المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أين محله في أقوال العلماء؟ عند المضمضة؛ لأنها هي محل - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح مقدمة ابن حجر رحمه الله

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب المياه

- ‌طهارة مياه البحر:

- ‌طهارة الماء:

- ‌كيف ينتقل الماء من الطهورية إلى النجاسة:

- ‌حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم:

- ‌النهي عن البول في الماء الدائم:

- ‌اغتسال الرجل بفضل المرأة والعكس:

- ‌ولوغ الكلب:

- ‌أقسام النجاسات:

- ‌ طهارة الهرة:

- ‌كيف تطهر المكان إذا أصابته نجاسة:

- ‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

- ‌2 - باب الآنية

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌حكم اتخاذ أوعية من جلود الميتة:

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الكفار:

- ‌تضبيب الإناء بالفضة:

- ‌3 - باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌تحريم الخمر وأحكامها:

- ‌الحمر الأهلية وحكم نجاستها:

- ‌حكم طهارة لعاب الإبل:

- ‌طهارة المني:

- ‌حكم بول الجارية والغلام والفرق بينهما:

- ‌حكم دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌4 - باب الوضوء

- ‌صفة الوضوء:

- ‌وجوب المضمضة والاستنشاق:

- ‌استحباب تخليل اللحية:

- ‌حكم الدلك:

- ‌صفة مسح الرأس والأذنين:

- ‌فضل إسباغ الوضوء:

- ‌استحباب التيمن:

- ‌المسح على العمامة وشروطه:

- ‌حكم البدء بالبسملة:

- ‌حكم الجمع بين المضمضة والاستنشاق بكف واحدة:

- ‌حكم ما يمنع وصول الماء في الوضوء:

- ‌أذكار الوضوء:

- ‌5 - باب المسح على الخفين

- ‌شروط المسح على الخفين:

- ‌صفة المسح على الخفين:

- ‌حقيقة السفر ومدة المسح للمسافر:

- ‌مدة المسح للمقيم:

- ‌حكم المسح على الخفين في الجنابة:

- ‌6 - باب نواقض الوضوء

- ‌حكم نقض الوضوء بالنوم:

- ‌عدم جواز صلاة الحائض:

- ‌الوضوء من المذي:

- ‌حكم نقض الوضوء بالقبلة:

- ‌خروج الريح:

- ‌مس الذكر:

- ‌القيء والرعاف والقلس:

- ‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

- ‌حكم من غسل ميتا:

- ‌حكم مس القرآن بغير وضوء:

- ‌هل يتوضأ من الحجامة:

- ‌حكم الوضوء من النوم:

- ‌التحذير من الوسواس في الوضوء:

- ‌7 - باب آداب قضاء الحاجة

- ‌تجنب دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله:

- ‌ دعاء دخول الخلاء:

- ‌الاستنجاء بالماء:

- ‌الأماكن المنهي عن التخلي فيها:

- ‌الكلام عند قضاء الحاجة:

- ‌النهي عن مس الذكر باليمين في البول:

- ‌النهي عن الاستنجاء باليمين:

- ‌النهي عن استقبال واستدبار القبلة بغائط أو بول:

- ‌ستر العورة أثناء قضاء الحاجة:

- ‌الدعاء بعد قضاء الحاجة:

- ‌ضرورة الاستجمار بثلاثة أحجار:

- ‌النهي عن الاستجمار بعظم أو روث:

- ‌الأمر بالاستنزاه من البول:

- ‌8 - باب الغسل وحكم الجنب

- ‌الجنابة من موجبات الغسل:

- ‌الاحتلام وأحكامه:

- ‌استحباب الاغتسال من تغسيل الميت:

- ‌حكم اغتسال الكافر إذا أسلم:

- ‌غسل يوم الجمعة:

- ‌حكم قراءة الجنب القرآن:

- ‌حكم نوم الجنب بلا وضوء:

- ‌صفة الاغتسال من الجنابة:

- ‌حكم المكث في المسجد للحائض والجنب:

- ‌جواز اغتسال الزوجين في مكان واحد:

- ‌9 - باب التيمم

- ‌التيمم من خصائص الأمة الإسلامية:

- ‌عدم صحة التيمم مع وجود الماء:

- ‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

- ‌بطلان التيمم بوجود الماء:

- ‌حكم التيمم للجروح عند مخالفة الضرر:

- ‌المسح على الجبيرة:

- ‌مسائل مهمة في المسح على الجبيرة:

- ‌10 - باب الحيض

- ‌الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌مباحث مهمة في الحيض:

