الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انْتِقَاض أهل فاس على الْأَمِير أبي بكر ومحاصرته إيَّاهُم
لما استولى الْأَمِير أَبُو بكر على الْمغرب وَملك مَدِينَة فاس كَمَا ذكرنَا نَهَضَ فِي ربيع الأول سنة سبع واربعين وسِتمِائَة إِلَى مَعْدن الْعَوام من بِلَاد فازاز لفتح بِلَاد زناتة وتدويخ نَوَاحِيهَا واستخلف على فاس مَوْلَاهُ السُّعُود بن خرباش من جمَاعَة الحشم أحلاف بني مرين وَكَانَ الْأَمِير أَبُو بكر لما فتح فاسا استبقى من كَانَ فِيهَا من عَسْكَر بني عبد الْمُؤمن من غير نسبهم على الْوَجْه الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ من الْخدمَة مَعَ الْمُوَحِّدين وَكَانَ من جُمْلَتهمْ طَائِفَة من النَّصَارَى نَحْو الْمِائَتَيْنِ وَعَلَيْهِم قَائِد مِنْهُم يُقَال لَهُ شريد الفرنجي فَكَانُوا من حِصَّة السُّعُود هُنَالك فَوَقَعت بَينهم وَبَين شيعَة الْمُوَحِّدين من أهل فاس مداخلة وعزم الفاسيون على الفتك بالسعود وتحويل الدعْوَة إِلَى المرتضى فَاجْتمعُوا إِلَى القَاضِي أبي عبد الرَّحْمَن المغيلي وفاوضوه فِي ذَلِك فوافقهم على رَأْيهمْ فاستدعوا شَرِيدًا وَقَالُوا لَهُ تقتل هَذَا الْأسود وتضبط الْبَلَد حَتَّى نكتب إِلَى المرتضى فيبعث إِلَيْنَا من يقوم بأمرنا فأجابهم إِلَى ذَلِك وَكَانَ ميله إِلَى الْمُوَحِّدين وهواه مَعَهم لكَونه صنيعتهم وَكَانَ الَّذِي مَشى فِي هَذِه الثورة وَتَوَلَّى كبرها المشرف ولد القَاضِي الْمَذْكُور وَابْن جشار وَأَخُوهُ وَابْن أبي طاط وَولده
فَلَمَّا كَانَت صَبِيحَة الثُّلَاثَاء الموفي عشْرين من شَوَّال سنة سبع وَأَرْبَعين وسِتمِائَة طلع الْأَشْيَاخ المذكورون إِلَى القصبة للسلام على السُّعُود على عَادَتهم فِي ذَلِك فَدَخَلُوا عَلَيْهِ بِمَجْلِس حكمه وهاجوه بِبَعْض المحاورات فَغَضب وانتهرهم فَوَثَبُوا بِهِ وَنَادَوْا بشعارهم وَكَانَ شريد الفرنجي وَاقِفًا فِي عسكره أَمَام القصبة قد وأطأهم على ذَلِك فاقتحم على السُّعُود فَقتله وَقتل مَعَه أَرْبَعِينَ من رِجَاله واحتز الْعَامَّة رَأسه ورفعوه على عَصا وطافوا بِهِ فِي أسواق الْبَلَد وسككها واقتحموا الْقصر فانتهبوه وَسبوا الْحرم ونصبوا النَّصْرَانِي لضبط الْبَلَد وبعثوا ببيعتهم إِلَى المرتضى صَاحب مراكش واتصل الْخَبَر بالأمير أبي بكر وَهُوَ منَازِل بِلَاد فازاز فأفرج عَنْهَا وَأخذ السّير إِلَى فاس فَأَنَاخَ عَلَيْهَا بعساكره وشمر لحصارها وَقطع الْمَادَّة عَنْهَا
وَبعث أهل فاس إِلَى المرتضى بالصريخ فَلم يرجع إِلَيْهِم قولا وَلَا ملك لَهُ ضرا وَلَا نفعا وَلَا وجد لكشف مَا نزل بهم حِيلَة وَلَا وَجها سوى أَنه استجاش على الْأَمِير أبي بكر بيغمراسن بن زيان صَاحب تلمسان وأمله لكشف هَذِه النَّازِلَة عَمَّن انحاش إِلَى طَاعَته فَأَجَابَهُ يغمراسن إِلَى ذَلِك وطمع أَن يكون ذَلِك سَببا لَهُ فِي تملك الْمغرب وسلما للصعود إِلَى ذرْوَة ملكه فاحتشد لحركته ونهض من تلمسان للأخذ بحجزة الْأَمِير أبي بكر عَن فاس وَأَهْلهَا
