المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بقية أخبار الحاج عبد القادر وانقراض أمره وما آل إليه حاله - الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - جـ ٣

[أحمد بن خالد الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الدولة المرينية

- ‌الْخَبَر عَن دولة بني مرين مُلُوك فاس وَالْمغْرب وَذكر أوليتهم وأصلهم

- ‌الْخَبَر عَن دُخُول بني مرين أَرض الْمغرب الْأَقْصَى واستيلائهم عَلَيْهِ وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن رياسة الْأَمِير أبي مُحَمَّد عبد الْحق بن محيو المريني رحمه الله

- ‌حَرْب بني مرين مَعَ عرب ريَاح ومقتل الْأَمِير عبد الْحق رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْأَمِير عبد الْحق وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن رياسة الْأَمِير أبي معرف مُحَمَّد بن عبد الْحق رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة الْأَمِير أبي بكر بن عبد الْحق رحمه الله

- ‌اسْتِيلَاء الْأَمِير أبي بكر على مكناسة وبيعة أَهلهَا لِابْنِ أبي حَفْص بواسطته

- ‌اسْتِيلَاء الْأَمِير أبي بكر على فاس وبيعة أَهلهَا لَهَا

- ‌انْتِقَاض أهل فاس على الْأَمِير أبي بكر ومحاصرته إيَّاهُم

- ‌اسْتِيلَاء الْأَمِير أبي بكر على مَدِينَة سلا ثمَّ ارتجاعها مِنْهُ وهزيمة المرتضى بعد ذَلِك

- ‌اسْتِيلَاء الْأَمِير أبي بكر على سجلماسة وَدِرْعه وَسَائِر بِلَاد الْقبْلَة

- ‌وَفَاة الْأَمِير أبي بكر رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة أبي حَفْص الْأَمِير عمر بن أبي بكر بن عبد الْحق رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله

- ‌اسْتِيلَاء نَصَارَى الإصبنيول على مَدِينَة سلا وإيقاع السُّلْطَان يَعْقُوب بهم وطردهم عَنْهَا

- ‌خُرُوج بني إِدْرِيس بن عبد الْحق على عمهم السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله

- ‌حِصَار السُّلْطَان يَعْقُوب حَضْرَة مراكش ونزوع أبي دبوس مِنْهَا إِلَيْهِ وهلاك المرتضى بعد ذَلِك

- ‌وقْعَة تلاغ بَين يَعْقُوب بن عبد الْحق ويغمراسن بن زيان

- ‌فتح حَضْرَة مراكش ومقتل أبي دبوس وانقراض دولة الْمُوَحِّدين بهَا

- ‌مراسلة السُّلْطَان أبي عبد الله مُحَمَّد الْمُسْتَنْصر بِاللَّه الحفصي للسُّلْطَان الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمهمَا الله

- ‌عقد السُّلْطَان يَعْقُوب ولَايَة الْعَهْد لِابْنِهِ أبي مَالك بسلا وَمَا نَشأ عَن ذَلِك من خُرُوج قرَابَته عَلَيْهِ

- ‌هجوم النَّصَارَى على العرائش وتيشمس من ثغور الْمغرب

- ‌وقْعَة إيسلي بَين السُّلْطَان يَعْقُوب ابْن عبد الْحق ويغمراسن بن زيان

- ‌فتح طنجة وسبتة وَمَا كَانَ من أَمر العزفي بهما

- ‌فتح سجلماسة وَمَا كَانَ من أمرهَا

- ‌أَخْبَار السُّلْطَان الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني فِي الْجِهَاد وَمَا كَانَ لَهُ بالأندلس من الذّكر الْجَمِيل وَالْفَخْر الجزيل رحمه الله

- ‌الْجَوَاز الأول للسُّلْطَان يَعْقُوب إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد

- ‌فتح جبل تينملل ونبش قُبُور بني عبد الْمُؤمن على يَد الملياني عَفا الله عَنهُ

- ‌بِنَاء الْمَدِينَة الْبَيْضَاء الْمُسَمَّاة الْيَوْم بفاس الْجَدِيد

- ‌الْجَوَاز الثَّانِي للسُّلْطَان يَعْقُوب إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد

- ‌حُدُوث الْفِتْنَة بَين السُّلْطَان يَعْقُوب وَابْن الْأَحْمَر وَمَا نَشأ عَن ذَلِك من حِصَار الجزيرة الخضراء وَغير ذَلِك

- ‌الْجَوَاز الثَّالِث للسُّلْطَان يَعْقُوب إِلَى الأندلس مغيثا للطاغية ومغتنما فرْصَة الْجِهَاد

- ‌انْعِقَاد الصُّلْح بَين السُّلْطَان يَعْقُوب وَابْن الْأَحْمَر وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْجَوَاز الرَّابِع للسُّلْطَان يَعْقُوب إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد

- ‌وفادة الطاغية على السُّلْطَان يَعْقُوب بأحواز الجزيرة الخضراء وَعقد الصُّلْح بَينهمَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان النَّاصِر لدين الله يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق رَحمَه الله تَعَالَى

- ‌قدوم بني اشقيلولة على السُّلْطَان يُوسُف بسلا وإقطاعه إيَّاهُم قصر كتامة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌انْتِقَاض الطاغية سانجة وإجازة السُّلْطَان يُوسُف إِلَيْهِ

- ‌حُدُوث الْفِتْنَة بَين السُّلْطَان يُوسُف وَابْن الْأَحْمَر واستيلاء الطاغية على طريف بمظاهرة ابْن الْأَحْمَر لَهُ عَلَيْهَا

- ‌انْعِقَاد الصُّلْح بَين السُّلْطَان يُوسُف وَابْن الْأَحْمَر ووفادته عَلَيْهِ بطنجة

- ‌فتكة ابْن الملياني بشيوخ المصامدة وتزويره الْكتاب بهم وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌نكبة بَين وقاصة من يهود فاس

- ‌ثورة عُثْمَان بن ابي الْعَلَاء بجبال غمارة

- ‌وَفَاة السُّلْطَان يُوسُف رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي ثَابت عَامر بن عبد الله ابْن يُوسُف ابْن يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله

- ‌ثورة يُوسُف بن مُحَمَّد بن أبي عياد ابْن عبد الْحق وَمَا كَانَ من أمره

- ‌بِنَاء مَدِينَة تطاوين

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي الرّبيع سُلَيْمَان بن أبي عَامر عبد الله بن يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله

- ‌نكبة الْفَقِيه الْكَاتِب أبي مُحَمَّد عبد الله بن أبي مَدين واستئصال بني وقاصة الْيَهُودِيين بعد ذَلِك

- ‌انْتِقَاض أهل سبتة على بني الْأَحْمَر ومراجعتهم طَاعَة بني مرين

- ‌انْتِقَاض الْوَزير عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب الوطاسي على السُّلْطَان أبي الرّبيع ومبايعته لعبد الْحق بن عُثْمَان وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي سعيد عُثْمَان ابْن يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله

- ‌غَزْو السُّلْطَان أبي سعيد نَاحيَة تلمسان

- ‌خُرُوج الْأَمِير أبي عَليّ على أَبِيه السُّلْطَان أبي سعيد وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وفادة أهل الأندلس على السُّلْطَان أبي سعيد واستصراخهم إِيَّاه على الطاغية وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌انْتِقَاض الْأَمِير أبي عَليّ على أَبِيه السُّلْطَان أبي سعيد وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌بِنَاء مدارس الْعلم بِحَضْرَة فاس حرسها الله

- ‌أَخْبَار بني العزفي أَصْحَاب سبتة

- ‌الْمُصَاهَرَة بَين السُّلْطَان أبي سعيد فِي ابْنه أبي الْحسن وَبَين أبي بكر بن أبي زَكَرِيَّاء الحفصي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة السُّلْطَان أبي سعيد بن يَعْقُوب رحمه الله

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الْمَنْصُور بِاللَّه أبي الْحسن عَليّ ابْن عُثْمَان بن يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله

- ‌حُدُوث الْفِتْنَة بَين الْأَخَوَيْنِ أبي الْحسن وَأبي عَليّ ثمَّ مقتل أبي عَليّ وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وفادة السُّلْطَان ابْن الْأَحْمَر على السُّلْطَان أبي الْحسن بِحَضْرَة فاس وَفتح جبل طَارق

- ‌فتح تلمسان ومقتل صَاحبهَا أبي تاشفين وانقراض الدولة الأولى لبني زيان بمهلكه

- ‌مراسلة السُّلْطَان أبي الْحسن لسلطان مصر وَبَعثه الْمَصَاحِف من خطه إِلَى الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة شرفها الله

- ‌نكبة الْأَمِير أبي عبد الرَّحْمَن يَعْقُوب ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن وفرار وزيره زيان بن عمر الوطاسي وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ثورة ابْن هيدور الجزار وَمَا كَانَ من أمره

- ‌أَخْبَار السُّلْطَان أبي الْحسن فِي الْجِهَاد وَمَا كَانَ من وقْعَة طريف الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين وَغير ذَلِك

- ‌اسْتِيلَاء الْعَدو على الجزيرة الخضراء

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار بني أبي الْعَلَاء

- ‌مراسلة السُّلْطَان أبي الْحسن لصَاحب مصر أبي الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن قلاوون

- ‌هَدِيَّة السُّلْطَان أبي الْحسن إِلَى ملك مَالِي من السودَان المجاورين للمغرب

- ‌مصاهرة السُّلْطَان أبي الْحسن ثَانِيًا مَعَ السُّلْطَان أبي بكر الحفصي رحمهمَا الله

- ‌غَزْو السُّلْطَان أبي الْحسن إفريقية واستيلاؤه على تونس وأعمالها

- ‌انْتِقَاض عرب سليم بإفريقية على السُّلْطَان أبي الْحسن وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌انْتِقَاض الْأَطْرَاف وثورة أبي عنان ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن واستيلاؤه على الْمغرب

- ‌ركُوب السُّلْطَان أبي الْحسن الْبَحْر من تونس إِلَى الْمغرب وَمَا جرى عَلَيْهِ من المحن فِي ذَلِك

- ‌اسْتِيلَاء السُّلْطَان أبي الْحسن على مراكش ثمَّ انهزامه عَنْهَا إِلَى هنتاته أهل جبل درن ووفاته هُنَاكَ

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي الْحسن وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان المتَوَكل على الله أبي عنان فَارس بن أبي الْحسن رحمه الله

- ‌تملك السُّلْطَان أبي عنان بجاية وتولية عمر بن عَليّ الوطاسي عَلَيْهَا

- ‌ثورة أهل بجاية ومقتل عمر بن الوطاسي بهَا

- ‌خُرُوج أبي الْفضل ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن بِبِلَاد السوس ثمَّ مَقْتَله عقب ذَلِك

- ‌وفادة الْوَزير ابْن الْخَطِيب من قبل سُلْطَانه الْغَنِيّ بِاللَّه على السُّلْطَان أبي عنان رحمهم الله

- ‌رحْلَة السُّلْطَان أبي عنان الى سلا وتطارحه على وَليهَا الْأَكْبَر أبي الْعَبَّاس بن عَاشر رضي الله عنه

- ‌غَزْوَة السُّلْطَان أبي عنان إفريقية وَفتح قسنطينة ثمَّ فتح تونس بعْدهَا

- ‌وزارة سُلَيْمَان بن دَاوُد ونهوضه بالعساكر إِلَى إفريقية

- ‌وَفَاة السُّلْطَان أبي عنان رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان أبي عنان وَسيرَته

- ‌إِحْدَاث المكس بفاس وبسائر أَمْصَار الْمغرب وَمَا قيل فِي ذَلِك

- ‌مقتل أبي الصخور الخمسي وَمَا كَانَ من أمره

- ‌خُرُوج السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله إِلَى الثغور وتفقده أحوالها

- ‌إِيقَاع السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بالودايا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌مَجِيء السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله من مراكش إِلَى الغرب مرّة أُخْرَى وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌إِيقَاع السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بقبيلة مسفيوة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌بِنَاء مَدِينَة الصويرة حرسها الله

- ‌هجوم الفرنسيس على ثغر سلا والعرائش ورجوعه عَنْهُمَا بالخيبة

- ‌مراسلة السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله لطاغية الإصبنيول وَمَا اتّفق فِي ذَلِك

- ‌اعتناء السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بثغر العرائش وشحنه بِآلَة الْجِهَاد

- ‌إِيقَاع السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بآيت يمور أهل تادلا ونقلهم إِلَى سلفات وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌إغراء السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بآيت أدراسن وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌مقتل عبد الْحق فنيش السلاوي ونكبة أهل بَيته وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وُرُود هَدِيَّة السُّلْطَان مصطفى العثماني على السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمهمَا الله

- ‌انْعِقَاد الصهر بَين السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَبَين سُلْطَان مَكَّة الشريف سرُور رحمه الله

- ‌اعتناء السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بعبيد السوس والقبلة وجلبهم إِلَى أجدال رِبَاط الْفَتْح

- ‌فتح الجديدة

- ‌سعي السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله فِي فكاك أسرى الْمُسلمين وَمَا يسر الله على يَدَيْهِ من ذَلِك

- ‌حِصَار السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله مَدِينَة مليلية من ثغور الإصبنيول

- ‌نهوض السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله إِلَى برابرة آيت ومالو وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ذكر مَا آل إِلَيْهِ أَمر اليكشارية الَّذين استخدمهم السُّلْطَان من قبائل الْحَوْز

- ‌خُرُوج العبيد على السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله ومبايعتهم لِابْنِهِ الْمولى يزِيد وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌ذكر مَا سلكه السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله فِي حق العبيد من التَّأْدِيب الْغَرِيب

- ‌إِيقَاع السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بأولاد أبي السبَاع وتشريدهم إِلَى الصَّحرَاء وَمَا يتبع ذَلِك

- ‌ذهَاب السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله إِلَى تافيلالت وتمهيده إِيَّاهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌خُرُوج السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله إِلَى الصويرة بِقصد النزهة واغتنام الرَّاحَة وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك

- ‌ذكر السَّبَب الَّذِي هاج غضب السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله على ابْنه الْمولى يزِيد رحمه الله

- ‌ذكر مَا كَانَ من السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله إِلَى أهل زَاوِيَة أبي الْجَعْد حماها الله

- ‌ذكر عدد عَسْكَر الثغور فِي دولة السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَمَا كَانَ يقبضهُ من الرَّاتِب

- ‌قدوم الْمولى يزِيد من الْمشرق واحترامه بضريح الشَّيْخ عبد السَّلَام ابْن مشيش رضي الله عنه وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد ابْن عبد الله ومآثره وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى يزِيد بن مُحَمَّد وأوليته ونشأته رحمه الله

- ‌بيعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى يزِيد بن مُحَمَّد رحمه الله

- ‌انْتِقَال الودايا من مكناسة إِلَى فاس وَعبيد الثغور مِنْهَا إِلَى مكناسة

- ‌نقض الصُّلْح مَعَ جَيش الإصبنيول وحصاره سبتة

- ‌انْتِقَاض أهل الْحَوْز على السُّلْطَان الْمولى يزِيد ابْن مُحَمَّد وبيعتهم لِأَخِيهِ الْمولى هِشَام رحمهمَا الله

- ‌حُدُوث الْفِتْنَة بالمغرب وَظُهُور الْمُلُوك الثَّلَاثَة من أَوْلَاد سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الرّبيع الْمولى سُلَيْمَان بن مُحَمَّد رحمه الله

- ‌حَرْب السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان لِأَخِيهِ الْمولى مسلمة وطرده إِلَى بِلَاد الْمشرق

- ‌نهب عرب آنقاد لركب حَاج الْمغرب وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌بعث السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان الجيوش إِلَى الْحَوْز ونهوضه على أَثَرهَا إِلَى رِبَاط الْفَتْح وَعوده إِلَى فاس

- ‌ثورة مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الخمسي الْمَعْرُوف بزيطان بِالْجَبَلِ

- ‌أَخْبَار الْمولى هِشَام بن مُحَمَّد بمراكش والحوز وَمَا يتَّصل بذلك

- ‌ثورة الْمولى عبد الْملك بن إِدْرِيس بآنفا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌قدوم عرب الرحامنة على السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان ومسيره إِلَى مراكش واستيلاؤه عَلَيْهَا

- ‌دُخُول آسفي وصاحبها الْقَائِد عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر الْعَبْدي فِي طَاعَة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله

- ‌دُخُول الصويرة وأعمالها فِي طَاعَة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله

- ‌استرجاع السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان مَدِينَة وَجدّة وأعمالها من يَد التّرْك

