الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَتْح وَالْغنيمَة وَالسُّلْطَان فأمده السُّلْطَان يَعْقُوب بِخَمْسَة آلَاف من بني مرين وبالمستجاد من الْآلَة والكفاية من المَال وأهاب لَهُ بالعرب والقبائل من أهل مَمْلَكَته وَغَيرهم أَن يَكُونُوا مَعَه يدا وَاحِدَة حَتَّى يبلغ مُرَاده فِي فتح مراكش وَسَار أَبُو دبوس فِي الْكَتَائِب حَتَّى شَارف الحضرة ودس إِلَى أشياعه من الْمُوَحِّدين بأَمْره فثاروا بالمرتضى فَكَانَ من فراره إِلَى آزمور ونزوله على صهره ابْن عطوش ومقتله على يَده مَا قدمنَا ذكره فِي دولته واستتب أَمر أبي دبوس بمراكش وَثَبت قدمه بهَا فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان فِي الْوَفَاء بالمشارطة فاستنكف واستكبر وَنقض الْعَهْد وأساء الرَّد فَنَهَضَ إِلَيْهِ السُّلْطَان يَعْقُوب فِي جموع بني مرين وعساكر الْمغرب فخام عَن اللِّقَاء واعتصم بالأسوار فزحف إِلَيْهِ السُّلْطَان يَعْقُوب وحاصره أَيَّامًا ثمَّ سَار فِي الْجِهَات والنواحي يحطم الزروع وينسف الأقوات وَعجز أَبُو دبوس عَن مدافعته فاستجاش عَلَيْهِ بيغمراسن بن زيان ليفت فِي عضده ويشغله عَمَّا أَمَامه بِمَا وَرَاءه فَكَانَ مَا نذكرهُ
وقْعَة تلاغ بَين يَعْقُوب بن عبد الْحق ويغمراسن بن زيان
لما نزل السُّلْطَان يَعْقُوب حَضْرَة مراكش وربض على ترائبه للتوثب عَلَيْهَا لم يجد أَبُو دبوس ملْجأ من دون الِاسْتِظْهَار عَلَيْهِ بيغمراسن بن زيان ليَأْخُذ بحجزته عَنْهَا فَبعث إِلَيْهِ بالصريخ فِي ذَلِك وأكد الْعَهْد وأسنى الْهَدِيَّة فشمر يغمراسن لاستنفاذه وجذب السُّلْطَان يَعْقُوب عَنهُ من خَلفه بشن الغارات على ثغور الْمغرب وَإِيقَاد نَار الْفِتْنَة بهَا فهاج عَلَيْهِ من السُّلْطَان يَعْقُوب لَيْث عاديا وأرهف مِنْهُ حدا مَاضِيا فأفرج للْوَقْت عَن مراكش وَرجع عوده على بدئه يُرِيد تلمسان وصاحبها يغمراسن بن زيان فَنزل فاسا وتلوم بهَا أَيَّامًا حَتَّى أَخذ أهبة الْحَرْب وعدة النزال ثمَّ نَهَضَ إِلَى تلمسان منتصف محرم سنة سِتّ وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وسلك على أكرسيف ثمَّ على تافرطاست
قبله وَهِي خَمْسمِائَة رام فعينوا الإدالة الْمَذْكُورَة بعد الَّتِي واللتيا وبعثوهم إِلَيْهِ بمراكش فبعثهم السُّلْطَان إِلَى الصويرة ورتب لَهُم الْمُؤَن والمرافق فَكَانُوا يقومُونَ على المرسى وينتفعون بمستفادها فحسنت حَالهم واغتبطوا بهَا وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك
وَفِي هَذِه السّنة بعث أَيْضا السُّلْطَان الرئيس أَبَا الْحسن عليا مارسيل الرباطي إِلَى بِلَاد الفرنسيس لتقرير الصُّلْح مَعَهم وَقبض مَال أُسَارَى العرائش وَشِرَاء الْإِقَامَة مِنْهُ فبذلوا المَال وَالْإِقَامَة مَعًا طائعين وفيهَا بعث السُّلْطَان الفقيهين السَّيِّد الطَّاهِر بن عبد السَّلَام السلاوي وَالسَّيِّد الطَّاهِر بناني الرباطي باشدورين إِلَى صَاحب الاسطنبول السُّلْطَان مصطفى العثماني وأصحبهما هَدِيَّة نفيسة فِيهَا خيل عتاق بسروج مثقلة بِالذَّهَب مرصعة بالجوهر والياقوت ونفيس الْأَحْجَار وفيهَا أسياف محلاة بِالذَّهَب ومرصعة بالياقوت الْمُخْتَلف الألوان وفيهَا حلى من عمل الْمغرب فَقبل ذَلِك السُّلْطَان العثماني وابتهج بِهِ ثمَّ كافأ عَلَيْهِ بمركب موسوق من آلَة الْحَرْب مدافع ومهاريس وبارود وَإِقَامَة كَثِيرَة للمراكب القرصانية من كل مَا تحْتَاج إِلَيْهِ
