الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصلاة
ثم قال المؤلف رحمه الله: (كتاب الصلاة).
العلماء رحمهم الله يذكرون أن يجعلون ترجمة «كتاب» فيما يشمل أنواعًا، «وباب» فيما يشمل نوعًا واحدًا، «وفصل» فيما يشمل مسائل، «كتاب» هنا يشمل أنواعًا: يشمل الفرائض الخمس، وصلاة التطوع، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء. فهو يشمل أنواعًا. ثم قال:
***
1 - باب المواقيت
ولنتكلم أولًا عن الصلاة: لا شك أنها أفضل وأوكد أركان الإسلام بعد شهادة «أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله» ، ويدل لفضلها أمور:
أولًا: أن الله تعالى فرضها على النبي صلى الله عليه وسلم بدون واسطة، ولا نعلم شيئًا فرض على الرسول صلى الله عليه وسلم بلا واسطة إلا الصلوات.
ثانيًا: أن الله فرضها في أعلى مكان وصل إليه البشر، والرسول صلى الله عليه وسلم كان في السموات السبع في السماء السابعة.
ثالثًا: أنه فرضها على رسوله صلى الله عليه وسلم في أفضل ليلة؛ وهي ليلة المعراج، فنالت شرف المكان، وشرف الزمان.
رابعًا: أن الله فرضها خمسين صلاة، وهذا يدل على محبته لها تبارك وتعالى، وأنه يحب من عباده أن يكونوا دائمًا في صلاة؛ لأننا لو صلينا خمسين صلاة لاستوعبت كثيرًا من الوقت، وهذا يدل على محبة الله لها وعنايته بها.
خامسًا: أنه لا شيء من أعمال الإسلام تركه كفرًا إلا الصلاة كما ذكر ذلك عبد الله بن شقيق رحمه الله قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة».
سادسًا: أنها فرضت كل يوم، والفرائض - سوى التوحيد وهو أصل الرسالة - لا تكون كل يوم،
فالصوم سنوي، والحج عمري، والزكاة سنوية، وهذا أيضًا يدل على محبة الله لها وعنايته بها سبحانه وتعالى.
سابعًا: أنه لا يوجد عبادة يكون الإنسان فيها مناجيًا لله إلا الصلاة، الصلاة مناجاة بينك وبين ربك، تقول: الحمد لله رب العالمين، يقول الله:«حمدني عبدي» ، إلى آخر ما تعلمون، وهذا يدل على فضيلتها.
ثامنًا: أن الصلاة لا تسقط بأي حال من الأحوال حتى لو فات بعض الشروط، لو فرضنا أن رجلًا لا يستطيع أن يتوضأ، ولا أن يتجنب النجاسة، ولا أن يتجه إلى القبلة، وجاء وقت الصلاة، يجب أن يصلي على أي حال كان.
تاسعًا: أنه لا يشرع الاجتماع إلا فيها وفي الحج، أما الصوم فالناس مجتمعون ضرورة أن الشهر واحد، والزكاة كل يؤدي زكاته في وقتها.
ثم قال: «باب المواقيت» . المواقيت: جمع ميقات، من الوقت وهو الزمن، يعني: باب الأزمنة التي حدد الشرع إيقاع الصلاة فيها، وقد دل على اعتبار المواقيت قول الله تبارك وتعالى:{إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} [النساء: 103]. فبين أنها فرض، وأن هذا - الفرض موقوت - أي: محدد بوقت معين -؛ لأنها لو جاءت في وقت واحد لكان فيها شيء من المشقة؛ إذ إن الإنسان سيصلي سبع عشرة ركعة في آنٍ واحد، ولو جاءت في آن واحد في وقت واحد لكان يحصل غفلة من الإنسان في بقية الوقت؛ لأنه إذا قدرنا أنه سينتهي من سبع عشر ركعة، سينتهي في ساعة ونصف، يبقى بقية الزمن ليس بينه وبين ربه صلة، فكان من الحكمة أن جعل الله تعالى لها مواقيت، هذه المواقيت كل واحد منها مقيد بتغير الشمس: الفجر، الظهر، العصر، المغرب، العشاء، كلها مرتبطة بتغير الأفق حسب جريان الشمس. وسنشرحه إن شاء الله تعالى.