- ‌فتْنَة الْفَقِير أبي مُحَمَّد عبد الْقَادِر ابْن الشريف الفليتي واستحواذه على تلمسان وبيعته للسُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ذكر مَا اتّفق للسُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله فِي وسط دولته من الخصب والأمن والسعادة واليمن

- ‌بَدْء هيجان فتْنَة البربر وَمَا نَشأ عَنْهَا من التفاقم الْأَكْبَر

- ‌إجلاب السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان على برابرة كروان ورجوعه عَنْهُم من آصرو وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

- ‌مراسلة صَاحب تونس حمودة باشا ابْن عَليّ باي للسُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله وَمَا اتّفق فِي ذَلِك

- ‌وُصُول كتاب صَاحب الْحجاز عبد الله بن سعود الوهابي إِلَى فاس وَمَا قَالَه الْعلمَاء فِي ذَلِك

- ‌حج الْمولى أبي اسحاق إِبْرَاهِيم ابْن السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله

- ‌وَقد مدح هَذَا النجل الأرضي جمَاعَة من أدباء مصر وَغَيرهَا بقصائد نفيسة وَمن جملَة من مدحه الْفَقِيه الْعَلامَة الأديب أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم عبد الْقَادِر الريَاحي التّونسِيّ فَإِنَّهُ بعث بقصيدة رائقة إِلَى وَالِده السُّلْطَان المرحوم يمدح النجل الْمَذْكُور ويهنئه بالقدوم وألم فِيهَا بِذكر

- ‌غَزْو السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان بِلَاد الرِّيف وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌خُرُوج السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان إِلَى بِلَاد الْحَوْز وتمهيدها ثمَّ دُخُوله مراكش

- ‌غَزْو السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان قبائل الصَّحرَاء وإيقاعة بآيت عطة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌وقْعَة ظيان وَمَا جرى فِيهَا على السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله

- ‌ذكر آل مهاوش وأوليتهم وَمَا آل إِلَيْهِ أَمرهم

- ‌حُدُوث الْفِتْنَة بفاس وقيامهم على عاملهم الصفار

- ‌خُرُوج السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان من مكناسة إِلَى فاس وَمَا لَقِي من سُفَهَاء البربر فِي طَرِيقه إِلَيْهَا

- ‌ذكر مَا حدث من الْفِتَن بفاس وأعمالها بعد سفر السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان إِلَى مراكش

- ‌خُرُوج أهل فاس على السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وبيعتهم للولى إِبْرَاهِيم بن يزِيد وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌مسير الْمولى إِبْرَاهِيم بن يزِيد إِلَى تطاوين ووفاته بهَا

- ‌بيعَة الْمولى السعيد بن يزِيد بتطاوين ورجوعه إِلَى فاس

- ‌مَجِيء السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان من مراكش إِلَى الْقصر ثمَّ مسيره إِلَى فاس وحصاره إِيَّاهَا

- ‌مَجِيء الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام من الصويرة إِلَى الغرب واستخلافه بفاس وَمَا تخَلّل ذَلِك

- ‌وقْعَة زَاوِيَة الشرادي وَمَا جرى فِيهَا على السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله

- ‌وَفَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى سُلَيْمَان بن مُحَمَّد رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله ومآثره وَسيرَته

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الدولة العلوية

- ‌الْقسم الثَّالِث

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام وأوليته ونشأته

- ‌بيعَة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام رحمه الله

- ‌اجْتِمَاع البربر على بيعَة السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌نهوض السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن لتفقد أَحْوَال الرّعية ووصوله إِلَى رِبَاط الْفَتْح

- ‌خُرُوج السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن إِلَى مكناسة وَنَقله آيت يمور إِلَى الْحَوْز ومسيره إِلَى مراكش

- ‌نكبة ابْن الْغَازِي الزموري وَمَا آل إِلَيْهِ أمره

- ‌ولَايَة الشريف سَيِّدي مُحَمَّد بن الطّيب على تامسنا ودكالة وأعمالها

- ‌شُرُوع السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن رحمه الله فِي غرس أجدال بِحَضْرَة مراكش

- ‌ولَايَة الْقَائِد أبي الْعَلَاء إِدْرِيس بن حمان الجراري على وَجدّة وأعمالها

- ‌فتح زَاوِيَة الشرادى وَالسَّبَب الدَّاعِي إِلَى غزوها

- ‌هجوم جنس النابريال على ثغر العرائش وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌اسْتِيلَاء الفرنسيس على ثغر الجزائر وَمَا ترَتّب على ذَلِك من دُخُول أهل تلمسان فِي بيعَة السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن رحمه الله

- ‌خُرُوج جَيش الودايا على السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌ظُهُور الْحَاج عبد الْقَادِر بن محيي الدّين الْمُخْتَار بالمغرب الْأَوْسَط وَبَعض أخباره

- ‌انْتِقَاض الْهُدْنَة مَعَ الفرنسيس وتمحيص الْمُسلمين بإيسلي قرب وَجدّة وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار الْحَاج عبد الْقَادِر وانقراض أمره وَمَا آل إِلَيْهِ حَاله

- ‌ثورة إِبْرَاهِيم يسمور اليزدكي بالصحراء

- ‌بعث السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن أَوْلَاده إِلَى الْحجاز وَمَا اتّفق لَهُم فِي ذَلِك

- ‌وَفَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى عبد الرَّحْمَن وَسيرَته ومآثره

- ‌الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن رحمه الله

- ‌انْتِقَاض الصُّلْح مَعَ الإصبنيول واستيلاؤه على تطاوين ورجوعه عَنْهَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

- ‌القَوْل فِي اتِّخَاذ الْجَيْش وترتيبه وَبَعض آدابه

- ‌ثورة الجيلاني الروكي ومقتله

- ‌إِيقَاع السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن رحمه الله بعرب الرحامنة

- ‌وَفَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن رحمه الله

- ‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن رحمه الله ومآثره وَسيرَته

- ‌الْخَبَر عَن دولة ملك الزَّمن أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى حسن بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن خلد الله ملكه

- ‌تقريظ الطبعة الأولى لكتاب الاستقصا

- ‌تقريظ الْعَلامَة الأديب السَّيِّد أَحْمد بن الْمَأْمُون البلغيثي الْحُسَيْنِي

- ‌تقريظ الأديب السَّيِّد إِبْرَاهِيم الْأَزْهَرِي

الفصل: ‌بقية أخبار الحاج عبد القادر وانقراض أمره وما آل إليه حاله

فقاتلها أَيَّامًا ثمَّ أفرج عَنْهَا وتنقل فِي جهاتها وَبعث سراياه إِلَى جيان فأفسدوا زروعها ثمَّ ارتحل إِلَى طليطلة فعاث فِي جهاتها وَخرب عمرانها حَتَّى انْتهى إِلَى حصن مجريط من أقْصَى الثغر فامتلأت أَيدي الْمُسلمين وضاق معسكرهم بالغنائم الَّتِي استاقوها فقفل السُّلْطَان من أجل ذَلِك إِلَى الجزيرة فاحتل بهَا فِي شعْبَان وَأقَام بهَا إِلَى آخر السّنة الْمَذْكُورَة وَكَانَت غَزْوَة لم يسمح الدَّهْر بِمِثْلِهَا وَفِي هَذِه السّنة توفّي يغمراسن بن زيان على مَا فِي القرطاس وَذكر ابْن خلدون أَنه لما حَضرته الْوَفَاة أوصى ابْنه عُثْمَان وَقَالَ لَهُ يَا بني إِن بني مرين بعد استفحال ملكهم واستيلائهم على حَضْرَة الْخلَافَة بمراكش لَا طَاقَة لنا بلقائهم فإياك أَن تحاربهم فَإِن مددهم موفور ومددك مَحْصُور وَلَا يغرنك أَنِّي كنت أحاربهم وَلَا أنكص عَن لقائهم لِأَنِّي كنت أخْشَى معرة الْجُبْن عَنْهُم بعد التمرس بهم والاجتراء عَلَيْهِم وَأَنت لَا يَضرك ذَلِك لِأَنَّك لم تحاربهم وَلم تتمرس بهم فَعَلَيْك بالتحصن ببلدك مَتى زحفوا إِلَيْك وحاول مَا اسْتَطَعْت الِاسْتِيلَاء على مَا جاورك من عمالات الْمُوَحِّدين أَصْحَاب تونس يستفحل بهَا ملكك وتكافئ حشد الْعَدو بحشدك قَالَ فَعمل ابْنه عُثْمَان على وَصيته وأوفد أَخَاهُ مُحَمَّد بن يغمراسن على السُّلْطَان يَعْقُوب وَهُوَ بالأندلس فِي جَوَازه الرَّابِع فعقد مَعَه السّلم على مَا أحب وانكفأ رَاجعا إِلَى أَخِيه فطابت نَفسه وتفرغ لافتتاح الْبِلَاد الشرقية

‌انْعِقَاد الصُّلْح بَين السُّلْطَان يَعْقُوب وَابْن الْأَحْمَر وَالسَّبَب فِي ذَلِك

لما اتَّصَلت يَد السُّلْطَان يَعْقُوب رحمه الله بيد الطاغية وَقَامَ مَعَه فِي ارتجاع ملكه خشِي ابْن الْأَحْمَر عاديته فجنح إِلَى مُوالَاة ابْنه سانجة الْخَارِج عَلَيْهِ وَوصل يَده بِيَدِهِ وأكد لَهُ العقد واضطرمت الأندلس نَارا وفتنة بِسَبَب هَذَا الْخلاف وَلما قفل السُّلْطَان يَعْقُوب من غزوته مَعَ الطاغية وَقد ظهر على ابْنه أجمع على منازلة مالقة الَّتِى استحوذ عَلَيْهَا ابْن الْأَحْمَر وخدع عَنْهَا ابْن محلي فَنَهَضَ السُّلْطَان إِلَيْهَا من الجزيرة الخضراء فاتح سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة

ص: 56

فغلب أَولا على الْحُصُون الغربية كلهَا ثمَّ أَسف إِلَى مالقة فَأَنَاخَ عَلَيْهَا بعساكره وضاق على ابْن الْأَحْمَر النطاق وَلم تغن عَنهُ مُوالَاة سانجة شَيْئا وبدا لَهُ سوء المغبة فِي شَأْن مالقة وَنَدم على تنَاولهَا فأعمل نظره فِي الْخَلَاص من ورطتها وَلم ير لَهَا إِلَّا الْأَمِير يُوسُف ابْن السُّلْطَان يَعْقُوب فخاطبه بمكانه من الْمغرب مستصرخا لَهُ لرقع هَذَا الْخرق ورتق هَذَا الفتق وَجمع كلمة الْمُسلمين على عدوهم فَأَجَابَهُ واغتنم المثوبة فِي مسعاه وَعبر الْبَحْر إِلَى الأندلس فِي صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ الْمَذْكُورَة فَوَافى أَبَاهُ بمعسكره على مالقة وَرغب مِنْهُ السّلم لِابْنِ الْأَحْمَر فِي شَأْنهَا والتجافي لَهُ عَنْهَا فأسعف رَغْبَة ابْنه لما يؤمل فِي ذَلِك من رضى الله عز وجل فِي جِهَاد عدوه وإعلاء كَلمته وانعقد السّلم وانبسط أمل ابْن الْأَحْمَر وتجددت عزائم الْمُسلمين للْجِهَاد وقفل السُّلْطَان يَعْقُوب الى الجزيرة الخضراء فَبَثَّ السَّرَايَا فِي دَار الْحَرْب فأوغلوا وأثخنوا ثمَّ أستأنف الْغَزْو بِنَفسِهِ الى طليطلة فَخرج من الجزيرة غازيا غرَّة ربيع الثَّانِي من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ الْمَذْكُورَة حَتَّى انْتهى إِلَى قرطبة فأثخن وغنم وَخرب الْعمرَان وافتتح الْحُصُون ثمَّ ارتحل نَحْو البرت وَترك محلته على بياسة بالمغانم والأثقال وَترك مَعهَا خَمْسَة آلَاف فَارس يحمونها من كرة الْعَدو ثمَّ أغذ السّير فِي أَرض قفرة لَيْلَتَيْنِ حَتَّى انْتهى إِلَى البرت من نواحي طليطلة فسرح الْخَيل فِي البسائط وجالت فِي أكنافها وَلم تَنْتَهِ إِلَى طليطلة لتثاقل النَّاس بِكَثْرَة الْغَنَائِم وأثخن فِي الْقَتْل وقفل على غير طَريقَة فأثخن وَخرب

وانْتهى إِلَى أبذة فَوقف بساحتها وقاتلها سَاعَة من نَهَار فَرَمَاهُ علج من خلف السُّور بِسَهْم أصَاب فرسه فارتحل عَنْهَا إِلَى مُعَسْكَره ببياسة فأراح بهَا ثَلَاثًا ينسف آثارها ويقتلع أشجارها وقفل إِلَى الجزيرة وَبَين يَدَيْهِ من السَّبي والغنائم مَا يعجز عَنهُ الْوَصْف فَدَخلَهَا فِي شهر رَجَب من السّنة الْمَذْكُورَة فقسم الْغَنَائِم وَنفل من الْخمس وَولى على الجزيرة حافده عِيسَى بن عبد الْوَاحِد بن يَعْقُوب فَهَلَك شَهِيدا على شريش بِسَهْم مَسْمُوم لشهرين من ولَايَته

ثمَّ عبر السُّلْطَان إِلَى الْمغرب فاتح شعْبَان وَمَعَهُ ابْنه أَبُو زيان منديل فأراح

ص: 57

بطنجة ثَلَاثًا ثمَّ نَهَضَ إِلَى فاس فَدَخلَهَا آخر شعْبَان وَلما قضى صِيَامه ونسك عيده ارتحل إِلَى مراكش لتمهيدها وتفقد أحوالها وَقسم من نظره لنواحي سلا حظا فَأَقَامَ برباط الْفَتْح شَهْرَيْن اثْنَيْنِ وَتوفيت فِي هَذِه الْمدَّة الْحرَّة أم الْعِزّ بنت مُحَمَّد بن حَازِم الْعلوِي وَهِي أم الْأَمِير يُوسُف وَكَانَت وفاتها برباط الْفَتْح فدفنت بشالة ثمَّ نَهَضَ السُّلْطَان يَعْقُوب إِلَى مراكش فَدَخلَهَا فاتح ثَلَاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وبلغه مهلك الطاغية هراندة بن أذفونش واجتماع النَّصْرَانِيَّة على ابْنه سانجة الْخَارِج عَلَيْهِ فحركت همته إِلَى الْجِهَاد ثمَّ سرح ابْنه الْأَمِير يُوسُف ولي عَهده بالعسكر إِلَى بِلَاد السوس لغزو الْعَرَب الَّذين بهَا وكف عاديتهم ومحو آثَار الْخَوَارِج المنتزين على الدولة فأجفلوا أَمَامه وَاتبع آثَارهم إِلَى الساقية الْحَمْرَاء آخر الْعمرَان من بِلَاد السوس فَهَلَك أَكثر الْعَرَب فِي تِلْكَ القفار جوعا وعطشا وقفل رَاجعا لما بلغه من اعتلال وَالِده السُّلْطَان يَعْقُوب فوصل إِلَى مراكش وَقد أبل من مَرضه وعزم على الْجِهَاد شكرا لله تَعَالَى على نعْمَة الْعَافِيَة وَفِي هَذِه السّنة وصل مَاء عين غبولة إِلَى قَصَبَة رِبَاط الْفَتْح بِأَمْر السُّلْطَان يَعْقُوب وَكَانَ ذَلِك على يَد الْمعلم المهندس أبي الْحسن عَليّ بن الْحَاج وَالله تَعَالَى أعلم

‌الْجَوَاز الرَّابِع للسُّلْطَان يَعْقُوب إِلَى الأندلس برسم الْجِهَاد

لما اعتزم السُّلْطَان يَعْقُوب على العبور إِلَى الأندلس عرض جُنُوده وحاشيته وأزاح عللهم وَبعث فِي قبائل الْمغرب بالنفير ونهض من مراكش فِي جُمَادَى الْآخِرَة لثلاث وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة واحتل برباط الْفَتْح منتصف شعْبَان فَقضى بِهِ صَوْمه ونسكه ثمَّ ارتحل إِلَى قصر الْمجَاز وَشرع فِي إجَازَة العساكر والحشود من المرتزقة والمتطوعة خَاتم سنته ثمَّ أجَاز الْبَحْر بِنَفسِهِ غرَّة صفر من سنة أَربع وَثَمَانِينَ بعْدهَا واحتل بِظَاهِر طريف ثمَّ سَار إِلَى الجزيرة الخضراء فأراح بهَا أَيَّامًا ثمَّ خرج غازيا حَتَّى انْتهى إِلَى وَادي لَك وسرح الْخُيُول فِي بِلَاد الْعَدو وبسائطه يحرق وينسف فَلَمَّا خرب بِلَاد النَّصْرَانِيَّة

