الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي ثَانِي وَعشْرين من رَمَضَان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة قدمت الْحرَّة من عِنْد السُّلْطَان أبي الْحسن عَليّ بن عُثْمَان بن يَعْقُوب المريني صَاحب فاس تُرِيدُ الْحَج وَمَعَهَا هَدِيَّة جليلة إِلَى الْغَايَة نزل لحملها من الأسطول السلطاني ثَلَاثُونَ قطارا من بغال النَّقْل سوى الْجمال وَكَانَ من جُمْلَتهَا أَرْبَعمِائَة فرس مِنْهَا مائَة حجرَة وَمِائَة فَحل وَمِائَتَا بغل وجميعها بسروج ولجم مسقطة بِالذَّهَب وَالْفِضَّة وَبَعضهَا سُرُوجهَا وركبها ذهب وَكَذَلِكَ لجمها وعدتها اثْنَان وَأَرْبَعُونَ رَأْسا مِنْهَا سرجان من ذهب مرصع بجوهر وفيهَا اثْنَان وَثَلَاثُونَ بازا وفيهَا سيف قرَابه ذهب مرصع وحياصة ذهب مرصع وفيهَا مائَة كسَاء وَغير ذَلِك من القماش العالي وَكَانَ قد خرج المهمندار إِلَى لقائهم وأنزلهم بالقرافة قريب مَسْجِد الْفَتْح وهم جمع كثير جدا وَكَانَ يَوْم طُلُوع الْهَدِيَّة من الْأَيَّام الْمَذْكُورَة فَفرق السُّلْطَان الْهَدِيَّة على الْأُمَرَاء بأسرهم على قدر مَرَاتِبهمْ حَتَّى نفدت كلهَا سوى الْجَوْهَر واللؤلؤ فَإِنَّهُ اخْتصَّ بِهِ فقدرت قيمَة هَذِه الْهَدِيَّة بِمَا يزِيد على مائَة ألف دِينَار ثمَّ نقلت الْحرَّة إِلَى الميدان بِمن مَعهَا ورتب لَهَا من الْغنم والدجاج وَالسكر والجلواء والفاكهة فِي كل يَوْم بكرَة وَعَشِيَّة مَا عمهم وَفضل عَنْهُم فَكَانَ مرتبهم كل يَوْم عدَّة ثَلَاثِينَ رَأْسا من الْغنم وَنصف أردب أرزا وقنطارا حب رمان وَربع قِنْطَار سكرا وثمان فانوسيات شمعا وتوابل الطَّعَام وَحمل إِلَيْهَا برسم النَّفَقَة مبلغ خَمْسَة وَسبعين ألف دِرْهَم وَأُجْرَة حمل أثقالهم مبلغ سِتِّينَ ألف دِرْهَم ثمَّ خلع على جَمِيع من قدم مَعَ الْحرَّة فَكَانَت عدَّة الْخلْع مِائَتَيْنِ وَعشْرين خلعة على قدر طبقاتهم حَتَّى خلع على الرِّجَال الَّذين قادوا الْخُيُول وَحمل إِلَى الْحرَّة من الْكسْوَة مَا يجل قدره وَقيل لَهَا أَن تملي مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا يعوزها شَيْء وَإِنَّمَا تُرِيدُ عناية السُّلْطَان إكرامها وإكرام من مَعهَا حَيْثُ كَانُوا فَتقدم السُّلْطَان إِلَى النشو وَإِلَى الْأَمِير أَحْمد إِن بغى بتجهيزها اللَّائِق بهَا فقاما بذلك واستخدما لَهَا السقائين والضوئية وهيأ كل مَا تحْتَاج إِلَيْهِ فِي سفرها من أَصْنَاف الحلاوات وَالسكر والدقيق والبجماط وطلبا الْحمالَة لحمل جهازها وأزودتها وَندب السُّلْطَان للسَّفر مَعهَا جمال الدّين مُتَوَلِّي الجيزة وَأمره أَن يرحل بهَا فِي مركب لَهَا
بمفردها قُدَّام الْمحمل ويمتثل كلما تَأمر بِهِ وَكتب لأميري مَكَّة وَالْمَدينَة بخدمتها أتم خدمَة اه وَفِيه بعض مُخَالفَة لما وَصفه ابْن مَرْزُوق فِي الْهَدِيَّة والخطب سهل
ثمَّ انتسخ السُّلْطَان أَبُو الْحسن رحمه الله نُسْخَة أُخْرَى من الْمُصحف الْكَرِيم على القانون الأول ووقفها على الْقُرَّاء بِالْمَدِينَةِ وَبعث بهَا من تخيره لذَلِك الْعَهْد من أهل دولته سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة وَفعل مثل ذَلِك بحرم بَيت الْمُقَدّس قَالَ الْعَلامَة أَبُو الْعَبَّاس الْمقري فِي نفح الطّيب كَانَ السُّلْطَان أَبُو الْحسن المريني قد كتب ثَلَاثَة مصاحف شريفة بِخَطِّهِ وأرسلها إِلَى الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة الَّتِي تشد إِلَيْهَا الرّحال ووقف عَلَيْهَا أوقافا جليلة كتب سُلْطَان مصر وَالشَّام توقيعه بمسامحتها من إنْشَاء الأديب الشهير جمال الدّين بن نباتة الْمصْرِيّ وَنَصّ مَا يتَعَلَّق بِهِ الْغَرَض مِنْهُ هُنَا قَوْله
