الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نكبة الْأَمِير أبي عبد الرَّحْمَن يَعْقُوب ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن وفرار وزيره زيان بن عمر الوطاسي وَالسَّبَب فِي ذَلِك
كَانَ السُّلْطَان أَبُو الْحسن رحمه الله عِنْدَمَا نَهَضَ إِلَى تلمسان أَولا وَثَانِيا ينْتَظر قدوم صهره السُّلْطَان أبي بكر بن أبي زَكَرِيَّاء الحفصي عَلَيْهِ لما كَانَ انْعَقَد بَينه وَبَين أَبِيه أبي سعيد رحمه الله من الِاجْتِمَاع على تلمسان والتعاون على حصارها وَلما فتح أَبُو الْحسن تلمسان فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم كَانَ وَزِير الحفصيين الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بن تافرجين شَاهدا لذَلِك الْفَتْح قدم رَسُولا من عِنْد مخدومه السُّلْطَان أبي بكر الْمَذْكُور فَأسر إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن بِأَن مخدومه قادم عَلَيْهِ للقائه وتهنئته بالظفر بعدوه فتشوف السُّلْطَان أَبُو الْحسن إِلَيْهَا لما كَانَ يحب الْفَخر ويعنى بِهِ وارتحل عَن تلمسان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وعسكر بمتيجة منتظرا لوفادة صهره عَلَيْهِ فتكاسل الحفصي عَن الْقدوم بِسَبَب تثبيط مُحَمَّد بن الْحَكِيم من رجال دولته إِيَّاه عَن ذَلِك وَقَالَ لَهُ إِن لِقَاء سلطانين لَا يتَّفق إِلَّا فِي يَوْم على أَحدهمَا فكره الحفصي ذَلِك وتقاعد عَنهُ وَطَالَ مقَام السُّلْطَان أبي الْحسن فِي انْتِظَاره ثمَّ طرقه بفسطاطه مرض ألزمهُ الْفراش حَتَّى تحدث أهل الْعَسْكَر بمهلكه
وَكَانَ ابناه الأميران أَبُو عبد الرَّحْمَن وَأَبُو مَالك متناغيين فِي ولَايَة عهد مُنْذُ أَيَّام جدهما أبي سعيد وَكَانَ أَبوهُمَا قد جعل لَهما لأوّل دولته ألقاب الْإِمَارَة وَأَحْوَالهَا من اتِّخَاذ الوزراء وَالْكتاب وَوضع الْعَلامَة وَتَدْوِين الدَّوَاوِين وَإِثْبَات الْعَطاء واستلحاق الفرسان وانفراد كل بعسكره على حِدة وَجعل لَهما مَعَ ذَلِك الْجُلُوس بمقعد فَصله مناوبة لتنفيذ الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة فَكَانَا لذَلِك رديفين لَهُ فِي سُلْطَانه وَلما اشْتَدَّ وجع السُّلْطَان فِي هَذِه الْمرة تمشت سماسرة الْفِتَن بَينهمَا وتحزب أهل الْعَسْكَر لَهما حزبين وشوشوا بواطنهما فَبَثَّ كل وَاحِد مِنْهُمَا المَال وَحمل على المقربات وَصَارَ الْجَيْش شيعًا وهم الْأَمِير أَبُو عبد الرَّحْمَن بالتوثب على الْأَمر قبل أَن يتَبَيَّن حَال السُّلْطَان بإغراء
والخنق والقصابي كَذَا وَأعْطى الطّلبَة والعميان والمقعدين والزمنى وزوايا تافيلالت مائَة ألف مِثْقَال قسم ذَلِك بِخَط يَده أَيْضا وَجعل للفقيه الْمدرس أَرْبَعَة أسْهم وَلغيره سَهْمَيْنِ والسهم من كَذَا وللطالب الَّذِي يحفظ الْقُرْآن برسمه حَتَّى صفا لوحه سَهْمَان وَلغيره سهم والسهم من كَذَا وَلَا فرق بَين الْأَحْرَار والحراطين وَلكُل وَاحِد من الضُّعَفَاء والعمى والمقعدين كَذَا الْأَحْرَار والحراطين سَوَاء وللزوايا كَذَا فلزاوية الشَّيْخ سَيِّدي الْغَازِي كَذَا ولزاوية سَيِّدي أبي بكر بن عمر كَذَا ولزاوية سَيِّدي أَحْمد الحبيب كَذَا ولزاوية سَيِّدي عَليّ بن عبد الله كَذَا ولزاوية ضريح مَوْلَانَا عَليّ الشريف كَذَا ولمقبرة أخنسوس كَذَا وَوجه المَال مَعَ الْأمين السَّيِّد الْمُعْطِي مرينو الرباطي وَأمر الشرفاء أَن يعينوا أَرْبَعِينَ من ثقاتهم وأمنائهم حَتَّى لَا تقع زِيَادَة فِيمَا كتبه بِيَدِهِ وَلَا نُقْصَان وَأمر القَاضِي أَن يعين عشرَة من الطّلبَة وَعشرَة من الْعَوام للْقِيَام على تَفْرِقَة ذَلِك ثمَّ أعْطى المدرسين زِيَادَة على مَا تقدم وَكَذَا الْأَئِمَّة والمؤذنين وَلم ينس أحدا كل ذَلِك بِخَط يَده رحمه الله