المواقيت: هي أوكد شروط الصلاة، ولذلك يجب مراعاتها وإن فاتت بعض الشروط، أو الأركان، أو الواجبات، حتى لو فرض أن الإنسان لا يعرف الفاتحة ولا يستطيع أن يقوم، ولكنه يستطيع أن يقوم بعد الوقت؛ يعني: إنسان يصب مثلًا بعلة، آفة تأتيه في وقت معين من اليوم والليلة، وتأتيه في وقت الفجر مثلًا، لا يستطيع أن يقوم، ويقعد، ويسجد، ويركع.
نقول: صل على حسب حالك، لا تقل: إني أؤخر إلى طلوع الشمس وأستطيع أن أركع وأقوم وأقعد، ليس عنده ماء يتطهر به من الحدث، ويظهر به ثوبه وبدنه من النجاسة.
نقول: صل على حسب حالك، تيمم إن استطعت، والأفضل على حسب حالك.
لا يستطيع استقبال القبلة.
نقول: صل على حسب حالك، المهم أن الوقت هو أوكد شروط وتجب مراعاته، وإن تخلفت بعض الشروط. قال:
142 -
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس» . رواه مسلم.
«إذا زالت» : أي: مالت إلى جهة الغرب، وذلك أن الشمس تطلع من الأفق الشرقي، وتغرب في الأفق الغربي، إذا انتصفت بينهما فهذا هو الزوال، واعلم أنه لابد أن يكون في الشمال بالنسبة لأرضنا، لابد أن يكون في الشمال ظل يطول في الشتاء ويقصر في الصيف، هذا الظل لا يحتسب، الذي يحتسب من حين يبدأ الظل في الزيادة، إذا بدأ في الزيادة ولو شعرة فقد زالت الشمس.
قال: «وكان ظل الرجل كطوله» يعني: لو وقف الرجل عند زوال الشمس وحد حدًا ثم امتدا لظل حتى صار من هذا الحد إلى منتهى الظل على طول الرجل، فهنا يكون انتهى وقت الظهر، بعد ذلك يقول:«ما لم يحضر وقت العصر» يعني: إلى أن يحضر وقت العصر، أي: أنه يحضر وقت العصر من حين خروج وقت الظهر، إلى متى؟
يقول: «وقت العصر ما لم تصفر الشمس» ، يعني: ما لم تكن صفراء؛ لأن المعلوم أن الشمس بيضاء لا تدركها العين، فإذا قربت من الغروب صارت صفراء، إذا اصفرت خرج وقت العصر، لكن قد دلت السنة في حديث آخر:«أن من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر» .
وعلى هذا يكون للعصر وقتان: وقت اختيار، إلى متى؟ إلى أن تصفر الشمس، ووقت ضرورة إلى أن تغرب الشمس.
«ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق» من أين؟ من غروب الشمس على اسمه المغرب، يعني: الذي يحل عند غروب الشمس وقته ما لم يغب الشفق، والمراد بالشفق هنا: الشفق
الأحمر، وهو الخط المعترض الذي يتبع الشمس، يكون أحمر، ما دام أحمر فوقت المغرب باقٍ، وإذا اضمحلت الحمرة ولو بقي البياض قد خرج وقت المغرب، ودخل وقت العشاء.
قال: «ووقت العشاء إلى نصف الليل» من أين؟ من مغيب الشفق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر الابتداء، علم أن هذا مبني على ما سبق على انتهاء الصلاة التي قبلها إلى نصف الليل الأوسط.
قوله: «الأوسط» هنا صفة كاشفة ليست مقيدة لأن نصف الليل هو وسط إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح.
قال: «من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس» ، قال:«من طلوع» ، ولم يقل: وقت الفجر ما لم تطلع؛ وذلك لأن بين وقت العشاء ووقت الفجر مدة ليست وقتًا للعشاء ولا للفجر. هذه هي الأوقات.
الأوقات إذن خمسة: وقد أشار الله تبارك وتعالى إليها في الكتاب العزيز؛ فقال - جل وعلا -: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} [الإسراء: 78]. جعل الله تبارك وتعالى هذا وقتا واحدًا، دلوك الشمس - يعني: زوالها - إلى غسق الليل؛ أي: ظلمته، ومن المعلوم أن الله عز وجل لم يرد ابتداء الظلمة، بل انتهاء الظلمة، وانتهاء الظلمة يكون عند منتصف الليل؛ لأن هذا أبعد ما تكون الشمس عن الأرض، ثم قال:{وقرآن الفجر} [الإسراء: 78]. ففصل؛ لأن ما بين نصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتًا، هذا الذي يدل عليه القرآن، وتدل عليه السنة كما سمعتم في حديث عبد الله بن عمرو.