وَهُوَ الَّذِي مد يَمِينه بِالسَّيْفِ والقلم فَكتب فِي أَصْحَابهَا وسطر الختمات الشَّرِيفَة فأيد الله حزبه بِمَا سطره من أحزابها واتصلت مَلَائِكَة النَّصْر بلوائه تَغْدُو وَتَروح وَكَثُرت فتوحه لأملياء الغرب فَقَالَت أوقاف الشرق لَا بُد للْفُقَرَاء من فتوح ثمَّ وصلت ختمات شريفة كتبهَا بقلمه الْمجِيد المجدي وَخط سطورها بالعربي وطالما خطّ فِي صُفُوف الْأَعْدَاء بالهندي ورتب عَلَيْهَا أوقافا تجْرِي أَقْلَام الْحساب فِي إِطْلَاقهَا وَطَلقهَا وَحبس أملاكا شامية تحدث بنعم الْأَمْلَاك الَّتِي سرت من مغرب الأَرْض إِلَى مشرقها وَالله تَعَالَى يمتع من وقف هَذِه الختمات بِمَا سطر لَهُ فِي أكْرم الصحائف وينفع الْجَالِس من وُلَاة الْأُمُور فِي تقريرها ويتقبل من الْوَاقِف اه قَالَ الْمقري وَقد رَأَيْت أحد الْمَصَاحِف الْمَذْكُورَة وَهُوَ الَّذِي بِبَيْت الْمُقَدّس وربعته فِي غَايَة الصَّنْعَة اه وَالله تَعَالَى أعلم
واتصلت الْولَايَة بَين السُّلْطَان أبي الْحسن وَبَين الْملك النَّاصِر إِلَى أَن هلك سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَولي أَمر مصر من بعده ابْنه أَبُو الْفِدَاء إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن قلاوون فخاطبه السُّلْطَان أَبُو الْحسن أَيْضا على مَا نذكرهُ بعد إِن شَاءَ الله
نكبة الْأَمِير أبي عبد الرَّحْمَن يَعْقُوب ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن وفرار وزيره زيان بن عمر الوطاسي وَالسَّبَب فِي ذَلِك
كَانَ السُّلْطَان أَبُو الْحسن رحمه الله عِنْدَمَا نَهَضَ إِلَى تلمسان أَولا وَثَانِيا ينْتَظر قدوم صهره السُّلْطَان أبي بكر بن أبي زَكَرِيَّاء الحفصي عَلَيْهِ لما كَانَ انْعَقَد بَينه وَبَين أَبِيه أبي سعيد رحمه الله من الِاجْتِمَاع على تلمسان والتعاون على حصارها وَلما فتح أَبُو الْحسن تلمسان فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم كَانَ وَزِير الحفصيين الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد بن تافرجين شَاهدا لذَلِك الْفَتْح قدم رَسُولا من عِنْد مخدومه السُّلْطَان أبي بكر الْمَذْكُور فَأسر إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن بِأَن مخدومه قادم عَلَيْهِ للقائه وتهنئته بالظفر بعدوه فتشوف السُّلْطَان أَبُو الْحسن إِلَيْهَا لما كَانَ يحب الْفَخر ويعنى بِهِ وارتحل عَن تلمسان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة وعسكر بمتيجة منتظرا لوفادة صهره عَلَيْهِ فتكاسل الحفصي عَن الْقدوم بِسَبَب تثبيط مُحَمَّد بن الْحَكِيم من رجال دولته إِيَّاه عَن ذَلِك وَقَالَ لَهُ إِن لِقَاء سلطانين لَا يتَّفق إِلَّا فِي يَوْم على أَحدهمَا فكره الحفصي ذَلِك وتقاعد عَنهُ وَطَالَ مقَام السُّلْطَان أبي الْحسن فِي انْتِظَاره ثمَّ طرقه بفسطاطه مرض ألزمهُ الْفراش حَتَّى تحدث أهل الْعَسْكَر بمهلكه
وَكَانَ ابناه الأميران أَبُو عبد الرَّحْمَن وَأَبُو مَالك متناغيين فِي ولَايَة عهد مُنْذُ أَيَّام جدهما أبي سعيد وَكَانَ أَبوهُمَا قد جعل لَهما لأوّل دولته ألقاب الْإِمَارَة وَأَحْوَالهَا من اتِّخَاذ الوزراء وَالْكتاب وَوضع الْعَلامَة وَتَدْوِين الدَّوَاوِين وَإِثْبَات الْعَطاء واستلحاق الفرسان وانفراد كل بعسكره على حِدة وَجعل لَهما مَعَ ذَلِك الْجُلُوس بمقعد فَصله مناوبة لتنفيذ الْأَوَامِر السُّلْطَانِيَّة فَكَانَا لذَلِك رديفين لَهُ فِي سُلْطَانه وَلما اشْتَدَّ وجع السُّلْطَان فِي هَذِه الْمرة تمشت سماسرة الْفِتَن بَينهمَا وتحزب أهل الْعَسْكَر لَهما حزبين وشوشوا بواطنهما فَبَثَّ كل وَاحِد مِنْهُمَا المَال وَحمل على المقربات وَصَارَ الْجَيْش شيعًا وهم الْأَمِير أَبُو عبد الرَّحْمَن بالتوثب على الْأَمر قبل أَن يتَبَيَّن حَال السُّلْطَان بإغراء
