الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَحْر وداخل ابْن الْأَحْمَر عمر بن يحيى بن محلى صَاحب مالقة فِي النُّزُول لَهُ عَنْهَا بعوض فَفعل وَاسْتولى ابْن الْأَحْمَر عَلَيْهَا ثمَّ راسل هُوَ والطاغية يغمراسن بن زيان من وَرَاء الْبَحْر وراسلهم هُوَ فِي مشاقة السُّلْطَان وإفساد ثغوره وإنزال الْعَوَائِق الْمَانِعَة لَهُ من حركته وَالْأَخْذ بأذياله عَن النهوض إِلَى الْغَزْو وأسنوا فِيمَا بَينهمَا الْهَدَايَا والتحف وجنب يغمراسن إِلَى ابْن الْأَحْمَر ثَلَاثِينَ من عتاق الْخَيل مَعَ ثِيَاب من عمل الصُّوف وَبعث إِلَيْهِ ابْن الْأَحْمَر مُكَافَأَة على ذَلِك عشرَة آلَاف دِينَار فَلم يرض بِالْمَالِ ورده وأصفقت آراؤهم جَمِيعًا على السُّلْطَان يَعْقُوب وَرَأَوا أَن قد أبلغوا فِي أَحْكَام أَمرهم وسد مذاهبه إِلَيْهِم
واتصل خبر هَذَا كُله بالسلطان وَهُوَ بمراكش كَانَ خرج إِلَيْهَا مرجعه من الْغَزْو فِي الْمحرم سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة لما كَانَ من عيث عرب جشم بتامسنا وإفسادهم السابلة فثقف أطرافها وحسم مَادَّة فَسَادهَا ثمَّ اتَّصل بِهِ خبر ابْن محلي ونزوله عَن مالقة لِابْنِ الْأَحْمَر ومنازلة الطاغية بأساطيله للجزيرة الخضراء وتضييقه على الْمُسلمين بهَا فَبلغ ذَلِك مِنْهُ كل مبلغ ونهض من مراكش ثَالِث شَوَّال من السّنة يُرِيد طنجة فوصل إِلَى قَرْيَة مكول من بِلَاد تامسنا فتوالت عَلَيْهِ بهَا الأمطار والسيول وعاقته عَن النهوض وبينما هُوَ فِي ذَلِك ورد عَلَيْهِ الْخَبَر أَيْضا بنزول الطاغية على الجزيرة الخضراء برا وإحاطة عسكره بهَا بعد أَن كَانَت أساطيله منازلة لَهَا فِي الْبَحْر مُنْذُ سِتَّة أشهر أَو سَبْعَة وَأَنه مشرف على التهامها وبعثوا إِلَيْهِ يستصرخونه ويخبرونه بِالْحَال فاعتزم على الرحيل
ثمَّ اتَّصل بِهِ الْخَبَر ثَالِثا بِخُرُوج مَسْعُود بن كانون السفياني بِبِلَاد نَفِيس من أَرض المصامدة خَامِس ذِي الْقعدَة من السّنة وَأَن النَّاس اجْتَمعُوا إِلَيْهِ من قومه وَغَيرهم فانخرقت على السُّلْطَان الفتوق وتوالت عَلَيْهِ الخطوب وَلم يدر مَا يصنع إِلَّا أَنه رأى أَن يقدم أَمر ابْن كانون وَالْعرب فكر رَاجعا إِلَيْهِ وَقدم بَين
إِيقَاع السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله بأولاد أبي السبَاع وتشريدهم إِلَى الصَّحرَاء وَمَا يتبع ذَلِك
لما كَانَ بالمغرب مَا تقدم من الْفِتْنَة وشغل السُّلْطَان بإنعاش الضُّعَفَاء عَن ضبط الْأَطْرَاف وقمع الْبُغَاة بهَا نبغت نوابغ الْفِتَن بِبَعْض الْقَبَائِل مِنْهَا وعادت هيف إِلَى أديانها فَمن ذَلِك قَبيلَة أَوْلَاد أبي السبَاع بأحواز مراكش فلطالما ارتكبوا العظائم واجترحوا وغدوا فِي الْفِتْنَة وراحوا واستطالوا على من بجوارهم وغزوهم فِي أَرضهم وديارهم
فَلَمَّا كَانَت هَذِه السّنة الَّتِي هِيَ سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة وَألف جهز إِلَيْهِم السُّلْطَان العساكر فقاتلوهم وقتلوهم وانتهبوا أَمْوَالهم وشردوهم إِلَى السوس وَقبض السُّلْطَان على كثير من أعيانهم فأودعهم سجن مكناسة إِلَى أَن هَلَكُوا بِهِ وأوعز إِلَى قبائل السوس أَن يطردوا بَقِيَّتهمْ وينفوهم إِلَى بِلَاد الْقبْلَة مسْقط رَأْسهمْ ومنبت شوكتهم وبأسهم فَفَعَلُوا ثمَّ نقل قَبيلَة زمران بعد الْإِيقَاع بهم إِلَى بِلَاد أَوْلَاد أبي السبَاع فعمروها ثمَّ نقل تكنة ومجاط وَذَوي بِلَال من شوشاوة الْحَوْز إِلَى الغرب فنزلوا بفاس الْجَدِيد وأعماله ثمَّ أعَاد آيت يمور من جبل سلفات إِلَى تادلا ثمَّ نقل كطاية وسمكت ومجاط من تادلا إِلَى الغرب ثمَّ أعَاد جروان من آزغار إِلَى الْجَبَل
وَفِي هَذِه السّنة أَيْضا كَانَت فتْنَة الدعي مُحَمَّد والحاج اليموري كَانَ يزْعم أَنه من الْأَوْلِيَاء وَيتَكَلَّم فِي المغيبات ويشيع أَنه ينْتَظر صَاحب الْوَقْت فسرى فَسَاده فِي قبيلته وتجاوزها إِلَى غَيرهَا فقصده جهلة البربر من كل قبيل وأغرى آيت يمور بِمن جاورهم من قبائل الْعَرَب وَكَانُوا يَوْمئِذٍ لَا زَالُوا بسلفات فتصدى لَهُم قَائِد سُفْيَان أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْهَاشِمِي السفياني وَجمع لَهُ الجموع من قبائل الغرب وصمد إِلَيْهِ وَهُوَ فِي قَبيلَة آيت يمور فَعبر نهر سبو وأنشب الْحَرْب مَعَهم فَكَانَت الدبرة عَلَيْهِ وانهزمت جموع الغرب وَقتل الْقَائِد
فِي الْحُدُود فَكلم من جَانب السُّلْطَان رحمه الله فِيمَا ارْتَكَبهُ من إيالته فتعلل بِأَن الْهُدْنَة قد انتقضت بإمداد الْحَاج عبد الْقَادِر بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاح وَالْمَال الْمرة بعد الْمرة وبمحاربة جَيش السُّلْطَان المرابط على الْحُدُود لَهُ وبمحاربة بني يزناسن لَهُ مَعَ الْحَاج عبد الْقَادِر وَغير ذَلِك مِمَّا اعْتد بِهِ وَكَانَ الْحَاج عبد الْقَادِر فِي هَذِه الْمدَّة قد فَسدتْ نِيَّته أَيْضا فِي السُّلْطَان وَفِي الْجِهَاد مَعَ أَنه مَا كَانَ لجهاده ثَمَرَة ورام الِاسْتِقْلَال وَأخذ فِي استفساد الْقَبَائِل الَّذين هُنَالك وَتحقّق السُّلْطَان بأَمْره وشرى الشَّرّ وتفاقم الْأَمر فَعمد السُّلْطَان رحمه الله على حَرْب الفرنسيس وَتقدم إِلَى أهل الثغور بالاستعداد والحراسة وإرهاف الْحَد لما عَسى أَن يحدث ثمَّ عقد لِابْنِ عَمه الْمولى الْمَأْمُون بن الشريف على كَتِيبَة من الْجند ووجهها إِلَى نَاحيَة وَجدّة وعززه بالفقيه أبي الْحسن عَليّ بن الجناوي من أَعْيَان رِبَاط الْفَتْح فَكَانَت لَهُم مناوشة مَعَ رابطة الفرنسيس الَّتِي هُنَالك ثمَّ أَخذ السُّلْطَان رحمه الله فِي أَسبَاب الْغَزْو والاستعداد التَّام وحشد الْجنُود واتخاذ الرَّايَات والبنود واستنفار الْقَبَائِل وَقَالَ فِي ذَلِك الْوَزير ابْن إِدْرِيس أشعارا يستنفر بهَا أهل الْمغرب ويحضهم على الْجِهَاد وإيقاظ العزائم لَهُ من ذَلِك قَوْله
(يَا أهل مغربنا حق النفير لكم
…
إِلَى الْجِهَاد فَمَا فِي الْحق من غلط)
(فالشرك من جنبات الشرق جاوركم
…
من بعد مَا سلم أهل الدّين بالشطط)
(فَلَا يَغُرنكُمْ من لين جَانِبه
…
مَا عَاد قبل على الْإِسْلَام بالسخط)
(فَعنده من ضروب الْمَكْر مَا عجزت
…
عَن دركه فكرة الشبَّان والشمط)
(فواتح الْمَكْر تبدو من خواتمه
…
فَعنده الْمَكْر وَالْمَكْرُوه فِي نمط)
(وَأَنْتُم الْقَصْد لَا تبقن فِي دعة
…
إِن السّكُون إِلَى الأعدا من السقط)
(من جاور الشَّرّ لَا يعْدم بوائقه
…
كَيفَ الْحَيَاة مَعَ الْحَيَّات فِي سقط)
(قد يغبط الْحر فِي عز يخلده
…
وَلَيْسَ حَيّ على ذل بمغتبط)
وَفِي هَذَا الشّعْر تضمين بَيت ابْن الْعَسَّال وَهُوَ مَشْهُور فَاجْتمع للسُّلْطَان رحمه الله فِي هَذَا الاستنفار ثَلَاثُونَ ألف فَارس تزيد قَلِيلا أَو تنقص قَلِيلا فِيهَا