واتصل بالأمير أبي بكر خبر نهوضه إِلَيْهِ لتسعة أشهر من منازلته فاسا فجمر الْكَتَائِب عَلَيْهَا وصمد إِلَيْهِ قبل فصوله عَن تخوم بِلَاده فَلَقِيَهُ بوادي أيسلي من بسيط وَجدّة فتزاحف الْقَوْم وَكَانَت ملحمة عَظِيمَة هلك فِيهَا عبد الْحق بن مُحَمَّد بن عبد الْحق بيد إِبْرَاهِيم بن هِشَام من بني عبد الواد
ثمَّ انكشفت بَنو عبد الواد وَنَجَا يغمراسن بن زيان إِلَى تلمسان بِرَأْس طمرة ولجام وَترك محلته بِمَا فِيهَا فاحتوى عَلَيْهَا الْأَمِير أَبُو بكر وانكفأ رَاجعا إِلَى فاس للأخذ بمخنقها فوصل إِلَيْهَا فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وسِتمِائَة وأناخ عَلَيْهَا بكلكله واستأنف الْجد وأرهف الْحَد وشدد فِي الْحصار وأيس أهل فاس من إغاثة المرتضى وَسقط فِي أَيْديهم وَرَأَوا أَنهم قد ضلوا وَلم يَجدوا وليجة من دون مُرَاجعَة طَاعَة بني مرين فسألوا الْأَمِير أَبَا بكر الْأمان فبذله لَهُم على غرم مَا أتلفوا لَهُ بِالْقصرِ من المَال يَوْم الثورة وَقدره مائَة ألف دِينَار فتحملوها وأمكنوه من قياد الْبَلَد فَدَخلَهَا فِي الثَّالِث وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور فَأَقَامَ بهَا إِلَى رَجَب الموَالِي لَهُ وطالبهم بِالْمَالِ فسوفوه وتلووا فِي الْمقَال
فَلَمَّا رأى ذَلِك مِنْهُم قبض على جمَاعَة من أشياخها وأمنائها وأثقلهم بالحديد وطالبهم بِالْمَالِ والأثاث الَّذِي انتهبوه من الْقصر فَقَالَ لَهُ شيخ يعرف بِابْن الخبا إِنَّمَا فعل الذَّنب منا سِتَّة فَكيف تُهْلِكنَا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا وَلَو فعل الْأَمِير مَا أُشير بِهِ عَلَيْهِ لَكَانَ صَوَابا من الرَّأْي فَقَالَ وَمَا ذَلِك قَالَ تعمد إِلَى هَؤُلَاءِ النَّفر السِّتَّة وَالَّذين سعوا فِي الْفِتْنَة فتأخذ رؤوسهم وتشرد بهم من خَلفهم ثمَّ تأخذنا نَحن بغرم المَال فَقَالَ لعمري لقد أصبت
أهل فاس طَعَام الضِّيَافَة على الْعَادة فَأمر السُّلْطَان بإدخاله إِلَى دَار الدبيبغ وَلما صلى الْعَصْر خرج على النَّاس بالمشور فَوقف لَهُم وَقدم الْوُفُود هداياهم على الْعَادة وَلما فرغ من ذَلِك كُله أَمر العبيد والودايا بِالدُّخُولِ إِلَى دَار الدبيبغ لأكل طَعَام الضِّيَافَة وَكَانَ قد أعد بهَا ألفا من المسخرين للقبض على أَعْيَان الودايا أفردهم فِي نَاحيَة فَلَمَّا دخلُوا وغلقت الْأَبْوَاب وَثبُوا عَلَيْهِم وجردوهم من السِّلَاح وكتفوهم وألقوهم على الأَرْض
