الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عائشة رضي الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، قالت:"كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة".
224 -
ولأبي داود، والنسائي: عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه، دون آخره، وقيد المرأة بالحائض.
أتى المؤلف رحمه الله بهذه الأحاديث مع أن الأول يغني؛ لأنه من رواية مسلم من باب التقوية، وفي بعضها زيادة وبعضها نقص، قوله:"قيد المرأة بالحائض" هل المراد: الحائض بالفعل أو التي قد حاضت؟ الثاني هو المراد يعني: البالغة.
وأخذ من هذا الحديث: أن الحيض يحصل به البلوغ؛ لأنها تصل به - أي: الأنثى- إلى أن توصف بأنها امرأة فيحصل به البلوغ، وبلوغ الأنثى يحصل بواحد من أربعة أمور:
أولا: إنزال المني. الثاني: إنبات العانة. والثالث: تمام خمس عشرة سنة. والرابع: الحيض.
والحمل لا يحصل به البلوغ لكنه علامة عليه، والبلوغ إنما حصل بالإنزال السابق للحمل؛ لأنه لا يمكن أن تحمل المرأة إلا بإنزال، وعلى هذا فيقال: الحامل بالغة لا شك، لكن بماذا حصل البلوغ؟
بالإنزال السابق للحمل، وليس بالحمل، ولكن الحمل دليل وعلامة على أنها قد بلغت.
فائدة السترة وحكمها:
225 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان". متفق عليه. وفي رواية: "فإن معه القرين".
قوله: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس" ليس المراد بذلك: أن يستر كل جسمه، بل المراد: إلى سترة؛ لأن السترة تمنع الناس من المرور بينك وبينها، فالمراد إذن: السترة، وقوله:"فأراد أحد""أحد" هذه نكرة في سياق الشرط؛ لأن قوله: "فأراد" معطوف على قوله: "إذا صلى" فهي داخلة في ضمن الشرطية، ويكون المراد بالأحد: العموم سواء كان رجلا أم امرأة، صغيرا أو كبيرا، فأراد أن يجتاز بين يديه؛ أي: يمر بين يديه، "فليدفعه"(الفاء) رابطة للجواب وهو جواب الشرط إذا، و (اللام) في قوله:"فليدفعه" اللام للأمر، وقد مر لكم أن جواب الشرط
يجب قرنه بالفاء في سبعة مواضع؟ إذا كان جواب الشرط واحد من هذه السبعة فإنه يجب اقترانه بالفاء أو بإذا الفجائية "اسمية" يعني: إذا كان الجواب جملة اسمية "طلبية": إذا كان الجواب جملة طلبية أمر أو نهي، أو ما أشبهه، و"بجامد" إذا كان جواب الشرط فعلا جامدا، الجامد هو الذي لا يتصرف مثل: عسى، وليس، وما أشبه ذلك، وب"ما" يعني: إذا قترن بما النافية، فإذا كان جواب الشرط مقترنا بما النافية وجب أتقرن به الفاء، و"قد" إذا كان مقترنا بقد وجبت الفاء، و"بلن" وإذا كان مقترنا ب"لن" وجبت الفاء، "وبالتنفيس" إذا كان مقترنا بالسين أو سوف، والأمثلة تمر بنا، لكن هذه هي المواضع التي يجب فيها الاقتران بالفاء، أو ب"إذا" الفجائية، ولكنه قد يأتي في النظم غير مقترن بالفاء، كقوله:[البسيط]
من يفعل الحسنات الله يشكرها
هذه الجملة اسمية وخلت من الفاء لكنه للضرورة. إذن "فليدفعه" من أي الأنواع السبعة؟ طلبية. "فليدفعه فإن أبى" أي: امتنع "فليقاتله" يعني: يدفعه بشدة وقوة، وليس المراد بالمقاتلة كالتي تؤدي إلى القتل؛ لأن دم المرء المسلم لا يحل بمثل هذا، لكن المراد: المدافعة بشدة كقوله صلى الله عليه وسلم في الصائم إن أحدا سابه أو قاتله فليقل: "إني امرؤ صائم". "قاتله" يعني: المضاربة، "فإنما هو شيطان" الجملة هنا تعليلية للجملة التي قبلها "فليقاتله"، كأن قائل يقول: لماذا يقاتل؟ قال: إنه شيطان؛ لأنه حاول إفساد المصلي، أو تنقيص أجره، ولا يحاول إفساد العبادة أو تنقيصها إلا الشيطان.