وأما قول بعض العلماء: إن العشاء لها وقتان: وقت ضرورة، ووقت اختيار، وأن وقت الاختيار إلى نصف الليل، ووقت الضرورة إلى طلوع الفجر، فلا دليل عليه، وينبني على هذا الخلاف: لو أن امرأة حائضًا طهرت بعد منتصف الليل فإنها على القول الراجح لا تجب عليها صلاة العشاء؛ لأنه خرج وقتها، وعلى القول بأنها تمتد إلى طلوع الفجر تلزمها، ثم إذا لزمتها صلاة العشاء فهل تلزمها صلاة المغرب؟ فيه خلاف، والصواب: أنها لا تلزمها، يعني: الصواب أن المرأة إذا طهرت في وقت الصلاة الثانية لم تلزمها الصلاة التي قبلها؛ إذ لا دليل على هذا.
مرة ثانية نقول: الأوقات هذه دل عليها القرآن إجمالًا، والسنة تفصيلًا، وعرفتم كيف قدرها النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك الوقت ليس هناك ساعات، الآن تقدر بالساعات، فمثلًا من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس الغالب أنه تسعون دقيقة، وقد يزيد وقد ينقص، ومن غروب الشمس إلى مغيب الشفق كذلك الغالب أنه تسعون دقيقة، وقد يزيد وقد ينقص، ولكن ليست الزيادة
والنقص في صلاة الفجر تابعة للزيادة والنقص في صلاة المغرب، يقول شيخ الإسلام رحمه الله:«من ظن أن حصتيهما واحدة فقد أخطأ خطأ بينا» ؛ لأنه يختلف، قد نقول الحصة: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وتنقص ما بين غروب الشمس إلى مغيب الشفق، وقد تتساويان، وقد يزيد هذا على هذا بالنسبة للظهر والعصر.
بعض الناس يقول: إنك تقسم ما بين الزوال إلى الغروب نصفين بالساعات، وتضيف إليه نصف ساعة فحينئذ يدخل وقت العصر، لكن تتبعته كثيرًا فوجدته لا ينضبط؛ لأن الشمس يختلف سيرها باعتبار الصيف والشتاء، لكن
الآن درست هذه من جهة الفلكيين دراسة كبيرة وبينوها - والحمد لله - في التقاويم، لكن التقويم في الفجر متقدم، بعضهم يقول: متقدم بربع ساعة، وبعضهم يقول: عشر دقائق، وبعضهم يقول: خمس دقائق، وبعضهم يبالغ مبالغة كبيرة في تقدمه، لكن الظاهر لي أن خمس دقائق مؤكدة أن التقويم الموجود الآن في طلوع الفجر متقدم خمس دقائق؛ فليراع هذا، ولا يبادر الإنسان من حين أن ينظر إلى التقويم فيصلي عليه، بل يتأخر خمس دقائق، وإذا تأخر عشر دقائق ولابد أن يتأخر من أجل راتبة الفجر، هذه هي الأوقات.
* فائدة التوقيت:
ما فائدة التوقيت؟ التوقيت له فائدتان:
الفائدة الأولى: أن الإنسان لو صلى قبل الوقت لم تصح صلاته؛ يعني: لم تجزئ عن الفريضة، فإن كان يعلم أن الوقت لم يدخل فهو متلاعب، وصلاته باطلة، وإن كان لا يعلم فصلاته نافلة، ولا تجزئه عن الفريضة.
الفائدة الثانية: لو صلى بعد الوقت فإن كان لعذر فلا شيء عليه كالنوم والنسيان، وإن كان لغير عذر؛ فقال أكثر العلماء: إن صلاته صحيحة لكنه آثم.
والصحيح: أنها غير صحيحة، وأنه آثم، وليست بصحيحة بل مردودة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» .
أسئلة ومراجعة:
سبق لنا أن الصلاة لها زية على غيرها من العبادات، منها: أنها فرضت في سبع سموات، وفي ليلة المعراج، وتختص بأن تركها كفر بخلاف غيرها، وثوابها ثواب خمسين صلاة في