الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دخل لَيْلًا وخالفوا الْمُسلمين إِلَى معسكرهم وعمدوا إِلَى فسطاط السُّلْطَان فدافعهم عَنهُ الناشبة الَّذين كَانُوا على حراسته فاستلحموهم لقلتهم ثمَّ دافعهم النِّسَاء عَن أنفسهم فقتلوهن كَذَلِك وخلصوا إِلَى حظايا السُّلْطَان مِنْهُنَّ عَائِشَة بنت عَمه أبي بكر بن يَعْقُوب بن عبد الْحق وَفَاطِمَة بنت السُّلْطَان أبي بكر بن أبي زَكَرِيَّاء الحفصي وَغَيرهمَا من حظاياه فقتلوهن واستلبوهن ومثلوا بِهن وانتهبوا سَائِر الْفسْطَاط وأضرموا المعسكر نَارا ثمَّ أحس الْمُسلمُونَ بِمَا وَرَاءَهُمْ فِي معسكرهم فاختل مَصَافهمْ وَارْتَدوا على أَعْقَابهم بعد أَن كَانَ تاشفين ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن صمم فِي طَائِفَة من قومه وحاشيته حَتَّى خالطهم فِي صفوفهم فأحاطوا بِهِ وتقبضوا عَلَيْهِ وَعظم الْمُصَاب بأسره وَكَانَ الْخطب على الْإِسْلَام قَلما فجع بِمثلِهِ وَذَلِكَ ضحوة يَوْم الِاثْنَيْنِ سَابِع جُمَادَى الْآخِرَة من سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَولى السُّلْطَان أَبُو الْحسن متحيزا إِلَى فِئَة الْمُسلمين وَاسْتشْهدَ كثير من الْغُزَاة وَتقدم الطاغية حَتَّى انْتهى إِلَى فسطاط السُّلْطَان من الْمحلة فَأنْكر قتل النِّسَاء والولدان وَكَانَ ذَلِك مُنْتَهى أَثَره ثمَّ انكفأ رَاجعا إِلَى بِلَاده وَلحق ابْن الْأَحْمَر بغرناطة وخلص السُّلْطَان أَبُو الْحسن إِلَى الجزيرة الخضراء ثمَّ مِنْهَا إِلَى جبل الْفَتْح ثمَّ ركب الأسطول إِلَى سبتة فِي لَيْلَة غده ومحص الله الْمُسلمين وأجزل ثوابهم
اسْتِيلَاء الْعَدو على الجزيرة الخضراء
لما رَجَعَ الطاغية من طريف استأسد على الْمُسلمين بالأندلس وطمع فِي التهامهم وَجمع عَسَاكِر النَّصْرَانِيَّة ونازل أَولا قلعة بني سعيد ثغر غرناطة وعَلى مرحلة مِنْهَا وَجمع الْآلَات وَالْأَيْدِي على حصارها وَأخذ بمخنقها فَأَصَابَهُمْ الْجهد من الْعَطش فنزلوا على حِكْمَة سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وأدال الله الطّيب مِنْهَا بالخبيث وَانْصَرف الطاغية إِلَى بِلَاده وَكَانَ السُّلْطَان أَبُو الْحسن لما أجَاز إِلَى سبتة أَخذ نَفسه بِالْعودِ إِلَى الْجِهَاد لرجع الكرة فَأرْسل فِي الْمَدَائِن حاشرين وَأخرج قواده إِلَى سواحل الْمغرب لتجهيز الأساطيل فتكامل
لَهُ مِنْهَا عدد مُعْتَبر ثمَّ ارتحل إِلَى سبتة لمشارفة ثغور الأندلس وَقدم عساكره إِلَيْهَا مَعَ وزيره عَسْكَر بن تاحضريت وَعقد على الجزيرة الخضراء لمُحَمد بن الْعَبَّاس بن تاحضريت من قرَابَة الْوَزير وَبعث إِلَيْهَا مدَدا من الْعَسْكَر مَعَ مُوسَى بن إِبْرَاهِيم اليريناني من المرشحين للوزارة نِيَابَة وَبلغ الطاغية خَبره فَجهز أسطوله وأجراه إِلَى بَحر الزقاق لمدافعته وتلاقت الأساطيل ومحص الله الْمُسلمين وَاسْتشْهدَ مِنْهُم أعداد وتغلب اسطول