الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يشاهدون الرسول عليه الصلاة والسلام وإذا كانوا في أطراف الصف لابد أن يلتفتوا فيكون هذا لمصلحة، بل لمصلحة وحاجة أيضا وهي متابعة الإمام؛ ولهذا أول ما صنع له منبر جاء ليصلي عليه على درجاته وقال:"إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي".
ومن ذلك أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عينا في إحدى غزواته يبحث عن العدو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى الشعب الذي يأتي منه هذا العين. والعين هو الجاسوس هذا لحاجة، فالمهم أن الالتفات ببعض البدن مكروه إلا لحاجة أو مصلحة.
ومن فوائد هذا الحديث: التحذير من الالتفات؛ لأنك إذا التفت فقد ائتمرت بأمر عدو لك وهو الشيطان، والواجب الحذر من هذا، ولكن إبطال الصلاة وعدمه على حسب ما سمعتم. وقوله:"فإن كان ففي التطوع" هذه الكلمة زائدة إن صحت فهي أصل من الأصول في أن النوافل تختلف عن الفرائض، وقد جمعت الفروق فبلغت أكثر من عشرين فرقا بين صلاة النافلة وصلاة الفريضة.
حكم البصاق في الصلاة وضوابطه:
234 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه، فلا يبصقن بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه". متفق عليه.
- وفي رواية: "أو تحت قدمه".
هذا أيضا يتعلق بالخشوع في الصرة "إذا كان أحدكم في الصلاة" يعني: يصلي، والصلاة كلمة عامة تشمل الفرض والنفل، "فإنه يناجي ربه" أي: يكلمه بخفاء؛ لأن من أوصاف الصوت أن يكون نداء، وأن يكون مناجاة، ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى لموسى:{وندينه من جانب الطور الأيمن وقربنه نجسا} [مريم: 52]. فإذا كان المخاطب بعيدا فنداء، وإن كان قريبا فمناجاة فقوله:"يناجي ربه" أي: يكلمه، والرب عز وجل يكلم لكن بصوت مرتفع أو خفي؟ خفي.
"فلا يبصقن بين يديه" البصاق: معروف، وما بين يديه يعني: بينه وبين موضع سجوده، وكلما قرب فهو أقبح بين يديه، "ولا عن يمينه"، إذن أين يبصق؟ يقول:"ولكن عن شماله تحت قدمه"، وفي رواية "أو تحت قدمه" عن شماله بعيد من القدم، أو "تحت قدمه" أي القدمين؟
اليسرى ليجتمع الشمال والبصق تحت الرجل.
في هذا الحديث فوائد منها: عظم شأن الصلاة، وأنها صلة بين العبد وبين ربه؛ لأنه يناجي الله وما أحلى المناجاة من الحبيب، فإن أحب شيء إلى الإنسان هو الله عز وجل، وإذا كان يناجيه فهذا قرة عينه؛ ولهذا كانت الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم. وكان يقول لبلال:"أرحنا بها". وما أكثر الذين يقولون: أرحنا منها: وهي عندهم أثقل من الجبال، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من هؤلاء.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات الربوبية لله عز وجل، وهذا أمر في الحقيقة لا يحتاج إلى إثبات لأنه واضح.
ومن فوائده: النهي عن بصق الإنسان بين يديه إذا كان يصلي، لماذا؟ علل في أحاديث أخرى بأن الله تعالى قبل وجهه. فإذا كان الله قبل وجهه فهل من الأدب أن تبصق بين يديك والله تعالى قبل وجهك؟ لا، والله لو واحدا من عامة الناس كان قبل وجهك لاستحييت أن تبصق بين يديك، فكيف بالرب عز وجل، هذا النهي هل هو للتحريم أو للكراهة؟ قال بعض أهل العلم: إنه للكراهة، والصواب أنه للتحريم؛ لما فيه من سوء الأدب مع الله عز وجل.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا كانت العلة باعثة على الامتثال؛ فإنه ينبغي أن تقدم على الحكم، وجهه: أنه اخبر بأنه يناجي الله ثم فرع عليه "لا يبصقن قبل وجهه"، فإذا كانت العلة مما يبعث على الامتثال فقدمها قبل الحكم ليرد الحكم على النفس وقد تهيأت لقبوله.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينهى المصلي عن البصق عن يمينه، لكن ما العلة؟ العلة: أن عن يمينه ملكا، وهو الذي يكتب الحسنات، والبصق عن اليمين أهون من البصق قبل وجهه، ولذلك يتوقف الإنسان في كونه للتحريم بخلاف الأول.