وَفِي هَذِه السّنة خرج السُّلْطَان إِلَى بِلَاد الرِّيف فَجعل طَرِيقه على تطاوين ثمَّ على بِلَاد غمارة وانْتهى إِلَى جارت وبلاد الرِّيف فمهد تِلْكَ النواحي كلهَا وَرجع على طَرِيق تازا وفيهَا قدم الْمولى عَليّ ابْن السُّلْطَان خَليفَة عَن أَبِيه فَنزل فاسا الْجَدِيد وأضاف إِلَيْهِ قبائل الْجَبَل والريف وفيهَا قدمت ربة الدَّار الْعَالِيَة المولاة فَاطِمَة بنت سُلَيْمَان من مراكش إِلَى فاس بِقصد الزِّيَارَة فركبت ذَات لَيْلَة إِلَى ضريح الْمولى إِدْرِيس رضي الله عنه وضريح الشَّيْخ أبي الْحسن عَليّ بن حرزهم وضريح الشَّيْخ أبي عبد الله التاودي فطافت عَلَيْهِم وتبركت بتربهم وذبحت أَكثر من مائَة ثَوْر وأخرجت صدقَات كَثِيرَة ثمَّ خرجت بعد ذَلِك إِلَى مَدِينَة صفرو فزارت ضريح سَيِّدي أبي سرغين وضريح سَيِّدي أبي عَليّ وذبحت وتصدقت
سلا ورباط الْفَتْح أَن يخرجُوا فِي القراصين الجهادية للتطواف بسواحل الْمغرب وَمَا جاورها فَخرج الرئيسان الْحَاج عبد الرَّحْمَن باركاش والحاج عبد الرَّحْمَن بريطل فصادفوا بعض مراكب النابريال فاستاقوها غنيمَة إِذْ لم يَجدوا مَعهَا ورقة الباصبورط الْمَعْهُودَة عِنْدهم وعثروا فِيهَا على شَيْء كثير من الزَّيْت وَغَيرهَا وَكَانَ بَعْضهَا قد جِيءَ بِهِ إِلَى مرسى العدوتين وَبَعضهَا إِلَى مرسى العرائش فهجم النابريال على مرسى العرائش بِسِتَّة قراصين يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّالِث من ذِي الْقعدَة سنة خمس وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَرمى عَلَيْهَا من الكور شَيْئا كثيرا من الضُّحَى إِلَى الاصفرار وَعمد فِي أثْنَاء ذَلِك إِلَى سَبْعَة قوارب فشحنها بِنَحْوِ خَمْسمِائَة من الْعَسْكَر ونزلوا إِلَى الْبر من جِهَة الْموضع الْمَعْرُوف بالمقصرة وتقدموا صُفُوفا قد انتشب بَعضهم فِي بعض بمخاطيف من حَدِيد لِئَلَّا يَفروا وَمَشوا إِلَى مراكب السُّلْطَان الَّتِي كَانَت مرساة بداخل الْوَادي وهم يقرعون طنابيرهم ويصفرون ومراكبهم الَّتِي فِي الْبَحْر ترمي بالضوبلي مَعَ امتداد الْوَادي لتمنع من يُرِيد العبور إِلَيْهِم فَانْتَهوا إِلَى المراكب وأوقدوا فِيهَا النَّار وقصدوا بذلك أَخذ ثأرهم فِيمَا انتزع مِنْهُم فَلم يكن إِلَّا كلا وَلَا حَتَّى انثال عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ من كل جِهَة من أهل السَّاحِل وَغَيرهم وَعبر إِلَيْهِم أهل العرائش وأحوازها سبحا فِي الْوَادي وعَلى ظهر الْفلك إِلَى أَن خالطوهم وفتكوا فيهم فتكة بكرا وَكَانَ هُنَالك جملَة من الحصادة يحصدون الزروع فِي الفدن فَشَهِدُوا الْوَقْعَة وأبلوا بلَاء حسنا حَتَّى كَانُوا يحتزون رُؤُوس النابريال بمناجلهم وَقد ذكر منويل هَذِه الْوَقْعَة وبسطها وَقَالَ إِن النابريال قتل مِنْهُم ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ سوى الأسرى وَتركُوا مدفعا وَاحِدًا وشيئا كثيرا من الْعدة وأفلت الْبَاقِي مِنْهُم إِلَى مراكبهم وذهبوا يلتفتون وَرَاءَهُمْ
وَاعْلَم أَن هَذِه الْوَقْعَة هِيَ الَّتِي كَانَت سَببا فِي إِعْرَاض السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن عَن الْغَزْو فِي الْبَحْر والاعتناء بِشَأْنِهِ فَإِنَّهُ رحمه الله لما أَرَادَ إحْيَاء هَذِه السّنة صَادف إبان قيام شَوْكَة الفرنج ووفور عَددهمْ وأدواتهم