الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلائد السّير الحسان وَمَا مِنْهَا إِلَّا من باح بِمَا يخفيه من وجده وجهر بشكر الله تَعَالَى وحمده وابتهل إِلَيْهِ فِي تيسير غَرَض مقامكم الشهير وتتميم قَصده واستئناس نور سعده وَكم مطل الِانْتِظَار بديون آمالها والمطاولة من اعتلالها وَأما نَحن فَلَا تسألوا عَمَّن استشعر دنو حَبِيبه بعد طول مغيبه إِنَّمَا هُوَ صدر رَاجعه فُؤَاده وطرف أَلفه رقاده وفكر ساعده مُرَاده فَلَمَّا بلغنَا هَذَا الْخَبَر بادرنا إِلَى إنجاز مَا بذلنا لخديمكم الْمَذْكُور من الْوَعْد واغتنمنا مِيقَات هَذَا السعد ليصل سَببه بأسبابكم ويسرع لحاقه بجنابكم فَعنده خدم نرجو أَن ييسر الله تَعَالَى بحوله أَسبَابهَا وَيفتح بنيتكم الصَّالِحَة أَبْوَابهَا وَقد شَاهد من امتعاضنا لذَلِك الْمقَام الَّذِي ندين لَهُ بالتشيع الْكَرِيم الوداد ونصل لَهُ على بعد المزار ونزوح الأقطار سَبَب الِاعْتِدَاد مَا يُغني عَن الْقَلَم والمداد وَقد القينا إِلَيْهِ من ذَلِك كُله مَا يلقيه إِلَى مقامكم الرفيع الْعِمَاد وكتبنا إِلَى من بالسواحل من ولاتنا نحد لَهُم مَا يكون عَلَيْهِ عَمَلهم فِي بر من يرد عَلَيْهِم من جِهَة أبوتكم الكرمية ذَات الْحُقُوق الْعَظِيمَة والأيادي الحديثة والقديمة وهم يعْملُونَ فِي ذَلِك بِحَسب المُرَاد وعَلى شاكلة جميل الِاعْتِقَاد وَيعلم الله تَعَالَى أننا لَو لم تعق الْعَوَائِق الْكَبِيرَة والموانع الْكَثِيرَة والأعداء الَّذين غصت بهم فِي الْوَقْت هَذِه الجزيرة مَا قدمنَا عملا على اللحاق لكم والاتصال بسببكم حَتَّى نوفي لأبوتكم الْكَرِيمَة حَقّهَا ونوضح من المسرة طرقها لَكِن الْأَعْذَار وَاضِحَة وضوح الْمثل السائر وَإِلَى الله تَعَالَى نبتهل فِي أَن يُوضح لكم من التَّيْسِير طَرِيقا وَيجْعَل لكم السعد مصباحا ورفيقا وَلَا يعدمكم عناية مِنْهُ وتوفيقا وَيتم سرورنا عَن قريب بتعريف أنبائكم السارة وسعودكم الدارة فَذَلِك مِنْهُ سُبْحَانَهُ غَايَة آمالنا وَفِيه أَعمال ضراعتنا وابتهالنا هَذَا مَا عندنَا بادرنا لإعلامكم بِهِ أسْرع البدار وَالله تَعَالَى يوفد علينا أكْرم الْأَخْبَار بسعادة ملككم السَّامِي الْمِقْدَار وييسر مَا لَهُ من الأوطار ويصل سعدكم ويحرس مجدكم وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله تَعَالَى وَبَرَكَاته اه
بَقِيَّة أَخْبَار السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله ومآثره وَسيرَته
لما بُويِعَ أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله رد الْفُرُوع إِلَى أُصُولهَا وأجرى الْخلَافَة على قوانينها بِإِقَامَة الْعدْل والرفق بالرعية والضعفاء وَالْمَسَاكِين وَمن وفور عقله وعدله إِسْقَاط المكوس الَّتِي كَانَت موظفة على حواضر الْمغرب فِي الْأَبْوَاب والأسواق وعَلى السّلع والغلل وعَلى الْجلد وعشبة الدُّخان فقد كَانَ يقبض فِي ذَلِك أَيَّام وَالِده رحمه الله خَمْسمِائَة ألف مِثْقَال مَعْلُومَة مثبتة فِي الدفاتر مبيعة فِي ذمم عُمَّال الْبلدَانِ وقواد الْقَبَائِل كل مَدِينَة وَمَا عَلَيْهَا وَمن ذَلِك المكس كَانَ صائر الْعَسْكَر فِي الْكسْوَة والسروج وَالسِّلَاح وَالْعدة وَالْإِقَامَة والخياطة والتنافيذ لوفود الْقَبَائِل والعفاة والمؤنة للعسكر ولدور السُّلْطَان وَسَائِر تعلقاته فَكَانَ ذَلِك المكس كَافِيا لصوائر الدولة كلهَا وَلَا يدْخل بَيت المَال إِلَّا مَال المراسي وأعشار الْقَبَائِل وزكواتهم وَكَانَ مُسْتَفَاد هَذَا المكس يعادل مَال المراسي وأعشار الْقَبَائِل فزهد فِيهِ هَذَا السُّلْطَان الْعَادِل فَعوضهُ الله أَكثر مِنْهُ من الْحَلَال الْمَحْض الَّذِي هُوَ الزكوات والأعشار من الْقَبَائِل وزكوات أَمْوَال التُّجَّار وَالْعشر الْمَأْخُوذ من تجار النَّصَارَى وَأهل الذِّمَّة بالمراسي وَأما الْمُسلمُونَ فقد مَنعهم من التِّجَارَة بِأَرْض الْعَدو لِئَلَّا يُؤَدِّي ذَلِك إِلَى تعشير مَا بِأَيْدِيهِم أَو المشاجرة مَعَ الْأَجْنَاس هَكَذَا بلغنَا وَالله أعلم