وزرائه وبطانته بذلك وتفطن خَاصَّة السُّلْطَان لما وَقع فأخبروه الْخَبَر وحضوه على الْخُرُوج إِلَى النَّاس قبل أَن يَتَفَاقَم الْأَمر ويتسع الْخرق فبرز السُّلْطَان إِلَى فسطاط جُلُوسه وتسامع أهل المعسكر بِهِ فازدحموا إِلَى بساطة وتقبيل يَده وتقبض على أهل الظنة من الْجَيْش فأودعهم السجْن وَسخط على الأميرين وَأمر برحيل من كَانَ مَعَهُمَا من الْجند فردهم إِلَى مُعَسْكَره ثمَّ رَجَعَ إِلَى فسطاطه وطفئت نَار الْفِتْنَة وَسكن سعي المفسدين وانتبذ النَّاس عَن الأميرين الْمَذْكُورين فبقيا أوحش من وتد بقاع فَاشْتَدَّ جزع الْأَمِير أبي عبد الرَّحْمَن وَركب من فسطاطه وخاض اللَّيْل فَأصْبح بحلة أَوْلَاد على أُمَرَاء بني زغبة من هِلَال الموطنين بِأَرْض حَمْزَة فتقبض عَلَيْهِ أَمِيرهمْ مُوسَى بن أبي الْفضل ورده إِلَى أَبِيه فاعتقله بوجدة ورتب الْعُيُون لحراسته وَلحق وزيره زيان بن عمر الوطاسي بالموحدين أَصْحَاب تونس فأجاروه وَرَضي السُّلْطَان صَبِيحَة فرار أبي عبد الرَّحْمَن عَن أَخِيه أبي مَالك وَعقد لَهُ على ثغور عمله بالأندلس وَصَرفه إِلَيْهَا وانكفأ رَاجعا إِلَى تلمسان وَالله أعلم
ثورة ابْن هيدور الجزار وَمَا كَانَ من أمره
لما تقبض السُّلْطَان أَبُو الْحسن على ابْنه عبد الرَّحْمَن وأودعه السجْن تفرق خدمه وحشمه فِي الْجِهَات وَكَانَ مِنْهُم رجل جزار مُرَتّب فِي مطبخه يعرف بِابْن هيدور وَكَانَ لَهُ شبه فِي الصُّورَة بِأبي عبد الرَّحْمَن فلحق ببني عَامر بن زغبة وَكَانُوا لذَلِك الْعَهْد منحرفين عَن طَاعَة السُّلْطَان أبي الْحسن لاختصاصه عريف بن يحيى أَمِير بني سُوَيْد أعدائهم فَلَمَّا لحق بهم ابْن هيدور هَذَا انتسب لَهُم إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن وَأَنه ابْنه أَبُو عبد الرَّحْمَن فَشبه لَهُم وَبَايَعُوهُ وأجلبوا بِهِ على نواحي لمدية فبرز إِلَيْهِم قائدها فهزموه ثمَّ جمع لَهُم ونزمار بن عريف بن يحيى فَهَزَمَهُمْ وافترق جمعهم ونبذوا للجزار عَهده فلحق ببني يزناتن من زواوة فَنزل على شيختهم شمسي من بني
شيخ الطَّائِفَة التجانية وَكَانَت وَفَاته بفاس المحروسة وضريحه بهَا شهير عَلَيْهِ بِنَاء حفيل رحمه الله ونفعنا بِهِ
غَزْو السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان قبائل الصَّحرَاء وإيقاعة بآيت عطة وَالسَّبَب فِي ذَلِك
لما كَانَت سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف بلغ السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان أَن بعض قبائل الصَّحرَاء كعرب الصَّباح وبرابرة آيت عطه اشتغلوا بِالْفَسَادِ وَعظم ضررهم واستولوا على قُصُور المخزن الَّتِي هُنَالك من عهد السُّلْطَان الْمولى إِسْمَاعِيل فعقد لِابْنِهِ الْمولى إِبْرَاهِيم على جَيش كثيف وَوَجهه إِلَيْهِم فَسَار وَنزل أَولا على قُصُور الْعَرَب وَنصب عَلَيْهِم آلَة الْحَرْب فبددهم ثمَّ زَاد إِلَى قُصُور آيت عطه فنصب عَلَيْهِم الْآلَة كَذَلِك وضيق عَلَيْهِم إِلَى أَن طلبُوا الْأمان فَأَمنَهُمْ فطلبوا أَن يفرج بالجيش عَنْهُم قَلِيلا حَتَّى يخرجُوا بعيالهم خوفًا من معرة الْجَيْش فأشفق لَهُم وَأَفْرج عَنْهُم وَكَانَ ذَلِك مكيدة مِنْهُم فَلَمَّا نفس عَن مخنقهم