الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّقْيِيد على الْمُدَوَّنَة وَكَانَ رحمه الله قد شدد على أهل الفسوق والمناكر فسيق إِلَيْهِ ذَات يَوْم هَذَا الأندلسي وَهُوَ سَكرَان فَأمر الْعُدُول فاستروحوه واشتموا مِنْهُ رَائِحَة الْخمر وأدوا شَهَادَتهم على ذَلِك فَأمْضى القَاضِي حكم الله فِيهِ وَجلده الْحَد فاضطرم الأندلسي غيظا وَتعرض للوزير عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب الوطاسي وَيُقَال لَهُ رحو بِاللِّسَانِ الزناتي فكشف لَهُ عَن ظَهره يرِيه أثر السِّيَاط وينعي عَلَيْهِ سوء هَذَا الْفِعْل مَعَ رسل الدول فضجر الْوَزير من ذَلِك وأخذته الْعِزَّة بالإثم وَلَعَلَّه كَانَ فِي قلبه شَيْء على القَاضِي فَأمر وزعته بإحضاره على أَسْوَأ الْحَالَات وعزم على الْبَطْش بِهِ فتبادروا إِلَيْهِ واعتصم القَاضِي بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع ونادى فِي الْمُسلمين فثارت الْعَامَّة بهم ومرج أَمر النَّاس وَقَامَت الْفِتْنَة على سَاق واتصل الْخَبَر بالسلطان فتلافى الْأَمر وأحضر أَصْحَاب الْوَزير فَضرب أَعْنَاقهم وشرد بهم من خَلفهم جزاه الله خيرا فأسرها الْوَزير فِي نَفسه وداخل الْحسن بن عَليّ بن أبي الطَّلَاق من بني عَسْكَر بن مُحَمَّد وَكَانَ من شُيُوخ بني مرين وَأهل الشورى فيهم وداخل قَائِد الفرنج غنصالوا الْمُنْفَرد برياسة الْعَسْكَر وشوكة الْجند وَكَانَ لهَؤُلَاء الفرنج بالوزير اخْتِصَاص بِحَيْثُ آثروه على السُّلْطَان فَدَعَاهُمْ لخلع طَاعَة السُّلْطَان أبي الرّبيع وبيعة عبد الْحق بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الْحق كَبِير الْقَرَابَة وَأسد الأعياص فَأَجَابُوهُ وَبَايَعُوا لَهُ وَتمّ أَمرهم وَلما كَانَ يَوْم السبت الثَّالِث وَالْعشْرُونَ من ربيع الآخر من سنة عشر وَسَبْعمائة فر الْوَزير الْمَذْكُور وقائده الفرنجي وَمن شايعهم على رَأْيهمْ فَخَرجُوا إِلَى ظَاهر الْبَلَد الجديدة وجاهروا بالخلعان وَأَقَامُوا الْآلَة والرسم وَبَايَعُوا سلطانهم عبد الْحق على عُيُون الْمَلأ وعسكروا بالعدوة القصوى من سبو ثمَّ سَارُوا إِلَى نَاحيَة تازا وَلما استقروا برباطها أخذُوا فِي جمع الجيوش ومكاتبة الْخَاصَّة من بني مرين وَالْعرب يَدعُونَهُمْ إِلَى بيعَة سلطانهم والمشايعة لَهُم على رَأْيهمْ وأوفدوا على أبي حمو مُوسَى بن عُثْمَان بن يغمراسن صَاحب تلمسان يَدعُونَهُ إِلَى المظاهرة على أَمرهم واتصال الْيَد والمدد بالعسكر وَالْمَال فتوقف أَبُو حمو وَلم يقدم وَلم يحجم وَبَقِي ينْتَظر عماذا ينجلي أَمرهم واتصل خبر ذَلِك كُله بالسلطان أبي
