الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بشعار بني مرين وثاروا على من كَانَ بسبتة من حامية ابْن الْأَحْمَر فأخرجوهم مِنْهَا واقتحم تاشفين بن يَعْقُوب الْبَلَد عَاشر صفر من سنة تسع وَسَبْعمائة وتقبض على قَائِد القصبة أبي زَكَرِيَّاء يحيى بن مليلة وعَلى قَائِد الْبَحْر أبي الْحسن بن كماشة وعَلى قَائِد الْحَرْب بهَا من الْقَرَابَة عمر بن رحو بن عبد الله بن عبد الْحق وطير تاشفين بالْخبر إِلَى السُّلْطَان أبي الرّبيع فَعم السرُور وَعظم الْفَرح واتصل ذَلِك بِابْن الْأَحْمَر فَضَاقَ ذرعه وخشي عَادِية بني مرين وجيوش الْمغرب حِين انْتَهوا إِلَى الفرضة وملكوها فَقلب رَأْيه وَرَأى أَن يجنح إِلَى السّلم مَعَ السُّلْطَان أبي الرّبيع لشدَّة شوكته ولكلب الطاغية عَلَيْهِ فِي أرضه لَوْلَا أَن غزاه بني مرين يكفون من غربه فبادر السُّلْطَان ابْن الْأَحْمَر وَهُوَ أَبُو الجيوش نصر بن مُحَمَّد أَخُو المخلوع الَّذِي كَانَ قبله وأوفد رسله على السُّلْطَان أبي الرّبيع راغبين فِي السّلم خاطبين للولاية وتبرع بالنزول عَن الجزيرة ورندة وحصونها ترغيبا للسُّلْطَان أبي الرّبيع فِي الْجِهَاد فَقبل مِنْهُ ذَلِك وَعقد لَهُ الصُّلْح على مَا أَرَادَ وخطب مِنْهُ أُخْته فأنكحه ابْن الْأَحْمَر إِيَّاهَا وَبعث السُّلْطَان أَبُو الرّبيع إِلَيْهِ بالمدد للْجِهَاد أَمْوَال وخيولا جنائب مَعَ ثقته عُثْمَان بن عِيسَى اليريناني أخي وزيره إِبْرَاهِيم بن عِيسَى واتصلت بَينهمَا الْولَايَة إِلَى أَن توفّي السُّلْطَان أَبُو الرّبيع رحمه الله
انْتِقَاض الْوَزير عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب الوطاسي على السُّلْطَان أبي الرّبيع ومبايعته لعبد الْحق بن عُثْمَان وَالسَّبَب فِي ذَلِك
لما انْعَقَد الصُّلْح بَين السُّلْطَان أبي الرّبيع وَابْن الْأَحْمَر وحصلت الْمُصَاهَرَة بَينهمَا والمودة كَانَت رسل ابْن الْأَحْمَر لَا تزَال تَتَرَدَّد إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان بفاس فَقدم مِنْهُم ذَات يَوْم بعض المنهمكين فِي اللَّهْو المدمنين للشُّرْب والقصف فكشف صفحة وَجهه فِي معاقرة الْخمر وتجاهر بذلك بَين النَّاس وَكَانَ السُّلْطَان أَبُو الرّبيع قد عزل قَاضِي فاس أَبَا غَالب المغيلي وَولى الْقَضَاء مَكَانَهُ الشَّيْخ الْفَقِيه أَبَا الْحسن الزرويلي الْمَعْرُوف بالصغير صَاحب
وَرجع السُّلْطَان إِلَى فاس مظفرا منصورا فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن دخلت سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَألف فتهيأ للغزو وَخرج إِلَى بِلَاد دكالة فاستولى عَلَيْهَا وعَلى مَدِينَة آزمور وتيط وَبَايَعَهُ أهل تِلْكَ النَّاحِيَة وَقدم عَلَيْهِ أَعْيَان دكالة تَائِبين وَخَرجُوا من زمرة عَبدة وسلطانهم الْمولى هِشَام وانتظموا فِي سلك الْجَمَاعَة وَهُنَاكَ قدم عَلَيْهِ أَعْيَان الرحامنة ثَانِيَة ببيعتهم فَأكْرم مقدمهم وزحف إِلَى مراكش وهم فِي ركَانَة فَلَمَّا شارفها فر عَنْهَا سلطانها الْمولى حُسَيْن إِلَى زَاوِيَة الْمولى إِبْرَاهِيم بن أَحْمد الأمغاري بِالْجَبَلِ فَدخل السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان إِلَى مراكش وَاسْتولى عَلَيْهَا وَبَايَعَهُ أَهلهَا وَقدم عَلَيْهَا بهَا قبائل الْحَوْز والدير وقبائل حاحة والسوس بهداياهم مغتبطين فسر بهم وَأكْرمهمْ وَأصْلح بَين قبائل الْحَوْز وَجمع كلمتهم وأهدر دِمَاءَهُمْ ومهد بِلَادهمْ ورتب حاميتها وَأنزل بقصبة مراكش أهل الْحَوْز الَّذين كَانُوا بهَا أَيَّام وَالِده ورتب لَهُم الجرايات وَأمر بِأَلف من عبيد السوس يأْتونَ لسكنى القصبة واستقامت الْأُمُور