ص: 58

وَدَمرَ أَرضهم قصد مَدِينَة شريش فَنزل بساحتها وأناخ عَلَيْهَا فِي الْعشْرين من صفر سنة أَربع وَثَمَانِينَ الْمَذْكُورَة وَبث السَّرَايَا والغارات فِي جَمِيع نَوَاحِيهَا وَبعث عَن المسالح الَّتِي كَانَت بالثغور فتوافت لَدَيْهِ ولحقه حافده عمر بن عبد الْوَاحِد بِجمع وافر من الْمُجَاهدين من أهل الْمغرب فُرْسَانًا ورجالا ووافته حِصَّة العزفي صَاحب سبتة غزاه ناشبة تناهز خَمْسمِائَة وأوعز إِلَى ولي عَهده الْأَمِير يُوسُف باستنفار من بَقِي من أهل العدوة

وَكَانَ السُّلْطَان رحمه الله لما أَنَاخَ على شريش بعث وزيره مُحَمَّد بن عطوا وَمُحَمّد بن عمرَان عيُونا فوافوا حصن القناطر وروطة واستكشفوا ضعف الحامية واختلال الثغور وعادوا إِلَى السُّلْطَان فأخبروه ثمَّ عقد السُّلْطَان لحافده مَنْصُور بن عبد الْوَاحِد على ألف فَارس من بني مرين والغز وعرب العاصم والخلط والأثبج وَأَعْطَاهُ الرَّايَة وَبَعثه لغزو إشبيلية وَذَلِكَ فِي يَوْم الْأَحَد التَّاسِع وَالْعِشْرين من صفر من السّنة الْمَذْكُورَة فغنموا ومروا بقرمونة فِي منصرفهم فاستباحوها وأثخنوا بِالْقَتْلِ والأسر وَرَجَعُوا وَقد امْتَلَأت أَيْديهم من الْغَنَائِم ثمَّ عقد ثَانِيَة لحافده عمر بن عبد الْوَاحِد على مثلهَا من الفرسان فِي يَوْم الْخَمِيس الثَّالِث من شهر ربيع الأول من السّنة وَأَعْطَاهُ الرَّايَة وسرحه إِلَى بسائط وَادي لَك فَرَجَعُوا من الْغَنَائِم بِمَا مَلأ العساكر بعد أَن أثخنوا فِيهَا بِالْقَتْلِ والتخريب وتحريق الزروع واقتلاع الثِّمَار وأبادوا عمرانها

ثمَّ سرح ثامن ربيع الْمَذْكُور عسكرا من خَمْسمِائَة فَارس للإغارة على حصن ركش فوافوه على غرَّة فاكتسحوا أَمْوَالهم وَسبوا ثمَّ عقد تَاسِع ربيع أَيْضا لِابْنِهِ أبي معرف على ألف من الفرسان وسرحه لغزو إشبيلية فَسَارُوا حَتَّى هجموا عَلَيْهَا يَوْم المولد الْكَرِيم وتحصنت مِنْهُ حاميتها بالأسوار فخرب عمرانها وَقطع أشجارها وامتلأت أَيدي عسكره سبيا وأموالا وَرجع إِلَى محلّة السُّلْطَان وَهِي نازلة على شريش كَمَا قدمنَا مَمْلُوء الحقائب

ثمَّ عقد ثَالِثَة لحافده عمر منتصف ربيع الْمَذْكُور لغزو حصن كَانَ بِالْقربِ

ص: 59

من مُعَسْكَره كَانَ أَهله يقطعون الطَّرِيق على من خرج من المحله مُفردا أَو فِي قلَّة وسرح مَعَه الرجل من الناشبة والفعلة بآلات من الْمساحِي والفؤوس وأمده بِالرجلِ من المصامدة وغزاة سبتة فاقتحموه عنْوَة على أَهله وَقتلُوا الْمُقَاتلَة وَسبوا النِّسَاء والذرية وألصقوا خَدّه بِالتُّرَابِ ونسفوا آثاره نسفا ولسبعة عشر من الشَّهْر ركب السُّلْطَان إِلَى حصن مرتقوط قَرِيبا من مُعَسْكَره فخربه وَحَرقه بالنَّار واستباحه وَقتل الْمُقَاتلَة وسبى الْأَهْل ولعشرين من شهره الْمَذْكُور وصل ولي عَهده الْأَمِير يُوسُف من العدوة المغربية بنفير أهل الْمغرب وكافة الْقَبَائِل فِي جيوش ضخمة وعساكر موفورة وَركب السُّلْطَان للقائهم وبرور مقدمهم وَعرض العساكر القادمة مَعَه يَوْمئِذٍ فَكَانَت ثَلَاثَة عشر ألفا من المصامدة وَثَمَانِية آلَاف من برابرة الْمغرب كلهم مُتَطَوّع بِالْجِهَادِ فعقد السُّلْطَان لوَلِيّ الْعَهْد على خَمْسَة آلَاف من المرتزقة وألفين من المتطوعة وَثَلَاثَة عشر ألفا من الرجل وألفين من الناشبة وَذَلِكَ فِي يَوْم الْجُمُعَة الْخَامِس وَالْعِشْرين من ربيع الأول الْمَذْكُور وسرحه لغزو إشبيلية والإثخان فِي نَوَاحِيهَا فعبأ كتائبه ونهض لوجهه وَبث الغارات بَين يَدَيْهِ فأثخنوا وَسبوا وَقتلُوا واقتحموا الْحُصُون واكتسحوا الْأَمْوَال وعاج ولي الْعَهْد على الشّرف والغابة من بسيط إشبيلية فنسف قراها واقتحم بعض حصونها وقفل إِلَى معسكر السُّلْطَان وَهُوَ بمكانه من حِصَار شريش وَفِي يَوْم الِاثْنَيْنِ السَّادِس من ربيع الثَّانِي قدم أَبُو زيان منديل ابْن السُّلْطَان يَعْقُوب من الْمغرب فِي جَيش كثيف فيهم خَمْسمِائَة فَارس من عرب بني جَابر أهل تادلا مَعَ كَبِيرهمْ يُوسُف بن قيطون وَفِيهِمْ من المتطوعة والناشبة عدد كثير فعقد لَهُ السُّلْطَان غَدَاة وُصُوله وأمده بعسكر آخر وأغزاه قرمونة والوادي الْكَبِير فَأَغَارَ على قرمونة وطمعت حاميتها فِي المدافعة فبرزوا لَهُ وَصدقهمْ الْقِتَال فانكشفوا حَتَّى أدخلوهم الْبَلَد ثمَّ أحاطوا ببرج كَانَ قَرِيبا من الْبَلَد فقاتلوه سَاعَة من نَهَار واقتحموه عنْوَة وَلم يزل يتقرى الْمنَازل والعمران حَتَّى وقف بِسَاحَة إشبيلية فَأَغَارَ واقتحم برجا

ص: 60

كَانَ هُنَالك عينا على الْمُسلمين وأضرمه نَارا وامتلأت أَيدي عساكره وقفل إِلَى معسكر السُّلْطَان على شريش ولثلاث عشرَة لَيْلَة من ربيع الثَّانِي عقد السُّلْطَان لوَلِيّ الْعَهْد الْأَمِير يُوسُف لمنازلة جَزِيرَة كبتور فصمد إِلَيْهَا وقاتلها واقتحمها عنْوَة وَفِي ثَانِي جُمَادَى الأولى عقد السُّلْطَان للْحَاج أبي الزبير طَلْحَة بن يحيى بن محلى وَكَانَ بعد مداخلته أَخَاهُ عمر فِي شَأْن مالقة سنة خمس وَسبعين خرج إِلَى الْحَج فَقضى فَرْضه وَرجع وَمر فِي طَرِيقه بتونس فاتهمه الدعي ابْن أبي عمَارَة كَانَ بهَا يَوْمئِذٍ فاعتقله سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ ثمَّ سرحه وَلحق بقَوْمه بالمغرب ثمَّ عبر إِلَى الأندلس غازيا مَعَ السُّلْطَان يَعْقُوب فعقد لَهُ فِي هَذَا الْيَوْم على مِائَتَيْنِ من الفرسان وسرحه إِلَى إشبيلية ليَكُون ربيئة للمعسكر وَبعث مَعَه لذَلِك عيُونا من الْيَهُود والمعاهدين من النَّصَارَى يتعرفون أَخْبَار الطاغية سانجة وَالسُّلْطَان يَعْقُوب رحمه الله أثْنَاء هَذَا كُله يغادي شريش ويراوحها بِالْقَتْلِ والتخريب ونسف الْآثَار وَبث السَّرَايَا كل يَوْم وَلَيْلَة فِي بِلَاد الْعَدو فَلَا يَخْلُو يَوْم من تجهيز عَسْكَر أَو إغزاء جَيش أَو عقد راية أَو بعث سَرِيَّة حَتَّى انتسف الْعمرَان فِي جَمِيع بِلَاد النَّصْرَانِيَّة وَخرب بسائط إشبيلية ولبلة وقرمونة وإستجة وجبال الشّرف وَجَمِيع بسائط الفرنتيرة

وأبلى فِي هَذِه الْغَزَوَات عياد بن أبي عياد العاصمي من شُيُوخ جشم وَالْخضر الْغَزِّي من أُمَرَاء الأكراد بلَاء عَظِيما وَكَانَ لَهُم فِيهَا ذكر وصيت وَكَذَلِكَ غزَاة سبتة وَكَذَا سَائِر الْمُجَاهدين من عرب جشم وَغَيرهم مثل مهلهل بن يحيى الخلطي صهر السُّلْطَان ويوسف بن قيطون الجابري وَغير هَؤُلَاءِ مِمَّن يطول ذكرهم

فَلَمَّا دمرها تدميرا وأوسعها تخريبا ونسفها نسفا واكتسحها غَارة ونهبا وهجم فصل الشتَاء وانقطعت الْميرَة عَن الْعَسْكَر اعتزم السُّلْطَان على القفول وَأَفْرج عَن شريش لآخر جُمَادَى الأولى من السّنة الْمَذْكُورَة بعد أَن حاصرها نَحوا من ثَلَاثَة أشهر وَعشرَة أَيَّام واتصل بِهِ أَن الْعَدو أوعز إِلَى أساطيله

ص: 61

باحتلال الزقاق والاعتراض دون الفراض فأوعز السُّلْطَان إِلَى جَمِيع سواحله من سبتة وطنجة وبلاد الرِّيف ورباط الْفَتْح والمنكب والجزيرة وطريف بتوجيه أساطيلهم فتوافت مِنْهَا سِتَّة وَثَلَاثُونَ أسطولا متكاملة فِي عدتهَا فأحجمت اساطيل الْعَدو عَنْهَا وارتدت على أعقابها واحتل السُّلْطَان يَعْقُوب بالجزيرة الخضراء وَهِي الْمُسَمَّاة الْيَوْم بخوزيرت غرَّة رَمَضَان من سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَنزل بقصره من الْمَدِينَة الجديدة الَّتِي بناها بإزائها فبرزت أساطيل الْمُسلمين أَمَامه بالمرسى وَهُوَ جَالس بمشور قصره فلعبوا بمرأى مِنْهُ فِي الْبَحْر وتجاولوا وتناطحوا وتطاردوا كفعلهم سَاعَة الْحَرْب فسر بذلك وَأحسن إِلَيْهِم وصرفهم إِلَى حَال سبيلهم

‌وفادة الطاغية على السُّلْطَان يَعْقُوب بأحواز الجزيرة الخضراء وَعقد الصُّلْح بَينهمَا وَالسَّبَب فِي ذَلِك

قَالَ ابْن خلدون رحمه الله لما نزل بِبِلَاد النَّصْرَانِيَّة من السُّلْطَان يَعْقُوب مَا نزل من تدمير قراهم واكتساح أَمْوَالهم وَسبي نِسَائِهِم وإبادة مفاتلتهم وتخريب معاقلهم وانتساف عمرانهم زاغت مِنْهُم الْأَبْصَار وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر واستيقنوا أَن لَا عَاصِم لَهُم من أَمِير الْمُسلمين فَاجْتمعُوا إِلَى طاغيتهم سانجة خاشعة أَبْصَارهم ترهقهم ذلة متوجعين مِمَّا أذاقهم جنود الله من سوء الْعَذَاب وأليم النكال وَحَمَلُوهُ على الضراعة لأمير الْمُسلمين فِي السّلم وإيفاد الْمَلأ من كبار النَّصْرَانِيَّة عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَإِلَّا فَلَا تزَال تصيبهم مِنْهُ قَارِعَة أَو تحل قَرِيبا من دَارهم فَأجَاب إِلَى مَا دَعوه إِلَيْهِ من الْخَسْف والهضيمة لدينِهِ وأوفد على أَمِير الْمُسلمين وَهُوَ بالجزيرة الخضراء وَفْدًا من بطارقتهم وشمامستهم يخطبون السّلم ويضرعون فِي المهادنة والإبقاء وَوضع أوزار الْحَرْب فردهم أَمِير الْمُسلمين اعتزازا عَلَيْهِم ثمَّ أعادهم الطاغية بترديد الرَّغْبَة على أَن يشْتَرط مَا شَاءَ من عز دينه وَقَومه فأسعفهم أَمِير الْمُسلمين وجنح إِلَى السّلم لما تَيَقّن من صاغيتهم إِلَيْهِ وذلهم لعز الْإِسْلَام وأجابهم إِلَى مَا سَأَلُوهُ

ص: 62

وَاشْترط عَلَيْهِم مَا تقبلوه من مسالمة الْمُسلمين كَافَّة من قومه وَغير قومه وَالْوُقُوف عِنْد مرضاته فِي ولَايَة جِيرَانه من الْمُلُوك أَو عدواتهم وَرفع الضريبة عَن تجار الْمُسلمين بدار الْحَرْب من بِلَاده وَترك التضريب بَين مُلُوك الْمُسلمين وَالدُّخُول بَينهم فِي فتْنَة واستدعى السُّلْطَان الشَّيْخ أَبَا مُحَمَّد عبد الْحق الترجمان وَبَعثه لاشْتِرَاط ذَلِك وإحكام عقده فَسَار عبد الْحق إِلَى الطاغية سانجة وَهُوَ بإشبيلية فعقد مَعَه الصُّلْح واستبلغ وأكد فِي الْوَفَاء بِهَذِهِ الشُّرُوط ووفدت رسل ابْن الْأَحْمَر على الطاغية وَهُوَ عِنْده لعقد السّلم مَعَه على قومه وبلاده دون أَمِير الْمُسلمين وَأَن يكون مَعَه يدا وَاحِدَة عَلَيْهِ فأحضرهم الطاغية بمشهد عبد الْحق وأسمعهم مَا عقد مَعَ أَمِير الْمُسلمين على قومه وَأهل مِلَّته كَافَّة وَقَالَ لَهُم إِنَّمَا أَنْتُم عبيد آبَائِي فلستم معي فِي مقَام السّلم وَالْحَرب وَهَذَا أَمِير الْمُسلمين على الْحَقِيقَة وَلست أُطِيق مقاومته وَلَا دفاعه عَن نَفسِي فَكيف عَنْكُم فانصرفوا وَلما رأى عبد الْحق ميله إِلَى رضَا السُّلْطَان وسوس إِلَيْهِ بالوفادة عَلَيْهِ لتتمكن الألفة وتستحكم الْعقْدَة وَأرَاهُ مغبة ذَلِك فِي سل السخيمة وتسكين الحفيظة فَمَال إِلَى مُوَافَقَته وَسَأَلَهُ لَقِي الْأَمِير يُوسُف ولي عهد السُّلْطَان أَولا لِيَطمَئِن قلبه فوصل إِلَيْهِ ولقيه على فراسخ من شريش وباتا بمعسكر الْمُسلمين هُنَالك ثمَّ ارتحلا من الْغَد للقاء السُّلْطَان يَعْقُوب وَكَانَ قد أَمر النَّاس بالاحتفال للقاء الطاغية وَقَومه وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام وأبهته وَأَن لَا يلبسوا إِلَّا الْبيَاض فاحتفلوا وتأهبوا وأظهروا عز الْملَّة وَشدَّة الشَّوْكَة ووفور الحامية