- ‌علامة المستحاضة:

- ‌أحكام الاستحاضة:

- ‌حكم الاغتسال لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌وجوب الوضوء لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌حكم الكدرة والصفرة:

- ‌الاستمتاع بالحائض:

- ‌كفارة وطء الحائض:

- ‌أحكام تترتب على الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌كتاب الصلاة

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌استحباب التعجيل بالعصر وتأخير العشاء:

- ‌حكم الإبراد في صلاة الظهر:

- ‌الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها:

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب:

- ‌الحث على الصلاة في أول الوقت:

- ‌2 - باب الأذان

- ‌صفة الأذان ومعانيه:

- ‌كيفية الأذان:

- ‌لا يشرع الأذان ولا الإقامة لصلاة العيد:

- ‌متابعة السامع للأذان:

- ‌صفة متابعة الأذان:

- ‌حكم أخذ الأجر على الأذان:

- ‌حكم الوضوء للمؤذن:

- ‌حكم إقامة من لم يؤذن:

- ‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

- ‌3 - باب شروط الصلاة

- ‌شرط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر:

- ‌شرط ستر العورة وضوابطه:

- ‌شروط الساتر وضرورة طهارته:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

- ‌حكم صلاة المسافر على الراحلة:

- ‌شرط طهارة المكان وضوابطه:

- ‌الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها:

- ‌ حكم الكلام في الصلاة وضوابطه:

- ‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

- ‌4 - باب سترة المصلي

- ‌صفة السترة للمصلي:

- ‌الأشياء التي تقطع على المصلي صلاته:

- ‌فائدة السترة وحكمها:

- ‌حكم اعتبار الخط سترة:

- ‌مسألة الخط بالتلوين وهل يعتبر سترة

- ‌مسألة حكم العمل بخبر الآحاد والحديث الضعيف:

- ‌5 - باب الحث على الخشوع في الصلاة

- ‌النهي عن الصلاة بحضرة طعام:

- ‌حكم الالتفات في الصلاة وأنواعه:

- ‌حكم البصاق في الصلاة وضوابطه:

- ‌ وجوب إزالة ما يشغل الإنسان عن صلاته:

- ‌التحذير عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة:

- ‌النهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين:

- ‌6 - باب المساجد

- ‌وجوب تنظيف المساجد وتطييبها:

- ‌النهي عن اتخاذ القبور مساجد:

- ‌حكم دخول الكافر للمسجد:

- ‌حكم إنشاد الشعر في المسجد وشروطه:

- ‌حكم إنشاد الضالة في المسجد:

- ‌حكم البيع والشراء في المسجد:

- ‌حكم إقامة الحدود في المسجد:

- ‌تمريض المرضى في المسجد:

- ‌زخرفة المساجد وزينتها:

- ‌تحية المسجد:

الفصل: أين محله في أقوال العلماء؟ عند المضمضة؛ لأنها هي محل

أين محله في أقوال العلماء؟ عند المضمضة؛ لأنها هي محل تطهير الفم.

- هذا يدل على أن من الأحوال التي يسن فيها السواك الوضوء هل هناك شيء آخر؟ نعم عند قراءة القرآن، لكن هذا ذكره العلماء استحسانا عند الاستيقاظ من النوم وعند دخول البيت وعند تغير رائحة الفم.

- هل يستثنى من ذلك وقت من الأوقات؟ ذكر بعض أهل العلم أنه يكره التسوك للصائم بعد الزوال، وعللوا بعلة عليلة؛ العلة هي: أن آخر النهار للصائم - ولاسيما مع طول النهار- يفوح من معدته رائحة كريهة وهذه تسمى خلوف فم الصائم، وهي محبوبة عند الله عز وجل أطيب من ريح المسك، قالوا: وإذا كان كذلك فلا ينبغي السعي في إزالتها؛ لأنها أطيب عند الله من ريح المسك، وقياسا على دم الشهيد إذا قتل في سبيل الله فإنه لا يسن غسله بل لا يجوز غسله على القول الراجح، لأن هذا الدم ناشئ من طاعة الله من الجهاد في سبيل الله، فيقاس عليه خلوف فم الصائم، ولكننا نرد هذا بعموم الأدلة الدالة على التسوك مطلقا من غير قيد، وقال عامر بن ربيعة:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم". ذكره البخاري تعليقا، وهذا ليس ضروريا أن نحتاج إليه في الإثبات؛ لأن لدينا العمومات كقوله:"مع كل وضوء" فهذا عام يشمل وضوء الصائم بعد الزوال كما يشمل وضوء غيره.