دُخُول آسفي وصاحبها الْقَائِد عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر الْعَبْدي فِي طَاعَة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله
كَانَ عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر هَذَا على مَا وصفناه قبل من الوجاهة ونفوذ الْكَلِمَة بآسفي وأعمالها وَكَانَ مستوليا على جباية مرْسَاها وخلد بهَا آثارا مثل الدَّار الْكُبْرَى الَّتِي على شاطىء الْبَحْر وَمَسْجِد الزاوية وَغير ذَلِك وَكَانَ جوادا بالعطاء وَلما استولى السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رحمه الله على مراكش بعث إِلَيْهِ كَاتبه أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عُثْمَان المكناسي ليَأْتِيه بِهِ أَو يَأْذَن بحربه وَلما وصل الْكَاتِب الْمَذْكُور إِلَيْهِ بآسفي ألفاه مَرِيضا فَاعْتَذر عَن الْقدوم على السُّلْطَان بِالْمرضِ وَكتب بيعَته وَأدّى طَاعَته وانتقل الْمولى هِشَام عَنهُ إِلَى زَاوِيَة الشرابي فَأَقَامَ بهَا فَبعث إِلَيْهِ السُّلْطَان من أَمنه وَجَاء بِهِ إِلَيْهِ فلقاه مبرة وتكرمة وَقدم إِلَيْهِ المراكب والكسي وأنزله بدار أَخِيه الْمولى الْمَأْمُون
وتدنى أردنيل فِي جمَاعَة من أَصْحَابه كَذَلِك بعد أَن أمربضرب خباء صَغِير يَجْتَمِعَانِ بِهِ وَتقدم أردنيل على الخباء بِكَثِير لملاقاة الْمولى الْعَبَّاس وإظهارا للأدب مَعَه فتلاقى بِهِ وعادا إِلَى الخباء وَحضر مَعَهم الترجمان ورجلان آخرَانِ وأبرموا الصُّلْح وَأعْطى كل خطّ يَده بذلك وانفصلوا وَذهب كل إِلَى مَحَله وَكَانَ ذَلِك آخر حَرْب بَين الْمُسلمين والإصبنيول وَلما وصل الْخَبَر بانعقاد الصُّلْح إِلَى عَسْكَر النَّصَارَى فرحوا فَرحا لم يعْهَد مثله وَجعلُوا ينادون الباص الباص أَي الصُّلْح الصُّلْح ودخلوا تطاوين وهم رافعون بهَا أَصْوَاتهم وَكلما لقوا مُسلما هشوا لَهُ كَأَنَّهُمْ يهنئونه بِالصُّلْحِ وَكَانَ الصُّلْح قد انْعَقَد بَين الْمُسلمين والإصبنيول على شُرُوط مِنْهَا أَن يدْفع السُّلْطَان إِلَيْهِم عشْرين مليونا من الريال ويخرجوا من تطاوين وَمَا استولوا عَلَيْهِ من الأَرْض الَّتِي بَينهَا وَبَين سبتة إِلَّا شَيْئا يَسِيرا يُزَاد لَهُم فِي المحدة على سَبِيل التَّوسعَة وَكَانَ انْعِقَاد هَذَا الصُّلْح فِي أَوَاخِر شعْبَان سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وتراخى السُّلْطَان رحمه الله فِي دفع هَذَا المَال فاستمر الْعَدو مُقيما بتطاوين حَتَّى يَسْتَوْفِيه وَبعد سنة من يَوْم هَذَا الصُّلْح استوفى عشرَة ملايين مِنْهُ وَبقيت عشرَة وَقع الِاتِّفَاق فِيهَا على أَن يقتضيها الْعَدو من مُسْتَفَاد مراسي الْمغرب فَأَقَامَ أمناءه بهَا لاقْتِضَاء نصف دَاخل كل شهر مِنْهَا وهم الْآن بِهَذَا الْحَال وَالله تَعَالَى يَكْفِي الْمُسلمين شرهم وَشر كل شَرّ وَبعد مَا وَقع هَذَا الِاتِّفَاق أسلم النَّصَارَى تطاوين إِلَى الْمُسلمين وَكَانَ خُرُوجهمْ مِنْهَا ضحوة يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِي من ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف بعد أَن مَكَثُوا فِيهَا سنتَيْن وَثَلَاثَة أشهر وَنصفا ووقعة تطاوين هَذِه هِيَ الَّتِي أزالت حجاب الهيبة عَن بِلَاد الْمغرب واستطال النَّصَارَى بهَا وانكسر الْمُسلمُونَ انكسارا لم يعْهَد لَهُم مثله وَكَثُرت الحمايات وَنَشَأ عَن ذَلِك ضَرَر كَبِير نسْأَل الله تَعَالَى الْعَفو والعافية فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلما فرغ السُّلْطَان رحمه الله من أَمر تطاوين جد فِي جمع الْعَسْكَر الْمُرَتّب على التَّرْتِيب الْمَعْهُود الْيَوْم وَكَانَ هَذَا السُّلْطَان أول من أحدثه من مُلُوك الْمغرب وَكَانَ إحداثه إِيَّاه فِي دولة أَبِيه رحمه الله بعد رُجُوعه