فلو قال قائل: كيف تحكم على أنها للتحريم وبجملة أخرى على أنها للكراهة؟
قلنا: لا مانع من هذا، وليس فيه إلا أننا استعملنا المشترك في معنيين، المشترك النهي استعملناه مرة في الكراهة ومرة في التحريم لظهور الفرق بين قبح الفعلين؛ فإن البصق قبل وجه المصلي أشد - بلا شك- قبحا من البصق عن اليمين. إذا لم يبصق أمامه ولا عن يمينه، أين يبصق؟ بين الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك.
ومن فوائد هذا الحديث: أن من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا ذكر الممنوع فتح الباب الجائز،
وجهه: أنه قال: "ولكن عن شماله تحت قدمه"؛ ولهذا نظائر، وفي القرآن أيضا لما قال الله تبارك وتعالى {يأيها الذين ءامنوا لا تقولوا رعنا} قال: {وقولوا انظرنا [البقرة: 104]. ولما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول القائل: ما شاء الله وشئت، قال: بل ما شاء الله وحده، ولما جاءوه بالتمر الجيد الذي يأخذون الصاع منه بالصاعين والصاعين بالثلاثة نهاهم عن هذا، وقال لهم: بيعوا التمر الرديء بالدراهم، واشتروا بالدراهم تمرا طيبا، وهكذا ينبغي لطالب العلم إذا ذكر وجها ممنوعا أن يفتح الباب المباح، وما من وجه ممنوع إلا ويقابله المباح وهذا والحمد لله في كل شيء؛ لأنك إذا قلت: هذا حرام ولا يجوز ولم تفتح للناس بابا مباحا فالناس لابد أن يفعلوا ما كانوا يفعلونه فإذا ذكرت المباح عدلوا عن المحرم إلى المباح.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز الحركة للحاجة لقوله: "ولكن عن شماله تحت قدمه" وهذه حركة بلا شك.
وهل يؤخذ من هذا الحديث تحريم بلغ النخامة؛ لأنه أبيحت الحركة في الصلاة من أجل درئها؟ ربما يؤخذ، والفقهاء رحمهم الله صرحوا بأن بلع النخامة حرام على الصائم وغير الصائم، وقالوا: إذا ابتلعها الصائم بعد أن وصلت على فمه أفطر، ولكن نقول بأنه يفطر فيه نظر، والقول بالتحريم ليس ببعيد؛ لأنها في الحقيقة مستقذرة؛ ولأنها قد لا تخلو من أمراض تعود إلى المعدة ثم تتسرب إلى البدن.
ومن فوائد هذا الحديث: أن النخامة طاهرة، وجه ذلك: أنه قال: "تحت قدمه"، وإذا بصق تحت قدمه فلابد أن يلصق منها شيء في القدم، ولو كانت نجسة ما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يبصقها الإنسان تحت قدمه.
فإذا قال قائل: هل تقيسون على ذلك كل ما خرج من البدن؟
قلنا: نعم، الأصل أن كل ما خرج من البدن فهو طاهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن المؤمن لا ينجس". إلا ما دل الدليل على نجاسته مثل البول والغائط هذا نجس؛ لأن الدليل دل عليه، الدم أكثر العلماء على أنه نجس من الآدمي ولكنه يعفى عن يسيره، والصحيح أنه ليس