الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هجوم النَّصَارَى على العرائش وتيشمس من ثغور الْمغرب
لما كَانَ الْمحرم من سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة هجم النَّصَارَى على مَدِينَة العرائش وتيشمس من ثغور العدوة المغربية فَقتلُوا رجالها وَسبوا نساءها وانتهبوا أموالها وأضرموها نَارا وَرَجَعُوا عودهم على بدءهم فَرَكبُوا أجفانهم وَلَحِقُوا ببلادهم وَلم تنلهم شَوْكَة السُّلْطَان يَعْقُوب لِأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا بِفَتْح مراكش فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور وَلم يبين فِي القرطاس هَؤُلَاءِ النَّصَارَى من هم
وقْعَة إيسلي بَين السُّلْطَان يَعْقُوب ابْن عبد الْحق ويغمراسن بن زيان
لما أنعم الله على السُّلْطَان يَعْقُوب بامتداد ظلّ ملكه فِي أقطار الْمغرب ونواحيه ونفوذ كَلمته فِي حواضره وبواديه وتمم لَهُ الصنع بِفَتْح مراكش ووراثة كرْسِي بني عبد الْمُؤمن بهَا وَعَاد إِلَى فاس كَمَا قُلْنَا تحرّك مَا كَانَ فِي نَفسه من ضغائن يغمراسن بن زيان وَمَا آسفه بِهِ من تخذيل عَزَائِمه ومجاذبته عَن قَصده وَرَأى أَن وقْعَة تلاغ لم تشف صَدره وَلَا أطفأت نَار موجدته فأجمع أمره لغزوة ونشطه لذَلِك مَا صَار إِلَيْهِ من الْملك وسعة السُّلْطَان فحشد جَمِيع أهل الْمغرب وعزم على استئصاله وَقطع دابره فَعَسْكَرَ بفاس وَبعث وَلَده أَبَا مَالك إِلَى مراكش فِي جمَاعَة من خواصة حاشرين فِي مدائنها وضواحيها فَاجْتمع عَلَيْهِ من قبائل الْعَرَب والمصامدة وصنهاجة وبقايا عَسَاكِر الْمُوَحِّدين بالحضرة وحامية الْأَمْصَار من جند الفرنج وناشبة الْغَزْو استكثر من ذَلِك كُله واحتفل السُّلْطَان يَعْقُوب بفاس كَذَلِك ثمَّ نَهَضَ مِنْهَا غرَّة صفر سنة سبعين وسِتمِائَة فَسَار حَتَّى نزل وَادي ملوية فَأَقَامَ عَلَيْهِ أَيَّامًا حَتَّى لحقه ابْنه أَبُو مَالك فِي جموعه وتوافت لَدَيْهِ أَمْدَاد الْعَرَب من قبائل جشم أهل تامسنا الَّذين هم سُفْيَان والخلط والعاصم وَبَنُو جَابر وَمن مَعَهم من الأثبج وقبائل ذَوي حسان والشبانات من معقل أهل السوس الْأَقْصَى وقبائل ريَاح أهل أزغار وبلاد الهبط فَعرض هُنَالك عساكره وميزها ورتبها فَيُقَال إِنَّهَا بلغت ثَلَاثِينَ ألفا
المطبق وَأمر بهدم قصره وَحمل أنقاضه إِلَى العرائش وَنهب مَاله وماشيته وَلما طرح الباشا حبيب بالمطبق منع نَفسه من الطَّعَام وَالشرَاب إِلَى أَن مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة عياذا بِاللَّه فَهَؤُلَاءِ أَنْيَاب الْقَبَائِل وَأهل العصبية مِنْهُم تتبعهم السُّلْطَان وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى أَن أراح الدولة من ضررهم وَالله أعلم
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف انْعَقَدت الشُّرُوط بَين السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله وَبَين جنس الفرنسيس وَهِي عشرُون شرطا مضمنها ومرجعها إِلَى المهادنة وَالصُّلْح والمخالطة بِالْبيعِ وَالشِّرَاء مَعَ التوقير والاحترام من الْجَانِبَيْنِ وَإِذا سَافَرت مراكبهم من مراسيهم إِلَى إيالتنا فتصحب مَعهَا الورقة الْمُسَمَّاة بالباصبورط من عِنْد أَمِير الْبَحْر الْمُرَتّب بِكُل مرسى من مراسيهم فِيهَا اسْم الْمركب ورئيسه وَبَيَان مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ من الوسق وَمن أَيْن جَاءَ وَإِلَى أَيْن يذهب وَعَلِيهِ طَابع أَمِير الْبَحْر وَهُوَ طَابع الْجِنْس وَإِذا سَافَرت مراكبنا من مراسينا إِلَى إيالتهم فتصحب كَذَلِك