الطاغية على بَحر الزقاق فملكه دون الْمُسلمين وَأَقْبل الطاغية من إشبيلية فِي عَسَاكِر النَّصْرَانِيَّة حَتَّى أَنَاخَ بهَا على الجزيرة الخضراء مرفأ أساطيل الْمُسلمين وفرضة الْمجَاز وَرَجا أَن ينظمها فِي مَمْلَكَته مَعَ جارتها طريف وَحشر الفعلة والصناع للآلات وَجمع الْأَيْدِي عَلَيْهَا وطاولها الْحصار وَاتخذ أهل المعسكر بُيُوتًا من الْخشب للمطاولة وَجَاء السطلان أبوالحجاج بن الْأَحْمَر بعساكر الأندلس فَنزل قبالة الطاغية بِظَاهِر جبل الْفَتْح فِي سَبِيل الممانعة وَأقَام السُّلْطَان أَبُو الْحسن بمكانه من سبتة يسرب إِلَى أهل الجزيرة المدد من الفرسان وَالْمَال والقوت فِي أَوْقَات الْغَفْلَة من أساطيل الْعَدو تَحت جنَاح اللَّيْل وَأُصِيب كثير من الْمُسلمين فِي ذَلِك وَلم يغن على أهل الجزيرة ذَلِك المدد شَيْئا وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم الْحصار وأصابهم الْجهد وَأَجَازَ السُّلْطَان أَبُو الْحجَّاج إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن يفاوضه فِي شَأْن السّلم مَعَ الطاغية بعد أَن أذن الطاغية لَهُ فِي الْإِجَازَة مكرا بهَا وأصدر لَهُ بعض الأساطيل فِي طَرِيقه فَصَدَّقَهُمْ الْمُسلمُونَ الْقِتَال وخلصوا إِلَى السَّاحِل بعد غص الرِّيق وَضَاقَتْ أَحْوَال أهل الجزيرة وَمن كَانَ بهَا من عَسْكَر السُّلْطَان فسألوا الطاغية الْأمان على أَن ينزلُوا لَهُ عَن الْبَلَد فبذله لَهُم وَخَرجُوا فوفى لَهُم وأجازوا إِلَى الْمغرب سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة فأنزلهم السُّلْطَان ببلاده على خير نزل ولقاهم من المبرة والكرامة مَا عوضهم بِمَا فاتهم وخلع عَلَيْهِم وَحَملهمْ ووصلهم بِمَا تحدث النَّاس بِهِ وتقبض على وزيره عَسْكَر بن تاحضريت عُقُوبَة لَهُ على تَقْصِيره فِي المدافعة مَعَ تمكنه مِنْهَا وانكفأ السُّلْطَان أَبُو الْحسن رَاجعا إِلَى حَضرته موقنا بِظُهُور أَمر الله وإنجاز وعده وَالله متم نوره وَلَو كره الْكَافِرُونَ
الْوَقْعَة بجراحات معظمها فِي رَأسه فَحمل جريحا إِلَى فاس فَمَاتَ بهَا وَكَانَت مصيبته على السُّلْطَان أعظم مِمَّا أَصَابَهُ فِي نَفسه وَالْأَمر لله وَحده
قَالَ صَاحب الْجَيْش كَانَ السُّلْطَان الحازم سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله لَا يرد الشَّفَاعَة فِي مثل هَذَا الْمقَام وَرُبمَا دس إِلَى من يظْهر ذَلِك صُورَة حَتَّى يكون نهوضه عَن عز وَذَلِكَ من حسن سياسته وَكَانَت هَذِه الْوَقْعَة الفادحة سَبَب سُقُوط هَيْبَة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان من قُلُوب الرّعية فَلم يمتثل لَهُ بعْدهَا أَمر فِي عصاتها حَتَّى لَقِي الله تَعَالَى