وَكَانَت الْقَبَائِل فِي دولته قد تمولت ونمت مواشيها وَكَثُرت الْخيرَات لَدَيْهَا من عدله وَحسن سيرته فَصَارَت الْقَبِيلَة الَّتِي كَانَت تُعْطِي عشرَة آلَاف مِثْقَال مُضَارَبَة أَيَّام وَالِده يسْتَخْرج مِنْهَا على النّصاب الشَّرْعِيّ عشرُون وَثَلَاثُونَ ألف مِثْقَال وَذَلِكَ من توفيق الله لَهُ وتمسكه بِالْعَدْلِ والحلم والجود وَالْحيَاء وَجَمِيل الصَّبْر وَحسن السياسة والتأني فِي الْأُمُور واجتنابه لما هُوَ بضد ذَلِك
فَأَما الْحلم فَهُوَ دأبه وطبعه وَقد اتّفق أهل عصره على أَنه كَانَ أحلم النَّاس فِي زَمَانه وأملك لنَفسِهِ عِنْد الْغَضَب من أَن يَقع فِي الْخَطَأ ومذهبه
آيت يوسي وآيت شغروسن وآيت عَيَّاش وآيت والان من جِهَة الشمَال وامتدوا امتدوا إِلَى حُدُود وَادي النجَاة وربط حذوهم من جِهَة الغرب وَرَاء وَادي النجَاة الْقَائِد الْعَرَبِيّ بن مُحَمَّد الشَّرْقِي الْمَدْعُو بَابا مُحَمَّد وَوصل جنَاحه عَلَيْهِم قبائل الغرب والحوز وَصَارَ بَنو مطير فِي مثل أفحوص القطاة وضاق بهم رحب الفضاء وأيقنوا بِالْهَلَاكِ والبوار ولفظتهم السهول والأوعار ونهبت الْجنُود زُرُوعهمْ الْقَائِم والحصيد واستخرجت من مخزونهم الْكثير والعتيد وَلما انْتهى الْحَال بهم إِلَى هَذِه الْغَايَة تطارحوا على السُّلْطَان بالشفاعات وَأَكْثرُوا من التوسل بالذبائح والعارات فرق لَهُم وأقلع عَنْهُم بعد أَن ألزمهم إِعْطَاء خَمْسمِائَة مَرْهُون ووظف عَلَيْهِم مائَة وَخمسين ألف ريال بعد أَدَاء الْحُقُوق ورد الْمَظَالِم وَشرط عَلَيْهِم إِخْرَاج قَبيلَة مجاط من بَين أظهرهم وضمنهم طَرِيق مكناسة وفاس وَجعل الْعهْدَة فِيهَا عَلَيْهِم جَريا على عَادَتهم الْقَدِيمَة من جعلهم النزائل بهَا والحراس فالتزموا ذَلِك كُله وأدوه وَبعد ذَلِك نَهَضَ السُّلْطَان عَنْهُم إِلَى مكناسة فَدَخلَهَا أَوَاخِر رَجَب الْفَرد من السّنة وَاسْتمرّ بهَا إِلَى أَن دخلت سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَألف فَنَهَضَ إِلَى فاس وَلما احتل بهَا فرق الجيوش فِي النواحي لجباية الزكوات والأعشار والوظائف المخزنية فانتهت السَّرَايَا والبعوث إِلَى آيت يزدق من برابرة الصَّحرَاء فأذعنوا وأدوا مَا كلفوا بِهِ من الزكوات والأعشار وَغَيرهَا وَإِلَى آيت يوسي وَغَيرهم فأطاعوا وأذعنوا إِلَّا آيت حلى وهم بطن من آيت يوسي فَإِنَّهُم انحرفوا عَن عاملهم وأبوا من أَدَاء مَا وظف عَلَيْهِم فأوقع بهم جَيش السُّلْطَان وَقَطعُوا مِنْهُم عددا من الرؤوس وَسَاقُوا مثلهَا من المساجين فعلقت الرؤوس بأسوار فاس وَبعد ذَلِك أذعن آيت حلى للطاعة فقبلهم السُّلْطَان أيده الله وألزمهم ولَايَة عاملهم الَّذِي كَانُوا منحرفين عَنهُ وَكَانَ ذَلِك فِي أَوَاخِر صفر من السّنة الْمَذْكُورَة ثمَّ كَانَ عيد المولد الْكَرِيم فاحتفل لَهُ السُّلْطَان على الْعَادة وَبعث إِلَى حَضرته صاحبنا الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن خضراء بقصيدة ميلادية يَقُول فِيهَا
(أمل المديح محبرا يَا منشد
…
وأعده تطريبا فَذَلِك أَحْمد)
(هَذَا أَوَان مَسَرَّة وسعادة
…
هذي اللَّيَالِي الغر هَذَا الْموعد)