أدخلُوا مَعَهم مَا شاؤوا من رجال وَسلَاح وقوت وتمادوا على الْحَرْب فَسقط فِي يَد الْمولى إِبْرَاهِيم وَحمى أَنفه وَكَانَ مَعَه جمَاعَة وافرة من أعيانهم رهنا عِنْده فَقتل طَائِفَة مِنْهُم وسَاق نَحْو الْمِائَة إِلَى فاس فَقَتلهُمْ بِبَاب المحروق وَلما أنهى خبر فعلة البربر إِلَى السُّلْطَان عَابَ على ابْنه إفراجه عَنْهُم أَولا وَقتل الرهائن ثَانِيًا ثمَّ أَنهم أوفدوا جمَاعَة مِنْهُم على السُّلْطَان راغبين إلية أَن يبقيهم بالقصور فردهم بالخيبة وَقَالَ لَهُم لَا بُد لي من الْوُصُول إِلَى تِلْكَ الْقُصُور إِن شَاءَ الله حَتَّى تكون لي أولكم وَلما انْسَلَخَ رَمَضَان من السّنة وَأقَام سنة عيد الْفطر شرع فِي تجهيز العساكر إِلَى الصَّحرَاء وقمع ظلمَة آيت عطه ثمَّ بعث فِي مقدمته السوَاد الاعظم من جَيش العبيد وَعقد عَلَيْهِم لوصيفه الأنجب الْقَائِد أَحْمد بن مبارك صَاحب الحاتم وَبعث مَعَه الطبجية بالمدافع والمهاريس وَآلَة الْحصار وَالْهدم فَخَرجُوا من فاس فِي
زِيّ فاخر وشوكة تَامَّة وَبعد انفصالهم عَنْهَا طَرَأَ على السُّلْطَان من بعض الثغور البحرية خبر بِأَن عمَارَة الْعَدو تروج بالبحر وتجتمع عِنْد جبل طَارق وَلم ندر إِلَى أَيْن تُرِيدُ فَتَأَخر السُّلْطَان عَن الْخُرُوج حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ أَمر هَذِه الْعِمَارَة ثمَّ ورد الْخَبَر الْيَقِين بِأَنَّهَا قد قصدت ثغر الجزائر وَأصَاب الفرنج من هدم الأبراج وتخريب الدّور والمساجد وَحرق الْأَشْجَار شَيْئا كثيرا لَكِن لما رجعُوا مفلولين مقتولين هان الْأَمر وصغرت الْمُصِيبَة وَلما جَاءَ البشير بانهزام الفرنج عَن الجزائر قوي عزم السُّلْطَان على مُتَابعَة من وَجه من عسكره إِلَى الصَّحرَاء فَخرج فِي غرَّة ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة فِيمَن تخلف مَعَه من الْعَسْكَر وقبائل الْعَرَب والبربر وجد السيرإلى أَن عمر وَادي ملوية فَلَقِيَهُ البشير هُنَالك بِخَبَر الْفَتْح والاستيلاء على الْقُصُور وَقتل أَهلهَا وَسَبْيهمْ وَنهب بضائعهم وأمتعتهم فجد السّير إِلَى أَن خيم بأغريس وَمِنْهَا كتب إِلَى الْقَائِد أَحْمد أَن يوافيه بالجيش لبلاد فركلة للنزول على الْقُصُور الخربات الَّتِي بهَا آيت عطة فَاجْتمعُوا مَعَ السُّلْطَان بهَا ونصبوا عَلَيْهَا المدافع والمهاريس ودام الرَّمْي عَلَيْهَا ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى كثر الْهدم وَالْقَتْل وعاينوا الْمَوْت الْأَحْمَر فأرسلوا إِلَى السُّلْطَان النِّسَاء وَالصبيان للشفاعة فِي الْخُرُوج بؤوسهم فَأَمنَهُمْ وَلما جن اللَّيْل خَرجُوا حاملين أَوْلَادهم على ظُهُورهمْ خوفًا من معرة الْجَيْش وَلما أصبح السُّلْطَان أَمر بِنَهْب مَا فِي الْقُصُور من الْقُوت وَالْمَتَاع والكراع وكمل فتح هَذِه الْأَمَاكِن الَّتِي كَانَت نقمة لأهل ذَلِك الْقطر الصحراوي وَلما من الله على السُّلْطَان بِهَذَا الْفَتْح شكر صنع الله لَهُ بِأَن فرق على الْعَسْكَر وقبائل تِلْكَ الأقطار مَا وسعهم من الْخيرَات
قَالَ صَاحب الْجَيْش أعْطى الشرفاء مائَة ألف مِثْقَال غير مَا كَانَ يعطيهم فِي كل سنة وَقسم رحمه الله ذَلِك بِخَط يَده فَكتب لدار مولَايَ عبد الله كَذَا ولشريفات حموبكة كَذَا ولشرفاء تافيلالت كَذَا ولشرفاء تيزيمي وَأَوْلَاد الزهراء كَذَا ولشرفاء الرتب كَذَا ولشرفاء مدغرة كَذَا ولشرفاء زيز