وَلما طعم الْجَيْش وَسَائِر النَّاس أَمر السُّلْطَان الْخَيل بالركوب وَشن الغارات على حلَّة الودايا والمغافرة بلمطة فركبت الْخُيُول وَتَقَدَّمت إِلَيْهِم وَسَار السُّلْطَان فِي موكبه خَلفهم وَلما شَرق شارق فاسا الْجَدِيد رَمَاه الودايا من أبراجه بالكور فَلم تغن شَيْئا وَتقدم السُّلْطَان حَتَّى وقف بالموضع الْمَعْرُوف بدار الرخَاء فَلم يكن إِلَّا هنيئة حَتَّى أَقبلت العساكر بِالسَّبْيِ والأثاث والخيام وانتسفوا الْحلَّة نسفا وَلما جن اللَّيْل خرج من كَانَ بَقِي من أعيانهم بفاس الْجَدِيد وَتَفَرَّقُوا شذر مذر فَذهب بَعضهم إِلَى ضريح الشَّيْخ أبي الْعَبَّاس أَحْمد الشاوي وَبَعْضهمْ إِلَى زَاوِيَة الشَّيْخ اليوسي وَبَعْضهمْ إِلَى ضريح سَيِّدي أبي سرغين بصفرو وَغير ذَلِك وَبَقِي الضُّعَفَاء على الأسوار يطْلبُونَ الْأمان فعطفته عَلَيْهِم الرَّحِم ورق لَهُم فَأَمنَهُمْ وأخرجهم إِلَى فاس الْقَدِيم وأدال مِنْهُم بفاس الْجَدِيد بِأَلف كانون من العبيد فنزلوه وعمروه واقفر من الودايا بعد أَن كَانُوا أَهله مُدَّة طَوِيلَة كَمَا علمت
ثمَّ أَمر السُّلْطَان رحمه الله بأَرْبعَة من مساجين الودايا فسرحوا أحدهم الْقَائِد قدور بن الْخضر الشهير الذّكر وَأمرهمْ أَن يقفوا على إخْوَانهمْ المسجونين حَتَّى يعينوا أهل الْفساد من غَيرهم ويأتوه بزمامهم ويتحروا الصدْق فِي ذَلِك فعينوا لَهُ خمسين من عتاتهم أهل زيغ وَفَسَاد فَأمر بِأَن تضرب على أَرجُلهم الكبول ويقرن كل اثْنَيْنِ مِنْهُم فِي سلسلة ثمَّ بعث مِنْهُم إِلَى مراكش اثْنَان على الْجمل فسجنوا بهَا وطهرت الأَرْض من شيطنتهم ثمَّ
أَمر السُّلْطَان رحمه الله الْقَائِد قدور بن الْخضر أَن يسرح البَاقِينَ من إخوانه وَيضم إِلَيْهِم من الودايا والمغافرة تَكْمِلَة ألف ويشرد من عداهم إِلَى قبائلهم وحللهم ثمَّ عين السُّلْطَان رحمه الله لأولئك الْألف إصطبل مكناسة ينزلون بِهِ وَيكون قَصَبَة لَهُم فحملوا أَوْلَادهم إِلَى مكناسة واستوطنوها مَعَ العبيد غير أَنهم قد انفردوا بالإصطبل كَمَا قُلْنَا وَولى عَلَيْهِم السُّلْطَان الْقَائِد قدور بن الْخضر وَكَانَ أَصْغَرهم سنا وأكملهم عقلا وأصدقهم خدمَة وَأمره بتأديبهم وإجراء الْأَحْكَام عَلَيْهِم حَتَّى رئموا ملكة الدولة وَسَكنُوا تَحت تصريفها وخضعوا لأمرها ونهبها وَأخذ السُّلْطَان فِي دفع الْخَيل وَالسِّلَاح والكسى لَهُم شَيْئا فَشَيْئًا إِلَى أَن أركبهم كلهم فصلحت أَحْوَالهم ونمت فروعهم واستمروا بمكناسة إِلَى أَن ردهم إِلَى فاس الْجَدِيد الْمولى يزِيد بن مُحَمَّد لأوّل ولَايَته كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة أَربع وَسبعين وَمِائَة وَألف بَاعَ السُّلْطَان أمكاس فاس لعاملها الْحَاج مُحَمَّد الصفار بِاثْنَيْ عشر ألف مِثْقَال فِي السّنة ثمَّ ارتحل إِلَى مراكش فاحتل بهَا إِلَى أَن كَانَ من أمره مَا نذكرهُ