فعليه يكون معنى قوله: "فإنما هو شيطان"؛ أي: أن فعله فعل الشيطان، وذلك لمحاولة إبطال العبادة، أو تنقيصها، وفي رواية:"فإن معه القرين" القرين: يعني: من الشياطين، يعني: هو الذي أمره أن يجتاز من أجل إفساد العبادة؛ لأن كل معصية فإنها بأمر الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، وكل طاعة فهي من وحي الملك والنفس المطمئنة.
في هذا الحديث فوائد، منها: أن ظاهر قوله: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس" أن وضع السترة ليس بواجب؛ لأن قوله: "إذا صلى إلى شيء يستره" يفيد أنه قد يصلي إلى شيء يستره وقد لا يصلي، وسبق الخلاف في هذه المسألة، وأن الذي يترجح أن اتخاذ السترة ليس بواجب.
ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى فائدة السترة، وهي أنها تستر الإنسان من الناس،
وسبق لنا أنها تستر من الناس من جهة أن من مر من ورائها لا يضر المصلي شيئا، سواء كان ممن يقطع الصلاة أو لا، وأيضا هي تحمي الإنسان؛ لأن من مر به وأمامه السترة احترمه وتجنب أن يمر بين يديه، فهي تستر من الناس من هذين الوجهين.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب مدافعة من أراد أن يجتاز لقوله: "فليدفعه فإن أبى فليقاتله"، وهذا يدل على أنه لابد من المدافعة، وهذا في الفريضة أو النافلة واضح فيما إذا كان المار ممن يقطع الصلاة، فواضح أنه يجب؛ لماذا؟ لئلا يفسد عبادة واجبة، والعبادة الواجبة يجب على الإنسان إتمامها أما في النافلة أو إذا كان المار ممن لا يقطع الصلاة فالظاهر أن الأمر ليس على الوجوب بل على سبيل الاستحباب، وقد يقول قائل: إنه من باب الوجوب لا من حيث إفساد الصلاة، بل من حيث إنه تعزير وتأديب للمار حتى يتنبه؛ لأن بعض الناس - ونراهم في الحرم المكي- يمشي وعيونه في السماء ولا يبالي، فإذا شعر بأن المصلي سيدفعه فإن أبى فإنه يقاتله حينئذ ينتبه، المهم أن وجوب الدفع ظاهر فيما إذا كانت الصلاة واجبة والمار ممن يقطع الصلاة فيما عدا ذلك يحتمل أن يكون للوجوب، ويحتمل أن يكون للاستحباب؛ وذلك لأن صلاة النافلة لو قطعها الإنسان عمدا بدون عذر فله ذلك، ولكن نقول: قد نوجبه من جهة أخرى وهي التعزيز والتأديب لهذا، وأنه يجب على الإنسان أن ينتبه لإخوانه، ويرجح هذا- أي: يقويه- قوله: "فإن أبى فليقاتله".