الرّبيع فَنَهَضَ إِلَيْهِم وَقدم بَين يَدَيْهِ يُوسُف بن عِيسَى الحشمي وَعمر بن مُوسَى الفودودي فِي جَيش كثيف من بني مرين وَسَار هُوَ فِي ساقتهم واتصل خبر خُرُوجه بِعَبْد الْحق بن عُثْمَان ووزيره فانكشفوا عَن تازا وَلَحِقُوا بتلمسان وَكَانُوا يظنون أَن السُّلْطَان لايخرج إِلَيْهِم وَحمد أَبُو حمو عَاقِبَة توقفه عَن نَصرهم ويئسوا من صريخه إيَّاهُم وَلما ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ أجَاز عبد الْحق بن عُثْمَان ووزيره إِلَى الأندلس وَرجع الْحسن بن عَليّ وَمن مَعَه إِلَى السُّلْطَان أبي الرّبيع بعد أَن أَخذ مِنْهُ الْأمان وَهلك رحو بن يَعْقُوب بالأندلس لمُدَّة قريبَة وَلما احتل السُّلْطَان أَبُو الرّبيع بتازا حسم الدَّاء ومحا أثر الشقاق وأثخن فِي حَاشِيَة الْخَوَارِج وشيعتهم بِالْقَتْلِ والسبي ثمَّ اعتل أَيَّامًا أثْنَاء ذَلِك فَتوفي بتازا بَين العشاءين لَيْلَة الْأَرْبَعَاء منسلخ جُمَادَى الْأَخِيرَة من سنة عشر وَسَبْعمائة وَدفن من ليلته تِلْكَ بِصَحْنِ الْجَامِع الْأَعْظَم من تازا رحمه الله
الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي سعيد عُثْمَان ابْن يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله
كَانَ هَذَا السُّلْطَان من أهل الْعلم والحلم والعفاف جوادا متواضعا متوقفا فِي سفك الدِّمَاء لقبه السعيد بِفضل الله وَأمه حرَّة اسْمهَا عَائِشَة بنت الْأَمِير أبي عَطِيَّة مهلهل بن يحيى الخلطي وَلما هلك السُّلْطَان أَبُو الرّبيع بتازا فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم تطاول لِلْأَمْرِ عَمه أَبُو سعيد الْأَصْغَر وَهُوَ عُثْمَان بن السُّلْطَان يُوسُف وخب فِي ذَلِك وَوضع وأسدى وألحم فَلم يحصل على شَيْء
وَاجْتمعَ الوزراء والمشيخة بِالْقصرِ بعد هدأة من اللَّيْل وتفاوضوا فِي أَمرهم حَتَّى وَقع اختيارهم على أبي سعيد الْأَكْبَر وَهُوَ عُثْمَان ابْن السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق فاستدعوه فَحَضَرَ فَبَايعُوهُ ليلتئذ وَتمّ أمره وأنفذ كتبه إِلَى النواحي والجهات باقتضاء الْبيعَة وسرح ابْنه الْأَكْبَر الْأَمِير أَبَا الْحسن عَليّ بن عُثْمَان إِلَى فاس فَدَخلَهَا غرَّة رَجَب من سنة عشر وَسَبْعمائة وَملك قصر الْخلَافَة بالحضرة واحتوى على أَمْوَاله وذخيرته وَفِي غَد ليلته أخذت
ريثما استراح ثمَّ بَعثه إِلَى رِبَاط الْفَتْح فاستوطنها ورتب لَهُ من الجراية مَا يَكْفِيهِ وَلما قدم الْكَاتِب ابْن عُثْمَان على السُّلْطَان ببيعة عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر وَاعْتذر لَهُ عَنهُ بِالْمرضِ قبل ظَاهر عذره وأرجأ أمره إِلَى يَوْم مَا
وَحكى صَاحب الْجَيْش أَن الْمولى هشاما لما قدم على السُّلْطَان بمراكش وَنزل بدار أَخِيه الْمولى الْمَأْمُون أَتَاهُ السُّلْطَان بعد ثَلَاث إِلَى منزله رَاجِلا لقرب الْمسَافَة وَلما التقيا تعانقا وتراحما ثمَّ جَاءَ مَعَه الْمولى هِشَام حَتَّى دخلا بُسْتَان النّيل من بَاب الرئيس وَنصب لَهُ السُّلْطَان كرسيا جلس عَلَيْهِ وَجلسَ هُوَ أَمَامه إعظاما لَهُ لكَونه أسن مِنْهُ ثمَّ صَار يستدعيه صباحا وَمَسَاء فيجلسان ويتحدثان ثمَّ يفترقان وَكَانَ لَا يتغدى وَلَا يتعشى إِلَّا وَهُوَ مَعَه وَكلما دخل عَلَيْهِ رفع مَجْلِسه وأجله وَإِذا ذكره لَا يذكرهُ إِلَّا بِلَفْظ الْأُخوة بِأَن يَقُول أخي الْمولى هِشَام دون سَائِر بني أَبِيه وَلما طلب الْمولى هِشَام مِنْهُ السُّكْنَى برباط الْفَتْح أَجَابَهُ إِلَيْهَا وَقضى مآربه وأزاح علله ثمَّ عَاد إِلَى مراكش فَكَانَت منيته بهَا كَمَا نذكرهُ