والخنق والقصابي كَذَا وَأعْطى الطّلبَة والعميان والمقعدين والزمنى وزوايا تافيلالت مائَة ألف مِثْقَال قسم ذَلِك بِخَط يَده أَيْضا وَجعل للفقيه الْمدرس أَرْبَعَة أسْهم وَلغيره سَهْمَيْنِ والسهم من كَذَا وللطالب الَّذِي يحفظ الْقُرْآن برسمه حَتَّى صفا لوحه سَهْمَان وَلغيره سهم والسهم من كَذَا وَلَا فرق بَين الْأَحْرَار والحراطين وَلكُل وَاحِد من الضُّعَفَاء والعمى والمقعدين كَذَا الْأَحْرَار والحراطين سَوَاء وللزوايا كَذَا فلزاوية الشَّيْخ سَيِّدي الْغَازِي كَذَا ولزاوية سَيِّدي أبي بكر بن عمر كَذَا ولزاوية سَيِّدي أَحْمد الحبيب كَذَا ولزاوية سَيِّدي عَليّ بن عبد الله كَذَا ولزاوية ضريح مَوْلَانَا عَليّ الشريف كَذَا ولمقبرة أخنسوس كَذَا وَوجه المَال مَعَ الْأمين السَّيِّد الْمُعْطِي مرينو الرباطي وَأمر الشرفاء أَن يعينوا أَرْبَعِينَ من ثقاتهم وأمنائهم حَتَّى لَا تقع زِيَادَة فِيمَا كتبه بِيَدِهِ وَلَا نُقْصَان وَأمر القَاضِي أَن يعين عشرَة من الطّلبَة وَعشرَة من الْعَوام للْقِيَام على تَفْرِقَة ذَلِك ثمَّ أعْطى المدرسين زِيَادَة على مَا تقدم وَكَذَا الْأَئِمَّة والمؤذنين وَلم ينس أحدا كل ذَلِك بِخَط يَده رحمه الله
قَالَ صَاحب الْجَيْش وَلَا زَالَ هَذَا الزِّمَام عِنْدِي ثمَّ بعد قَضَاء وطره من الزِّيَارَة والصلة توجه إِلَى مراكش على طَرِيق الفائجة لتفقد أَحْوَال جَيش الْحَوْز الَّذِي كَانَ وَجهه من مراكش لإقليم درعة فَبَلغهُ أثْنَاء الطَّرِيق أَن آيت عطه الَّذين بدرعة لما سمعُوا بِقُرْبِهِ مِنْهُم خَرجُوا من الْقُصُور هاربين وتركوها يبابا وتحصنوا بجبل صاغرو وَلما دخل السُّلْطَان مراكش سرح العساكر إِلَى السوس لتفقد أَحْوَاله وجباية أَمْوَاله وتمهيد أَطْرَافه وَأخذ هُوَ رحمه الله فِي استصلاح قبائل الْحَوْز من دكالة وَعَبدَة والشياظمة فَقتل وَعزا وسجن وَولى من ولى وطهر تِلْكَ الْأَعْمَال من وُلَاة السوء الَّذين كَانُوا بهَا وَعَاد إِلَى حَضرته بفاس وَكَانَ دُخُوله إِلَيْهَا سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف وَلما دَخلهَا أَخذ فِي تجهيز ولديه الْمولى عَليّ وَالْمولى عمر لأَدَاء فَرِيضَة الْحَج إِلَى أَن استوفى الْغَرَض فِي ذَلِك وَعين من يتَوَجَّه مَعَهُمَا من الخدم والتجار
وَسَائِر الْحَاشِيَة وخرجا مَعَ الركب النَّبَوِيّ على الْهَيْئَة الْمَعْهُودَة فِي حفظ الله وَفِي هَذِه السّنة عزل السُّلْطَان وصيفه ابْن عبد الصَّادِق عَن فاس وَولى عَلَيْهَا كَاتبه أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد الرِّفَاعِي الرباطي الْمَدْعُو القسطالي كَانَ يعلم أَوْلَاده فنقله عَن ذَلِك إِلَى مرتبَة الْولَايَة وأوصاه أَن يسير بِالْعَدْلِ فِي الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين ويشتد على الفجرة والمتمردين وَفِي هَذِه السّنة عَشِيَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع ربيع الثَّانِي مِنْهَا توفّي الشَّيْخ الْعَلامَة الْمُحَقق الأديب البليغ أَبُو الْفَيْض حمدون بن عبد الرَّحْمَن بن حمدون بن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ المرداسي الشهير بِابْن الْحَاج صَاحب التآليف الْحَسَنَة والفوائد المستحسنة والخطب النافعة وَالْحكم الجامعة رحمه الله ونفعنا بِهِ
وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف عزل السُّلْطَان الْفَقِيه أَبَا الْعَبَّاس عَن فاس لعَجزه عَن الْقيام بالخطة وَولى على فاس خديمه الْحَاج أَبَا عبد الله مُحَمَّد الصفار من بَيت رياسة وَفِي هَذِه السّنة أبطل السُّلْطَان الْجِهَاد فِي الْبَحْر وَمنع رؤساءه من القرصنة بِهِ على الْأَجْنَاس وَفرق بعض قراصينه على الإيالات الْمُجَاورَة مثل الجزائر وطرابلس وَمَا بَقِي مِنْهَا أنزل مِنْهَا المدافع وَغَيرهَا من آلَة الْحَرْب وَأعْرض عَن أَمر الْبَحْر رَأْسا بعد أَن كَانَت قراصين الْمغرب أَكثر وَأحسن من قراصين صَاحب الجزائر وتونس قَالَه منويل وَفِي هَذِه السّنة قدم ولدا السُّلْطَان الْمولى عَليّ وَالْمولى عمر من الْمشرق مَعَ الركب ونزلوا بثغر طنجة وَكَانَ السُّلْطَان قد بعث إِلَيْهِمَا بمركب من مراكب النجليز فَانْتهى إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة وحملهما وَمن مَعَهُمَا من الخدم والتجار وَسَائِر الْحَاج وَلما نزلُوا بطنجة حدث الوباء بالمغرب فَقَالَ النَّاس إِن ذَلِك بسببهم فانتشر أَولا بِتِلْكَ السواحل وَمِنْهَا شاع فِي الحواضر والبوادي إِلَى أَن بلغ فاسا ومكناسة فِي بَقِيَّة الْعَام
وَلما دخلت سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف شاع الوباء وَكثر فِي بِلَاد الغرب فَتوجه السُّلْطَان إِلَى مراكش وَكَانَ الْأَمر لَا زَالَ مُحْتملا ثمَّ زَاد
الْقَلَم 4 وعَلى آله الَّذين أوجب الله لَهُم مَوَدَّة وحبا وَأنزل فيهم {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} الشورى 23 وَأَصْحَابه الَّذين كَانُوا أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم فَكَانَت الْمَلَائِكَة يَوْم حنين نَصرهم وعونهم هَذَا ونخص الْمقَام الَّذِي علا قدره واستنار ضوءه وفجره وجلله الفخار وَالْوَقار وعلاه الْبَهَاء وكساه وَألبسهُ الرَّسُول من رِدَاء الشّرف يَوْم كَانَ عَليّ وَفَاطِمَة والحسنان فِي دَاخل كَسَاه من ارْتقى وفَاق وساد ومهد بِهِ للخلافة المهاد والوساد وتزينت بمدائحه الطروس العاطلة وخجلت لسماحته الغيوث الهاطلة من ضربت المفاخر رواقها بناديه وَلم تزل الْمَعَالِي تَدعُوهُ لنَفسهَا وتناديه واتخذت بيعَته جلبابا للأجياد والاعناق وأغضت مهابته الجفون والأحداق عين أَعْيَان الدولة الشَّرِيفَة المولوية وَصدر المملكة العلوية الَّذين لم تزل سيرتهم فِي سجلات الْآثَار المحمودة مرسومة ومآثرهم فِي الدَّوَاوِين مرقومة وَألقى إِلَيْهِ هَذَا الْقطر المغربي الرسن وَحل مِنْهُ مَحل الوسن السُّلْطَان الْمُؤَيد مَوْلَانَا الْحسن سلالة الْقَوْم الَّذين زكتْ نُفُوسهم وأينعت فِي حدائق المزايا غروسهم ويسير الْمجد تَحت أَلْوِيَتهم وتتعطر الْمجَالِس بِطيب أفنيتهم لَا زَالَ السعد يراوحك ويغاديك والعز نَائِما بواديك والطعن فِي عين حاسديك والقذى فِي عين أعاديك وجعلك الله من صروف الزَّمَان فِي أَمَان وَلَا قطع الله عَن جمَاعَة الْعلمَاء جميل عادتكم وَلَا سلب الْمُسلمين ملابس سعادتكم وَرفع فِي بروج السَّعَادَة أعلامك وَمكن من رِقَاب الْأَعْدَاء حسامك وَجعل الْفَتْح أَيْنَمَا تَوَجَّهت قبالتك وأمامك وَشَرِيعَة جدك مقلدك وأمامك فِي نعْمَة طَوِيلَة الْأَعْمَار وروضة حلوة الثِّمَار أما بعد أبعد الله عَن ساحة سيدنَا كل شَرّ وَقرب مِنْهَا المحسن وَالْبر وأبقاها ملْجأ للمحتاج والمضطر فَإِنَّهُ لما ورد علينا من حَضْرَة سيدنَا الْعُظْمَى ومكانته الشما كتاب سنى مُعظم الصِّفَات والأسما بديع الْمعَانِي رائق المباني غمر ببلاغته البلغا ورقي ببراعته أَعلَى المنابر فَمن تكلم دونه فقد لَغَا بادرناه بالتقبيل وأحللناه مَحل التَّاج والإكليل فقرىء على الجم الْغَفِير وَفَرح بوروده الْكَبِير وَالصَّغِير واطمأنت بنشره النُّفُوس وارتفع بِهِ كل كدر وبوس وَتَشَوُّقِ الْحَاضِرُونَ
