الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تملك السُّلْطَان أبي عنان بجاية وتولية عمر بن عَليّ الوطاسي عَلَيْهَا
لما وَفد أَبُو عبد الله الحفصي على السُّلْطَان أبي عنان بلمدية فِي شعْبَان من سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة وَبَالغ فِي إكرامه ناجاه بِذَات صَدره وشكا إِلَيْهِ مَا يلقاه من رَعيته من الِامْتِنَاع من الجباية وَالسَّعْي فِي الْفساد وَمَا يتبع ذَلِك من شقَاق الحامية واستبداد البطانة وَكَانَ السُّلْطَان أَبُو عنان متشوفا لمثلهَا فَأَشَارَ عَلَيْهِ بالنزول عَنْهَا وَأَن يعوضه عَنْهَا مَا شَاءَ من بِلَاده فسارع إِلَى قبُول ذَلِك ودس إِلَيْهِ السُّلْطَان مَعَ حَاجِبه مُحَمَّد بن أبي عَمْرو أَن يشْهد بذلك على رُؤُوس الْمَلأ فَفعل وعوضه عَنْهَا مكناسة الزَّيْتُون ونقم بطانة الحفصي عَلَيْهِ وَنزع بَعضهم عَنهُ إِلَى إفريقية وَأمره السُّلْطَان أَبُو عنان أَن يكْتب بِخَطِّهِ إِلَى عَامله على بجاية بالنزول عَنْهَا وتمكين عُمَّال السُّلْطَان مِنْهَا فَفعل وَعقد أَبُو عنان عَلَيْهَا لعمر بن عَليّ الوطاسي من بني الْوَزير الَّذين قدمنَا خبر ثورتهم بحصن تازوطا أَيَّام يُوسُف بن يَعْقُوب وَلما قضى السُّلْطَان أَبُو عنان حَاجته من الْمغرب الْأَوْسَط وَاسْتولى على بجاية ثغر إفريقية انكفأ رَاجعا إِلَى تلمسان لشهود عيد الْفطر بهَا ودخلها فِي يَوْم مشهود حمل أَبَا ثَابت الزياني ووزيره يحيى بن دَاوُد على جملين وَدخل بهما تلمسان يخطوان بهما فِي ذَلِك المحفل بَين السماطين فَكَانَا عِبْرَة لمن حضر ثمَّ جنبا من الْغَد إِلَى مصارعهما فقتلا قعصا بِالرِّمَاحِ وَإِلَى الله عَاقِبَة الْأُمُور
ثورة أهل بجاية ومقتل عمر بن الوطاسي بهَا
لما قدم عمر بن عَليّ الوطاسي بجاية وَاسْتقر بهَا ثقل أمره على نفوس أَهلهَا لألفهم ملكة الحفصيين وانصباغهم بالميل إِلَيْهِم فتربصوا بالوطاسي الدَّوَائِر وَكَانَ أَبُو عبد الله الحفصي قد استصحب مَعَه فِي وفادته على السُّلْطَان أبي عنان حَاجِبه فارحا مولى ابْن سيد النَّاس فَلَمَّا نزل
للسُّلْطَان عَن بجاية نقم فارح عَلَيْهِ ذَلِك وأسرها فِي نَفسه إِلَى أَن بَعثه الحفصي الْمَذْكُور مَعَ الوطاسي لينقل حرمه ومتاعه وماعون دَاره إِلَى الْمغرب فَانْتهى إِلَى بجاية وبينما هُوَ يحاول مَا أرسل فِي شَأْنه شكا إِلَيْهِ الصنهاجيون سوء ملكة بني مرين فنجع كَلَامهم فِيهِ وَنَفث لَهُم بِمَا عِنْده من الضغن ودعاهم إِلَى الثورة بالمرينيين وَالْقِيَام بدعوة الحفصيين فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِك وتواعدوا للفتك بعلي بن عمر الوطاسي بمجلسه من القصبة وَتَوَلَّى كبرها مَنْصُور بن إِبْرَاهِيم بن الْحَاج من مشيختهم وباكره فِي دَاره على عَادَة الْأُمَرَاء وَلما أكب عَلَيْهِ ليلثم أَطْرَافه طعنه بخنجره ثمَّ ولج عَلَيْهِ الْبَاقُونَ فاستلحموه وَذَلِكَ فِي ذِي الْحجَّة من سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة وثارت الغوغاء بِالْبَلَدِ وهتف الْهَاتِف بدعوة أبي زيد بن مُحَمَّد بن أبي بكر الحفصي صَاحب قسنطينة وطيروا إِلَيْهِ بالْخبر واستدعوه فتثاقل عَنْهُم وَبلغ الْخَبَر إِلَى السُّلْطَان أبي عنان فاتهم أَبَا عبد الله الحفصي بمداخلة حَاجِبه فارح فِي ذَلِك فاعتقله بداره واعتقل وَفْدًا من أَشْرَاف بجاية كَانُوا بِبَابِهِ ثمَّ رَاجع