الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتح سجلماسة وَمَا كَانَ من أمرهَا
قد ذكرنَا مَا كَانَ من اسْتِيلَاء الْأَمِير أبي بكر بن عبد الْحق على سجلماسة ودرعة وَأَنه عقد على مسلحتها لأبي يحيى الفطراني الَّذِي كَانَ السَّبَب فِي غَلبه عَلَيْهَا المرتضى وَقتل القطراني بِوَاسِطَة القَاضِي ابْن حجاج حَسْبَمَا تقدم ذَلِك كُله ثمَّ غلب عَلَيْهَا بعد حِين يغمراسن بن زيان بِوَاسِطَة عرب المنبات من بني معقل أهل الصَّحرَاء وَعقد عَلَيْهَا لعبد الْملك بن مُحَمَّد العَبْد الْوَادي الْمَعْرُوف بِابْن حنينة نِسْبَة إِلَى أمه وَهِي أُخْت يغمراسن بن زيان وَلما فتح السُّلْطَان يَعْقُوب بِلَاد الْمغرب وانتظمها فِي ملكته وَجه عزمه إِلَى افْتِتَاح سجلماسة وانتزاعها من أَيدي بني عبد الواد المتغلبين عَلَيْهَا فَنَهَضَ إِلَيْهَا فِي رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وسِتمِائَة فِي جموع بني مرين وقبائل الْمغرب من الْعَرَب والبربر ونازلها وَنصب عَلَيْهَا آلَات الْحصار من المجانيق والعرادات وَغير ذَلِك
قَالَ ابْن خلدون وَنصب عَلَيْهَا هندام النفط الْقَاذِف بحصى الْحَدِيد ينبعث من خزانَة أَمَام النَّار الموقدة فِي البارود بطبيعة غَرِيبَة ترد الْأَفْعَال إِلَى قدرَة بارئها اه كَلَامه قلت وَفِيه فَائِدَة أَن البارود كَانَ مَوْجُودا فِي ذَلِك التَّارِيخ وَأَن النَّاس كَانُوا يُقَاتلُون بِهِ ويستعملونه فِي محاصراتهم وحروبهم يَوْمئِذٍ وَفِيه رد لما نَقله أَبُو زيد الفاسي فِي شرج منظومته الْمَوْضُوعَة فِي الْعَمَل الْجَارِي بفاس قَالَ كَانَ حُدُوث البارود سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة حَسْبَمَا ذكره بَعضهم فِي تأليف لَهُ فِي الْجِهَاد وَأَنه استخرجه حَكِيم كَانَ يعْمل الكيمياء ففرقع لَهُ فَأَعَادَهُ فأعجبه فاستخرج مِنْهُ هَذَا البارود اه وصرخ الشَّيْخ أَبُو عبد الله بناني فِي حَاشِيَته على مُخْتَصر الشَّيْخ خَلِيل بِأَن حُدُوثه كَانَ فِي وسط الْمِائَة الثَّامِنَة وَهُوَ غير صَوَاب لما علمت من كَلَام ابْن خلدون أَنه كَانَ مَوْجُودا قبل ذَلِك بِنَحْوِ مائَة سنة ويغلب على ظَنِّي أَن لفظ الستمائة تصحف بالسبعمائة فسرى الْغَلَط من ذَلِك وَالله أعلم
والمطاولة برا وبحرا فَعمل على ذَلِك بعد أَن كرهه أَولا وَلما عزم على النهوض إِلَيْهَا جمع جَيْشًا كثيفا من قبائل مراكش والحوز والسوس وَغير ذَلِك
زعم لويز أَنه اجْتمع لَهُ من الْمُقَاتلَة نَحْو سبعين ألفا ويظن أَن هَذَا من مبالغته على عَادَته فِي ذَلِك وَكَانَ نُزُوله على الجديدة فِي رَابِع مارس العجمي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَألف مسيحية وَفِي تواريخ الْإِسْلَام أَن نُزُوله عَلَيْهَا كَانَ فِي فاتح رَمَضَان من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف عَرَبِيَّة وَلما نزل عَلَيْهَا أَمر بِحَفر الأساس لاتخاذ أشبار من جَمِيع جهاتها وَنصب عَلَيْهَا خَمْسَة وَثَلَاثِينَ مدفعا بَين كَبِير وصغير وَرمى عَلَيْهَا كورا وبنبا كثيرا فِي أَيَّام مُتعَدِّدَة سقط مِنْهُ داخلها أَكثر من أَلفَيْنِ وهدمت كثيرا من أبنيتها وَقتلت عددا وافرا من أَهلهَا وَكَانَ من جملَة أَهلهَا رجل عسكري قد أناف على السّبْعين سنة وَعجز عَن حُضُور الْقِتَال وَله زَوْجَة وَأَوْلَاد فَلَمَّا رأى تساقط البنب مثل الْمَطَر طلب النجَاة لنَفسِهِ وَعِيَاله ففر إِلَى هري هُنَالك كَانَ فَوْقه خَزَائِن قَمح فاختفى تَحْتَهُ واختفى مَعَه أنَاس آخَرُونَ وظنوا أَن البنبة لَا تنفذ فِي خزين الْقَمْح وتخرق السّقف الَّذِي تَحْتَهُ وَتصل إِلَى الهري الَّذِي هم بِهِ فَقضى الله تَعَالَى بِأَن سَقَطت بِهِ بنبة تجاوزت الْقَمْح والسقف وَسَقَطت على الشَّيْخ فَقتلته وَمن مَعَه وَكَانُوا تِسْعَة أنفس وانجرح آخَرُونَ