وَلما دخلت سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف كثر عيث البربر وإفسادهم السابلة واستحوذوا على مزارع مكناسة ومسارحها فنصب لَهُم السُّلْطَان رحمه الله حبالة الطمع وكادهم بهَا بِأَن صَار كلما وَفد عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم كساها وَأحسن إِلَيْهَا فتسامعوا بذلك فقادهم الطمع إِلَى أَن وَفد عَلَيْهِ مِنْهُم فِي مرّة وَاحِدَة سَبْعمِائة فَارس من أعيانهم فَقبض عَلَيْهِم وجردهم من الْخَيل وَالسِّلَاح وأودعهم السجْن ثمَّ أَمر بِالْقَبْضِ على كل من وجد مِنْهُم بسوق مكناسة وصفرو فَقبض بصفرو على نَحْو الثلاثمائة من آيت يوسي وَقَامَت بِسَبَب ذَلِك فتْنَة البربر على سَاق فَإِنَّهُم امتعضوا لمن قبض عَلَيْهِ من إخْوَانهمْ وزحفوا إِلَى مكناسة وحاصروها وجاؤوا مَعَهم بدجالهم أبي بكر مهاوش وتحزبوا وصاروا يدا وَاحِدَة على كل من يتَكَلَّم بِالْعَرَبِيَّةِ بالمغرب وَكَانَ مهاوش فِي هَذِه الْأَيَّام قد أَمر أمره لِأَنَّهُ لما عزم السُّلْطَان على غزوهم كَانَ يعدهم بِأَن الظُّهُور يكون لَهُم فَلَمَّا صدق عَلَيْهِم ظَنّه اعتقدوه وافتتنوا بِهِ وزحفوا إِلَى مكناسة فضيقوا على السُّلْطَان بهَا فَجعل رحمه الله يعالج أَمرهم بِالْحَرْبِ تَارَة وَالسّلم أُخْرَى إِلَى أَن طلبُوا مِنْهُ أَن يسرح لَهُم إخْوَانهمْ ويرجعوا إِلَى الطَّاعَة وَالدُّخُول فِي الْجَمَاعَة فسرحهم لَهُم على يَد المرابط أبي مُحَمَّد عبد الله بن حَمْزَة العياشي فَلَمَّا ظفروا بإخوانهم نقضوا الْعَهْد الَّذِي أَخذ عَلَيْهِم المرابط الْمَذْكُور وعادوا إِلَى العيث وإفساد السابلة ثمَّ تَبِعَهُمْ على
ذَلِك قبائل الْعَرَب وَاخْتَلَطَ الحابل بالنابل وَاشْتَدَّ الْأَمر وَبلغ الحزام الطبيين وَللَّه در الْعَلامَة أبي مَرْوَان عبد الْملك التاجموعتي إِذْ يَقُول
(هم البرابر لَا ترجو نوالهم
…
وسل من الله تَعْجِيل النَّوَى لَهُم)
(لَا بلغ الله قلبا مِنْهُم أملا
…
وَبلغ الله قلبِي مَا نوي لَهُم)
ثمَّ لما سَقَطت هَيْبَة السُّلْطَان وَزَالَ وقعه من الْقُلُوب سرى فَسَاد الْقَبَائِل إِلَى الْجند فَإِن العبيد عَادوا على كَبِيرهمْ الْقَائِد أَحْمد بن مبارك صَاحب الْخَاتم فَقَتَلُوهُ افتياتا على السُّلْطَان مَعَ أَنه كَانَ من أخص دولته لنجابته وكفايته وديانته واعتماد السُّلْطَان عَلَيْهِ فِي سَائِر مهماته وَلما قَتَلُوهُ اعتذروا للسُّلْطَان بأعذار كَاذِبَة فَقبل ظَاهر عذرهمْ وطوى لَهُم على الْبَتّ
قَالَ أكنسوس كَانَ الْقَائِد أَحْمد وَأَبَوَاهُ وَإِخْوَته قد أَعْطَاهُم السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله لِابْنِهِ الْمولى سُلَيْمَان فَنَشَأَ الْقَائِد أَحْمد فِي كفَالَته وتخلق بأخلاقه من زمن الصِّبَا إِلَى مماته وَكَانَت حَيَاته مقرونة بسعادة السُّلْطَان الْعَادِل الْمولى سُلَيْمَان فَإِنَّهُ من يَوْم قتل رحمه الله سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف لم يلتئم شَمل المملكة حَتَّى توفّي السُّلْطَان الْمَذْكُور
ذكر آل مهاوش وأوليتهم وَمَا آل إِلَيْهِ أَمرهم
