الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انْتِقَاض الطاغية سانجة وإجازة السُّلْطَان يُوسُف إِلَيْهِ
لما رَجَعَ السُّلْطَان يسف من غَزْو تلمسان وافاه الْخَبَر وَهُوَ بتازا أَن الطاغية سانحة قد انْتقض ونبذ الْعَهْد وَتجَاوز التخوم وأغار على الثغور فأوعز السُّلْطَان إِلَى قَائِد المسالح بالأندلس عَليّ بن يُوسُف بن يزكاتن بِالدُّخُولِ إِلَى دَار الْحَرْب ومنازلة شريش وَشن الغارات على بِلَاد الطاغية فَنَهَضَ لذَلِك فِي ربيع الآخر من سنة تسعين وسِتمِائَة وجاس خلالها وتوغل فِي أقطارها وابلغ فِي النكاية
ثمَّ فصل السُّلْطَان يُوسُف من تازا غازيا أَثَره فِي جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة واحتل قصر مصمودة وَهُوَ قصر الْمجَاز واستنفر أهل الْمغرب وقبائله فنفروا وَشرع فِي إجازتهم الْبَحْر فَبعث الطاغية أساطيله إِلَى الزقاق حجزا لَهُم دون الْإِجَازَة فأوعز السُّلْطَان يُوسُف إِلَى قواد أساطيله بالسواحل بمعمارتها لمقابلة أساطيل الْعَدو فَفَعَلُوا وقدمت فالتقت مَعَ أساطيل الْعَدو ببحر الزقاق فِي شعْبَان من السّنة فَاقْتَتلُوا وانكشف الْمُسلمُونَ ومحصهم الله وَقتل قواد الأساطيل فَأمر السُّلْطَان يُوسُف باستئناف الْعِمَارَة ثمَّ أغزاهم ثَانِيَة فخامت أساطيل الْعَدو عَن اللِّقَاء وصاعدوا عَن الزقاق فملكته أساطيل السُّلْطَان فَأجَاز أخريات رَمَضَان من السّنة واحتل بطريف ثمَّ دخل دَار الْحَرْب غازيا فنازل حصن بجير ثَلَاثَة أشهر وضيق عَلَيْهِم وَبث السَّرَايَا فِي أَرض الْعَدو وردد الغارات على شريش وإشبيلية ونواحيها إِلَى أَن بلغ فِي النكاية والإثخان غَرَضه وَقضى من الْجِهَاد وطره وهجم عَلَيْهِ فصل الشتَاء وانقطعت الْميرَة عَن الْعَسْكَر فأفرج عَن الْحصن وَرجع إِلَى الجزيرة الخضراء ثمَّ عبر إِلَى الْمغرب فاتح سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة فتظاهر ابْن الْأَحْمَر والطاغية على مَنعه من الْجَوَاز مرّة أُخْرَى كَمَا نذكرهُ الْآن
وضريح أبي عبد الله التاودي ومدرسة بَاب الجيسة وَمَسْجِد تازا ومدرسته وضريح الْمولى عَليّ الشريف بسجلماسة وقصبة الدَّار الْبَيْضَاء بهَا ومسجدها ومدرستها وَمَسْجِد الريصاني ومدرسته وأوقافه على المارستان بفاس ومراكش
فَهَذِهِ الْآثَار كلهَا مِمَّا سمت إِلَى تخليد همته الشَّرِيفَة بَعْضهَا أَنْشَأَهَا وَبَعضهَا أصلحه وجدده ورتب للأشراف بتافيلالت فِي كل سنة مائَة ألف مِثْقَال سوى مَا ينعم بِهِ عَلَيْهِم فِي أَيَّام السّنة مُتَفَرقًا ورتب لأهل الْحَرَمَيْنِ الشريفين وشرفاء الْحجاز واليمن مائَة ألف مِثْقَال أَيْضا فِي السّنة ولشرفاء الْمغرب مائَة ألف مِثْقَال كَذَلِك وَأما الطّلبَة والمؤذنون والقراء وأئمة الْمَسَاجِد كَانَت تأتيهم صلَاتهم فِي كل عيد وَأما مَا كَانَ يُنْفِقهُ فِي الْجِهَاد على رُؤَسَاء الْبَحْر وطبجيته وَمَا يضيره على المراكب الجهادية والآلات الحربية الَّتِي مَلأ بهَا بِلَاد الْمغرب فشيء لَا يُحْصِيه الْحصْر وَأما مَا أنفقهُ من الْأَمْوَال فِي فكاك أسرى الْمُسلمين فَأكْثر من ذَلِك كُله حَتَّى لم يبْق بِبِلَاد الْكفْر أَسِير لَا من الْمغرب وَلَا من الْمشرق وَلَقَد بلغ عَددهمْ فِي سنة مِائَتَيْنِ وَألف ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين ألف أَسِير وَزِيَادَة وأوقافه بالحرمين الشريفين وَكتبه العلمية المحبسة بهما لَا زَالَت قَائِمَة الْعين والأثر إِلَى الْآن وَأما اعتناؤه بالمراكب القرصانية فقد بلغ عَددهَا فِي دولته عشْرين كبارًا من المربع وَثَلَاثِينَ من الفراكط والغلائط وَبلغ رُؤَسَاء الْبَحْر عِنْده سِتِّينَ رَئِيسا كلهَا بمراكبها وبحريتها وَبلغ عَسْكَر البحرية ألفا من المشارقة وَثَلَاثَة آلَاف من المغاربة وَمن الطبجية أَلفَيْنِ وَبلغ عسكره من العبيد خَمْسَة عشر ألفا وَمن الْأَحْرَار سَبْعَة آلَاف وَأما عَسْكَر الْقَبَائِل الَّذِي كَانَ يَغْزُو من الْجند فَمن الْحَوْز ثَمَانِيَة آلَاف وَمن الغرب سَبْعَة آلَاف
وَكَانَت لَهُ هَيْبَة عَظِيمَة فِي مشوره وموكبه يتحدث النَّاس بهَا وهابته مُلُوك الفرنج وطواغيتهم ووفدت عَلَيْهِ رسلهم بالهدايا والتحف يطْلبُونَ مسالمته فِي الْبَحْر بلغ ذَلِك رحمه الله بسياسته وعلو همته حَتَّى عَمت
شيخ الطَّرِيقَة أَبَا عبد الله سَيِّدي مُحَمَّد الحراق التطاوني وبموته أقلع الوباء من تِلْكَ الْبَلدة وَمَات بِهِ بسلا منتصف ذِي الْقعدَة من السّنة مائَة وَعِشْرُونَ نفسا وَفِي هَذَا الْيَوْم توفّي عَامل سلا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي زنيبر
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف الْتفت الْخَلِيفَة سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن إِلَى عرب الْخَلْط فاستعملهم فِي الجندية بعد أَن كَانُوا فِي عداد الْقَبَائِل الغارمة من لدن الْمَنْصُور السَّعْدِيّ فاعتنى بهم الْخَلِيفَة الْمَذْكُور ونقلهم من بِلَاد سُفْيَان وَبني مَالك وأحواز العرائش وأنزلهم بزقوطة ووادي مكس من أَعمال مكناسة وكساهم وأجرى عَلَيْهِم الجرايات ثمَّ اخْتَلَّ أَمرهم بعد سنتَيْن أَو ثَلَاث
وَفِي سنة ثَلَاث وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف ورد كتاب من السُّلْطَان رحمه الله يَقُول فِيهِ بعد الِافْتِتَاح مَا نَصه خديمنا الأرضى الطَّالِب عبد الْعَزِيز محبوبة وفقك الله وَسَلام عَلَيْك وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته وَبعد فبوصول كتَابنَا هَذَا إِلَيْك عين عشْرين من الْولدَان النجباء لتعلم علم تاطبجيت وَانْظُر لَهُم معلما ماهرا أَو معلمين من طبجية الْبَلَد يعلمهُمْ ويشرعون فِي التَّعَلُّم الْآن فيبدؤون بمقدماته ثمَّ يتدربون مِنْهَا إِلَى الْأَخْذ فِي تعلم رماية المدفع والمهراس وَهَكَذَا حَتَّى ينجبوا ويمهروا فِي الصَّنْعَة ويصيروا قَادِرين على الْخدمَة ونطلب الله أَن يعينهم وَيفتح بصائرهم وَهَؤُلَاء الْعشْرين يكونُونَ زائدين على من هُنَالك من الطبجية ونأمر الْأُمَنَاء أَن يرتبوا لَهُم إِعَانَة على ذَلِك خمس عشرَة أُوقِيَّة فِي كل شهر للْوَاحِد ثمَّ من ظَهرت نجابته مِنْهُم وفَاق غَيره فَإنَّا نزيده فِي الْمُرَتّب كَمَا نأمرهم أَن يرتبوا لمعلمهم وَاحِد أَو أثنين ثَلَاثِينَ أُوقِيَّة للْوَاحِد فِي كل شهر زِيَادَة على راتبهم الْمَعْلُوم واعتن بأمرهم غَايَة الاعتناء وَقد كتبنَا لغيركم من المراسي مثل هَذَا وسننظر من تظهر ثَمَرَته واعتناؤه وَالسَّلَام فِي عشْرين من ذِي الْقعدَة عَام ثَلَاث وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف اه نَص الْكتاب الشريف