لسَمَاع مَا فِيهِ وأنصت لقرَاءَته ذُو الْمُرُوءَة وَالسَّفِيه وَالْجَامِع غاص بأَهْله وكل حَال بمحله فَلَمَّا قرىء الْكتاب تبين أَن صَدره مدح وعجزه لوم وعتاب فَاشْتَمَلَ على بسط وجمال وَقبض وجلال وَجمع بَين ترغيب وترهيب فارتاب مِنْهُ كل مريب فَلَمَّا تمّ وَختم وتقرر كل مَا فِيهِ وَعلم تَفَرَّقت الْجَمَاعَات أَفْوَاجًا وارتجت الْمَدِينَة ارتجاجا وَحصل للنَّاس بذلك الْجزع وعمهم الْخَوْف والفزع وَالَّذِي أوقع النَّاس فِي ذَلِك مَا فِي الْكتاب من الْأَمر بتدارك مَا وَقع ففهموا أَن ذَلِك برد مَا ضَاعَ وَقد تفرق فِي الْآفَاق وَمَا اجْتمع وَذَلِكَ غير مُمكن كَمَا سيتبين وَالْحق أوضح وَأبين من أَن يبين على أَن الْمَقْصُود بذلك وَالْمرَاد حسم مَادَّة الْفساد لينقطع من جمَاعَة السُّفَهَاء عداؤها وَلِئَلَّا تتقد نَار الْفِتْنَة فيتعذر إطفاؤها أما مَا وَقع فِي قَضِيَّة الْحَاج مُحَمَّد بنيس حَتَّى أفْضى بِهِ الْحَال إِلَى الاحترام بمولانا إِدْرِيس وَفعل بأمكنته الْفِعْل الخسيس وليم بِسَبَبِهِ المرؤوس والرئيس حَتَّى تَوَجَّهت الْحجَّة على مسموع الْكَلِمَات إِذْ هِيَ متوجهة من جِهَات فقد تنْدَفع الْحجَّة بشرح الْقَضِيَّة على وَجههَا وإيرادها على مُقْتَضى كنهها من غير قلب للْحَقِيقَة وَلَا خُرُوج عَن متن الطَّرِيقَة وَفِي كريم علم سيدنَا أَن للْإنْسَان أعذارا يرْتَفع عَنهُ بهَا الملام وَلَا يُعَاتب مَعهَا وَلَا يلام وَذَلِكَ أَن مَا وَقع من النهب وَقع بَغْتَة فِي يَوْم يستعظم شَاهده وَصفه ونعته وَالْمَدينَة وقتئذ عامرة بالبادية والحاضرة وَلَا معرفَة لنا بِمن نهب وَلَا بِمن أَتَى وَلَا بِمن ذهب أَمر أبرزته الْقُدْرَة لم يمكنا تلافيه وَلم يفد فِيهِ نهي سَفِيه فَلَو صدر ذَلِك من آحَاد مُعينين وأفراد مخصوصين لأمكن الانتصاف وانتزع مِنْهُم مَا أَخَذُوهُ من غير اعتساف لَكِن الْأَمر برز وَصدر من قوم مختلطين من بَدو وَحضر فيهم الْأَبْيَض وَالْأسود والأحمر وَمَا مِنْهُم إِلَّا من أستأسد وتنمر وَلَيْسَ فِي وُجُوههم من الْحيَاء عَلامَة وَلَا أثر لَا يقلبون موعظة إِذْ لَيْسُوا من أهل الْفِكر فَلَا يُمكن دفعهم إِلَّا بِجَيْش عَظِيم وعسكر يصاح فيهم بِالنَّهْي وهم فِي طغيانهم يعمهون وَلَا يلتفتون إِلَى من نَهَاهُم بل لَا يَشْعُرُونَ وَلَا يسمع الصم الدُّعَاء إِذا مَا ينذرون ثمَّ لما كَانَ الْيَوْم الْعَاشِر من شهر تَارِيخه وَقع
بِالْحرم الإدريسي مَا وصلكم وَلَا أَظُنهُ إِلَّا فصل لكم لَكِن عمتنا ألطاف الله ورحماته وَحفظ الضريح ورحباته وَلم تنتهك حرماته وحمته حماته ورماته فأبوابه قد فتحت وزواره بمشاهدة أنواره قد منحت وَمِمَّا فِي الْكتاب الْمَذْكُور أَن السَّفِيه إِذا لم ينْتَه فَهُوَ مَأْمُور ولعمرك أَنه لَيْسَ منا علم بذلك وَلَا شُعُور وَكَيف يَأْمر الْعَاقِل بالمحظور أم كَيفَ يرضى مُسلم بهتك حُرْمَة الْإِسْلَام وَأَهله وَمَا يُوجب افْتِرَاق الْكَلِمَة من قَول أحد أَو فعله وَقد جَاءَ الْوَعيد بِمَا يلْزم من سكت وَحضر فَكيف بِمن بَاشر أَو أَمر لَكِن بَاب التَّوْبَة وَالْحَمْد لله مَفْتُوح لمن يَغْدُو عَلَيْهِ أَو يروح فنسأل الله أَن يمن عَلَيْهِم بِالتَّوْبَةِ من ارْتِكَاب هَذِه الحوبة وَقد كتبنَا لسيدنا بِهَذَا الْكتاب وَالْمَدينَة بِحَمْد الله آمِنَة والنفوس مطمئنة سَاكِنة وَالْأَيْدِي على التَّعَدِّي مَكْفُوفَة والطرق مسلوكة غير مخوفة وَذَلِكَ بعد معاناة فِي إخماد نَار الْفِتْنَة وَنصب وألطاف الله تتوارد وتصب بعد أَن كَانَت نَار الْفِتْنَة توقدت وتأججت وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وبالأكدار قد مزجت وكل من لَهُ مُرُوءَة وَدين وعد من المهتدين بذل فِي صَلَاح الْمُسلمين جهده وَأبْدى من الْفِعْل الْجَمِيل مَا