أما الَّذِي كَانَ مِنْهُم فِي دولة السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله فاسمه مُحَمَّد وناصر وَالْوَاو فِي لُغَة البربر بِمَعْنى ابْن وَكَانَ وَالِده مرابطا من آيت مهاوش فرقة من آيت سخمان مِنْهُم وَكَانَ جده أَبُو بكر من أَتبَاع الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس سَيِّدي أَحْمد بن نَاصِر الدرعي رحمه الله وَكَانَ الشَّيْخ الْمَذْكُور قد جرى فِي مَجْلِسه يَوْمًا ذكر الدَّجَّال فَقَالَ الشَّيْخ لَا يخرج الدَّجَّال حَتَّى تخرج دجاجيل من جُمْلَتهمْ مهاوش وَمَعْنَاهُ من جُمْلَتهمْ ولد هَذَا الرجل فَكَانَ الْأَمر كَذَلِك فَإِنَّهُ لما شب مُحَمَّد وناصر قَرَأَ الْقُرْآن والعربية وَالْفِقْه وَحصل على طرف من علم الشَّرِيعَة ثمَّ تنسك وتزهد وَلبس الخشن فَيُقَال إِنَّه حصل
أعزه الله وَذكر لَهُ مَا عزم عَلَيْهِ السفلة من الدباغين فَأَعْرض السُّلْطَان أيده الله عَن ذَلِك وقابل بالجميل فَقَالَ الْفَقِيه الْمَذْكُور إِن لم يكن شَيْء مِمَّا ذكرت لسيدنا فَالْأولى بِي أَن أنتقل إِلَى تافيلالت وَلَا أبقى بَين أظهر هَؤُلَاءِ الْقَوْم فأسعفه السُّلْطَان وَبعث جملَة من الحمارين لحمله وَحمل أَوْلَاده وَلما رأى الدباغون ذَلِك نفخ الشَّيْطَان فيهم وعمدوا إِلَى الحمارين فطردوهم وارتجت فاس وَمَاجَتْ الْأَسْوَاق وَقَامَت الْفِتْنَة على سَاق واتصل الْخَبَر بالسلطان أيده الله فاستدعى عَامل فاس إِدْرِيس بن عبد الرَّحْمَن السراج وَكَانَ مُتَّهمًا بالخوض فِي وقْعَة بنيس وَمَا ترَتّب عَلَيْهَا بعد فأظهر الطَّاعَة والامتثال وَركب بغلته يُرِيد الْقدوم على السُّلْطَان بفاس الْجَدِيد فَقَامَ الدباغون دونه ومنعوه من الذّهاب إِلَى السُّلْطَان وتهددوه بِالْقَتْلِ إِن فعل فَقعدَ وَوَقع ذَلِك مِنْهُ الْموقع لِأَنَّهُ كَانَ متخوفا على نَفسه وَلما رأى السُّلْطَان أيده الله تمادي هَؤُلَاءِ الطغام ومحكهم ولجاجهم بعد أَن بَالغ فِي إلانة الْجَانِب والمقابلة بالجميل وَمن ذَلِك إعراضه أعزه الله عَن الْكَلَام فِي أَمر بنيس أَمر بحصارهم والتضييق عَلَيْهِم لَعَلَّهُم يرجعُونَ ثمَّ لم يَكفهمْ عصيانهم حَتَّى صعدوا على منار الْمدرسَة العثمانية وعَلى غَيرهَا مِمَّا هُوَ مطل على فاس الْجَدِيد وَأخذُوا فِي الرَّمْي بالرصاص حَتَّى أَصَابُوا بعض من كَانَ بِأبي الْجُلُود وَلما انْتَهوا من سوء الْأَدَب إِلَى هَذِه الْغَايَة أَمر السُّلْطَان أيده الله بمقابلتهم على قدر جريمتهم فطافت بهم العساكر ورموهم بالكور من كل نَاحيَة ثمَّ اقتحمت طَائِفَة من الْعَسْكَر سور فاس من جِهَة الطالعة وَأخذُوا فِي النهب وَالْقَتْل وَعظم الْخطب وَاشْتَدَّ الكرب وَفِي أثْنَاء ذَلِك بعث السُّلْطَان أعزه الله وزيره أَبَا عبد الله الصفار يَعِظهُمْ ويعرض عَلَيْهِم الْأمان بِشَرْط التَّوْبَة وَالرُّجُوع إِلَى الطَّاعَة فأذعنوا وامتثلوا وانطفأت نَار الْفِتْنَة وانحسمت أَسبَاب المحنة فَعجل السُّلْطَان أيده الله بِالْكِتَابَةِ لجَمِيع الْآفَاق وتلطف وَاعْتذر بِأَنَّهُم الَّذين بدؤوا بِالْحَرْبِ والبادي أظلم وَمَعَ ذَلِك فبمجرد مَا أذعنوا إِلَى الطَّاعَة كف عَنْهُم رَحْمَة لَهُم وإبقاء عَلَيْهِم وَكَانَ هَذَا الْحَادِث يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع ربيع الثَّانِي من السّنة