وَقدم الطاغية فِي جماعته سود اللبَاس خاضعين ذليلين فَاجْتمعُوا بالأمير بحصن الصخرات على مقرب من وَادي لَك وَذَلِكَ يَوْم الْأَحَد الْعشْرين من شعْبَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَتقدم الطاغية فَلَقِيَهُ أَمِير الْمُسلمين بِأَحْسَن مبرة وَأتم كَرَامَة يلقى بهَا مثله من عُظَمَاء الْملَل وَقدم الطاغية بَين يَدَيْهِ هَدِيَّة من طرف بِلَاده أتحف بهَا السُّلْطَان وَولي عَهده كَانَ فِيهَا زوج من الْخُيُول

ص: 63

الوحشي الْمُسَمّى بالفيل وحمارة من حمر الْوَحْش إِلَى غير ذَلِك من الطّرف فقبلها السُّلْطَان وَابْنه وأضعفوا لَهُ الْمُكَافَأَة وكمل عقد السّلم وَقبل الطاغية سَائِر الشُّرُوط وَرَضي بعز الْإِسْلَام عَلَيْهِ وانقلب إِلَى قومه بملء صَدره من الرضى والمسرة وَسَأَلَ مِنْهُ السُّلْطَان أَن يبْعَث إِلَيْهِ بكتب الْعلم الَّتِي بأيدي النَّصَارَى مُنْذُ استيلائهم على مدن الْإِسْلَام فَبعث إِلَيْهِ مِنْهَا ثَلَاثَة عشر حملا فِيهَا جملَة من مصاحف الْقُرْآن الْكَرِيم وتفاسيره كَابْن عَطِيَّة والثعلبي وَمن كتب الحَدِيث وشروحاتها كالتهذيب والاستذكار وَمن كتب الْأُصُول وَالْفُرُوع واللغة والعربية وَالْأَدب وَغير ذَلِك فَأمر السُّلْطَان رحمه الله بحملها إِلَى فاس وتحبيسها على الْمدرسَة الَّتِي أسسها بهَا لطلبة الْعلم وقفل السُّلْطَان فاحتل بقصره من الجزيرة لليلتبن بَقِيَتَا من شعْبَان فَقضى صَوْمه ونسك عيده وَجعل من قيام لَيْلَة جزأ لمحاضرة أهل الْعلم وَأعد الشُّعَرَاء كَلِمَات أنشدوها يَوْم عيد الْفطر بمشهد الْمَلأ فِي مجْلِس السُّلْطَان وَكَانَ من أسبقهم فِي ذَلِك الميدان شَاعِر الدولة أَبُو فَارس عبد الْعَزِيز الملزوزي الأَصْل المكناسي الدَّار وَيعرف بعزوز أَتَى بقصيدة طَوِيلَة من بَحر الوافر على رُوِيَ الْبَاء الْمَفْتُوحَة المردوفة بِالْألف ذكر فِيهَا سيرة السُّلْطَان وغزواته وغزوات بنيه وحفدته وامتدح قبائل مرين ورتبهم على مَنَازِلهمْ وَذكر فَضلهمْ وقيامهم بِالْجِهَادِ وَذكر قبائل الْعَرَب على اختلافها وأنشدت بِمحضر السُّلْطَان والحاشية فَأمر لمنشئها بِأَلف دِينَار وخلعة ولمنشدها بِمِائَتي دِينَار ثمَّ أعمل السُّلْطَان نظره فِي الثغور فرتب بهَا المسالح وَبعث وَلَده الْأَمر أَبَا زيان منديلا ليقف على الْحَد بَين أرضه وَأَرْض ابْن الْأَحْمَر وَعقد لَهُ على تِلْكَ النَّاحِيَة وأنزله بحصن ذكْوَان قرب مالقة وأوصاه أَن لَا يحدث فِي بِلَاد ابْن الْأَحْمَر حَدثا وَعقد لعياد بن أبي عياد العاصمي على مسلحة أُخْرَى وأنزله بأسطبونة وَأَجَازَ ابْنه الْأَمِير يُوسُف إِلَى الْمغرب لتفقد أَحْوَاله ومباشرة أُمُوره وَأمره أَن يَبْنِي على قبر وَالِده أبي الْمُلُوك عبد الْحق بتافر طاست زَاوِيَة فاختط هُنَالك رِبَاطًا حفيلا وَبنى على قبر الْأَمِير

ص: 64

عبد الْحق إِدْرِيس أسنمة من الرخام ونقشها بِالْكِتَابَةِ ورتب عَلَيْهَا قراء لتلاوة الْقُرْآن ووقف على ذَلِك ضيَاعًا وأرضا تسع حرث أَرْبَعِينَ زوجا رحم الله الْجَمِيع بمنه

‌وَفَاة السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله

وَفِي آخر ذِي الْقعدَة من سنة أَربع وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة مرض السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق مَرضه الَّذِي توفّي مِنْهُ فَلم يزل ألمه يشْتَد وحاله يضعف إِلَى أَن توفّي بقصره من الجزيرة الخضراء من ارْض الأندلس فِي ضحى يَوْم الثُّلَاثَاء الثَّانِي وَالْعِشْرين من الْمحرم فاتح سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وَحمل إِلَى رِبَاط الْفَتْح من بِلَاد العدوة فَدفن بِمَسْجِد شالة وقبره الْيَوْم طامس الْأَعْلَام رحمه الله

‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق وَسيرَته

كَانَ السُّلْطَان يَعْقُوب رحمه الله أَبيض اللَّوْن تَامّ الْقد معتدل الْجِسْم حسن الْوَجْه وَاسع الْمَنْكِبَيْنِ كَامِل اللِّحْيَة معتدلها أشيب نقي الْبيَاض حَلِيمًا متواضعا جوادا مظفرا مَنْصُور الرَّايَة مَيْمُون النقيبة لم يقْصد جَيْشًا إِلَّا هَزَمه وَلَا عدوا إِلَّا قهره وَلَا بَلَدا إِلَّا فَتحه صواما قواما دَائِم الذّكر كثير الْبر لَا تزَال سبحته فِي يَده مقربا للْعُلَمَاء مكرما للصلحاء صادرا فِي أَكثر أُمُوره عَن رَأْيهمْ وَلما استقام لَهُ الْأَمر بنى المرستانات للمرضى والمجانين ورتب لَهُم الْأَطِبَّاء لتفقد أَحْوَالهم وأجرى على الْكل المرتبات والنفقات من بَيت المَال وَكَذَا فعل بالجذمى والعمي والفقراء رتب لَهُم مَالا مَعْلُوما يقبضونه فِي كل شهر من جِزْيَة الْيَهُود وَبنى الْمدَارِس لطلبة الْعلم ووقف عَلَيْهَا الْأَوْقَاف وأجرى عَلَيْهِم بهَا المرتبات كل ذَلِك ابْتِغَاء ثَوَاب الله تَعَالَى نَفعه الله بِقَصْدِهِ

ص: 65

‌الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان النَّاصِر لدين الله يُوسُف بن يَعْقُوب بن عبد الْحق رَحمَه الله تَعَالَى

لما مرض السُّلْطَان يَعْقُوب بقصره من الجزيرة الخضراء مَرضه نساؤه وطيرن بالْخبر الى ولي عَهده الْأَمِير يُوسُف وَكَانَ يَوْمئِذٍ بالمغرب فاتصل بِهِ الْخَبَر وَهُوَ بأحواز فاس فأسرع السّير إِلَى طنجة وَقد مَاتَ أَبوهُ قبل وُصُوله فَأخذ الْبيعَة لَهُ الوزراء والأشياخ وَلما عبر إِلَيْهِم الْبَحْر واحتل بالجزيرة جددوا لَهُ الْبيعَة غرَّة صفر سنة خمس وَثَمَانِينَ وسِتمِائَة وأخذوها لَهُ على الكافة فاستتب ملكه واستقام أمره فَفرق الْأَمْوَال وأجزل الصلات وسرح السجون وَرفع عَن النَّاس الْأَخْذ بِزَكَاة الْفطر ووكلهم فِيهَا إِلَى أمانتهم وكف أَيدي الظلمَة والعمال عَن النَّاس وأزال المكوس وَرفع الأنزال عَن دور الرّعية وَصرف اعتناءه إِلَى إصْلَاح السابلة فأزال أَكثر الرتب والقبالات الَّتِي كَانَت بالمغرب إِلَّا مَا كَانَ مِنْهَا فِي الأقطار الخالية والمفازات المخوفة فخضعت مرين تَحت قهره وَصلح أَمر النَّاس فِي أَيَّامه وَكَانَ أول شَيْء أحدث من أمره أَن بعث إِلَى ابْن الْأَحْمَر وَضرب لَهُ موعدا للإجتماع بِهِ فبادر إِلَيْهِ ولقيه بِظَاهِر مربالة فِي الْعشْر الأول من ربيع الأول من السّنة الْمَذْكُورَة فلقاه السُّلْطَان مبرة وتكريما وتجافى لَهُ عَن جَمِيع الثغور الأندلسية الَّتِي كَانَت فِي مكلة أَبِيه وَنزل لَهُ عَنْهَا مَا عدى الجزيرة ورندة وطريف وتفرقا من مكانهما على أكمل حالات المصافاة والوصلة وَرجع السُّلْطَان يُوسُف إِلَى الجزيرة فَقدم عَلَيْهِ بهَا وَفد الطاغية سانجة مجددين عقد السّلم الَّذِي عقده لَهُم السُّلْطَان يَعْقُوب رحمه الله

وَلما تمهد للسُّلْطَان يُوسُف أَمر الأندلس عقد لِأَخِيهِ أبي عَطِيَّة الْعَبَّاس بن يَعْقُوب على الثغور الغربية وأوصاه بضبطها وَعقد للشَّيْخ الْمُجَاهِد أبي الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن يزكاتن على مسلحتها وَجعل إِلَيْهِ أَمر الْحَرْب وأعنة الْخَيل وأمده بِثَلَاثَة آلَاف من بني مرين وَالْعرب ثمَّ عبر الْبَحْر إِلَى الْمغرب يَوْم

ص: 66

عبد الرَّحْمَن بن الْكَامِل وَهُوَ الَّذِي يتَوَجَّه قَاضِيا مَعَ الْمحلة إِلَى السوس إِن شَاءَ الله فأنزله عَلَيْهِ وادفع لَهُ هَذَا الْكَبْش وَهَذَا الْعَسَل فَسَار الْحَاجِب بِالْقَاضِي وبالكبش وَالْعَسَل إِلَى خباء قَاضِي الْعَسْكَر أبي زيد بن الْكَامِل وَأمره أَن يكرم القَاضِي ليلته وَمن الْغَد ارتحل السُّلْطَان قَافِلًا إِلَى مراكش فَلَمَّا تَعَالَى النَّهَار نزل على وَادي نَفِيس وَضرب لَهُ هُنَالك صيوان الراضة على شاطىء النَّهر ثمَّ استدعى القَاضِي أَبَا زيد وَسَائِر الْكتاب وَلما جَلَسُوا بَين يَدَيْهِ سَأَلَ القَاضِي على وَجه المداعبة وَقَالَ لَهُ بِمَ أجزت ضيفك على كبشه وعسله فتلعثم فِي الْجَواب وَعلم أَن السُّلْطَان قصد اختباره بذلك وَأَنه لم يصنع شَيْئا حَيْثُ أهمل أمره وَلما رأى رحمه الله خجلته قَالَ فلعلك لم تجزه فَلَو مدحته على كبشه وعسله لصادفت الْمَقْصُود وَخرجت من الْعهْدَة وَمَا بعثت إِلَيْكُم إِلَّا بِسَبَب هَذَا الْكَبْش وَالْعَسَل فَإِنِّي سهرت لَيْلَتي وَلم أنم وَذكرت مَا اتّفق للمنصور السَّعْدِيّ مَعَ كِتَابه فِي مثل هَذِه الْقَضِيَّة وَعلمت أَنه لم يبْق فِي وقتنا هَذَا كتاب وَلَا أدباء وَلَا أُمَرَاء وسأسمعكم مَا اتّفق للمنصور فِي زيارته هَذِه الْقرْيَة الأغماتية ثمَّ أَمر كَاتبه ابْن الْمُبَارك أَن يقْرَأ عَلَيْهِم مَا حَكَاهُ الفشتالي فِي مناهل الصَّفَا عَن خُرُوج الْمَنْصُور السَّعْدِيّ إِلَى أغمات بِقصد الزِّيَارَة والنزهة وَمَا اتّفق للْقَاضِي أبي مَالك عبد الْوَاحِد الْحميدِي مَعَ من أهْدى لَهُ الْكَبْش وَالْعَسَل من الشّعْر وَالَّذِي شايعه عَلَيْهِ جمَاعَة من كتاب الدولة وَقد ألممنا بِخَبَر هَذِه الخرجة للمنصور عِنْد ذكر أخباره حَسْبَمَا مر وَقد ذكر صَاحب النزهة أَبْيَات الْحميدِي وَمن قفا نهجه من الْكتاب فَلْتنْظرْ هُنَالك فَقَرَأَ الْكَاتِب الْمَذْكُور التَّرْجَمَة كلهَا على الْكتاب حَتَّى سمعوها وَعَابَ السُّلْطَان عَلَيْهِم تقصيرهم فِي قضيتهم الْمُوَافقَة لَهَا وَفِي ظَنِّي أَن السُّلْطَان رحمه الله أَمرهم بنسخ ذَلِك ومراجعته تحريكا لهمتهم وَالله أعلم

ص: 56

‌ذكر السَّبَب الَّذِي هاج غضب السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله على ابْنه الْمولى يزِيد رحمه الله

ثمَّ دخلت سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف فِيهَا قدم ولد السُّلْطَان الْمولى عبد السَّلَام من الْحجاز فولاه السُّلْطَان رحمه الله تارودانت والسوس وَمَا إِلَيْهَا ثمَّ لما حضر زمَان خُرُوج الركب الْحِجَازِي أحضر السُّلْطَان صهره وَابْن عَمه الْمولى عبد الْملك بن إِدْرِيس وكاتبيه أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عُثْمَان المكناسي وَأَبا حَفْص عمر الوزريق وَشَيخ الركب أَبَا مُحَمَّد عبد الْكَرِيم بن يحيى وَحَملهمْ على وَجه الْأَمَانَة مَالا لأشراف مَكَّة وَالْمَدينَة وَسَائِر الْحجاز واليمن وَقدره ثَلَاثمِائَة ألف ريال وَخَمْسُونَ ألف ريال وَبعث مَعَهم صلات أخر لِأُنَاس مُعينين فِي حقاق مختوم عَلَيْهَا مَكْتُوب على كل وَاحِد مِنْهَا اسْم صَاحبه وَأمرهمْ أَن يذهبوا أَولا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة حَتَّى يكون مَسِيرهمْ إِلَى الْحجاز مَعَ أَمِين الصرة الَّذِي يوجهه السُّلْطَان العثماني إِلَى الْحَرَمَيْنِ كل عَام وَإِنَّمَا ارْتكب السُّلْطَان هَذِه الْمَشَقَّة حذرا من ابْنه الْمولى يزِيد أَن يعترضهم فِي الطَّرِيق وينتزع مِنْهُم المَال فبعثهم السُّلْطَان فِي الْبَحْر فِي بعض قراصين السُّلْطَان عبد الحميد وَكتب إِلَيْهِ أَن يَبْعَثهُم مَعَ أَمِين صرته فَلَمَّا وصلوا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة وجدوا أَمِين الصرة قد سَافر بالركب إِلَى الْحجاز فأقاموا بهَا إِلَى الْعَام الْقَابِل وَحِينَئِذٍ سافروا صُحْبَة الركب وَلما وصلوا إِلَى الْمَدِينَة المنورة فرقوا على أَهلهَا وعَلى سَائِر شرفاء الْحجاز حظهم من المَال

وَلما وصلوا إِلَى مَكَّة وجدوا الْمولى يزِيد بهَا يترصدهم ففرقوا على أهل مَكَّة حظهم وَبَقِي عِنْدهم حَظّ الْيمن والحقاق الَّتِي فِيهَا صلات الذَّهَب فتغفلهم الْمولى يزِيد وَقت القيلولة وهجم عَلَيْهِم فِي جمع من أَصْحَابه وهم بدار شيخ الركب عبد الْكَرِيم بن يحيى فَانْتزع مِنْهُم مَا قدر عَلَيْهِ وَأخذ الحقاق وَذهب فَذهب شيخ الركب وَالْمولى عبد الْملك والكاتبان إِلَى أَمِير