مَجِيء السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله من مراكش إِلَى الغرب مرّة أُخْرَى وَمَا اتّفق لَهُ فِي ذَلِك
ثمَّ دخلت سنة خمس وَسبعين وَمِائَة وَألف فِيهَا خرج السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله من مراكش يُرِيد بِلَاد الغرب وعرج فِي طَرِيقه على جملَة من الْقَبَائِل الَّذين كَانُوا مشتغلين بِالْفَسَادِ فأوقع بهم وشرد بهم من خَلفهم وَذَلِكَ أَنه وصل إِلَى بِلَاد الشاوية فنهبهم وانتسف أَمْوَالهم وقتلهم وَقبض على عدد كثير مِنْهُم بَعثهمْ فِي السلَاسِل إِلَى مراكش ثمَّ عدل إِلَى جِهَة تادلا فَمر على برابرة شقيرين من آيت ومالو فنهب أَمْوَالهم وَقتل من ظفر بِهِ مِنْهُم ثمَّ سَار إِلَى بِلَاد الغرب عَازِمًا على الْإِيقَاع بعرب الحياينة لإفسادهم
(فأتتك طالبة الْأمان لنَفسهَا
…
لتنال بعض الطّيب من ثجاحها)
(لبتك إِذْ سَمِعت نداك وَأَقْبَلت
…
مرهوبة تستن من إزعاجها)
(ونزعتها بالقهر من غصابها
…
وَالسَّابِقُونَ رَضوا بِبَعْض خراجها)
وَاعْلَم أَن هَذِه الْأَخْبَار الَّتِي سردناها من أول هَذِه الدولة السعيدة إِلَى هُنَا تبعنا فِي جلها أَبَا عبد الله أكنسوس وَقد سَاقهَا رحمه الله مُجَرّدَة عَن التَّارِيخ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُود بِالذَّاتِ من الْفَنّ وَنحن لما لم نعثر فِي الْوَقْت على مَا يُحَقّق لنا تواريخها رتبناها بِحَسب مَا أدّى إِلَيْهِ الْفِكر والروية وأثبتناها لِئَلَّا تذْهب فائدتها بِالْكُلِّيَّةِ وعَلى كل حَال فَهِيَ فِي حُدُود الْأَرْبَعين من مائَة التَّارِيخ وَالله أعلم
ولَايَة الْقَائِد أبي الْعَلَاء إِدْرِيس بن حمان الجراري على وَجدّة وأعمالها
قد قدمنَا أَن السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن رحمه الله كَانَ قد ولى ابْن عَمه سَيِّدي مُحَمَّد بن الطّيب على وَجدّة وَرجع عَنْهَا بِلَا طائل وَكَانَت ولَايَة هَذَا الثغر عِنْد السُّلْطَان من أهم الولايات وأخصها بمزيد الاعتناء لبعدها عَن دَار الْملك ومتاخمتها لمملكة التّرْك فَكَانَت ثغرا من الثغور ولكثرة قبائلها وَاخْتِلَاف آراء أَهلهَا وتعدد عصبياتهم فِي الْعَرَب والبربر ففكر السُّلْطَان رحمه الله فِيمَن يَكْفِيهِ هَذَا المهم ويسد لَهُ هَذَا المسد فَوَقع اخْتِيَاره على الْقَائِد الأنجد أبي الْعَلَاء إِدْرِيس بن حمان بن الْعَرَبِيّ الوديي الجراري فَرَمَاهَا بِهِ وَجعل أمرهَا إِلَيْهِ وعول فِي شَأْنهَا عَلَيْهِ وَكَانَ هَذَا الرجل نَسِيج وَحده وقريع دهره فِي جودة الرَّأْي وإدارة الْأُمُور على وَجههَا وإجرائها على مُقْتَضى صوابها ومحبة السُّلْطَان ونصحه فولاه عَلَيْهَا فِي أَوَائِل سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف فَقَامَ بأمرها أحسن قيام وَاسْتوْفى جباية أهل المداشر مِنْهَا والخيام ثمَّ حمله نصحه وَصدق خدمته على أَن يسْتَأْذن السُّلْطَان فِي أَن يكون يكاتبه بِجَمِيعِ مَا يحدث فِي تِلْكَ الْبِلَاد من الْأُمُور الدَّاخِلَة فِي الدولة