شُيُوخ بجاية بصائرهم وتداركوا أَمرهم فِي الرُّجُوع إِلَى طَاعَة السُّلْطَان أبي عنان وَاتفقَ رَأْيهمْ على أَن يرقعوا هَذَا الْخرق ويسدوا هَذِه الثلمة براس الْحَاجِب فارح وصنهاجة الثائرين مَعَه وداخلهم فِي ذَلِك الْقَائِد هِلَال مولى ابْن سيد النَّاس وَلما عزموا على أَمرهم دعوا الْحَاجِب فارحا إِلَى الْمَسْجِد ليفاوضوه فِيمَا نزل بهم فأحس بِالشَّرِّ ولجأ إِلَى دَار الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن إِدْرِيس البجائي إِمَام بجاية ومفتيها فاقتحموا عَلَيْهِ الدَّار وباشره مَوْلَاهُ مُحَمَّد بن سيد النَّاس بطعنة فأنفذه وَرمى بشلوه من أَعلَى الدَّار فاحتزوا رَأسه وبعثوا بِهِ إِلَى السُّلْطَان أبي عنان وفر مَنْصُور بن إِبْرَاهِيم بن الْحَاج وَقَومه صنهاجة عَن الْبَلَد وسرح السُّلْطَان أَبُو عنان إِلَيْهَا حَاجِبه أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن أبي عَمْرو فِي الْكَتَائِب فَدَخلَهَا فاتح سنة أَربع وَخمسين وَسَبْعمائة وَذَهَبت صنهاجة فِي كل وَجه وَلحق أَصْحَاب الفعلة مِنْهُم بتونس وتقبض الْحَاجِب ابْن أبي عَمْرو على جمَاعَة من غوغاء بجاية
المحدودة وَيبقى مثقفا على أَن ذَلِك لَيْسَ بِشَرْط وَإِنَّمَا هُوَ على سَبِيل الاختبار حَتَّى يظْهر ولتعلموا أَنكُمْ لن تزالوا فِي سَعَة فَإِن ظهر لكم ذَلِك فَالْأَمْر يبْقى بِحَالهِ وَإِن ظهر لكم مَا هُوَ أَسد وأحوط فِي الدفاع عَن الْمُسلمين فأعلمونا بِهِ إِذْ مَا أَنا إِلَّا وَاحِد من الْمُسلمين وأعلمناكم بِمَا كَانَ امتثالا لقَوْله تَعَالَى {لَهُم وشاورهم فِي} آل عمرَان 159 وَإِلَّا فَمَا {مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو وَمن التِّجَارَة وَالله خير الرازقين} الجمعه 11 وَالسَّلَام فِي سَابِع رَجَب الْفَرد الْحَرَام عَام ثَلَاثَة وثلاثمائة وَألف انْتهى كتاب السُّلْطَان أعزه الله وَلما قرىء هَذَا الْكتاب على خَاصَّة النَّاس وعامتهم أجابوا كلهم بِأَن الرَّأْي مَا رَآهُ السُّلْطَان وَفقه الله إِلَّا مَا كَانَ من بعض الْعَامَّة الأغمار الَّذين لم يجربوا الْأُمُور وَلَا اهتدوا إِلَى النّظر فِي العواقب فَإِنَّهُم قَالُوا مَا نعطيهم إِلَّا السَّيْف لَكِن لم يلْتَفت إِلَيْهِم
وَقد كتبت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة جَوَابا مطولا رَأَيْت إثْبَاته هُنَا خشيَة ضيَاعه وَنَصه اعلموا حفظكم الله أَن النّظر فِي هَذِه النَّازِلَة يكون من وُجُوه أَحدهَا من جِهَة الْفِقْه وَالْحكم الشَّرْعِيّ ثَانِيهَا من جِهَة الرَّأْي والسياسة وَهَذَا لَا بُد أَن يجْرِي على ضَابِط الْفِقْه أَيْضا ثَالِثهَا من جِهَة الْفَهم عَن الله تَعَالَى وَالنَّظَر فِي تَصَرُّفَاته سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الْوُجُود بِعَين الِاعْتِبَار فَأَما الْوَجْه الأول فَاعْلَم أَن الْفُقَهَاء رضوَان الله عَلَيْهِم قد نصوا على أَنه لَا يجوز بيع آلَة الْحَرْب من السِّلَاح والكراع والسروج والترسة وَنَحْو ذَلِك من الْكفَّار الْحَرْبِيين لما يخْشَى من تقويهم بذلك على الْمُسلمين هَذِه عِلّة الْمَنْع وَهِي تفِيد أَمريْن أَحدهمَا أَن كل ماهو فِي معنى السِّلَاح مِمَّا يفيدهم تَقْوِيَة حكمه حكم السِّلَاح فِي الْمَنْع وَهُوَ مَنْصُوص عَلَيْهِ فَلَا نحتاج إِلَى التَّطْوِيل بجلبه ثَانِيهمَا إِن مَا