قَالَ صَاحب الْجَيْش وَلَا زَالَ هَذَا الزِّمَام عِنْدِي ثمَّ بعد قَضَاء وطره من الزِّيَارَة والصلة توجه إِلَى مراكش على طَرِيق الفائجة لتفقد أَحْوَال جَيش الْحَوْز الَّذِي كَانَ وَجهه من مراكش لإقليم درعة فَبَلغهُ أثْنَاء الطَّرِيق أَن آيت عطه الَّذين بدرعة لما سمعُوا بِقُرْبِهِ مِنْهُم خَرجُوا من الْقُصُور هاربين وتركوها يبابا وتحصنوا بجبل صاغرو وَلما دخل السُّلْطَان مراكش سرح العساكر إِلَى السوس لتفقد أَحْوَاله وجباية أَمْوَاله وتمهيد أَطْرَافه وَأخذ هُوَ رحمه الله فِي استصلاح قبائل الْحَوْز من دكالة وَعَبدَة والشياظمة فَقتل وَعزا وسجن وَولى من ولى وطهر تِلْكَ الْأَعْمَال من وُلَاة السوء الَّذين كَانُوا بهَا وَعَاد إِلَى حَضرته بفاس وَكَانَ دُخُوله إِلَيْهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف وَلما دَخلهَا أَخذ فِي تجهيز ولديه الْمولى عَليّ وَالْمولى عمر لأَدَاء فَرِيضَة الْحَج إِلَى أَن استوفى الْغَرَض فِي ذَلِك وَعين من يتَوَجَّه مَعَهُمَا من الخدم والتجار
بِالْحرم الإدريسي مَا وصلكم وَلَا أَظُنهُ إِلَّا فصل لكم لَكِن عمتنا ألطاف الله ورحماته وَحفظ الضريح ورحباته وَلم تنتهك حرماته وحمته حماته ورماته فأبوابه قد فتحت وزواره بمشاهدة أنواره قد منحت وَمِمَّا فِي الْكتاب الْمَذْكُور أَن السَّفِيه إِذا لم ينْتَه فَهُوَ مَأْمُور ولعمرك أَنه لَيْسَ منا علم بذلك وَلَا شُعُور وَكَيف يَأْمر الْعَاقِل بالمحظور أم كَيفَ يرضى مُسلم بهتك حُرْمَة الْإِسْلَام وَأَهله وَمَا يُوجب افْتِرَاق الْكَلِمَة من قَول أحد أَو فعله وَقد جَاءَ الْوَعيد بِمَا يلْزم من سكت وَحضر فَكيف بِمن بَاشر أَو أَمر لَكِن بَاب التَّوْبَة وَالْحَمْد لله مَفْتُوح لمن يَغْدُو عَلَيْهِ أَو يروح فنسأل الله أَن يمن عَلَيْهِم بِالتَّوْبَةِ من ارْتِكَاب هَذِه الحوبة وَقد كتبنَا لسيدنا بِهَذَا الْكتاب وَالْمَدينَة بِحَمْد الله آمِنَة والنفوس مطمئنة سَاكِنة وَالْأَيْدِي على التَّعَدِّي مَكْفُوفَة والطرق مسلوكة غير مخوفة وَذَلِكَ بعد معاناة فِي إخماد نَار الْفِتْنَة وَنصب وألطاف الله تتوارد وتصب بعد أَن كَانَت نَار الْفِتْنَة توقدت وتأججت وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وبالأكدار قد مزجت وكل من لَهُ مُرُوءَة وَدين وعد من المهتدين بذل فِي صَلَاح الْمُسلمين جهده وَأبْدى من الْفِعْل الْجَمِيل مَا عِنْده ولقاضينا بَارك الله فِيهِ الْيَد الطُّولى فَلم يَقع مِنْهُ تَقْصِير فِي الْقَضِيَّة الثَّانِيَة وَلَا الأولى هَذَا وكما فِي علمكُم أَن الْملك من ملك هَوَاهُ وَلم يغتر بِهَذَا الْعرض الفاني وَمَا أغواه وقهر نَفسه عِنْد الْغَضَب وابتكر مَا يوصله إِلَى الله واقتضب وَأَن الْكَرِيم إِذا حاسب مسامح وَإِذا قدر عَفا وَلَو أبدى الْمُسِيء إساءته وهفا فليتفضل سيدنَا بِقبُول شَفَاعَة من يضع اسْمه فِي هَذَا الْكتاب من الْعلمَاء والأشراف وَمِنْهُم بِعَدَمِ صَوَاب مَا صدر من السُّفَهَاء إِقْرَار واعتراف وَلَا يستغرب صُدُور الْخَيْر من معدنه وَالْفضل من موطنه وتتحاشى أخلاقك الفاخرة وشيمك الطاهرة أَن تكون شفاعتنا فِي هَؤُلَاءِ العصاة مَرْدُودَة وجماعتنا عَن ساحتكم مبعدة مطرودة ولحسن الظَّن بكم تحمل لجانبكم الزعيم وَالْكَفِيل على أَن لَا نرى مِنْكُم إِلَّا الْجَمِيل فليمن سيدنَا على هَذِه الحضرة الفاسية منا وَلَا يؤاخذنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا وَكَيف والحلم من داركم برز وَخرج وَفِي أوصافكم الحسان اندرج فأحببنا أَن تكون هَذِه