عِنْده ولقاضينا بَارك الله فِيهِ الْيَد الطُّولى فَلم يَقع مِنْهُ تَقْصِير فِي الْقَضِيَّة الثَّانِيَة وَلَا الأولى هَذَا وكما فِي علمكُم أَن الْملك من ملك هَوَاهُ وَلم يغتر بِهَذَا الْعرض الفاني وَمَا أغواه وقهر نَفسه عِنْد الْغَضَب وابتكر مَا يوصله إِلَى الله واقتضب وَأَن الْكَرِيم إِذا حاسب مسامح وَإِذا قدر عَفا وَلَو أبدى الْمُسِيء إساءته وهفا فليتفضل سيدنَا بِقبُول شَفَاعَة من يضع اسْمه فِي هَذَا الْكتاب من الْعلمَاء والأشراف وَمِنْهُم بِعَدَمِ صَوَاب مَا صدر من السُّفَهَاء إِقْرَار واعتراف وَلَا يستغرب صُدُور الْخَيْر من معدنه وَالْفضل من موطنه وتتحاشى أخلاقك الفاخرة وشيمك الطاهرة أَن تكون شفاعتنا فِي هَؤُلَاءِ العصاة مَرْدُودَة وجماعتنا عَن ساحتكم مبعدة مطرودة ولحسن الظَّن بكم تحمل لجانبكم الزعيم وَالْكَفِيل على أَن لَا نرى مِنْكُم إِلَّا الْجَمِيل فليمن سيدنَا على هَذِه الحضرة الفاسية منا وَلَا يؤاخذنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا وَكَيف والحلم من داركم برز وَخرج وَفِي أوصافكم الحسان اندرج فأحببنا أَن تكون هَذِه
المنقبة فِي أوصافكم تذكر وَفِي صحيفتكم تكْتب وتسطر فقابلوا بالصفح والإغضا عَمَّا سلف وَمضى وكلنَا من رعيتكم ومقتطفون من ثمار روضتكم ومستمدون من مائدتكم وَالظَّن الْأَقْوَى بكم أَنكُمْ تقبلون الشَّفَاعَة منا وتمنون على الْمُسْتَضْعَفِينَ من رعيتكم منا وكأنا بِكِتَابِكُمْ بضمن ذَلِك يُتْلَى وكلماته أشهر من الْعَسَل وَأحلى وَالله يتَوَلَّى أَمر الائتلاف بمتعود إحسانه وَيجمع قُلُوبنَا على طَاعَته وموجبات رضوانه حَتَّى نَكُون فِي ذَات الله إخْوَانًا وعَلى الدّين أنصارا وأعوانا والقلوب بيد من لَهُ الْأَمر وَالِاخْتِيَار وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار وَإِذا تَعَارَضَت الحظوظ فَمَا عِنْد الله خير للأبرار وَخير الْعَمَل عمل قرب إِلَى الْجنَّة وَأبْعد من النَّار فَالْوَاجِب على كل مُسلم أَن يدع مَا يزري بِالْإِسْلَامِ ويهينه وَلَا يلْتَفت لدواعي القطيعة فَإِنَّهَا تقَوِّي الْكفْر وتعينه أما علمنَا أَن من وَرَائِنَا عدوا يَشْتَهِي مواطىء أقدامنا وتنكيس أعلامنا تقضي أخوة الْإِسْلَام ومناصرته ومعاضدته ومواصلته أَن لَا يكون لجميعنا طموح إِلَّا إِلَيْهِ وَلَا تمالؤ إِلَّا عَلَيْهِ وفقنا الله لما فِيهِ رِضَاهُ وَجعل سعينا فِيمَا يُحِبهُ ويرضاه آمين وَالسَّلَام فِي منتصف رَمَضَان الْمُعظم عَام تسعين وَمِائَتَيْنِ وَألف اهـ
ثمَّ دخل السُّلْطَان الْمولى الْحسن أعزه الله رِبَاط الْفَتْح صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان الْمَذْكُور وَكَانَ الْعِيد يَوْم السبت فَأَقَامَ السُّلْطَان أيده الله سنة الْعِيد برباط الْفَتْح وَختم بِهِ صَحِيح الإِمَام البُخَارِيّ على الْعَادة وَكَانَ فَقِيه الْمجْلس ومدرسه يَوْمئِذٍ الْفَقِيه الْعَلامَة السَّيِّد الْمهْدي بن الطَّالِب ابْن سَوْدَة الفاسي وَحضر ذَلِك الْمجْلس وُفُود الْمغرب وقضاة العدوتين وعلماؤها وحضرنا فِي جُمْلَتهمْ ومدح السُّلْطَان بقصائد بليغة واحتفل أعزه الله لهَذَا الْخَتْم بأنواع الْأَطْعِمَة والأشربة وَالطّيب وَفرق الْأَمْوَال على من حضر ثمَّ وصل أهل العدوتين من علمائهما وقرائهما ومؤذنيهما وطبجيتها وبحريتهما على الْعَادة وَهُنَاكَ قدم عَلَيْهِ أهل آزمور متنصلين مِمَّا صدر من عامتهم فِي حق مُحَمَّد بن الْمُؤَذّن فقابلهم بالبشر والصفح إِلَى أَن بحث عَن رُؤُوس الْفِتْنَة بعد ذَلِك فعاملهم بِمَا يستحقونه وَأقَام السُّلْطَان أعزه