والخارجة عَنْهَا ليَكُون السُّلْطَان على بَال من ذَلِك الثغر فَاسْتَأْذن فِي ذَلِك بِوَاسِطَة الْوَزير أبي عبد الله بن إِدْرِيس فَكَانَ من جَوَاب الْوَزير لَهُ أَن قَالَ حَسْبَمَا وقفت عَلَيْهِ بِخَطِّهِ إِنِّي أخْبرت سيدنَا الْمَنْصُور بِاللَّه بِمَا كتبت فِي شَأْنه فأعجبه ذَلِك وَقَالَ لَا بَأْس بِهِ وَليكن خفِيا من غير شُعُور أحد ليطلع سيدنَا على الْأُمُور وَيكون على بَصِيرَة فِيهَا فَلَا تقصر فِي ذَلِك واجتهد فِي إصْلَاح مَا ولاك وَأعظم ذَلِك وأهمه أَمَان الطَّرِيق وخمود الْفِتْنَة حَتَّى لَا يصل من تِلْكَ النَّاحِيَة إِلَّا الْخَيْر فَأَنت من فضل الله ذُو رَأْي وبصيرة بالأمور وخصوصا تِلْكَ النواحي وَالله يوفقك ويسددك وَهَذِه النواحي بِخَير وعافية وَفِي نعم من الله وافية قد نزل فِيهَا الْمَطَر الغزير وَكثر الخصب وحرث النَّاس الْحَرْث الْكثير وَسَيِّدنَا بمكناسة الزَّيْتُون وَلَا مَا يشوش البال غير أَن والدته المقدسة صَارَت إِلَى عَفْو الله وَرَحمته وَذَلِكَ قبل تَارِيخه بِشَهْر وَنحن على الْمحبَّة وَالسَّلَام فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى الثَّانِيَة سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف مُحَمَّد بن إِدْرِيس لطف الله بِهِ انْتهى لفظ الْكتاب الْمَذْكُور
وَفِي هَذِه الْمدَّة كَانَ السُّلْطَان رحمه الله قد اسْتعْمل الشَّيْخ أَبَا زيان بن الشاوي الأحلافي على تازا وأعمالها وأوصاه بالتعاون على أَمر الْخدمَة السُّلْطَانِيَّة بالقائد إِدْرِيس فَكَانَا فِي إدارة الْأُمُور بِتِلْكَ النواحي كفرسي رهان وَلَكِن التبريز إِنَّمَا هُوَ للقائد إِدْرِيس وَلما دخل رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة عزم السُّلْطَان رحمه الله على الْمسير إِلَى بِلَاد الشرق وَجدّة وأعمالها للوقوف على تِلْكَ التخوم بِنَفسِهِ وَالنَّظَر فِي أمورها بِرَأْيهِ إِذْ لم يكن وَطأهَا قبل ذَلِك فاستنفر الْقَبَائِل لحضور عيد الْفطر والنهوض إِلَيْهَا وَلما حضر الْعِيد وَفد على السُّلْطَان جمَاعَة من بني يزناسن وعرب آنقاد فباحثهم رحمه الله عَن حَال بِلَادهمْ فشكوا قلَّة الخصب فصده ذَلِك عَن الْمسير إِلَيْهِم وَوَعدهمْ بِأَنَّهُ سيطأ أَرضهم من الْعَام الْقَابِل فِي أول يناير ثمَّ صرف رحمه الله وجهته تِلْكَ إِلَى التطواف على مراسي الْمغرب وَالنَّظَر فِي أمورها وإحياء مراسم الْجِهَاد بهَا فَخرج من مكناسة منتصف شَوَّال من السّنة أَعنِي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف فَمر بأرضات من أَعمال وازان وَصَارَ إِلَى تطاوين ثمَّ إِلَى طنجة ثمَّ