ومن فوائد الحديث: أنه إذا أراد أحد أن يجتاز ممن يجاوز ما بين يديه فليس له الحق في مدافعته، لكن ما الذي بين يديه؟ قال بعض العلماء: يرجع في ذلك إلى العرف فما عد بين يدي المصلي فهو ما بين يديه، وما لا فلا، وقيل: يتقدر هذا بثلاثة أدرع من قدم المصلي، والأرجح أن ما بين يديه إن كان شيئا محددا كالسجادة والبلاطة في المسجد الحرام فما كان داخل المحدد فهو ما بين يديه، وما جاوزه فليس بين يديه، وإن لم يكن هناك محدد فما بين يديه هو منتهى سجوده، يعني: موضع الجبهة عند السجود؛ وذلك لأن هذا المصلي له مكانا محترما، فما مكانه المحترم؟ مكانه المحترم هو الذي يحتاجه للصلاة عليه، والرجل لم يحدد شيئا معينا لم يضع سترة ولم يكن له مصلى محددا، فإذن نقول: إنه لا يملك من الأرض إلا مقدار ما يحتاج في صلاته وهو منتهى سجوده.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا صلى إلى غير سترة فليس له الحق أن يمنع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيد الأمر بما إذا صلى إلى سترة، وهذه المسألة لولا أحاديث أخرى لكان هذا مقتضى النص، لكن هناك أحاديث أخرى تدل على أنه يدفعه مطلقا إذا أراد أن يجتاز بين يديه، وهذا هو الصحيح: إذا أراد أن يجتاز بين يديك وإن لم يكن لك سترة فلك أن تدفعه، لكن تفترق السترة
وغيرها بأن ما بينه وبين السترة كله محترم ولو بعد عن موضع السجود؛ إلا إذا كان بعدا فاحشا، وأما إذا لم يكن له سترة فإلى منتهى سجوده هذا هو الفرق.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لو أراد أحد أن يناول شخصا من بين يدي المصلي فلا بأس، الدليل قوله:"أن يجتاز"، وأما لو مد يده إلى الذي وراء المصلي يناوله شيئا أو يسلم عليه فلا بأس، لكن إذا كان هذا يحصل به تشويش على المصلي مثل أن يؤدي إلى أن المصلي ينظر أو يتابع النظر على هذا الذي مد يده، فحينئذ نقول: لا تفعل؛ لماذا؟ لأنه يؤدي إلى التشويش على المصلي وإدخال النقص في صلاته، أما إذا كان المصلي لا يهتم بذلك كرجل معروف بالخشوع في صلاته أو رجل أعمى لا ينظر إليه فلا بأس.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز مقاتلة من أبى أن يندفع، وحاول أن يجاوز لقوله:"فإن أبى فليقاتله"، ومرادنا بالجواز: أنه لا تمتنع المقاتلة لكنها مأمور بها. فإن قال قائل: أخشى لو قاتلته أن يقاتلني؟ قلنا: نعم، هذا ظاهر اللفظة "فليقاتل"؛ لأن المفاعلة تقتضي الفعل من الجانبين، فيقول: أخشى أن يقاتلني ثم تطول المسألة يضربني أضربه، نقول: إذا كان يخشى فساد صلاته بكثرة الحركة فلا يفعل؛ لأن أصل المقاتلة من اجل حماية الصلاة، فإذا أدى ذلك إلى فسادها فلا يفعل، وإذا تجاوز من فعل المأمور به من المدافعة ثم المقاتلة فالإثم على من؟ على المار.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بقرن الأحكام بعللها؛ لقوله: "فإنما هو شيطان"، وهذا أمر مطلوب للمفتي أن يقرن الأحكام بعللها أو بأدلتها، لاسيما إذا شعر بأن المستفتي لم يطمئن كثيرا بحيث قد يكون استغرب الإفتاء، فهنا ينبغي إن لم يجب أن يقرن الفتوى بالدليل أو بالعلة الواضحة حتى يطمئن المستفتي، على أنني أحبذ أن يقرن الفتوى بالدليل في كل فتوى إذا أمكنه ذلك؛ لأنه إذا قرن الحكم بالدليل صار المستفتي يفعل اتباعا للدليل، وهذه المسألة مهمة؛ لأن الفعل اتباعا للدليل هو تحقيق المتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، وأنت إذا قلت للمستفتي: هذا حرام هذا واجب؛ فإنه سيقتنع ما دام يعرف أنك من أهل الفتوى، لكن إذا قلت: يجب لقول الله تعالى، يجب لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، يحرم لقول الله تعالى، يحرم لقول الرسول، فإنه لا شك يزداد طمأنينة من وجه، ويشعر بأنه إذا فعل ما أفتيته به فهو متبع للدليل؛ وهذه مسألة مهمة ينبغي للإنسان المفتي أن يقرن الحكم بالدليل ما أمكنه حتى يكون مرشدا من وجهين: من وجه بيان الحكم، ومن وجه حمل الناس على الاتباع والتأسي، أما إعطاء الحكم جافا بدون دليل فإنه لا شك أنه يجزئ، ولكنه مع الدليل أحسن،