دُخُول الصويرة وأعمالها فِي طَاعَة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله
كَانَ من خبر دُخُول الصويرة وأعمالها فِي طَاعَة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله أَن الْحَاج مُحَمَّد بن عبد الصَّادِق المسجيني وَهُوَ من عبيد الصويرة كَانَ قد قدم من الْحَج عامئذ فَمر على السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وَهُوَ بالغرب فَدخل عَلَيْهِ فولاه على الصويرة وَكتب لَهُ الْعَهْد بذلك وَأمره بإخفائه حَتَّى يختبر حَال أَهلهَا وَيعلم أَيْن هواهم إِذْ كَانَ ذَلِك قبل أَن يطَأ السُّلْطَان بِلَاد الْحَوْز ويستولي عَلَيْهَا وَكَانَت الصويرة حِينَئِذٍ من جملَة النواحي الَّتِي إِلَى نظر عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر وَمن فِي حزبه وَتَحْت غَلَبَة حاحة وعصبيتها وَكَانَ الْوَالِي بهَا يَوْمئِذٍ الْقَائِد أَبُو مَرْوَان عبد الْملك بن بيهي الحاحي وَكَانَت
لَهُ نباهة وَذكر فِي قبائل حاحة وَمَا اتَّصل بهَا فَقدم ابْن عبد الصَّادِق الصويرة على أَنه قدم من حجه لَا غير فأراح بمنزله ثَلَاثًا ثمَّ جَاءَ إِلَى بَاب الْقَائِد وَأظْهر عبد الْملك بن بيهي وَأقَام من جملَة الأعوان فِي الْخدمَة المخزنية إِذْ تِلْكَ هِيَ وظيفته وخف فِي خدمَة الْقَائِد الْمَذْكُور واعتمل فِي مرضاته وَأظْهر من النصح مَا قدر عَلَيْهِ ولازم الْبَاب لَيْلًا وَنَهَارًا فَكَانَ عبد الْملك لَا يخرج إِلَّا ويجده قَائِما محتزما على الْبَاب كَمَا قَالَ مُسلم بن الْوَلِيد فِي فَتى بني شَيبَان يزِيد بن مُزْبِد بن زَائِدَة
(ترَاهُ فِي الْأَمْن فِي درع مضاعفة
…
لَا يَأْمَن الدَّهْر أَن يدعى على عجل)
فَلم يلبث أَن حلى بِعَيْنيهِ وعظمت مَنْزِلَته لَدَيْهِ فقدمه على الأعوان وعَلى الْحَاشِيَة حَتَّى اتَّخذهُ صَاحب رَأْيه وَجعله عَيْبَة سره وَابْن عبد الصَّادِق فِي أثْنَاء ذَلِك يحكم أمره مَعَ إخوانه مسكينة وَأهل آكادير سرا وَأذنه صاغية لخَبر السُّلْطَان مَتى يطَأ بِلَاد الْحَوْز فَلَمَّا سمع بوصوله إِلَى دكالة واستيلائه على آزمور وتيط أفْضى بِأَمْر ولَايَته إِلَى خاصته وشيعته وواعدهم لمظاهرتهم إِيَّاه على أمره لَيْلَة مَعْلُومَة وَعبد الْملك لَا علم لَهُ بِمَا يُرَاد بِهِ وَكَانَ ابْن عبد الصَّادِق فِيمَا قيل قد أَخذ عَلَيْهِ أَنه إِذا حدث أَمر وَلَو لَيْلًا يخرج إِلَيْهِ حَتَّى يفاوضه فِيمَا يكون عَلَيْهِ الْعَمَل فَجَاءَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَقد هيأ جمَاعَة من عبيد الصويرة الَّذين أعدهم للْقِيَام مَعَه وتركهم بِحَيْثُ يسمعُونَ كَلَامه إِذا تكلم وَقَالَ لَهُم إِذا سمعتموني ُأكَلِّمهُ وأراجعه فِي القَوْل فبادروه واقبضوا عَلَيْهِ ثمَّ تقدم وَاسْتَأْذَنَ على عبد الْملك فَخرج إِلَيْهِ وبينما هُوَ يكلمهُ أحَاط بِهِ العبيد وقبضوا عَلَيْهِ وعَلى جمَاعَة من أَصْحَابه من حاحة الَّذين كَانُوا يخدمونه وَلم يملكوهم من أنفسهم شَيْئا حَتَّى أخرجوهم عَن الْبَلَد فِي تِلْكَ السَّاعَة ودفعوا لعبد الْملك فرسه وَأَغْلقُوا الْبَاب خَلفه وَصفا لَهُم أَمر الْبَلَد وَمن الْغَد جمع ابْن عبد الصَّادِق أهل الصويرة وَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب السُّلْطَان بولايته عَلَيْهِم فأذعنوا وَأَجَابُوا وَلم يرق فِيهَا محجمة دم ثمَّ ورد الْخَبَر عقب ذَلِك بِدُخُول السُّلْطَان إِلَى مراكش واستيلائه عَلَيْهَا وَبهَا تمّ لَهُ أَمر الْمغرب وَصفا لَهُ ملكه وَلم يبْق لَهُ فِيهَا مُنَازع وَذَلِكَ بعد مُضِيّ خمس
من وقْعَة إيسلي مَعَ الفرنسيس ثمَّ جد فِيهِ فِي هَذِه الْأَيَّام فَجمع مِنْهُ مَا تيَسّر جمعه ثمَّ رتب المكوس على الْأَبْوَاب والمبيعات وَكتب فِي ذَلِك كتبا للآفاق فمما كتبه لأمناء مرسى الدَّار الْبَيْضَاء فِي ذَلِك مَا نَصه وَبعد فَإنَّا لما أَخذنَا فِي جمع النظام للْمصْلحَة المتعينة الْوَاضِحَة الْبَيِّنَة الْمقر أمرهَا لَدَى الْخَاص وَالْعَام وَاجْتمعَ مِنْهُ عدد يسير واختبرنا مَا صير عَلَيْهِ فِي شهر وَاحِد فَاجْتمع فِيهِ عدد كثير فَكيف أَن جَمعنَا مِنْهُ عددا مُعْتَبرا يحصل بِهِ المُرَاد وَيكون قذى فِي أعين أهل العناد اقْتضى الْحَال ذكر ذَلِك لكبراء التُّجَّار لينظروا فِيمَا يستعان بِهِ على أَمرهم إِذْ لَا بُد من كفايتهم وَإِلَّا انحل نظام جمعهم وَفِي ذَلِك مَا لَا يجهله من لَهُ أدنى عقل ومحبة فِي الدّين فأشاروا بِفَرْض إِعَانَة لَا ضررفيها على الرّعية وسطروها فِي ورقة وَهِي كل شَيْء بِالنِّسْبَةِ لما ارْتَكَبهُ الْمُلُوك فِي مثل هَذَا للاستعانة بِهِ على الْمصَالح المرعية وللضرورة أَحْكَام تخصها كَمَا هُوَ مَعْلُوم مُقَرر ومسطر فِي غير مَا ديوَان مُحَرر ثمَّ اقْتضى نَظرنَا أَن نسند الْأَمر فِي ذَلِك لأهل الْعلم ليقرروا للنَّاس حكمه تقريرا تَنْشَرِح لَهُ الصُّدُور وَيعْمل بِمُقْتَضَاهُ فِي الْوُرُود والصدور وَإِن كَانَ جلهم يعلم هَذَا إِذْ من الْمَعْلُوم أَن الرّعية لَا يَسْتَقِيم أمرهَا إِلَّا بجند قوي بِاللَّه وَلَا جند إِلَّا بِمَال وَهُوَ لَا يكون إِلَّا من الرّعية على وَجه لَا ضَرَر فِيهِ وَقد أَخذ النَّاس هَذِه مُدَّة بحضرتنا الْعَالِيَة بِاللَّه وبمكناسة وتازا والعدوتين ومراكش فِي ذَلِك وسلكوا فِي ترتيبه أحسن المسالك وَلَا نشك أَن بركَة ذَلِك تعود عَلَيْهِم فِي أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ وأنفسهم فبوصول هَذَا