الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للحدية فتقع عليه وتفترسه وتأكله، هذا من آيات الله أن الله عز وجل يريك آياته في هذه المخلوقات بعضها يغلب بعضا وهو أقل منها، ولو أن الإنسان تأمل أكثر لوجد أكثر من هذه الحكم.
4 - باب سترة المصلي
السترة: ما يضعه المصلي بين يديه ليتقي به مرور المار، وقال بعض أهل العلم: ومن أجل أن يقتصر نظره على ما دون السترة فهي تحجب النظر عن أن يطيش يمينا وشمالا.
219 -
عن أبي جهيم بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه". متفق عليه، واللفظ للبخاري. ووقع في البزار من وجه آخر:"أربعين خريفا".
"لو" هذه شرطية بدليل أن لها فعل شرط وجوابه، فعل الشرط ما هو؟ "يعلم" وجوابه:"لكان أن يقف"، ولها معان متعددة كما ذكرها صاحب مغني اللبيب ابن هشام رحمه الله.
وقوله: "المار بين يدي المصلي" المرور: التعدي من اليمين إلى الشمال، أو من الشمال إلى اليمين، هذا المرور بين يديه، وبين يدي المصلي اختلف فيه العلماء فقيل: إن مرجع ذلك إلى العرف، وقيل: إنه بقدر ثلاثة أذرع من قدميه، وقيل: إنه بقدر مسجده، يعني: من مسجده فأدنى إلى قدميه هذا ما بين يديه، وما وراء ذلك فليس بين يديه، وهذا أقرب ما يكون من الأقوال أن بين يديه ما بينه وبين موضع جبهته في السجود.
وقوله: "لكان أن يقف أربعين خير له" هذه جواب الشرط "أن يقف" اسم كان "وخيرا" خبرها، والتقدير: لكان وقوفه أربعين خيرا له، ولم تميز الأربعين: أربعين يوما، أو شهرا، أو سنة، بألفاظ الصحيحين لم تميز، لكن في البزار من وجه آخر:"أربعين خريفا"، والخريف: السنة؛ لأن الخريف أحد الفصول الأربعة التي في السنة وهي الربيع، والصيف، والشتاء، والخريف، ويعبر عن السنة بالخريف؛ لأنه أحد فصولها، والتعبير بالبعض عن الكل سائغ لغة ومطرد.
"خير من أن يمر بين يديه" أي: بين يدي المصلي، وهذا على سبيل المثال؛ يعني: لو يقف هذه المدة أربعين سنة لكان خيرا من أن يمر، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لن يقف أحد أربعين سنة حتى المصلي لن يبقى أربعين سنة، لكن هذا من باب المبالغة في المنع من المرور بيد يدي المصلي.
في هذا الحديث فوائد، منها: تحريم المرور بين يدي المصلي، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب عليه الإثم، ولا يمكن أن يترتب الإثم على فعل إلا وهو محرم.
ومن فوائده: أن ظاهر الحديث لا فرق بين أن يصلي في الفضاء أو في المسجد أو في بيته، لعموم قوله:"المار بين يدي المصلي".
ومن فوائد الحديث: أنه لا فرق بين أن يكون المار يقطع الصلاة أو لا يقطعها.
ومن فوائد الحديث: أن ظاهره العموم في المصلي، وأنه لا فرق بين المصلي نفلا أو المصلي فرضا.
ومن فوائده: أن ظاهره لا فرق بين الإمام المنفرد والمأموم؛ وذلك لأنه مطلق بين يدي المصلي، أما الإمام والمنفرد فظاهر، وأما المأموم فقد دلت السنة على استثنائه، وذلك في مرور عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بين يدي المصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم في منى في حجة الوداع، وعليه فيستثنى من ذلك المرور بين يدي المأمومين، ولكن هل مروره بين أيديهم وعدمه على حد سواء؟ الجواب: لا؛ لأن مروره بين أيديهم يشوش عليهم، وربما يتأذون به، لاسيما إذا كثر الناس وهو يريد أن يركع أو يسجد سوف يتأذى، لكن أحيانا يحتاج الإنسان على المرور بين يدي المصلين، فإذا احتاج فلا بأس، وأما بدون حاجة فلا ينبغي أن يمر بين أيديهم وإن كان لا لإثم عليه.
ومن فوائد الحديث: أن الأحكام الشرعية تؤخذ من عدة صيغ: إما من الأمر، أو النهي، أو ترتيب ثواب، أو ترتيب عقاب، أو ذكر التحريم أو الإيجاب، فتؤخذ الأحكام مما يترتب عليه. ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان لو خير بين أن يقف أربعين سنة أو أن يمر بين يدي المصلي فليختر الوقوف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك خير له من أن يمر بين يديه، أقول: يكفي أن يقف دقيقة؛ لأن المصلي في الغالب لن يبقى أكثر من ثلثي ساعة، يكفي أربعين دقيقة، لكن الناس ما يقفون ولا أربعين ثانية ولا أقل، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر هذا التحذير.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المساوئ تتفاضل؛ يعني: بعضها أسوأ من بعض، كما أن الحسنات تتفاضل وجه ذلك: قوله: "حير له من أن يمر بين يديه"، ولا شك أن السيئات تتفاوت منها الصغائر والكبائر، والكبائر تتفاوت بعضها كبيرة وبعضها أكبر، وكذلك الصغائر.
ومن فوائد هذا الحديث: أن نقول: هل إذا مر المار بيد يدي المصلي هل يبطل الصلاة؟
يؤخذ من دليل آخر، فقيل: إنه لا يبطل الصلاة سواء كان رجلا أو امرأة صغيرة أم كبيرة، وقيل: بل إنه يبطل الصلاة في الثلاثة اللاتي ستذكر - إن شاء الله- فيما بعد؛ وهذا هو الصحيح.