْرِيس فَكَانَا فِي إدارة الْأُمُور بِتِلْكَ النواحي كفرسي رهان وَلَكِن التبريز إِنَّمَا هُوَ للقائد إِدْرِيس وَلما دخل رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة عزم السُّلْطَان رحمه الله على الْمسير إِلَى بِلَاد الشرق وَجدّة وأعمالها للوقوف على تِلْكَ التخوم بِنَفسِهِ وَالنَّظَر فِي أمورها بِرَأْيهِ إِذْ لم يكن وَطأهَا قبل ذَلِك فاستنفر الْقَبَائِل لحضور عيد الْفطر والنهوض إِلَيْهَا وَلما حضر الْعِيد وَفد على السُّلْطَان جمَاعَة من بني يزناسن وعرب آنقاد فباحثهم رحمه الله عَن حَال بِلَادهمْ فشكوا قلَّة الخصب فصده ذَلِك عَن الْمسير إِلَيْهِم وَوَعدهمْ بِأَنَّهُ سيطأ أَرضهم من الْعَام الْقَابِل فِي أول يناير ثمَّ صرف رحمه الله وجهته تِلْكَ إِلَى التطواف على مراسي الْمغرب وَالنَّظَر فِي أمورها وإحياء مراسم الْجِهَاد بهَا فَخرج من مكناسة منتصف شَوَّال من السّنة أَعنِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف فَمر بأرضات من أَعمال وازان وَصَارَ إِلَى تطاوين ثمَّ إِلَى طنجة ثمَّ
أصيلا وزار وَليهَا أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن مَرْزُوق وتبرك بِهِ ثمَّ مر بالعرائش وَهَكَذَا تتبع الثغور ثغرا ثغرا إِلَى آسفي وَفِي أثْنَاء ذَلِك ورد عَلَيْهِ الْخَبَر بانتقاض الشراردة على الْمولى الْمَأْمُون صَاحب مراكش وخروجهم عَن الطَّاعَة وإفسادهم السابلة ونهبهم الرفاق وأبدؤوا فِي ذَلِك وأعادوا حَتَّى كَانُوا يصلونَ إِلَى جنَّات مراكش فسدد السُّلْطَان رحمه الله قَصده نحوهم وَكَانَ من أمره مَعَهم مَا نذكرهُ
فتح زَاوِيَة الشرادى وَالسَّبَب الدَّاعِي إِلَى غزوها
قد قدمنَا مَا كَانَ من أَمر الْمهْدي بن الشرادي الزراري مَعَ السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله بِمَا فِيهِ كِفَايَة ثمَّ لما بُويِعَ السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن بَايعه الْمهْدي فِي جملَة النَّاس وَلما قدم السُّلْطَان مراكش قَدمته الأولى لقِيه الشراردة فِي خَمْسمِائَة فَارس بمشرع ابْن حمى مؤدين الطَّاعَة ففرح السُّلْطَان بهم وَأكْرم وفادتهم وَلما عزموا على الرُّجُوع كَانَ فِي جملَة مَا قَالَ لَهُم السُّلْطَان رحمه الله إِن مَا فَاتَ قد مَاتَ وَمَا نهب فِي أَيَّام الْفِتْنَة فَهُوَ هدر وَمن الْآن من فعل شَيْئا يخَاف على نَفسه فَرجع الشراردة إِلَى بِلَادهمْ وَعِيد السُّلْطَان بمراكش عيد المولد فَحَضَرت الْوُفُود وَحضر الشراردة فِي جُمْلَتهمْ وَسَاقُوا للسُّلْطَان خَمْسَة عشر جملا من الْكَتَّان وَخَمْسَة أحمال من الملف وَأَرْبَعَة آلَاف مِثْقَال عينا مِمَّا كَانُوا نهبوه من صاكة الصويرة قبيل وَفَاة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله حَسْبَمَا أَشَرنَا إِلَيْهِ قبل فَكَانَ من تَمام إِحْسَان السُّلْطَان إِلَيْهِم وتألفه إيَّاهُم أَن قَالَ لَهُم افرضوا لي مِائَتي فَارس مِنْكُم تذْهب إِلَى درعة وَهَذَا الْكَتَّان والملف هُوَ كسوتهم وَالْمَال صائرهم فَفَعَلُوا وكساهم السُّلْطَان وأنعم عَلَيْهِم ثمَّ لما ولى أَخَاهُ الْمولى الْمَأْمُون على مراكش مرضوا فِي طَاعَته ودعا الْمهْدي تهوره إِلَى أَن شكاه إِلَى السُّلْطَان وَهُوَ بمكناسة يَوْمئِذٍ ويعتد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَأْخُذ مِنْهُم الزكوات والأعشار على غير وَجههَا الشَّرْعِيّ وَأَنه ولي عَلَيْهِم أَرْبَعَة عُمَّال أَو خَمْسَة عوض عَامل وَاحِد