الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنجس، والدليل على هذا العدم - يعني: عدم الدليل- أين الدليل من الكتاب والسنة على أن دم الآدمي نجس؟ لا تجد، وإذا وجد الإنسان دليلا على هذا فعليه أن يأخذ به، ولكن إذا لم يجد دليلا فإنه لا يضيق على عباد الله ويلزمهم بما لم يلزمهم الله عز وجل، القيء أكثر العلماء على أنه نجس لكنه لا دليل على هذا، وكيف يكون نجسا ولم ترد السنة الصحيحة الصريحة بنجاسته مع أنه مما يبتلى به الناس كثيرا، فما أكثر المتقيئين، وما أكثر أن يتقيأ الصبي على أمه، ومثل هذا الذي تتوافر الدواعي على نقله ويحتاج الناس إلى بيانه لا يمكن إلا أن يكون مبينا واضحا.
فالقاعدة إذن: أن كل ما خرج من الآدمي فهو طاهر، لأن الآدمي طاهر إلا ما دل الدليل على نجاسته، وليس لنا بد من أن نقول ما قاله الله ورسوله في هذا وغيره.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز النخامة في المسجد وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثن، ولكن الفقهاء قالوا: إذا كان في المسجد فلا يبصقن فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البزاق في المسجد خطيئة"، ولاسيما المساجد المفروشة بالفرش؛ لأنه إذا بصق سوف يبقى أثرها حتى لو حكها برجله لابد أن يبقى أثرها.
أسئلة:
- ما أقسام الالتفات في الصلاة؟
- ما معنى التفات القلب؟
- ما معنى التفات البدن؟
- ما معنى قوله: "اختلاس يختلسه الشيطان"؟
- متى يجوز الالتفات؟
- قوله: "فإنه يناجي ربه" اشرح هذا القول؟ كونه يناجي ربه معناه: أن يتأدب مع الله عز وجل وألا يلتفت إلى سواه.
- ما مناسبة ذكر هذا الحديث في باب الخشوع في الصلاة؟
- هل في حديث أنس: "إذا تنخم أحدكم" ما يدل على طهارة البصاق؟
-
وجوب إزالة ما يشغل الإنسان عن صلاته:
235 -
وعنه رضي الله عنه قال: "كان قرام لعائشة رضي الله عنها سترت به جانب بينهما، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي". رواه البخاري.
قوله: "قرام لعائشة". القرام: قالوا: إنه ستر رقيق يستر به الباب، وقوله: "سترت به عائشة
بيتها"؛ لأنه إذا جعل على الباب فإنه يمنع من مشاهدة ما وراءه" وقوله: "بيتها" أي: بيتها الذي هي ساكنة فيه، وسيأتي الخلاف ها بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ملك لهم أو أضيفت البيوت إليهن باعتبار السكنى فقط لا باعتبار الملك، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"|أميطي عنا قرامك هذا" أميطي بمعنى: أزيلي، ومنه الحديث:"تميط الأذى عن الطريق صدقة". أي: تزيله، "فإنه" أي: القرام "لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي" بمعنى: أنه عليه الصلاة والسلام ينظر إلى هذه التصاوير التي فيه، والمراد بالتصاوير هنا: مجرد النقوس وليست تصاوير الحيوان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها حين رأى النمرقة التي بها الصورة أن تمزقها، واتفقا - أي: البخاري ومسلم- على حديثها، أي: حديث عائشة في قصة أنبجانية أبي جهم، وهذه الأنبجانية كان أبو جهم رضي الله عنها أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم خميصة، والخميصة كساء معلم له أعلام، ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعلامها نظرة واحدة، فلما انصرف من صلاته أمر أن ترد الخميصة إلى أبي جهم، وأن تؤخذ منه الأنبجانية وهي كساء ليس فيه خطوط وهو أيضا فيه نوع من الغلظة، وفيه:"فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي". ألهتني؛ أي: شغلتني عن صلاتي، أي: عن الإقبال عليها بالقلب.