ص: 57

مَكَّة الشريف سرُور وَأَخْبرُوهُ الْخَبَر فَبعث أعوانه إِلَى الْمولى يزِيد فَحَضَرَ عِنْده وألزمه رد المَال وتهدده فَرد الْبَعْض وَجحد الْبَعْض فبسبب هَذَا فِيمَا قيل غضب السُّلْطَان عَلَيْهِ وتبرأ مِنْهُ وَكتب بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ مناشير بعث بهَا إِلَى الْآفَاق فعلق أَحدهَا بِالْكَعْبَةِ وَالْآخر بالحجرة النَّبَوِيَّة وَالثَّالِث بِبَيْت الْمُقَدّس وَالرَّابِع بضريح الْحُسَيْن بِمصْر وَالْخَامِس بضريح الْمولى عَليّ الشريف بتافيلالت وَالسَّادِس بضريح الْمولى إِدْرِيس بزرهون وَالسَّابِع بضريح الْمولى إِدْرِيس بفاس وَكتب إِلَى السُّلْطَان عبد الحميد بِأَن لَا يقبله إِذا أَوَى إِلَيْهِ وَاسْتمرّ الْمولى يزِيد مُقيما بالمشرق وَلم يقدر أَن يواجه أَبَاهُ لسوء صَنِيعه إِلَى سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ وَألف كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله

وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف أسر أهل الجزائر نَصْرَانِيَّة من قرَابَة طاغية الإصبنيول كَانَت متوجهة فِي مركبها من أصبانيا إِلَى نابل لزيارة ابْن عَمها الَّذِي هُوَ صَاحب نابل فَلَمَّا عرف أهل الجزائر محلهَا من قَومهَا امْتَنعُوا من فدائها بِكُل وَجه فَكتب طاغية الإصبنيول إِلَى السُّلْطَان رحمه الله يسْأَله أَن يشفع لَهُ فِي فدائها بِكُل مَا يطْلبُونَ فأسعفه وَكتب لصَاحب الجزائر فِي شَأْنهَا فَاعْتَذر إِلَيْهِ بِأَن النَّصْرَانِيَّة فِي سهم الْعَسْكَر وَلَا يُمكنهُ إكراههم على فدائها فَلَمَّا رد صَاحب الجزائر شَفَاعَة السُّلْطَان كتب إِلَى السُّلْطَان عبد الحميد بذلك فَكتب عبد الحميد رحمه الله إِلَى أهل الجزائر يوبخهم على رد شَفَاعَة السُّلْطَان وَيَقُول لَهُم إِن الْوَاجِب أَن تسرحوها لَهُ بِدُونِ مَال وَمَا عَسى أَن يبلغ ثمن هَذِه النَّصْرَانِيَّة وَلَو طلب مني سُلْطَان الْمغرب ألف نَصْرَانِيَّة لبعثتها إِلَيْهِ وَحَتَّى الْآن نأمركم أَن تبعثوا إِلَيْهِ بِهَذِهِ النَّصْرَانِيَّة وَلَو كَانَت هِيَ الملكة وَلَا تقبضوا فِيهَا فدَاء أَو مَا رَأَيْتُمْ مَا افتكه ملك الْمغرب من أسرى التّرْك من كل جنس حَتَّى لم يبْق فِي أسر الْكفَّار مُسلم وَأَنْتُم تردون شَفَاعَته فِي نَصْرَانِيَّة لَا بَال لَهَا فَلَا تعودوا لمثل هَذَا فَيكون سَببا لتغير باطننا عَلَيْكُم وَالسَّلَام

ص: 58

وَلما ورد عَلَيْهِم فرمان السُّلْطَان عبد الحميد لم يسعهم إِلَّا إرْسَال النَّصْرَانِيَّة إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان رحمه الله وَكَتَبُوا إِلَيْهِ بالاعتذار وَقَالُوا إِنَّمَا امتنعنا من فدائها خوف بُلُوغ خَبَرهَا إِلَى ملكنا فَلم نر أَن نفتأت عَلَيْهِ وَذَلِكَ هُوَ الْوَاجِب علينا من طَرِيق الْخدمَة وَالطَّاعَة فَنحب من سيدنَا أَن يقبل عذرنا وَلَا يظنّ بِنَا خلاف هَذَا وَالسَّلَام

‌ذكر مَا كَانَ من السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله إِلَى أهل زَاوِيَة أبي الْجَعْد حماها الله

هَذِه الزاوية من أشهر زَوَايَا الْمغرب وَلها الْفضل الَّذِي يفصح عَنهُ لِسَان الْكَوْن ويعرب تداولها مُنْذُ أزمان فحول أكَابِر ورثوا مقَام الْولَايَة والرياسة بهَا كَابِرًا عَن كَابر قد عرف لَهُم ذَلِك السوقة والملوك والغني والصعلوك وَلم تزل الْمُلُوك من هَذِه الدولة وَغَيرهَا تعاملهم بالإجلال والإعظام والتوقير والاحترام

وَلما كَانَت دولة السُّلْطَان الْجَلِيل الْمَاجِد الْأَصِيل نقم على كبيرها لوقته المرابط الْبركَة أبي عبد الله سَيِّدي مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بن الشَّيْخ الْأَكْبَر سَيِّدي الْمُعْطِي بن الصَّالح بعض مَا ينقمه الْأَمِير على الْمَأْمُور وَالْإِنْسَان غير مَعْصُوم والمخلوق نَاقص إِلَّا من أكمله الله فاتفق أَن كَانَ السُّلْطَان رحمه الله قَافِلًا فِي هَذِه السّنة من رِبَاط الْفَتْح إِلَى مراكش فَجعل طَرِيقه على تادلا وَنزل على زَاوِيَة أبي الْجَعْد فَأمر على مَا قيل بهدمها وطرد الغرباء الملتفين على آل الشَّيْخ بهَا ثمَّ نقل سَيِّدي الْعَرَبِيّ الْمَذْكُور وعشيرته إِلَى مراكش فأسكنهم بهَا واستمروا على ذَلِك إِلَى أَن توفّي السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رحمه الله وبويع ابْنه الْمولى هِشَام بن مُحَمَّد بمراكش فَأذن لَهُم فِي الذّهاب إِلَى بِلَادهمْ فعادوا إِلَى زاويتهم واطمأنوا

ص: 59

بهَا بُرْهَة من الدَّهْر

وَلما كَانَت دولة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان بن مُحَمَّد نقم أَيْضا على سَيِّدي الْعَرَبِيّ الْمَذْكُور أمورا نقلهَا إِلَيْهِ الوشاة عَنهُ فَأمر بنقله إِلَى فاس بعد مكاتبات ومعاتبات يطول جلبها فانتقل إِلَيْهَا وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ سرحه إِلَى بِلَاده

ثمَّ دخلت سنة مِائَتَيْنِ وَألف فِيهَا بعث السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رحمه الله كَاتبه أَبَا الْقَاسِم الصياني باشدورا إِلَى السُّلْطَان عبد الحميد العثماني بهدية عَظِيمَة من جُمْلَتهَا أحمال من سبائك الذَّهَب الْخَالِص مثل بارات الْحَدِيد وَكَانَ السُّلْطَان رحمه الله يقْصد بِمثل ذَلِك الْفَخر على الْمُلُوك وَإِظْهَار الْغنى وَكَمَال الثروة وَذَلِكَ من غَرِيب السياسة لمن أقدره الله عَلَيْهَا فَقدم أَبُو الْقَاسِم الْقُسْطَنْطِينِيَّة وألفى بهَا عبد الْملك بن إِدْرِيس وَشَيخ الركب والكاتبين لَا زَالُوا مقيمين بهَا ينتظرون الْمَوْسِم من الْعَام الْقَابِل قَالَ فأقمت بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ ثَلَاثَة أشهر وَعشرَة أَيَّام وقضيت الْغَرَض وانقلبت إِلَى السُّلْطَان وَبعث معي السُّلْطَان عبد الحميد أحد خُدَّامه بهدية إِلَى السُّلْطَان رحمه الله قَالَ وَلما قدمنَا على السُّلْطَان نوه بقدري وَقَالَ لَا أوجه الْهَدَايَا للعثماني إِلَّا مَعَك وَكَانَ الرئيس الطَّاهِر بن عبد الْحق فنيش السلاوي حَاضرا وَقَالَ لَا أوجه القراصين الحربية إِلَّا مَعَ الطَّاهِر يسليه بذلك قَالَ وسألني عَن مِقْدَار راتب عَسْكَر التّرْك الَّذِي يقبضونه فِي كل ثَلَاثَة أشهر فَقلت لَهُ سِتُّونَ أُوقِيَّة لكل وَاحِد فاستقل ذَلِك فَقلت لَهُ إِنَّه لَا يكلفهم فِي أَيَّام الْغَزْو بمؤنة وَلَا علف خيل كل أُمُور السّفر عَلَيْهِ

ثمَّ ذكر الصياني هُنَا كلَاما طَويلا فِي وصف الْقُسْطَنْطِينِيَّة الْعُظْمَى وَحَال أَهلهَا خَارِجا عَن مَوْضُوع كتَابنَا هَذَا وَالله الْمُوفق

ص: 60

‌ذكر عدد عَسْكَر الثغور فِي دولة السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَمَا كَانَ يقبضهُ من الرَّاتِب

كَانَ بثغر الصويرة أَيَّام السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله مَا بَين جَيش وطبجية وبحرية أَلفَانِ وَخَمْسمِائة وبآسفي مِائَتَان من الطبجية ومائتان من البحرية وبتيط خَمْسمِائَة من العبيد وبآزمور خَمْسمِائَة مِنْهُم كَذَلِك وبآنفي أَلفَانِ من العبيد وبالعدوتين أَلفَانِ من الطبجية والبحرية وبالمهدية أَلفَانِ وَخَمْسمِائة من العبيد وبالعرائش ألف وَخَمْسمِائة مَا بَين جَيش وطبجية وبحرية وبآصيلا والساحل مِائَتَان مَا بَين طبجية وبحرية وبطنجة ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة من أهل الرِّيف وبتطاوين ثَمَانمِائَة مَا بَين جَيش وطبجية وبحرية فَكَانَت جملَة عَسَاكِر الثغور سِتَّة عشر ألفا وَخَمْسمِائة وراتبهم ثَلَاثِينَ أُوقِيَّة لكل وَاحِد فِي كل ثَلَاثَة أشهر من حِسَاب مِثْقَال للرأس فِي كل شهر وَكَانُوا فِي ابْتِدَاء الْأَمر يقبضون راتب كل شهر عِنْد انتهائه

فَلَمَّا كَانَت هَذِه السّنة أَعنِي سنة مِائَتَيْنِ وَألف أنعم السُّلْطَان رحمه الله على عَسَاكِر الثغور بتعجيل راتب خمس عشرَة سنة بِحِسَاب مِثْقَال للرأس فِي كل شهر وَهَذَا مَال لَهُ بَال فَإِنَّهُ يُقَارب ثَلَاثَة ملايين فعل ذَلِك رحمه الله إِعَانَة لَهُم وتوسعة عَلَيْهِم ثمَّ أَمر أَن يَجْعَل فِي كل مرسى من مراسي الْمغرب بَيت مَال وَعند تَمام كل ثَلَاثَة أشهر يفتح بَيت المَال وَيُعْطِي لعسكر ذَلِك الثغر ثَلَاثُونَ أُوقِيَّة للرأس حَضَرُوا أم غَابُوا إِعَانَة لَهُم على عِيَالهمْ وَأما عَطاء الْغَزْو وَعَطَاء عَاشُورَاء والصلات وَالصَّدقَات فَكَانَ يبْعَث بذلك كُله من عِنْده لَا من بيُوت الْأَمْوَال وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى أَن توفّي رحمه الله فَوَثَبَ عبيد الثغور على بيُوت أموالها وفتحوها واكتسحوها ثمَّ سَارُوا إِلَى مكناسة مسْقط رَأْسهمْ وَكَانَ ذَلِك بِإِشَارَة الْمولى يزِيد رَحمَه الله

ص: 61

ثمَّ دخلت سنة إِحْدَى وَمِائَتَيْنِ وَألف فِيهَا غزا السُّلْطَان قَبيلَة شراقة بأحواز فاس فنهبهم وشردهم فلجؤوا إِلَى ضريح الشَّيْخ أبي الشتَاء بفشتالة فَعَفَا عَنْهُم ثمَّ سَار إِلَى الحياينة فَأطلق الْجَيْش فِي زُرُوعهمْ فحصدوها ودرسوها واستصفوها عَن آخرهَا ثمَّ جرد الْخَيل فِي طَلَبهمْ فاكتسحوا حللهم وأثاثهم

قَالَ صَاحب الْبُسْتَان وَكنت يَوْمئِذٍ قد تَوَجَّهت بِجَيْش إِلَى عَامل وَجدّة أبلغه إِيَّاه فَلَمَّا رجعت أدْركْت السُّلْطَان بِبِلَاد الحياينة فقلدني ولَايَة تازا وأعمالها فسرت إِلَيْهَا وأقمت بهَا سنة كَامِلَة وَفِي هَذِه السّنة قدم ولد السُّلْطَان الْمولى مسلمه بن مُحَمَّد من الْمشرق مفارقا لِأَخِيهِ الْمولى يزِيد

ثمَّ دخلت سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَألف فِيهَا أرسل السُّلْطَان رحمه الله إِلَى آيت عطة يَأْمُرهُم أَن يبعثوا بستمائة رجل مِنْهُم وبأربعمائة من عبيد تافيلالت فالمجموع ألف ليكسوهم ويسلحهم ويستعملهم فِي خدمَة الْبَحْر وجنديته فبعثوا بهم إِلَيْهِ

قَالَ صَاحب الْبُسْتَان وَلما قدمُوا عَلَيْهِ بمكناسة استدعاني من تازا فَقدمت عَلَيْهِ فَأمرنِي أَن أتوجه بهم إِلَى تطاوين كي يقبضوا السِّلَاح وَالْكِسْوَة بهَا ثمَّ أَسِير بهم إِلَى طنجة يكونُونَ بهَا وَأَمرَنِي أَن أكون أتعاهدهم بركوب الغلائظ الْعشْرين الَّتِي بمرساها وَالْخُرُوج بهَا إِلَى البوغاز وسواحل أسبانبا والتردد فِيهَا بَينهمَا ليتدربوا على الْبَحْر ويتمرنوا بِهِ قَالَ فَذَهَبت بهم إِلَى تطاوين على مَا رسم السُّلْطَان رحمه الله فَأخذُوا السِّلَاح وَالْكِسْوَة ونفذنا إِلَى طنجة فَأَقَمْنَا بهَا شَهْرَيْن وكل يَوْم يركبون السفن ويتطاردون بهَا فِيمَا بَينهم فَتَارَة يخرجُون إِلَى البوغاز وَتارَة يطرقون سواحل أصبانيا وَتارَة يرجعُونَ إِلَى أَن زَالَت عَنْهُم دهشة الْبَحْر وفارقهم ميده وألفوه وَلما أقبل فصل الشتَاء كتب إِلَى السُّلْطَان بالقدوم بهم فَلَمَّا حللنا مكناسة أَمر رحمه الله بعمارة

ص: 62

المشور لدخولنا عَلَيْهِ فَلَمَّا مثلنَا بَين يَدَيْهِ دنا منا إِلَى أَن كَانَ فِي وَسطنَا وكلم البربر بلسانهم وسألهم عَن حَالهم فِي سفرهم فَذكرُوا خيرا فسره ذَلِك مِنْهُم ونشط ثمَّ قَالَ لَهُم هَذَا كاتبي وصاحبي قد وليته عَلَيْكُم وعَلى أَوْلَادِي وَبني عمي وَسَائِر أهل الصَّحرَاء فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطيعُوا قَالَ فَفَزِعت وخرس لساني وَفهم السُّلْطَان عني الْكَرَاهِيَة لذَلِك ثمَّ دخل بستانه وَبعث إِلَى فَدخلت عَلَيْهِ فَقَالَ لي طب نفسا وَلَوْلَا أَنِّي أحبك مَا وليتك على أَوْلَادِي وَأهل بَيْتِي وَإِنِّي لَا أستغني عَنْك وَهَذَا ابْن حميدة الَّذِي وليناه بسجلماسة لم تظهر لَهُ ثَمَرَة وكل يَوْم يأتيني بشكوى بولدي الْحُسَيْن وتطاوله على النَّاس وَلَا يمنعهُ من ذَلِك وَمَا وليتك عَلَيْهِم إِلَّا لهَذَا الْغَرَض فَإِنَّهُم يهابونك لمحلك مني ثمَّ كتب إِلَى جَمِيع أَوْلَاده وأعيان سجلماسة وَأمر لي بِمَال الصائر وَالْبناء وعينه ثمَّ ودعته وانفصلت فَخرجت من مكناسة إِلَى فاس ثمَّ مِنْهَا إِلَى سجلماسة فدخلتها واستوطنتها وَجَاء الْعَامِل الَّذِي كَانَ بهَا قبلي حَتَّى قدم على السُّلْطَان فَقبض عَلَيْهِ ونكبه