خطّ يَد القنصل الْمُرَتّب بمرسانا من ذَلِك الْجِنْس باسم الْمركب ورئيسه وَمَا اشْتَمَل عَلَيْهِ مَخْتُومًا عَلَيْهِ بِطَابع الْجِنْس أَيْضا وَكَانَ الْقيَاس أَن مراكبهم تحمل طابعنا وخطنا ليحصل لَهَا التوقير كَمَا نحمل نَحن طابعهم وخطهم ليحصل لنا التوقير مِنْهُم وَلَكِن لما لم تجر الْعَادة بترتب متأصلنا بمراسيهم اكْتفي بطابعهم من الْجَانِبَيْنِ إِذْ الْمَقْصُود حَاصِل بذلك وَلَا يلتبس على رُؤَسَاء الْبَحْر طَابع جنس بآخر فَإِذا التقى مركب بمركب وَأخرج كل ورقته عرف من أَي جنس هُوَ وعومل على مُقْتَضى ذَلِك
وُرُود هَدِيَّة السُّلْطَان مصطفى العثماني على السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمهمَا الله
وَفِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة وَألف بعث السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله خديمه الرئيس عبد الْكَرِيم راغون التطاوني
وَفِي أَوَائِل رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة خرج الْقَائِد إِدْرِيس من تلمسان فِي جمَاعَة من الْجَيْش الَّذين مَعَه بِقصد تدويخ الْقَبَائِل الَّذين هُنَالك وَأخذ الْبيعَة على من لم يكن بَايع مِنْهُم وَكَانَ الَّذين بَايعُوا هم أهل معسكر والحشم والمشاشيل مِنْهُم وَبَنُو شقران والمرابطون أهل غريس وورغية وتحليت وحميان وَغير هَؤُلَاءِ وَنَصّ بيعتهم الْحَمد لله الَّذِي أنار الْخلَافَة وَجه الزَّمَان وأطلع فِي صحيفَة غرته طوالع السعد واليمن والأمان وَهدى من ارْتَضَاهُ من الْأَنَام للدخول تَحت ظلّ راية مَوْلَانَا الإِمَام وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد الْمَبْعُوث رَحْمَة للْعَالمين وعَلى آله وَصَحبه الطيبين وَبعد فَلَمَّا وَفد على حَضْرَة مَوْلَانَا الْخَلِيفَة أبي الْحسن عَليّ ابْن أَمِير الْمُؤمنِينَ مَوْلَانَا سُلَيْمَان أَعلَى الله ثراه فِي عليين جَمِيع الْقَبَائِل المسطرة يمنته وَقَرَأَ عَلَيْهِم كتاب مَوْلَانَا الْمَنْصُور ذِي اللِّوَاء المنشور وَالسيف الْمَشْهُور أَمِير الْمُؤمنِينَ مَوْلَانَا عبد الرَّحْمَن ابْن مَوْلَانَا هِشَام أدام الله رعيه وَجعل فِيمَا يرضيه سَعْيه بِمحضر خَلِيفَته الطَّالِب الأرشد الْمَاجِد الأسعد الْقَائِد السَّيِّد إِدْرِيس الْجَوَارِي وتلقوه بالإجلال والتعظيم والتبجيل والتكريم أشهدوا على أنفسهم أَنهم عقدوا الْبيعَة لمولانا الإِمَام أيده الله وأدام عزه وعلاه والتزموها بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَفِي جيدهم انتظموها بيعَة تَامَّة مستوفية الشُّرُوط وافية العهود وَثِيقَة الربوط قبلهَا الْكل وارتضاها وَأوجب الْعَمَل بمقتضاها فَمن سمع مَا ذكر مِمَّن ذكر قَيده فِي مهل جُمَادَى الثَّانِيَة عَام سِتَّة وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَبعده عَلامَة العدلين المتلقيين من رُؤَسَاء الْقَبَائِل الْمَذْكُورَة فهولاء الَّذين بَايعُوا وَمن لم يكن بَايع بعد فهم الَّذين خرج الْقَائِد إِدْرِيس الْمَذْكُور لأخذ الْبيعَة عَلَيْهِم كَمَا قُلْنَا
وَالْحَاصِل أَن السُّلْطَان رحمه الله كَانَ قد اعتنى بِأَمْر هَذِه النَّاحِيَة غَايَة الاعتناء وبذل المجهود فِي إمدادها بِالْعدَدِ وَالْعدَد وَالْمَال مرّة بعد أُخْرَى وَبعث الشريف الْبركَة سَيِّدي الْحَاج الْعَرَبِيّ بن عَليّ الوزاني إِلَى أهل تِلْكَ الْبِلَاد يَدعُوهُم إِلَى الطَّاعَة ويحضهم على الدُّخُول فِي أَمر الْجَمَاعَة لكَوْنهم كَانَ لَهُم فِيهِ وَفِي سلفه اعْتِقَاد كَبِير وَبعث الشريف الْأَخير أَبَا مُحَمَّد عبد