وَنَصّ كتاب السُّلْطَان أعزه الله وَبعد فَبعد مَا كتبنَا لكم فِي شَأْن مَا تلقانا بِهِ أهل فاس من الْفَرح وَالسُّرُور والاحتفال فِي جَمِيع الْأُمُور اختبرناهم وبلونا أَحْوَالهم فألفينا أَحْوَالهم تصدق أَقْوَالهم فأمرناهم حِينَئِذٍ برد المستفادات لحالها الْمُعْتَاد كَمَا فعلنَا بمكناسة وَغَيرهَا من الْبِلَاد فامتثلوا طائعين وجدوا فِي دَفعهَا مسارعين وَمن جملَة من أمنا عَلَيْهَا ابْن شقرون المراكشي الْأمين فَلم نشعر بالدباغين أَصْحَاب فعلة بنيس إِلَّا وَقد ملئوا رعْبًا وتخوفوا أَن يركبُوا فِي الْمُؤَاخَذَة بهَا مركبا صعبا فطلبوا إِخْرَاج بنيس من بَين أظهرهم وإبعاده وهم حِينَئِذٍ عِنْد السّمع وَالطَّاعَة الْمُعْتَادَة فَلم نساعدهم فازدادوا تخوفا وَظهر مِنْهُم طيش أبان مِنْهُم تشوشا وتشوفا فتصدينا بحول الله وقوته لتربيتهم وتأنينا كل التأني فِي مفاجأتهم وأحجمنا حَيَاء من معاجلتهم تأدبا مَعَ حرمهم الْأَكْبَر سيدنَا ومولانا إِدْرِيس الْأَزْهَر ومراعاة لجَماعَة أهل الله الْأَحْيَاء والنائمة وإعذارا وإنذارا لتَكون الْحجَّة عَلَيْهِم شرعا وطبعا قَائِمَة حَتَّى ابتدؤونا وكسروا الْحرم فقابلناهم والبادي أظلم فَمَا كَانَ إِلَّا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب حَتَّى ظهر نصر الله فهدمت دور وصوامع وَخَربَتْ فنادق ومصانع كَانُوا يضْربُونَ مِنْهَا ويتترسون بهَا ونهبت حوانيت ودور واستلبت أَيدي الْجَيْش أَقْوَامًا مِنْهُم وأسرت أسرى وَأخذُوا نكالا للآخرة وَالْأولَى لَكنا بِمُجَرَّد ظُهُور سطوة الله الْقَاهِرَة فيهم وَالْفَتْح أمرنَا بالنداء فِي الْحِين بِالْعَفو والصفح وكف أَيدي الْقَتْل والأسر عَنْهُم إبْقَاء عَلَيْهِم وشفقة لَهُم حَتَّى يظْهر مآل أَمرهم ويصفوا كدر غمرهم وَفِي عصر ذَلِك الْيَوْم ورد الْعلمَاء والشرفاء والرؤساء والعرفاء ضارعين صارخين شُفَعَاء على شَرط أَدَاء الْحُقُوق والتزام الشُّرُوط والبقاء على مَا كَانُوا عَلَيْهِ قيد حَيَاة مَوْلَانَا الْمُقَدّس من اللوازم والمغارم فشفعناهم على الشُّرُوط الْمَذْكُورَة وقبلناهم على الْتِزَام الْحُدُود المحصورة وأعلمناكم لتفرحوا بنصر الله وتكونوا على بَال من حَقِيقَة الْوَاقِع وَلِئَلَّا تصيخوا للْأَخْبَار الكاذبة مسام المسامع أَو تلتفتوا إِلَى أقاويل المرجفين الَّذين لَا يدينون الله بدين ولايريدون إِلَّا فتْنَة الْمُؤْمِنَات وَالْمُؤمنِينَ وَالسَّلَام فِي رَابِع ربيع الثَّانِي سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَألف