الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن عبد الْحق رحمه الله
هَذَا السُّلْطَان جليل الْقدر عَظِيم الشان وَهُوَ سيد بني مرين على الْإِطْلَاق وستسمع من أخباره الْحَسَنَة مَا يسْتَغْرق الْوَصْف ويستوقف السّمع والطرف وَهُوَ رَابِع الْإِخْوَة الْأَرْبَعَة الَّذين ولوا الْأَمر بالمغرب من بني عبد الْحق وَكَانَت أمه وَاسْمهَا أم الْيمن بنت عَليّ البطوي رَأَتْ وَهِي بكر كَأَن الْقَمَر خرج من قبلهَا حَتَّى صعد إِلَى السَّمَاء وأشرق نوره على الأَرْض فقصت رؤياها على أَبِيهَا فَسَار إِلَى الشَّيْخ الصَّالح أبي عُثْمَان الورياكلي فَقَصَّهَا عَلَيْهِ فَقَالَ إِن صدقت رؤياها فستلد ملكا عَظِيما فَكَانَ كَذَلِك وَلما انْفَصل الْأَمِير يَعْقُوب بن عبد الْحق عَن ابْن أَخِيه عمر بِولَايَة تازا وَمَا أضيف إِلَيْهَا اجْتمع إِلَيْهِ كَافَّة بني مرين وعذلوه فِيمَا كَانَ مِنْهُ من التخلي عَن الْملك وَحَمَلُوهُ على الْعود فِي الْأَمر ووعدوه من أنفسهم المظاهرة والنصر إِلَى أَن يتم أمره فَأجَاب وَبَايَعُوهُ وصمد الى فاس فبرز الْأَمِير عمر للقائه
وَلما ترَاءى الْجَمْعَانِ خذل عمر جُنُوده وأسلموه فَرجع إِلَى فاس مفلولا وَوجه الرَّغْبَة إِلَى عَمه أَن يقطعهُ مكناسة وَينزل لَهُ عَن الْأَمر فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَدخل السُّلْطَان يَعْقُوب مَدِينَة فاس فملكها سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة ونفذت كَلمته فِي بِلَاد الْمغرب مَا بَين ملوية وَأم الرّبيع وَمَا بَين سجلماسة وَقصر كتامة وَاقْتصر عمر على إِمَارَة مكناسة فتولاها اياما ثمَّ اغتاله بعض عشيرته فَقَتَلُوهُ لنَحْو سنة من إمارته فَكفى الْأَمِير يَعْقُوب أمره واستقام سُلْطَانه وَذهب التَّنَازُع والشقاق عَن ملكه
وَكَانَ يغمراسن بن زيان لما سمع بِمَوْت قرنه الْأَمِير أبي بكر سما لَهُ أمل فِي الإجلاب على الْمغرب فَجمع لذَلِك قومه من بني عبد الواد وَاسْتظْهر ببني توجين ومغراوة وَوَعدهمْ ومناهم وأطمعهم فِي غيل الْأسد ثمَّ نَهَضَ بهم الى الْمغرب حَتَّى إِذا انْتَهوا إِلَى كلدمان صَمد إِلَيْهِم الْأَمِير يَعْقُوب ففلهم وردهم على أَعْقَابهم وَمر يغمراسن فِي طَرِيقه بتافرسيت من بِلَاد بطوية فَأحرق
بِنَاء مَدِينَة الصويرة حرسها الله
لما فرغ السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله رحمه الله من وَلِيمَة عرس أَوْلَاده سَار إِلَى نَاحيَة الصويرة بِقصد بنائها وعمارتها فَوقف على اختطاطها وتأسيسها وَترك البنائين والعملة بهَا وَأمر عماله وقواده بِبِنَاء دُورهمْ بهَا وَعَاد إِلَى مراكش
وَقَالَ الْكَاتِب أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن الْمهْدي الغزال فِي رحلته مَا ملخصه إِن السَّبَب فِي بِنَاء مَدِينَة الصويرة هُوَ أَن السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الله كَانَ لَهُ ولوع بِالْجِهَادِ فِي الْبَحْر وَاتخذ لذَلِك قراصين حربية تكون فِي غَالب الْأَوْقَات بمرسى العدوتين ومرسى العرائش وَكَانَ سفرها فِي الْبَحْر مَقْصُورا على شَهْرَيْن فِي السّنة زمَان الشتَاء لِأَن المراسي مُتَّصِلَة بالأودية وَفِي غير إبان الشتَاء يقل المَاء ويعلو الرمل بأفواه المراسي فَيمْنَع من اجتياز القراصين بهَا ويتعذر السّفر ففكر السُّلْطَان رحمه الله فِي حِيلَة يَتَأَتَّى بهَا سفر قراصينه فِي سَائِر أَيَّام السّنة فَبنى ثغر الصويرة واعتنى بِهِ لِسَلَامَةِ مرساه من الآفة الْمَذْكُور ة
وَذكر غير الغزال أَن الْبَاعِث للسُّلْطَان الْمَذْكُور على بِنَاء الصويرة هُوَ أَن حصن آكادير كَانَت تتداولة الثوار من أهل السوس مثل الطَّالِب صَالح وَغَيره ويسرحون وسق السّلع مِنْهُ افتياتا ويستبدون بأرباحها فَرَأى أَن حسم تِلْكَ الْمَادَّة لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بإحداث مرسى آخر أقرب إِلَى تِلْكَ النَّاحِيَة وَأدْخل فِي وسط المملكة من آكادير حَتَّى تتعطل على أُولَئِكَ الثوار منفعَته فَلَا يتشوف أحد إِلَيْهِ فاختط مَدِينَة الصويرة وأتقن وَضعهَا وتأنق فِي بنائها وشحن الجزيرتين الدائرتين بمرساها كبرى وصغرى بالمدافع وشيد برجا على صَخْرَة دَاخل الْبَحْر وشحنه كَذَلِك فَصَارَ القاصد للمرسى لَا يدخلهَا إِلَّا تَحت رمي المدافع من البرج والجزيرة مَعًا
وَلما تمّ أمرهَا جلب إِلَيْهَا تجار النَّصَارَى بِقصد التِّجَارَة بهَا وَأسْقط عَنْهُم
اجْتَمعُوا وَسَارُوا إِلَى القواد الْأَرْبَعَة فسرحوهم وَرَغبُوا إِلَيْهِم فِي الوساطة عِنْد السُّلْطَان فَأَصْبحُوا على أَطْرَاف الْمحلة يستأذنون على الْمولى الْمَأْمُون فَأذن لَهُم ودخلوا عَلَيْهِ وشفعوا فِيمَن بَقِي مِنْهُم وطلبوا الْأمان فَأَمنَهُمْ ثمَّ تقدمُوا إِلَى السُّلْطَان فَاسْتَأْذنُوا فَأذن لَهُم ودخلوا وأخبروا بِمَا عقد لَهُم الْمولى الْمَأْمُون من الْأمان فأمضاه لَهُم ثمَّ أَمر السُّلْطَان بِجمع الشراردة الَّذين بقوا بالقصبة فَجمع لَهُ مِنْهُم نَحْو الْأَلفَيْنِ وعاثت الجيوش فِي بُيُوتهم وأمتعتهم
وَقيل إِن السُّلْطَان رحمه الله لم يؤمنهم وَلما قبض عَلَيْهِم عزم على تحكيم السَّيْف فِي رقابهم فاستفتى الْعلمَاء فيهم فتحاموا الْإِفْتَاء بإراقة الدَّم حَتَّى أَن مِنْهُم من أفتى وَهُوَ الْفَقِيه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن المرابط المراكشي بِأَنَّهُم تَابُوا قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِم فتوقف السُّلْطَان رحمه الله عَن قَتلهمْ وَكَانَ وقافا عِنْد الْحق دائرا مَعَ الشَّرْع حَيْثُ دَار ثمَّ أَمر رحمه الله بِالِاحْتِيَاطِ على عِيَال الْمهْدي وَأَوْلَاده فاحتيط عَلَيْهِم فجيء بهم إِلَيْهِ وبعثهم إِلَى مكناسة فأنزلوا بدار الْقَائِد مُحَمَّد بن الشَّاهِد البُخَارِيّ الَّذِي هلك فِي وقْعَة آعليل مَعَ السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وَأمر السُّلْطَان بسور القصبة فهدم إبرارا لقسمه وحيزت المدافع والمهاريس الَّتِي كَانَت مَنْصُوبَة عَلَيْهِ وَلما انْقَضى أَمر الْحَرْب وَتمّ الْفَتْح هلك الْمعلم مُحَمَّد ملاح نفطت فِيهِ بنبة فَقتلته وَقتلت جمَاعَة مَعَه فَوقف السُّلْطَان عَلَيْهِ بِنَفسِهِ حَتَّى أقبر وَأحسن إِلَى أَوْلَاده بعد ذَلِك وَرَأَيْت بِخَط الْوَزير ابْن إِدْرِيس فِي بعض مكاتيبه مَا نَصه وَاعْلَم أَن الله سُبْحَانَهُ قد فتح علينا الزاوية الشرادية وَأهْلك أَهلهَا الظَّالِمين وَلم تبْق لَهُم بَاقِيَة وَلَا زَالَت العساكر مُقِيمَة على هدمها وتخريبها وَقد قبض مِنْهُم على أَكثر من سِتّمائَة رجل وربحت النَّاس بِمَا وجدت فِيهَا من الأثاث والذخائر والأنعام اه
ثمَّ إِن السُّلْطَان رحمه الله فرق مساجين الشراردة فسجن بَعضهم برباط الْفَتْح وَبَعْضهمْ بمكناسة وَبَعْضهمْ بفاس ثمَّ بعد مُضِيّ نَحْو السّنة سرحهم ونقلهم إِلَى بسيط آزغار وَجمع إخْوَانهمْ من الْقَبَائِل فضمهم إِلَيْهِم وَلَا زَالُوا