لَا يتقوون بِهِ وَيجوز بَيْعه مِنْهُم كَيفَ مَا كَانَ وَعدم التقوي يكون بِأحد وَجْهَيْن إِمَّا يكون ذَلِك الْمَبِيع لَيْسَ من شَأْنه التقوي بِهِ فِي الْحَرْب كبعض المأكولات والملبوسات وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مسرح لَهُم الْيَوْم وَقَبله بِزَمَان وَإِمَّا بِكَوْنِهِ من شَأْنه أَن يتقوى بِهِ فِيهَا وَلكنه عديم الْفَائِدَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالهم الْيَوْم لما تقرر من أَنهم صَارُوا من الْقُوَّة والاستعداد والتفنن فِي أَنْوَاع الْآلَات الحربية إِلَى
حَيْثُ صَارَت آلاتنا عِنْدهم هِيَ والحطب سَوَاء وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنهم يبيعوننا أنواعا من الْآلَات الحربية نقضي الْعجب من جودتها وإتقانها وَمَعَ ذَلِك فينقل لنا عَنْهُم أَنهم لَا يبيعوننا مِنْهَا إِلَّا مَا انعدمت فَائِدَته عِنْدهم لكَوْنهم ترقوا عَنْهَا إِلَى مَا هُوَ أَجود مِنْهَا واستنبطوا مَا هُوَ أتقن وأنفع إِلَّا فِيمَا قل وعَلى هَذَا فتنبغي الْيَوْم الْفَتْوَى بِجَوَاز بيع سِلَاحنَا مِنْهُم فضلا عَن غَيره لجزمنا بِأَن ذَلِك لَا يفيدهم فِي معنى التقوي شَيْئا وَإِن كَانَت هُنَاكَ فَائِدَة فَهِيَ كلا فَائِدَة هَذَا إِذا لم نتوقع ضَرَرا مِنْهُم عِنْد امتناعنا من البيع فَأَما إِذا كُنَّا نتوقعه مِنْهُم كَمَا هُوَ حَالنَا الْيَوْم فيرتقي الحكم عَن الْجَوَاز إِلَى مَا هُوَ فَوْقه وللضرورة أَحْكَام تخصها فَإِن قلت فقد أقدمت بِهَذَا الْكَلَام على مَا لم يقدم عَلَيْهِ أحد قبلك فِي استجازتك بيع السِّلَاح من الْحَرْبِيين قلت إِنَّمَا ذكرت السِّلَاح تَوْطِئَة لما الْكَلَام فِيهِ حَتَّى يُؤْخَذ حكمه بالأحرى ثمَّ إِنِّي مَا أقدمت عَلَيْهِ إِلَّا بالقاعدة الْفِقْهِيَّة لَا مجازفة كَمَا أقدم من قبلي على إجَازَة بِنَاء الْكَنَائِس بِأَرْض الْمُسلمين لأجل الضَّرُورَة الداعية إِلَى ذَلِك فقد أفتى عُلَمَاء الأندلس فِي الْقرن الْخَامِس بِالْإِذْنِ لِلنَّصَارَى فِي إِحْدَاث الْكَنَائِس بِأَرْض العنوة وَبِمَا اختطه الْمُسلمُونَ من الْأَمْصَار مَعَ أَن الْمَوْجُود فِي كتب السّلف هُوَ الْمَنْع وَمَا ذَلِك إِلَّا لِأَن الْأَحْكَام الْمرتبَة على الْأَعْرَاف تخْتَلف باخْتلَاف تِلْكَ الْأَعْرَاف قَالَ الْقَرَافِيّ فِي كتاب الْأَحْكَام فِي الْفرق بَين الْفَتَاوَى وَالْأَحْكَام فِي السُّؤَال التَّاسِع وَالثَّلَاثِينَ مَا نَصه إِن قلت مَا الصَّحِيح فِي هَذِه الْأَحْكَام الْوَاقِعَة فِي مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا الْمرتبَة على الْعَادة وَالْعرْف اللَّذين كَانَا حاصلين حَالَة جزم الْعلمَاء بِهَذِهِ الْأَحْكَام فَهَل إِذا تَغَيَّرت تِلْكَ العوائد وَصَارَت تدل على ضد مَا كَانَت تدل عَلَيْهِ أَولا فَهَل تبطل هَذِه الْفَتَاوَى المسطورة فِي الْكتب ونفتي بِمَا تَقْتَضِيه هَذِه العوائد المتجددة أَو يُقَال نَحن مقلدون وَمَا لنا أَحْدَاث شرع لعدم أهليتنا للِاجْتِهَاد فنفتي بِمَا فِي الْكتب المنقولة عَن الْمُجْتَهدين فَالْجَوَاب إِن إِجْرَاء هَذِه الْأَحْكَام الَّتِي مدركها العوائد مَعَ تغير تِلْكَ العوائد خلاف الْإِجْمَاع وجهالة فِي الدّين بل كل مَا هُوَ فِي الشَّرِيعَة يتبع العوائد يتَغَيَّر الحكم فِيهِ عِنْد تغير الْعَادة إِلَى مَا تَقْتَضِيه الْعَادة