الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي سنة سِتّ وَخمسين وَسَبْعمائة انْتقض على السُّلْطَان أبي عنان وزيره وَصَاحب شواره عِيسَى بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي الطَّلَاق من شُيُوخ بني مرين ووجوها وَكَانَ السُّلْطَان أَبُو عنان قد اسْتَعْملهُ على جبل طَارق فتمكنت رياسته بِهِ وانتقض على السُّلْطَان لأسباب يطول شرحها ثمَّ التاثت حَاله وَضَاقَتْ مذاهبه فَقبض عَلَيْهِ وأحضر بَين يَدي السُّلْطَان أبي عنان هُوَ وَابْنه يَوْم منى من سنة سِتّ وَخمسين الْمَذْكُورَة فتنصلا واعتذرا فَلم يقبل مِنْهُمَا وأودعهما السجْن وضيق عَلَيْهِمَا وَلما كَانَ آخر السّنة أَمر بهما فجنبا إِلَى مصارعهما وَقتل عِيسَى قعصا بِالرِّمَاحِ وَقطع ابْنه أَبُو يحيى من خلاف وأبى من مداواة قطعه فَلم يزل يتخبط فِي دَمه إِلَى أَن هلك بعد ثَلَاثَة أَيَّام من قطعه وَعقد السُّلْطَان على جبل طَارق وَسَائِر ثغور الأندلس لِسُلَيْمَان بن دَاوُد ثمَّ عقد بعده لوَلَده أبي بكر السعيد وَهُوَ الَّذِي تولى الْملك بعده وَالله أعلم
رحْلَة السُّلْطَان أبي عنان الى سلا وتطارحه على وَليهَا الْأَكْبَر أبي الْعَبَّاس بن عَاشر رضي الله عنه
كَانَ لبني مرين عُمُوما وللسلطان أبي عنان خُصُوصا جنوح إِلَى الْخَيْر ومحبة فِي أَهله وَتعرض لمن يشار إِلَيْهِ بالصلاح واستمطار لطله ووبله وَكَانَ الشَّيْخ الْأَشْهر أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن عَاشر الأندلس رضي الله عنه قد استوطن فِي هَذَا التَّارِيخ مَدِينَة سلا وَكَانَ من الْأَفْرَاد الجامعين بَين الْعلم وَالْعَمَل المتمسكين بِالْكتاب وَالسّنة الناهجين سنَن السّلف الصَّالح فِي الزّهْد والورع والإنقطاع عَن الْخلق جملَة بِحَيْثُ طَار ذكره وَعظم لَدَى الْخَاص وَالْعَام
الْجَيْش ليدفعوا لَهُم الْمُؤَن وَمَا وظف عَلَيْهِم من الْهَدَايَا والأنزال فَأرْسل مَعَهم السُّلْطَان مِائَتي فَارس وَعقد عَلَيْهِم لِابْنِ عَمه الشريف الْفَاضِل الناسك مولَايَ سرُور بن إِدْرِيس بن سُلَيْمَان وجده سُلَيْمَان هَذَا هُوَ أحد مُلُوك هَذِه الدولة العلوية حَسْبَمَا تقدم فَلَمَّا توسطوا حلَّة آيت سخمان مَعَ الْعشي تناجوا فِيمَا بَينهم والشيطان لَا يفارقهم فاتفقوا على الْغدر بأصحاب السُّلْطَان وفرقوهم على مداشرهم وحللهم فَلَمَّا كَانَ وَقت الْعشَاء الْأَخِيرَة أظهرُوا عَلامَة بَينهم وسعت كل طَائِفَة إِلَى من عِنْدهَا من أَصْحَاب السُّلْطَان فأوقعوا بهم فَقتلُوا مِنْهُم نَحْو الْعشْرين على مَا قيل وأفلت الْبَاقُونَ بجريعاء الذقن وَكَانَ فِيمَن قتل مِنْهُم كَبِيرهمْ الشريف مولَايَ سرُور الْمَذْكُور وَكَانَ من خِيَار عشيرته رَحْمَة الله عَلَيْهِ رَمَوْهُ برصاصة وطعنوه بتفالة وَكَانَت هَذِه الفعلة الشنعاء بِإِشَارَة كَبِيرهمْ عَليّ بن الْمَكِّيّ من بَقِيَّة آل مهاوش الَّذين تقدم الْخَبَر عَنْهُم فِي دولة السُّلْطَان مولَايَ سُلَيْمَان رحمه الله ثمَّ أَسرُّوا من ليلتهم تِلْكَ فَلم يصبحوا إِلَّا بآيت حديدو وآيت مرغاد وَغَيرهمَا من قبائل البربر وَتَفَرَّقُوا شذر مذر وَبَقِي مِنْهُم نفر يسير على مَا قيل فَقبض عَلَيْهِم من الْغَد وَضربت أَعْنَاقهم وَقَالَ بعض من حضر الْوَقْعَة إِنَّهُم لما فعلوا فعلتهم هربوا من تَحت اللَّيْل وَتركُوا زُرُوعهمْ وأمتعتهم فِي مداشرهم وَلما انْتهى الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان بعث فِي طَلَبهمْ طَائِفَة من عسكره وَضم إِلَيْهِم خيل شقيرين إخْوَانهمْ وَكَانُوا راكبين مَعَ السُّلْطَان مظهرين للطاعة فانتهبوا أمتعتهم وانتسفوا رزوعهم وهدموا أبنيتهم وحرقوا بُيُوتهم وأبلغوا فِي النكاية وتحامت خيل شقيرين ذَلِك إبْقَاء على إخْوَانهمْ وتعصبا للبربرية وَرُبمَا دسوا إِلَيْهِم من أعلمهم بِالْحَال وَأمرهمْ بالإبعاد فِي الارتحال وَلما اطلع السُّلْطَان على خبيئة شقيرين أَمر بِنَهْب حللهم وَأسر من ظفر بِهِ مِنْهُم وَقَتله فأوقع بهم جَيش السُّلْطَان وقْعَة شنعاء فأسروا مِنْهُم عددا وافرا وضربوا أَعْنَاق نَحْو الثَّلَاثِينَ مِنْهُم وانتهبوا حللهم ومداشرهم حَتَّى كَأَن لم تغن بالْأَمْس وَمن الْغَد جَاءَت نِسَاؤُهُم وأطفالهم فاستجاروا بالمدافع واستغاثوا بالسلطان فرق لَهُم وسرح مساجينهم وكساهم وَعَفا عَنْهُم وَكَانَ هَذَا كُله فِي أَوَاخِر ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة أَعنِي