في هذا الحديث فوائد؛ منها: جواز ستر البيت بالقماش، وجه هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة على ستره، لكنه أمرها أن تميطه من أجل أنه يشغله في صلاته، وهذا مقيد بما إذا لم يصل حد الترف فإن وصل إلى حد الترف دخل في النهي المستفاد من قوله تبارك وتعالى {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف: 31]. فإن كان لحاجة كأن يكون الجدار بارزا ويكسى بالقماش لتوقي برودته في الشتاء وحرارته في الصيف، فهذا جائز ولا إشكال فيه؛ وذلك لأنه قد علم أن كسوة الجداران بالقماش تجعله لطيفا؛ أي: تجعل الجدر لطيفة لا تكون شديدة البرودة في الشتاء ولا شديد الحرارة في الصيف.
ومن فوائد هذا الحديث: إضافة البيت الذي تسكنه عائشة إليها لقوله: "بيتها"، فهل هذا البيت ملك لها، أو أنه أضيف إليها لأنها ساكنة فيه؟ الظاهر الأول أنه ملك لها، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي بقيت النساء في بيوتهن، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث. ولو كان ملكا له - أي: للرسول - لم يرثنها؛ أي: لم ترث المرأة بيتها التي هي ساكنة فيه.
فإذا قال قائل: إذا قلتم بأن بيت ملك له فيرد عليه إشكال، وهو هل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
متساوية بحيث لا يفضل أحدها على الآخر؟ إن قلتم: نعم، فهذا يحتاج إلى إثبات ودليل، وإن قلتم: لا - وهو الغالب- ورد إشكال وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعدل بين زوجاته فيما يملك العدل فيه.
والجواب على هذا أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم برضاهن، وإذا رضيت الزوجات أن تفضل إحداهن على الأخرى في المنزل فلا حرج؛ لأن الحق لمن؟ فإذا رضين بالمفاضلة فلا حرج.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يصلي إلى شيء يشغله لقوله: "أميطي قرامك عني"، ومن ثم كره العلماء رحمهم الله أن يكتب في قبله المسجد شيئا قالوا: لأنه يلهي المصلي وصدقوا، هذا بقطع النظر عن المكتوب فإذا كان المكتوب شيئا منكرا ازداد ظلمة إلى ظلمته، ومن هذا ما يكتب في بعض المساجد:(الله، محمد)، لفظ الجلالة يكون عن يمين المحراب، ومحمد عن يسار المحراب؛ فإن هذا منكر ولا شك، ووجه كونه منكرا: أن وضعهما مكتوبين على حد سواء نوع من جعل النبي صلى الله عليه وسلم ندا الله تعالى؛ ولهذا لما قال له رجل ما شاء الله وشئت، قال:"أجعلتني لله ندا، بل ما شاء الله وحده". والرجل الذي لا يعرف المنزلة: منزلة الرب عز وجل، ومنزلة الرسول إذا رآها هكذا مكتوبين يظن أنهما في منزلة واحدة، وكذلك لو كان مكتوب في الجدار أشياء لا يستقيم معناها كالذين يكتبون على المحراب:{كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا} [آل عمران: 37]. هذا لا يجوز؛ لأن المحراب موضع الصلاة وليس الطاق الذي في القبلة، وهم يجعلون هذه الآية منزلة على الطاق الذي في القبلة، والطاق الذي في القبلة قد اختلف الناس فيه أي: في جوازه؛ فمنهم من يرى أنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مذابح كمذابح النصارى. وفسروا ذلك بالمحاريب، والصحيح: أن المحرم إنما هو ما أشبه محاريب النصارى؛ لأنه قيد "نهى عن مذابح كمذابح النصارى"، وأما المحاريب التي لا تشبه محاريب النصارى فليس فيها كراهة، بل فيها مصلحة، بل فيها الدلالة على القبلة وعلى مكان الإمام، إذن إذا رأينا هذه الآية مكتوبة على المحراب فإننا نتصل بالمسئولين ونبلغهم بذلك، وإذا أبلغناهم بهذا برئت الذمة، ومنها أن تكتب أسماء لله عز وجل لم تثبت أو أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم لم تثبت؛ فهذا ينهى عنه ويزداد النهي حيث إن هذه الأسماء لم تثبت.
ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر قد يلهيه الشيء عما هو أهم منه لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإنها لا تزال تصاويره تعرض لي".
ومنها: أنه إذا غلب الوسواس على أكثر الصلاة لم تبطل لقوله: "لا تزال تعرض لي في صلاتي" و"لا تزال" من الأفعال الدالة على الاستمرار، وهذا القول هو الراجح من أقوال العلماء؛ لأن السنة تدل عليه؛ ولأن القول يبطلان الصلاة إذا غلب الوسواس على أكثرها مشقة على الناس.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا حصل للإنسان ما يخل بكمال صلاته من فعل فاعل فإنه يطلب من هذا الفاعل أن يزيله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة أن تزيله.
ومنها: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إنه لم يزل هذا القرام بنفسه؛ لأنه لو أزال بنفسه لكان في ذلك مشقة عليها، لكن أمرها أن تزيله هي لأنها هي التي وضعته.
ومنها: الإشارة إلى أنه ينبغي إذا رأى الإنسان شيئا منكرا أو سمع شيئا منكرا من شخص أن يتصل بهذا الشخص يبين له المنكر حتى يزيله الشخص بنفسه، وهذا يقع كثيرا، تسمع مقالة الشخص أنه كتب مقالا أو تكلم بكلام ليس بصواب فهل الأولى أن ترد عليه أو الأولى أن تتصل به وتبين له الخطأ ليكون هو الذي يباشر تصويب ما قال؟ الثاني بلا شك؛ لأن هذا أحسن، أما إذا أصر وعاند والأمر منكر لا يدخل فيه الاجتهاد فيجب عليك أن تبين الحق. قال:
236 -
واتفقا على حديثها في قصة أنبجانية أبي جهم، وفيه:"فإنها ألهتني عن صلاتي".
"الأنبجانية" ذكرنا أنها كساء غليظ، وأما "الخميصة" فهي كساء معلم له أعلام، وذلك أن أبا جهم لما أهدى خميصته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبل الهدية ويثيب عليها، فيحتمل أن تكون هذه الأنبجانية أثاب النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهم على هديته، ويحتمل أنها لأبي جهم، على الاحتمال الأول لا الإشكال، وعلى الاحتمال الثاني يقال: كيف يطلب النبي صلى الله عليه وسلم من أبي جهم أنبجانية؟ وسيأتي الجواب عن هذا الإشكال.
فمن فوائد الحديث المتفق عليه: جواز صلا الإنسان بالثياب الرفيعة المنزل والقيمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة، ومحل ذلك: ما لم يشغله عن صلاته، فإن شغله عن صلاته فلا يفعل.
ومن فوائد ذلك: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث إنه لما رد على أبي جهم هديته طلب منه ما عند أبي جهم وهو الأنبجانية سواء قلنا إنها من النبي صلى الله عليه وسلم أو لا، ووجه كون ذلك من حسن الخلق: أنه إذا طلب النبي صلى الله عليه وسلم منه الأنبجانية طاب قلبه ولم ينكسر، وهذا أمر يجب على الإنسان أن يراعيه فيما إذا حصل ما يوجب كسر القلب أن يحرص على التئام القلب.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز سؤال الإنسان إذا علمنا أن المسئول يسر بهذا السؤال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طلب أنبجانية أبي جهم؛ لأنه يعلم علم اليقين أن أبا جهم يسر بذلك ولا يستثقله.