‌قدوم الْمولى يزِيد من الْمشرق واحترامه بضريح الشَّيْخ عبد السَّلَام ابْن مشيش رضي الله عنه وَالسَّبَب فِي ذَلِك

لما كَانَت سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ وَألف قدم ولد السُّلْطَان الْمولى يزِيد بن مُحَمَّد من الْمشرق فِي ركب الْحَاج الفيلالي وَقصد سجلماسة فَلَمَّا كَانَ بقرية أبي صمغون لقِيه رفْقَة من أهل سجلماسة فَسَأَلَهُمْ عَن الْبِلَاد وَأَهْلهَا وَمن الْمُتَوَلِي عَلَيْهَا قَالُوا أَبُو الْقَاسِم الصياني فَلَمَّا سمع الْمولى يزِيد ذَلِك سقط فِي يَده ووجم ثمَّ الْتفت إِلَى شيخ الركب الشريف الْمولى عبد الله بن عَليّ وَالِي الْأَشْرَاف الَّذين مَعَه فَقَالَ لَهُم إِنِّي كنت عَازِمًا على الْوُصُول مَعكُمْ إِلَى بلدكم والاستيجار بضريح جدي الْمولي عَليّ الشريف وأبعث مَعَ أَعْيَان بني

ص: 63

عمي وَذَوي أسنانهم من يشفع لي عِنْد أبي والآن حَيْثُ كَانَ الْوَالِي بِهَذِهِ الْبَلدة هُوَ الصياني فَلَا يَسْتَقِيم لي مَعَه أَمر وَلَا يخيط بيني وَبَين وَالِدي بخيط أَبيض وَهَؤُلَاء عيالي فخذوهم بَارك الله فِيكُم واذهبوا بهم مَعَ أَصْحَابِي ينزلون بدار أخي الْمولى سُلَيْمَان وَيَكُونُونَ بهَا وَأما أَنا فسأسير إِلَى ضريح الشَّيْخ عبد السَّلَام بن مشيش أكون بِهِ حَتَّى يقْضِي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا ثمَّ قدم عِيَاله مَعَ أَصْحَابه فِي جملَة الركب وَكتب إِلَى أَخِيه الْمولى سُلَيْمَان يوصيه بعياله خيرا وَكتب أَيْضا إِلَى شقيقته المولاة حَبِيبَة بالرتب وَإِلَى بني عَمه الَّذين هُنَالك وَبعث بالمكاتيب مَعَ أَصْحَابه وَلما وصل الركب إِلَى بِلَاد القنادسة تقدم أحد أَصْحَابه بالمكاتيب إِلَى الْمولى سُلَيْمَان وَلما قَرَأَهَا توقف وَلم يدر مَا يصنع ثمَّ جَاءَ بهَا إِلَى أبي الْقَاسِم الصياني وَأخْبرهُ الْخَبَر وَقَالَ إِن وَالِدي غاضب عَلَيْهِ وَإِن أَنا قابلت عِيَاله فَرُبمَا ألحقني بِهِ فَمَا الْعَمَل فَكتب أَبُو الْقَاسِم إِلَى شيخ الركب ينهاه عَن اسْتِصْحَاب عِيَال الْمولى يزِيد مَعَه وحذره غضب السُّلْطَان عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ إِن أردْت السَّلامَة لنَفسك فَابْعَثْ بالعيال إِلَى المولاة حَبِيبَة بالرتب وَالسَّلَام وَلما وصل كِتَابه إِلَى شيخ الركب وَكَانَت فِيهِ غَفلَة نجع فِيهِ كَلَامه فحبس الركب إِلَى أَن وصل أَصْحَاب الْمولى يزِيد بعياله فَبعث مَعَهم من يدلهم على طَرِيق الرتب فسلكوا على وَادي كثير ونزلوا عِنْد المولاة حَبِيبَة وَكتب أَبُو الْقَاسِم الصياني بالْخبر إِلَى السُّلْطَان فَزعم أَنه اسْتحْسنَ فعله ثمَّ أمره أَن يهيىء الظّهْر والزاد وَيبْعَث بهما إِلَى عِيَال الْمولى يزِيد مَعَ ثَلَاثِينَ من العبيد ليأتوا بهم إِلَى دَار الدبيبغ يكونُونَ بهَا مَعَ أمه وَكَانَ السُّلْطَان قد أخرجهَا من الدَّار وأسكنها بدار الدبيبغ فَفعل الزياني ذَلِك كُله وبهذه الْقَضِيَّة كَانَ الْمولى يزِيد يعْتد على الصياني حَتَّى أَنه لما أفْضى إِلَيْهِ الْأَمر قبض عَلَيْهِ وضربه وامتحنه

وَلما وصل الْمولى يزِيد إِلَى ضريح الشَّيْخ عبد السَّلَام رضي الله عنه بعث جمَاعَة من أَشْرَاف الْعلم للشفاعة فِيهِ فَأَمرهمْ السُّلْطَان أَن يَأْتُوا بِهِ

ص: 64

فراودوه على الْإِتْيَان فَامْتنعَ ثمَّ بعث إِلَيْهِ ثَانِيًا فَأبى ثمَّ ثَالِثا فَأبى فَكتب إِلَيْهِ بِالْعَفو مرَارًا فَلم يقبل وتصدى للْخلاف وكشف وَجه الْعِصْيَان وَصَارَ يكْتب لوالده بِمَا يحفظه هَكَذَا زعم الصياني وَلَا يخفى أَن الرجل كَانَ مناوئا لَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَن نسْمع مِنْهُ جَمِيع مَا ينْسبهُ إِلَيْهِ وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْأَمر

ثمَّ إِن السُّلْطَان بعث إِلَيْهِ شقيقه الْمولى مسلمة فِي عَسْكَر وَأمره أَن ينزل بِقُرْبِهِ ويضيق عَلَيْهِ ويمنعه النُّزُول من الْحرم ثمَّ بعث إِلَيْهِ عسكرا آخر مَعَ الْقَائِد الْعَبَّاس البُخَارِيّ فنزلوا بِقرب الْحرم من النَّاحِيَة الْأُخْرَى وضيقوا عَلَيْهِ حَتَّى منعُوهُ التصوف بِكُل حَال وَفِي مُدَّة مقَامه هُنَالك أَخذ فِي تأسيس دَاره وَبِنَاء مَسْجده وَلَا زَالَت جدرانها قَائِمَة أَسْفَل الْجَبَل إِلَى الْآن وَاسْتمرّ الْمولى يزِيد محصورا هُنَالك إِلَى أَن بلغه خبر وَفَاة أَبِيه رحمه الله فَكَانَ من أمره مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله

‌وَفَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله

لما اعْتصمَ الْمولى يزِيد بضريح الشَّيْخ عبد السَّلَام بن مشيش رضي الله عنه وراوده السُّلْطَان على النُّزُول مرَارًا فَأبى نَهَضَ إِلَيْهِ من مراكش وَأَرَادَ أَن يحضر عِنْده بِنَفسِهِ لَعَلَّه تسكن نَفسه وَيذْهب مَا بصدره من الْجزع والنفرة وَكَانَ عِنْد خُرُوجه من مراكش بِهِ مرض خَفِيف فَتحمل الْمَشَقَّة وجد السّير فتزايد بِهِ الْمَرَض فِي الطَّرِيق فوصل إِلَى أَعمال رِبَاط الْفَتْح فِي سِتَّة أَيَّام فَأَدْرَكته منيته رحمه الله وَهُوَ فِي محفته على نَحْو نصف يَوْم أَو أقل من رِبَاط الْفَتْح فَأَسْرعُوا بِهِ إِلَى دَاره من يَوْمه ذَلِك وَهُوَ يَوْم الْأَحَد الرَّابِع وَالْعشْرُونَ من رَجَب سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ وَألف وَمن الْغَد اجْتمع النَّاس لجنازته وانحشروا من كل وَجه فَجهز وَدفن بقبة من قباب دَاره وتأسف النَّاس لفقده خَاصَّة وَعَامة رحمه الله وَرَضي عَنهُ

ص: 65

‌بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد ابْن عبد الله ومآثره وَسيرَته

كَانَ السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله محبا للْعُلَمَاء وَأهل الْخَيْر مقربا لَهُم لَا يغيبون عَن مَجْلِسه فِي أَكثر الْأَوْقَات وَكَانَ يحضر عِنْده جمَاعَة من أَعْلَام الْوَقْت وأئمته مِنْهُم الْفَقِيه الْعَلامَة المشارك أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الإِمَام سَيِّدي عبد الله الغربي الرباطي والفقيه الْعَلامَة الْمُحَقق أَبُو عبد الله سَيِّدي مُحَمَّد المير السلاوي والفقيه الدراكة أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْكَامِل الرَّشِيدِيّ والفقيه السَّيِّد أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن الْمَدْعُو بِأبي خريص هَؤُلَاءِ هم أهل مَجْلِسه الَّذين كَانُوا يسردون لَهُ كتب الحَدِيث ويخوضون فِي مَعَانِيهَا ويؤلفون لَهُ مَا يَسْتَخْرِجهُ مِنْهَا على مُقْتَضى إِشَارَته وَكَانَت لَهُ عناية كَبِيرَة بذلك وجلب من بِلَاد الْمشرق كتبا نفيسة من كتب الحَدِيث لم تكن بالمغرب مثل مُسْند الإِمَام أَحْمد ومسند أبي حنيفَة وَغَيرهمَا وَألف رحمه الله فِي الحَدِيث تآليف بإعانة الْفُقَهَاء الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ آنِفا مِنْهَا كتاب مساند الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَهُوَ كتاب نَفِيس فِي مُجَلد ضخم الْتزم فِيهِ أَن يخرج من الْأَحَادِيث مَا اتّفق على رِوَايَته الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة أَو ثَلَاثَة مِنْهُم أَو اثْنَان فَإِذا انْفَرد بِالْحَدِيثِ إِمَام وَاحِد أَو رَوَاهُ غَيرهم لم يُخرجهُ وَهَذَا المنوال لم يسْبق إِلَيْهِ رحمه الله وَكَانَ كثيرا مَا يجلس بعد صَلَاة الْجُمُعَة فِي مَقْصُورَة الْجَامِع بمراكش مَعَ فقهائها وَمن يحضرهُ من عُلَمَاء فاس وَغَيرهمَا للمذاكرة فِي الحَدِيث الشريف وتفهمه وَيحصل لَهُ بذلك النشاط التَّام وَكَانَ كثيرا مَا يتأسف أثْنَاء ذَلِك وَيَقُول وَالله لقد ضيعنا عمرنا فِي البطالة ويتحسر على مَا فَاتَهُ من قِرَاءَة الْعلم أَيَّام الشَّبَاب وَلما فَاتَهُ الِاشْتِغَال بفنون الْعلم فِي حَال الصغر اعْتكف أَولا على سرد كتب التَّارِيخ وأخبار النَّاس وَأَيَّام الْعَرَب ووقائعها إِلَى أَن تملى من ذَلِك وَبلغ فِيهِ الْغَايَة القصوى وَكَاد يحفظ مَا فِي كتاب الأغاني لأبي الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ من كَلَام الْعَرَب وشعراء الْجَاهِلِيَّة

ص: 66

‌بَقِيَّة أَخْبَار الْحَاج عبد الْقَادِر وانقراض أمره وَمَا آل إِلَيْهِ حَاله

قد قدمنَا مَا كَانَ من فَسَاد نِيَّة الْحَاج عبد الْقَادِر وَأَنه رام الاستبداد بل والتملك على الْمغرب فَلَمَّا كَانَت الْهَزِيمَة بإيسلي ازْدَادَ طمعه فَصَارَ يَدْعُو أهل النواحي إِلَى مبايعته وَالدُّخُول فِي طَاعَته وَكَاتب الْخَواص من أهل فاس والدولة وكاتبوه على مَا قيل ثمَّ احتال بِأَن بعث جمَاعَة وافرة من الحشم وَبني عَامر شيعته إِلَى السُّلْطَان قدمهم أَمَامه فِي صُورَة هراب مستجيرين بالسلطان فقبلهم السُّلْطَان وأنزلهم على نهر سبو ثمَّ تقدم الْحَاج عبد الْقَادِر حَتَّى وصل إِلَى الْقعدَة الْحَمْرَاء بَين التسول والبرانس وَكَانَ قَصده أَن يجْتَمع بشيعته ويصل يدهم بِيَدِهِ وَيتم لَهُ مَا أَرَادَ فَلَمَّا أطلع السُّلْطَان على دسيسته بعث إِلَى أُولَئِكَ الْجَمَاعَة عسكرا من الشراردة عَلَيْهِم الْقَائِد إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الأكحل فاجتاحوهم بعد جهد جهيد وقتال شَدِيد من ذَلِك أَنهم اعتصموا بِرَبْوَةٍ وَجعلُوا يُقَاتلُون على حريمهم وَكَانُوا رُمَاة لَا تسْقط لَهُم رصاصة فِي الأَرْض فَكَانُوا كلما تَوَجَّهت إِلَيْهِم طَائِفَة من الْجَيْش استأصلوها بالرصاص وَكَانُوا يجمعُونَ موتاهم وينصبونهم أشبارا يتترسون بِهِ ويقاتلون من خَلفه وَلما أعيا الْجَيْش أَمرهم حملُوا عَلَيْهِم حَملَة وَاحِدَة حَتَّى خالطوهم فِي معتصمهم وجالدوهم بِالسُّيُوفِ وطاعنوهم بِالرِّمَاحِ والتوافل وَانْقطع البارود فَكَانُوا يقتلُون أَبْنَاءَهُم ونساءهم بِأَيْدِيهِم فِرَارًا من السَّبي والعار ثمَّ جعلُوا يقتلُون أنفسهم حِين تحققوا أَنهم فِي قَبْضَة الأسار وَبعد هَذَا وَجه السُّلْطَان وَلَده سَيِّدي مُحَمَّدًا لحسم دائه فِي جَيش كثيف وَكَانَ رَئِيس الْجَيْش وكبيره بعد الْخَلِيفَة الْقَائِد مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الشَّرْقِي الْمَدْعُو أَبَا مُحَمَّد وَكَانَ لَهُ ذكر فِي الشجَاعَة والرأي وَلما وصل الْخَلِيفَة إِلَى سلوان بعث إِلَيْهِ الْحَاج عبد الْقَادِر جمَاعَة فيهم وزيره أَبُو عبد الله البوحميدي يتنصل مِمَّا رمي بِهِ وَأَنه لَا زَالَ على الطَّاعَة والخدمة للسُّلْطَان وَقدمُوا إِلَى الْخَلِيفَة هَدِيَّة ثمَّ وَقع الِاتِّفَاق على أَن يقدموا على السُّلْطَان رحمه الله فينهوا إِلَيْهِ الْأَمر وَالْعَمَل على مَا قَالَ

ص: 56

فَوجه مَعَهم الْخَلِيفَة من يصحبهم إِلَى أَبِيه بفاس وَفِي أثْنَاء ذَلِك عمد الْحَاج عبد الْقَادِر ذَات لَيْلَة إِلَى طَائِفَة من جنده نَحْو الْخمس عشرَة مائَة على مَا قيل كلهم بَطل مجرب انتقاهم انتقاء وَكَانَ جَيش الْخَلِيفَة منقسما قسمَيْنِ بعضه مَعَه وَبَعضه مَعَ أَخِيه الْمولى أَحْمد فضمد الْحَاج عبد الْقَادِر إِلَيْهِمَا

(فِي لَيْلَة من جُمَادَى ذَات أندية

لَا يبصر الْكَلْب من ظلمائها الطنبا)