إِلَيْكُم قومُوا على سَاق الْجد فِي الْقَبْض من النَّاس بِالْبَابِ على نَحْو مَا فِي الورقة الْمشَار إِلَيْهَا وَلَا دخل لِلنَّصَارَى فِي ذَلِك وَالله أسَال أَن يُبَارك للْمُسلمين فِي مَالهم ويعوضهم خلفا آمين وَالسَّلَام فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من رَجَب الْفَرد الْحَرَام عَام سَبْعَة وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَإِذا انجر بِنَا الْكَلَام على اتِّخَاذ الْعَسْكَر وترتيبه فَلَا بُد من تتميم الْفَائِدَة بِذكر كَلَام نَافِع
القَوْل فِي اتِّخَاذ الْجَيْش وترتيبه وَبَعض آدابه
اعْلَم أَنه وَاجِب على الإِمَام حماية بَيْضَة الْإِسْلَام وحياطة الرّعية وكف الْيَد العادية عَنْهَا والنصح لَهَا وَالنَّظَر فِيمَا يصلحها وَيعود عَلَيْهَا نَفعه فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَلَا يُمكنهُ ذَلِك إِلَّا بجند قوي وشوكة تَامَّة بِحَيْثُ تكون يَده غالبة على الكافة وقاهرة لَهُم فاتخاذ الْجند إِذا وَاجِب وَعَلِيهِ فَينْدب لَهُ أَن يتَّخذ لَهُم ديوانا يجمع أَسْمَاءَهُم ويحصي عَددهمْ ليحصل الضَّبْط وينتفي اللّبْس وَأول من اتخذ الدِّيوَان أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أَمر عقيل بن أبي طَالب ومخزمة بن نَوْفَل وَجبير بن مطعم وَكَانُوا من كتاب قُرَيْش فَكَتَبُوا ديوَان العساكر الإسلامية على تَرْتِيب الْأَنْسَاب مُبْتَدأ من قرَابَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَمَا بعْدهَا الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب فَهَكَذَا يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يرتب جُنُوده فِي ديوَان يحفظها ودستور يجمعها ثمَّ يَنْبَغِي أَن يكون عِنْده أَولا ديوَان كَبِير هُوَ الْأُم يجمع أَسمَاء العساكر كلهَا الْحَاضِرَة والغائبة والخاصة والعامة ثمَّ يَجْعَل دواوين صغَارًا يشْتَمل كل وَاحِد مِنْهَا على طَائِفَة مَخْصُوصَة مثل عَسْكَر الإِمَام الَّذِي يلازمه حضرا وسفرا وعساكر الثغور والقلاع وَنَحْو ذَلِك وَتَكون هَذِه الدَّوَاوِين الصغار بِمَنْزِلَة الْفُرُوع للكبير تجدّد كلما تَجَدَّدَتْ الطوائف كَمَا سَيَأْتِي وكل ديوَان مِنْهَا يشْتَمل على أرحاء مثلا وكل رحى على مئين وكل مائَة بضباطها وطبيبها وعالمها الَّذِي يعلمهَا أَمر دينهَا وَغير ذَلِك
قَالَ صَاحب مِصْبَاح الساري مَا ملخصه كَانَت الدولة العثمانية فِي أول أمرهَا إِذا استخدمت طَائِفَة من الْجند بقيت فِي الْخدمَة طول عمرها وَلما كَانَ هَذَا الْأَمر صعبا يَعْنِي وَغير مُقْتَض للتسوية بَين الرّعية فِي هَذَا الْحق الْعَظِيم اقْتضى نظرهم أَن يعملوا الْقرعَة بَين أَبنَاء الرعايا عِنْد انْتِهَاء كل خمس سِنِين فَمن اسْتكْمل مُدَّة خدمته وتبصر بِمَا يلْزمه من حَرْب عدوه وَقدر على الْمُطَالبَة والمدافعة ذهب إِلَى حَال سَبيله لطلب معيشته فذو الحرفة يرجع إِلَى حرفته