وَلما طَال الْحصار على أهل الجديدة كتبُوا إِلَى طاغيتهم فَأَشَارَ عَلَيْهِم بِالْخرُوجِ إِن عجزوا عَن المدافعة وَكَانَت هَذِه الْمُكَاتبَة من غير علم من الْعَامَّة وبينما هم كَذَلِك إِذْ ورد عَلَيْهِم مركب من أشبونة ظنوه مدَدا لَهُم فَإِذا بِهِ قد أَتَى بِكِتَاب الطاغية يَأْمُرهُم بِالْخرُوجِ ويتحملوا بأولادهم وعيالهم فِي مراكبه ويدفعوا الْبَلَد للْمُسلمين وَلما علم الْعَامَّة بذلك امْتَنعُوا وحاصوا حَيْصَة حمر الْوَحْش وَسبوا الْكتاب وَمن أرْسلهُ وَقَالُوا لَا نخرج مِنْهَا حَتَّى نهلك عَن أخرنا إِذْ هِيَ مأثرة أجدادنا عجنت طينتها بدمائهم وفنيت عَلَيْهَا
وجهنا لَك إِلَّا بِقصد أَن نسرحك لأننا تحققنا أَنَّك كنت مَغْلُوبًا عَلَيْك فَلَا عُهْدَة عَلَيْك بل من تَمام عقلك مساعدتك لمن نهب وَلَو منعتهم من ذَلِك لتفاقم الْأَمر هُنَالك وَأَنت عَلَيْك الْأمان ظَاهرا وَبَاطنا فِي الْحَال والاستقبال فَلَا تخش من شَيْء أبدا فَإنَّك مِمَّن نتهمه بِالدّينِ وَالْعقل والصدق وَقد عَايَنت وَسمعت مَا صدر من إِخْوَاننَا من النزعة الشيطانية وَلَا يَنْبَغِي أَن نقابلهم بِمثل مَا قابلنا بِهِ من لاعقل لَهُ مِنْهُم وَإِن قابلناهم بِهِ لَا نَلْتَقِي أبدا وَأَنت اسع فِي الْخَيْر وَالصَّلَاح مَا أمكنك وَتحمل لَهُم عَنَّا بالأمن من كل مَا يخافونه من جانبنا فجسارتهم أولى من صَلَاح الْقَبَائِل فقف على سَاق الْجد لِأَن يهدي الله بك رجلا وَاحِدًا خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وَالسَّلَام فِي السَّابِع عشر من الْمحرم فاتح عَام سَبْعَة وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف انْتهى لفظ الْكتاب الشريف
ثمَّ إِن الْقَائِد إِدْرِيس أحسن الْقيام على عِيَال السُّلْطَان الَّذين بقوا بفاس الْجَدِيد وَكَانَ فيهم حظيته المولاة فَاطِمَة بنت الْمولى سُلَيْمَان وَتقدم الْقَائِد إِدْرِيس إِلَى أَمِين الصائر من قبل وَقَالَ لَهُ مَا كنت تدفع إِلَى دَار السُّلْطَان كل يَوْم من دَقِيق وَلحم وإدام وَغير ذَلِك فَاكْتُبْ لي بِقَدرِهِ وَابعث إِلَى بِهِ فأحصاه الْأمين الْمَذْكُور وَبعث إِلَيْهِ بِهِ فَصَارَ يبْعَث بذلك الْقدر إِلَى دَار السُّلْطَان كل يَوْم وَانْقطع المَاء ذَات يَوْم عَن دَار السُّلْطَان فَكَانَ الْقَائِد إِدْرِيس يحمل قرب المَاء إِلَيْهَا كل يَوْم وَأصْلح القنوات وجد فِي ذَلِك حَتَّى رَجَعَ المَاء إِلَى مجْرَاه ثمَّ إِن السُّلْطَان رحمه الله اسْتنْفرَ قبائل الغرب كلهَا حوزا وغربا وثغورا فقدموا مكناسة على بكرَة أَبِيهِم وَسمع الودايا بذلك فاستدعوا الشريف سَيِّدي مُحَمَّد بن الطّيب من بعض الْأَعْمَال والتفوا عَلَيْهِ وَبَايَعُوهُ فَحِينَئِذٍ تبرأت مِنْهُم الْقَبَائِل الَّتِي كَانَت تعدهم بِالْقيامِ مَعَهم من مجاوريهم لِأَن سَيِّدي مُحَمَّد بن الطّيب كَانَت قبائل الْمغرب قد تناذرته مُنْذُ أَيَّام ولَايَته على تامسنا ودكالة وَفعله بِأَهْلِهَا الأفاعيل فَكَانَ مبغضا عِنْد الْعَامَّة وزحف السُّلْطَان إِلَى فاس الْجَدِيد فَحَاصَرَهُمْ بهَا وَنصب عَلَيْهِم المدافع والمهاريس وتعاقب عَلَيْهِم الرَّمْي بهَا من محلّة السُّلْطَان بِعَين قادوس وَمن بستيون أبي الْجُلُود وبستيون