بِتِلْكَ الْعصبَة الَّذين هم فتيَان الكريهة ومساعير الهيجاء وجمرات الْحَرْب كالما شهد بهم الوقائع وخاض غَمَرَات الْمَوْت مَعَ الفرنسيس وَغَيره فَلم يقف بهم إِلَّا بَين المجلتين وأطلقوا الرصاص مثل الْمَطَر وَأَرْسلُوا حراقيات على الْجمال وتهاويل مفزعة فماج النَّاس فِي ذَلِك الظلام الْغَاسِق وَنزل بهم من الهول مَا يقصر اللِّسَان عَن وَصفه وَقَامَ الْخَلِيفَة فَجعل يسكن النَّاس بِنَفسِهِ ويمنعهم من الرّكُوب خوف الْفِرَار وَأمر الْعَسْكَر والطبجية بِالرَّمْي بالكور والضوبلي فَكَانُوا يرْمونَ إِلَى جِهَة محلّة الْمولى أَحْمد ظنا مِنْهُم أَن الْعَدو لَا زَالَ مقابلهم ومحلة الْمولى أَحْمد يرْمونَ إِلَى جهتهم كَذَلِك فَهَلَك من المحلتين بِسَبَب ذَلِك بشر كثير وَأما الْحَاج عبد الْقَادِر فَإِنَّهُ فر فِي أَصْحَابه بعد أَن حملُوا الْكثير من موتاهم مَعَهم وَكَانَ للقائد مُحَمَّد فِي تِلْكَ اللَّيْلَة ذكر وَلما أصبح النَّاس وتفقدوا حَالهم وجدوا فيهم من الْجَرْحى نَحْو الْألف وَمن الْقَتْلَى مَا يقرب ذَلِك وَأصْبح حول الْمحلة من قَتْلَى أَصْحَاب الْحَاج عبد الْقَادِر الَّذين أجهضهم الْقِتَال عَن حملهمْ نَحْو الْخمسين وأسروا نَفرا أَحيَاء فشاهدوا من طمأنينتهم عِنْد الْقَتْل مَا قضوا مِنْهُ الْعجب ووجدوا عَلَيْهِم كسى رفيعة مطرزة بالصقلى وَالْحَرِير وَنَحْو ذَلِك فَلَقَد كَانَ للرجل اعتناء بالجيش كَمَا نرى ثمَّ إِن الْخَلِيفَة رحمه الله أَمر بِاتِّبَاع الْحَاج عبد الْقَادِر فتبعته الْكَتَائِب المختارة فَكَانَ اللِّقَاء ثَانِيًا بمشرع الرحائل من وَادي ملوية قرب الْبَحْر عِنْد مسْقط ملوية فِي الْبَحْر فصدمته الجيوش صدمة أُخْرَى فنى فِيهَا كماته وَكسرت شوكته وفل حَده وخشعت نَفسه وأيس من جبر حَاله ففر إِلَى الفرنسيس ولجأ إِلَيْهِ وَترك محلته بِمَا فِيهَا فاستولى جَيش الْخَلِيفَة عَلَيْهَا

ص: 57

حكى من حضر أَن الْخَيل كَانَ يطردون الْجَمَاعَة من أَصْحَاب الْحَاج عبد الْقَادِر وهم راجلون ليأسروهم فَمَا كَانُوا يدركونهم إِلَّا بعد الْمسَافَة الْبَعِيدَة جدا وَالْحَاصِل أَن مقَام هَذَا الرجل فِي الشجَاعَة مَعْرُوف وبصارته بمكائد الْحَرْب مَعْلُومَة لَوْلَا مَا ذَكرْنَاهُ من انعكاس حَاله ورومه الاستبداد وخلعه طَاعَة الإِمَام الْحق الَّذِي كَانَت بيعَته فِي عُنُقه

وَاعْلَم أَنه قد يقف بعض المنتقدين على مَا حكيناه من أَخْبَار هَذَا الرجل فينسبنا إِلَى تعصب وَسُوء أدب وَالْجَوَاب أَنا مَا حكينا إِلَّا الْوَاقِع وَأَيْضًا فَلَقَد قَالَ لِسَان الدّين ابْن الْخَطِيب رحمه الله حضرت يَوْمًا بَين يَدي السُّلْطَان أبي عنان فِي بعض وفاداتي عَلَيْهِ لغَرَض الرسَالَة وَجرى ذكر بعض أعدائه فَقلت مَا أعتقد فِي إطراء ذَلِك الْعَدو وَمَا عَرفته من فَضله فَأنْكر عَليّ بعض الْحَاضِرين مِمَّن لَا يحطب إِلَّا فِي حَبل السُّلْطَان فصرفت وَجْهي وَقلت أيدكم الله تحقير عَدو السُّلْطَان بَين يَدَيْهِ لَيْسَ من السياسة فِي شَيْء بل غير ذَلِك أَحَق وَأولى فَإِن كَانَ السُّلْطَان قد غلب عدوه كَانَ قد غلب غير حقير وَهُوَ الأولى بفخره وجلالة قدره وَإِن غَلبه الْعَدو لم يغلبه حقير فَيكون أَشد للحسرة وآكد للفضيحة فَوَافَقَ رحمه الله على ذَلِك وَاسْتَحْسنهُ وشكر عَلَيْهِ وخجل الْمُعْتَرض اه

وَلما كَانَ هَذَا الْفَتْح كتب السُّلْطَان إِلَى الْبِلَاد وزينت الْأَسْوَاق وأعلمت المفرحات وَنَصّ مَا كتب بِهِ السُّلْطَان بعد الِافْتِتَاح وَبعد فَإِن الْفَاسِد الفتان وَخَلِيفَة الشَّيْطَان أبعد فِي الجسارة وامتطى مطي الخسارة وَاسْتَوْسَعَ سَبِيل العناد واستضل سَبِيل الرشاد وَقَالَ من أَشد مِنْهُ قُوَّة وسولت لَهُ نَفسه الأمارة الاتصاف بالإمارة وَأَرَادَ شقّ عَصا الْإِسْلَام وصدع مهج الْأَنَام فأعلن بِكُل قَبِيح وَاسْتشْكل كل صَرِيح واستبطن الْمَكْر وَالْخداع وفَاق فِيهِ عابدي ود وسواع وشاع فِي طرف الإيالة ضَرَره وساء مخبره وَهُوَ فِي خلال ذَلِك يظْهر مظَاهر يستهوي بهَا أهل الْجَهَالَة والعماية والضلالة فأيسنا من رشده وعرفنا مُضْمر قَصده فجهزنا لَهُ محلّة منصورة ذَات أَعْلَام منشورة جعلنَا فِي وَسطهَا ولدنَا الأبر سَيِّدي مُحَمَّد أصلحه الله وأسندنا إِلَيْهِ

ص: 58

أمرهَا وقلدناه تدبيرها وعهدنا إِلَيْهِ أَن يسْعَى فِي حقن الدِّمَاء جهد الْإِمْكَان ويحتال على إِقَامَة أود هَذَا الفتان وَأَن يعالج داءه بِكُل دَوَاء وَأَن لَا يتبع فِيهِ الْأَغْرَاض والأهواء وَأَن يَجْعَل الْقِتَال آخر عمله وَعَدَمه غَايَة أمله فَلَمَّا رأى عَدو نَفسه إحاطة الجيوش بِهِ وَجه وَفْدًا من قبله يَدعِي التَّوْبَة فِيمَا مضى والكون على وفْق الْمُقْتَضى فأجبناهم بِأَن أحب الحَدِيث إِلَى الله أصدقه إِن صَاحبكُم هَذَا إِن أَرَادَ الْخَيْر لنَفسِهِ واحتاط لدينِهِ وَعمل لرمسه يخْتَار أحد أَمريْن أما أَن يدْخل لإيالتنا هُوَ وَمن مَعَه آمِنين على أنفسهم ومالهم لَهُم وَمَا لنا وَعَلَيْهِم مَا علينا أَو يصحر فطلبوا منا الْإِمْهَال حَتَّى يوجهوا بَعضهم يخبرونه بالملاقاة ويستدركون الْأَمر قبل الْفَوات فأجبناهم إِلَى ذَلِك فَمَا وصلوا حَتَّى ضرب على الْمحلة لَيْلًا فَرده الله بالخيبة وأشوه أوبة وَترك قتلاه صرعى بعد مَا حمل مِنْهُم عددا وَجعل يدْفن مِنْهُم فِي قفوله ويخفي مَا حل بِهِ فِي أفوله فتقدمت إِلَيْهِ الْمحلة الْغَالِبَة بِاللَّه وقاتلته قتالا أذاقته فِيهِ الوبال والخبال فَكَانَت الكرة عَلَيْهِ فأجفل إجفال النعام واستدبر المعركة وهام وَمَات من خاصته ورؤسائه وَأهل شدته وَذَوي بأسائه عدد مُعْتَبر وَمن هُوَ أدهى وَأمر وعادت جموعه جمع تكسير وجيوشه موزعة بَين قَتِيل وأسير وسخر بهم بعد أَن كَانُوا ساخرين وغلبوا هُنَالك وانقلبوا صاغرين وَمن الله أَسْتَمدّ التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة إِلَى أرشد طَرِيق وَالسَّلَام فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من محرم الْحَرَام فاتح سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف اه نَص الْكتاب الشريف وَأما الْحَاج عبد الْقَادِر فَإِنَّهُ فر إِلَى الفرنسيس كَمَا قُلْنَا فَبَقيَ عِنْده مُدَّة

قَالَ صَاحب قطف الزهور مَا صورته لما فر الْحَاج عبد الْقَادِر إِلَى الفرنسيس بَقِي عِنْدهم سِتّ سِنِين ثمَّ أعْتقهُ نابليون الثَّالِث وَعين لَهُ مُرَتبا سنويا يدْفع إِلَيْهِ من بَيت مَال الدولة فسكن دمشق الشَّام وَلم يزل قاطنا بهَا إِلَى هَذَا الْيَوْم اه قلت وَهُوَ الْآن فِي قيد الْحَيَاة حَسْبَمَا يبلغنَا وَالله تَعَالَى يتَوَلَّى أَمر الْمُسلمين ويتداركهم بِلُطْفِهِ وفضله آمين

ص: 59

قَالَ أَبُو عبد الله أكنسوس وَفِي ضحى يَوْم الْإِثْنَيْنِ الرَّابِع من الْمحرم فاتح سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف توفّي الْوَزير الْأَعْظَم الْفَقِيه الْأَجَل الأكرم إِمَام عملة اليراع ومقدم حَملَة ذَلِك الشراع مقلد الدولة بقلائد النثار والنظام فِي المواقف الْعِظَام والمزري ببدائعه وأوابده وروائعه ببديع الزَّمَان وَالْفَتْح بن خاقَان أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن إِدْرِيس جدد الله عَلَيْهِ ملابس الرِّضَا كلما لَاحَ نجم وأضا فولى السُّلْطَان مَكَانَهُ الْفَقِيه النجيب ذَا الْأَخْلَاق العاطرة والأنامل الواكفة الماطرة والرأي الْأَصِيل وَالْأَمر المحبوك وَالْبَاطِن الصافي الَّذِي يحاكيه الذَّهَب المسبوك أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بن الْمُخْتَار الجامعي ثمَّ لما قدم السُّلْطَان رحمه الله لحضرة مراكش آخر قدمة قدمهَا سنة سبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف عَزله وَولى مَكَانَهُ الْفَقِيه الْكَاتِب اليحيى النزيه أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الصفار التطاوني

وَفِي أَوَائِل رَمَضَان من هَذِه السّنة أَعنِي سنة أَربع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف خرج السُّلْطَان رحمه الله من فاس إِلَى نَاحيَة وَجدّة فوصل إِلَى عين زورة فَوقف على تِلْكَ النواحي وَأصْلح من شَأْنهَا وَعَاد إِلَى فاس لَيْلَة عيد الْأَضْحَى من السّنة

وَفِي سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف كَانَت فتْنَة عرب عَامر بأحواز سلا وفتنة عرب زعير بأحواز رِبَاط الْفَتْح وكلب هَاتَانِ القبيلتان على المدينتين وألحوا عَلَيْهِمَا بالغارات والنهب وَالْمُبَالغَة فِي العيث والإفساد بالطرقات والجنات واستافوا السَّرْح مرَارًا وَبَقِي النِّتَاج عِنْد أربابه حَتَّى هلك ضيَاعًا إِلَى غير ذَلِك وَلما تجاوزوا الْحَد فِي الطغيان بعث السُّلْطَان وصيفه الباشا فرجى صَاحب فاس الْجَدِيد فأوقع بعامر وقْعَة شنعاء رَابِع يَوْم النَّحْر من السّنة ومزقهم شذر مذر بعد أَن تحَصَّنُوا بالغراك فِيمَا بَين سلا والمهدية

وَفِي هَذِه السّنة حج ولد السُّلْطَان الْمولى الرشيد وَالْمولى سُلَيْمَان واعتنى بشأنهما صَاحب مصر وَصَاحب الْحجاز غَايَة ورجعا من السّنة الْقَابِلَة وَفِي هَذِه السّنة ظهر الْكَوْكَب ذُو الذَّنب كَانَ يطلع فِي نَاحيَة الْمغرب ويغرب بعد

ص: 60

الْعشَاء مُدَّة من شهر وَنَحْوه فَفَزعَ النَّاس من ذَلِك وتخوفوه كَمَا قَالَ أَبُو تَمام

(وخوفوا النَّاس من دهياء مظْلمَة

إِذا بدا الْكَوْكَب الغربي ذُو الذَّنب)

وَفِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف أحدث السُّلْطَان المكس بفاس وَغَيرهَا من الْأَمْصَار أحدثه أَولا فِي الْجلد على يَد الْمُصْطَفى الدكالي بن الجيلاني الرباطي والمكي القباج الفاسي ثمَّ أحدثه فِي الْبَهَائِم ثمَّ تفاحش أمره فِي دولة ابْنه السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن رحمه الله وهلم جرا

وَفِي هَذِه السّنة وَذَلِكَ لَيْلَة السَّادِس وَالْعِشْرين من رَمَضَان توفّي ولي الله أَبُو عبد الله سَيِّدي عبد الْقَادِر العلمي الْبركَة الشهير صَاحب الأزجال الملحونة وَكَانَت وَفَاته بمكناسة الزَّيْتُون وَدفن بحومة سَيِّدي أبي الطّيب وَعَلِيهِ بِنَاء حفيل إِلَى الْغَايَة رحمه الله وَرَضي عَنهُ وَفِي هَذِه السّنة بعث السُّلْطَان وَلَده الْمولى عبد الْقَادِر وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة إِلَى سلا بِقصد الْقِرَاءَة بهَا فَنزل بدار قاضيها أبي عبد الله مُحَمَّد بن حسون عواد وَكتب إِلَيْهِ السُّلْطَان رحمه الله بِأَن يعود الْوَلَد الْمَذْكُور الخشن من الْمطعم والملبس وَأَن لَا يُمكنهُ من شرب الأتاي إِلَّا مرّة أَو مرَّتَيْنِ فِي الْجُمُعَة وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا كَانَ الغلاء الْكَبِير والجوع المفرط وَكَانَ أَكْثَره بقبائل الْحَوْز من ابْن مِسْكين وَعَبدَة ودكالة وَغَيرهم فأهرعت هَذِه الْقَبَائِل إِلَى بِلَاد الغرب والفحص وأكلت النَّاس الْجِيَف وَالْميتَة والنبات وَصَارَ يعرف عِنْد أهل الْبَادِيَة بعام الخبيزي وعام يرني وَكَانَ الرجل يَأْكُل وَلَا يشْبع وَإِذا أمعن فِي الْأكل وتضلع شبعا لم تمض إِلَّا هنيهة حَتَّى تضطرم أحشاؤه جوعا وَكَانَ الْمَدّ بسلا ورباط الْفَتْح وَهُوَ مد كَبِير جدا قد بلغ ثَمَانِيَة عشر مِثْقَالا فَجعله الْعَامَّة تَارِيخا يَقُولُونَ كَانَ ذَلِك عَام ثَمَانِيَة عشر مِثْقَالا

وَفِي سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف وَذَلِكَ لَيْلَة الْأَرْبَعَاء الثَّالِث وَالْعِشْرين من ربيع الثَّانِي مِنْهَا توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة القَاضِي بسلا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن حسون عواد وَدفن بزاوية الشَّيْخ سَيِّدي أَحْمد بن عبد الْقَادِر التستاوتي من

ص: 61

حومة بَاب أحسين من الْمَدِينَة الْمَذْكُورَة وَكَانَ رحمه الله عَارِفًا بالفقه والْحَدِيث والنحو قد أفنى عمره فِي جمع الْكتب ونسخها وخطه مُعْتَمد سَالم من التَّصْحِيف وَكَانَت فِيهِ شَفَقَة على الضُّعَفَاء والأشراف وَذَوي البيوتات كثير البرور بهم وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم رحمه الله وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء فاتح هَذِه السّنة توفّي الشريف الْبركَة الْأَفْضَل أَبُو عبد الله سَيِّدي الْحَاج الْعَرَبِيّ بن عَليّ الوزاني وَكَانَ جليل الْقدر شهير الذّكر نفعنا الله بِهِ وبأسلافه

وَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف هجم الفرنسيس على ثغر سلا وَذَلِكَ بِسَبَب مركبين وردا إِلَى مرسى العدوتين مملوءين قمحا وَكَانَت السّنة سنة مسغبة فنشب المركبان بساحل سلا فتسارعت الْعَامَّة إِلَيْهِمَا وانتهبوهما ثمَّ تجاوزوا ذَلِك إِلَى أَلْوَاح المركبين وآلتهما فتوزعوها وَكَانَ المركبان لتجار الفرنسيس فتكلموا فِي شَأْنهمَا مَعَ السُّلْطَان رحمه الله فَكتب إِلَى عَامل سلا أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي زنيبر يستكشفه عَن الْخَبَر فَجحد ذَلِك ظنا مِنْهُ أَنه يدْفع بذلك عَن الْبَلَد وَلما لم يحصل الفرنسيس بالْكلَام مَعَ السُّلْطَان على طائل هجم على سلا يَوْم الثُّلَاثَاء مهل صفر من السّنة الْمَذْكُورَة فِي خَمْسَة بابورات وقاباق كَبِير وَيُقَال لَهُ النابيوس يشْتَمل على نَحْو سِتِّينَ مدفعا أَو أَكثر وَمن الْغَد زحف بمراكبه حَتَّى سامت بهَا الْبَلَد فِي السَّاعَة الْعَاشِرَة من النَّهَار وَشرع فِي رمي الكور والبنب إِلَّا وَاحِدًا مِنْهَا فَإِنَّهُ تبَاعد قَلِيلا وَبَقِي ينظر قيل هُوَ للنجليز وَكَانَ ترادف الكور والبنب على الْبَلَد على صُورَة فظيعة مثل الرَّعْد القاصف تكَاد تنهد لَهُ الْجبَال وَكَانَ فِي أول النَّهَار لَا يفتر وَبعد الزَّوَال صَار تتخلله فترات يسيرَة وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى أَن غربت الشَّمْس وَمضى نَحْو نصف سَاعَة وَكَانَت مُدَّة الرَّمْي ثَمَانِي سَاعَات وَنصفا وبذل النَّاس مجهودهم فِي مقابلتهم بِالرَّمْي وَفِي آخر النَّهَار عجز النَّاس وَبَقِي يَرْمِي وَحده وَاسْتشْهدَ من الْمُسلمين نَحْو سَبْعَة أنفس وَكَانَ الكور والبنب الَّذِي رمى بِهِ الْعَدو فِي ذَلِك الْيَوْم شَيْئا كثيرا فالمقلل يَقُول سَبْعَة آلَاف وَالْمُكثر يَقُول اثْنَا عشر ألفا وَكَانَ البنب يتفرقع بعد مُدَّة وَقتل أُنَاسًا وَوَقع فِي الْمَسْجِد الْأَعْظَم ومناره كور كثير خرق

ص: 62

السقوف والحيطان وَكَذَا فِي دور أهل الْبَلَد فأنعم السُّلْطَان على النَّاس بإصلاحها من بَيت المَال

وَقد سَاق منويل خبر هَذِه الْقِصَّة وَقَالَ إِنَّه لما انْقَضى للفرنسيس الزَّاد يَعْنِي الكور والبارود أقلع لَيْلًا لِأَنَّهُ خَافَ إِن لم يذهب طَوْعًا ذهب كرها وَلما اتَّصل الْخَبَر بالسلطان رحمه الله وَهُوَ يَوْمئِذٍ بفاس كتب كتابا يَقُول فِيهِ مَا نَصه الْحَمد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه عبد الرَّحْمَن بن هِشَام الله وليه خديمنا الأرضى الطَّالِب مُحَمَّد بن عبد الْهَادِي زنيبر وفقك الله وَسَلام عَلَيْك وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته وَبعد فقد وصلنا كتابك مخبرا بِمَا صدر من مراكب عَدو الله الفرنسيس من استرسال الرَّمْي على الْمَدِينَة من ضحى النَّهَار إِلَى قرب الْعشَاء ثمَّ أقلعوا بالخيبة والهوان وردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا ومنح الله الْمُسلمين من الصَّبْر والثبات وَالْيَقِين ماقرت بِهِ عين الدّين وَكَانَ قذا فِي عين أهل الشّرك الْمُعْتَدِينَ وَاسْتشْهدَ من الْمُجَاهدين من ختم الله لَهُ بالسعادة الأبدية والحياة السرمدية فَالْحَمْد لله على إعزاز دينه وَنصر مِلَّة نبيه وَلَا زَالَت وَالْحَمْد لله مشكاة الْإِسْلَام ساطعة الْأَنْوَار مشيدة الْمنَار {وَالله متم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ} الصَّفّ 8 وَلَا يخفى عَلَيْكُم مَا ورد من اآيات القرآنية وَالْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة فِي فضل الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَالصَّبْر لإعلاء كلمة الله وَقد قُمْتُم بِالْوَاجِبِ عَلَيْكُم فِي ذَلِك وكنتم عَن الظَّن بكم وأتيتم بالمطلوب مِنْكُم أصلحكم الله وَرَضي عَنْكُم وَمن قتل فقد أكْرمه الله بالنعيم الَّذِي لَا نفاد لَهُ وكل مَا تلف يخلفه الله فَمَا كَانَ فِي الله تلفه فَعَلَيهِ سُبْحَانَهُ خَلفه فزيدوا فِي التيقظ وَالصَّبْر أعانكم الله وَقد أمرنَا خدامنا أُمَنَاء العدوتين بتوجبه معلمين للغابة لقطع الكراريط وكتبنا لخديمنا ابْن الحفيان بإنزال خيام بقربهم يأوون إِلَيْهَا حَسْبَمَا طلبت وَلَا تعدمون شَيْئا مِمَّا يخصكم إِن شَاءَ الله وَمَا ذكرت من اجْتِمَاع أهل الْمَدِينَة عنْدك مَعَ القَاضِي والأمين راغبين فِي الْكتب لحضرتنا الْعلية بالإنعام عَلَيْهِم بِمَا يصلحون بِهِ صقالتهم ومساجدهم ودورهم وأسوارهم فها نَحن كتبنَا لأمناء العدوتين بالقدوم عَلَيْكُم والتطواف على الْمحَال المتهدمة دور

ص: 63

وَغَيرهَا بمحضرك مَعَ القَاضِي والعدول وتقويم إصْلَاح كل مَحل بالمناسب وَأما الْجَامِع الْكَبِير وسيدي ابْن عَاشر فييسرون لَهما الْإِقَامَة وَعَن تيسيرها يشرعون فِي إصلاحهما وَأما الصقالة الجديدة والسور فيشرعون الْآن فِي إصلاحهما إصلاحا متقنا بالطابية الجيدة الَّتِي لَا يُؤثر الكور فِيهَا شَيْئا ويجعلون لَهَا ساترا على كَيْفيَّة بِحَيْثُ يكون الضَّارِب فِي أَمَان وَلَا تتراخوا فِي ذَلِك وَنحن على نِيَّة إِحْدَاث بستيون جيد إِن شَاءَ الله عِنْد مُنْتَهى السُّور من جِهَة الصقالة الجديدة فالعزم الْعَزْم والحزم الحزم ويصلك كتاب اقرأه على خداما أهل سلا وَالسَّلَام فِي ثامن صفر عَام ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف انْتهى نَص الْكتاب الشريف وَقد أحدث السُّلْطَان رحمه الله هَذَا البستيون فجَاء فِي غَايَة الْجَوْدَة والمتانة وَالْحسن وَهُوَ أثر من آثَار الدول الْعِظَام

وَفِي هَذِه السّنة ورد كتاب من السُّلْطَان فِي شَأْن حصر السِّكَّة يَقُول فِيهِ مَا نَصه وَبعد فقد طالما حاولنا حصر الزِّيَادَة فِي السِّكَّة وحذرنا وأنذرنا وأوعدنا من تعدى فِيهَا حدا أَو مد فِيهَا بِغَيْر مَا عينا يدا فَلم يزدْ النَّاس إِلَّا تطاولا فِيهَا وإقداما عَلَيْهَا فاستخرنا الله فِي أمرهَا فَظهر لنا أَن نزيد فِيهَا مَا تواطأ النَّاس على زِيَادَته وَلم يرجِعوا عَنهُ تتميما للأعذار وتكميلا للإنذار فَمن وقف عِنْد مَا حددنا وَلم يحد عَمَّا أبرمنا فقد اخْتَار سَلامَة نَفسه وَمَاله وَمن تعدى وافتات فِي ذَلِك بِأَدْنَى شَيْء فقد سعى فِي هَلَاك نَفسه ويناله من الوبال والنكال مَا يتْركهُ عِبْرَة لمن اعْتبر وَتَذْكِرَة لم تذكر وَقد أعذر من أنذر وَهَا نَحن جعلنَا للبندقي أَرْبَعِينَ أُوقِيَّة وللضبلون اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِثْقَالا وللريال ذِي المدفع عشْرين أُوقِيَّة وللذي لَا مدفع فِيهِ تسع عشرَة أُوقِيَّة وللبسيطة الَّتِي بالمدفع خمس أَوَاقٍ وللتي لَا مدفع فِيهَا أَربع أَوَاقٍ وللدرهم الرباعي أَربع موزونات وَنصف موزونة وللدرهم السداسي سبع موزونات فعلى هَذَا الْعَمَل فأعلموا بِهِ من إِلَى نظركم وَفِي إيالتكم ومروهم بِالْوُقُوفِ عِنْده وَمن حاد عَنهُ وشممتم عَلَيْهِ رَائِحَة الْخَوْض والتعدي فِيهِ ازجروه زجرا شَدِيدا وأعلمونا وَالسَّلَام فِي رَابِع عشر ربيع الثَّانِي عَام ثَمَانِيَة وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف

ص: 64

وَفِي سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف غزا السُّلْطَان رحمه الله قَبيلَة زمور الثَّلج وَكَانَ بمكناسة فَكتب أَولا لِابْنِهِ وخليفته سَيِّدي مُحَمَّد بمراكش فَنَهَضَ مِنْهَا وَمر على تادلا فأوقع ببني مُوسَى وَقطع مِنْهُم أَرْبَعَة وَسِتِّينَ رَأْسا وَقبض على مائَة وَخمسين مسجونا وَكَانُوا قد قتلوا عاملهم أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن زيدوح ثمَّ دخل الْخَلِيفَة رِبَاط الْفَتْح يَوْم الِاثْنَيْنِ الْحَادِي عشر من شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة فَأَقَامَ بِهِ إِلَى يَوْم السبت السَّادِس عشر مِنْهُ ثمَّ عبر الْوَادي وَنزل بقرميم من أَعمال سلا ثمَّ سَار من الْغَد وَبَات بسيدي علال البحراوي فَأَقَامَ هُنَالك يَوْمَيْنِ ثمَّ رَحل فَنزل بتيفلت وَأقَام أَيَّامًا ثمَّ تقدم إِلَى دَار ابْن الْغَازِي وَكَانَ السُّلْطَان رحمه الله قد خرج من مكناسة فَنزل الخمسينات وَشن الغارات على زمور فتوغلوا فِي الْجبَال فانتسف السُّلْطَان أَمْوَالهم وَأكل زُرُوعهمْ حَتَّى أشجاهم ثمَّ ارتحل عَنْهُم إِلَى مراكش وارتحل الْخَلِيفَة إِلَى فاس وَذَلِكَ فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة من السّنة وَمن هَذَا التَّارِيخ صَار السُّلْطَان والخليفة رحمهمَا الله يغزوانهم كل سنة ويجتمعان عَلَيْهِم فتنتسف الْجنُود زُرُوعهمْ وَأَمْوَالهمْ حَتَّى أضرّ بهم الْحَال وأشرفوا على الْهَلَاك وكادت تعدم عِنْدهم الأقوات وأذعنوا إِلَى الطَّاعَة طَوْعًا وَكرها وَلما نَهَضَ السُّلْطَان عَنْهُم فِي هَذِه الْمرة كتب كتابا يَقُول فِيهِ وَبعد فَإِن فَسَاد زمور يعرفهُ الْخَاص وَالْعَام وَالْجُمْهُور أَشد سوادا من اللَّيْل وَأقوى مضاهاة بالسيل وطالما ذَكَرْنَاهُمْ ووعظناهم وحذرناهم وأنذرناهم وغضضنا الطّرف عَنْهُم مقابلين شدتهم باللين وتحريكهم بالتسكين فأطغاهم الْعجب وأبطرهم وغطى الشَّرّ سمعهم وبصرهم {وَمن يرد الله فتنته فَلَنْ تملك لَهُ من الله شَيْئا} الْمَائِدَة 41 وَلما رَأينَا ضلالهم لم يسفر عَنهُ صبح الإقلاع وشعائر الْإِسْلَام استولت عَلَيْهَا يَد الضّيَاع استنهضنا إِلَيْهِم الجيوش المنصورة الَّتِي لم تزل ألوية الْفَتْح أمامها بحول الله منشورة واستقدمنا ولدنَا الأبر سَيِّدي مُحَمَّدًا حفظه الله من مراكش فِي جَيش يقدمهُ الْيمن والإقبال ويسوقه السعد فِي الْمقَام والترحال ونهضنا نَحن من مكناسة الزَّيْتُون فِي جَيش شحن الفضاء وملأ النواحي والأرجاء خيلا ورجالا خفافا وثقالا وَكُنَّا فِيمَا تقدم

ص: 65

نحارب هَؤُلَاءِ المفسدين فِي الْمحل الْمَشْهُور بالخميسات فَكَانَت الْمحَال لَا تستوعبهم قتلا ونهبا وتشريدا وَضَربا فَرَأَيْنَا هَذِه الْمرة أَن ننزل عَلَيْهِم أَولا بِعَين العرمة مَحل أفسدهم على الْإِطْلَاق والشمول والاستغراق فخيمنا بهَا أَيَّامًا ثمَّ رحلنا مِنْهَا ونزلنا بمحصى ثمَّ رحلنا مِنْهُ ونزلنا الخميسات وَفِي خلال مقامنا ورحيلنا حل ولدنَا سَيِّدي مُحَمَّد حفظه الله من الرِّبَاط وَنزل بتيفلت مَحل المفسدين ومحط رحال الْبُغَاة الْمُعْتَدِينَ وتقاربت المحلتان فعظمت على المفسدين بذلك النكاية وَبَلغت فيهم الْحَد وَالنِّهَايَة واشتغلت الْمحَال بِأَكْل زُرُوعهمْ وتبديدها واستخراج خباياهم قديمها وجديدها وهم حيارى ينظرُونَ وَإِلَى مَا حل بهم من الْبلَاء يبصرون وَكلما عزموا على المدافعة رجعُوا بالهوان وتخطفت رُؤُوس زعمائهم العقبان فعجزوا إِذا وَخَرجُوا من بِلَادهمْ وأيقنوا أَن الشَّقَاء الْمَكْتُوب عَلَيْهِم حكم بطردهم وبعادهم وَلم يبْق بهَا أنيس إِلَّا اليعافير والا العيس وتحصنوا بأوعارهم الْمَعْلُومَة وصياصيهم المشؤومة فِي جبال تنقبت بالغيوم وكادت تصافح النُّجُوم فَضَاقَ بهم الْحَال وَهلك الْعِيَال وضاعت الْأَمْوَال جوعا وعطشا وَتصرف فيهم الْبلَاء كَيفَ شَاءَ وَمَعَ تحصنهم بِتِلْكَ الأوعار وملتف تِلْكَ الْأَشْجَار كَانَت الجيوش تود أَن تقتحمها عَلَيْهِم وتهب نَفِيس أعمارها فِي أَخذهم وَنحن قد هبنا الرِّفْق الَّذِي يزين وَتَركنَا الْخرق الَّذِي يشين فَأمرنَا بالإمساك عَنْهُم حَتَّى تلفظهم أوعارهم وتحرقهم نارهم فَلَمَّا طَال بهم الأمد وتجرعوا حمى الكمد استجاروا بولدنا سَيِّدي مُحَمَّد حفظه الله فشفع عندنَا فيهم فَقبلنَا شَفَاعَته على شُرُوط قبلوها وَحُقُوق التزموها ومثالب نبذوها وجنحنا إِلَى الْحلم وَالْعَفو اللَّذين أَمر الله بهما وأسندنا أَمرهم إِلَى ولدنَا الْمَذْكُور قطعا لأعذارهم ونهضنا عَنْهُم وَالْحَمْد لله محتسبين وَالله أسَال توفيق الْمُسلمين أَجْمَعِينَ آمين فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من ذِي الْقعدَة الْحَرَام عَام تِسْعَة وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف اه نَص الْكتاب الشريف

وَفِي هَذِه السّنة ظهر الْكَوْكَب ذُو الذَّنب أَيْضا وَفِي أوائلها استوزر السُّلْطَان رحمه الله الْفَقِيه الْعَلامَة الْأَفْضَل أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله

ص: 66