فالصواب: أنه يسن للصائم أن يتسوك كما يسن لغيره في كل وقت.

هل يستثنى من ذلك أن يكون الإنسان بحضرة الناس؟ يسن ولو بحضرة الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تسوك أمام رعيته كان يتسوك أمام أصحابه، ولو كان هذا مكروها ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، ولو كان من خصائصه لبين أنه من خصائصه، لكن إذا كان يشغل الإنسان عن استماع شيء مأمور باستماعه فلا يفعل، فلو أن الإنسان أخذ يتسوك والإمام يخطب يوم الجمعة قلنا: لا يتسوك إلا إذا أراد به خيرا مثل أن يصيبه النعاس فيتسوك من أجل أن يذهب عنه النعاس، فهذا لا بأس به، بل قد نقول: إنه مشروع؛ لأنه يعينه على الاستماع إلى الخطبة، وسبق لنا هل يحصل التسوك بغير العود؟ قلنا: نعم، لكنه في العود أحسن وأنضر.

‌صفة الوضوء:

30 -

ثم قال: "وعن حمران أن عثمان رضي الله عنه". عثمان: هو أحد الخلفاء الراشدين؛ وهو الثالث منهم، وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على أنه الثالث في الخلافة، وأجمع أهل السنة

ص: 172

على أن عثمان بن عفان هو الثالث في الخلافة، وقال الإمام أحمد:"من طعن في خلافة واحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله"، وقال الحسن فيما أظن:"من زعم أن عليا أولى بالخلافة من عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار"، أي: عابهم وانتقصهم.

عثمان رضي الله عنه "دعا بوضوء" دعا به؛ أي: طلبه، والوضوء بالفتح: الماء الذي يتوضأ به.

"فغسل كفيه ثلاث مرات"، والكف من مفصل الذراع إلى رءوس الأصابع يبتدئ بالكوع والكسوغ والرسغ، ونختبر في هذا ما هو الكوع؟ العظم الذي يلي الإبهام، والكسوع: الذي يلي الخنصر، والرسغ: ما بينهما إلى أطراف الأصابع.

"فغسل كفيه ثلاث مرات": وهذا الغسل تعبد لا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعبد لله به فهو عبادة، لكنه ليس من الأعضاء التي يجب غسلها إلا بعد غسل الوجه، فيكون تقديم غسل الكفين هنا؛ لأنها آلة غرف الماء، فينبغي أن تكون نظيفة قبل أن يشرع في غسل بقية الأعضاء ثلاث مرات.

"ثم تمضمض، واستنشق، واستنثر"، وليس في ذكر التثليث لكنه قد تثبت به السنة، "تمضمض"، المضمضة: تحريك الماء داخل الفم، "واستنشق"، يعني: استنشق الماء في منخريه، "واستنثر"، يعني: نفر الماء الذي استنشقه، أما المضمضة فلتطهير الفم، وأما الاستنشاق فلتطهير الأنف، وليس في الحديث أنه أدخل أصبعه في أنفه وجعل ينظفه.

"ثم غسل وجهه ثلاث مرات" والوجه معروف ما تحصل به المواجهة، وحده العلماء رحمهم الله عرضا من الأذن إلى الأذن وطولا من منابت شعر الرأس المعتاد، وبعضهم قال: من منحنى الجبهة، وهذا اضبط؛ لأن منابت الشعر تختلف، بعض الناس ينحسر عند الشعر، أي: عن ناصيته فيكون أنزع، وبعضهم ينزل فيكون أغم، يعني: إذا نزل الشعر، فإذا قلنا: منحنى الجبهة صار هذا منضبطا سواء كان عليه شعر أم لم يكن، إلى أسفل اللحية.

وهل ما استرسل من اللحية يدخل في الوجه؟ في ذلك خلاف بين العلماء فمنهم من قال: إنه لا يدخل، كما لا يدخل المسترسل من شعر الرأس في الرأس، ومنهم من قال: إنه يدخل، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخلل لحيته، وإن كان الحديث فيه ما فيه، والوجه ما تحصل به المواجهة وأما الرأس فلأن الرأس من الترأس وما نزل عن منابت شعر الرأس ليس فيه ترأس.

ص: 173

"ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات" المرفق: ما يرتفق عليه الإنسان، وهو مفصل الربط بين العظم والذراع، وتسميته مرفقا واضحة؛ لأنه يرتفق عليه الإنسان، يعني: يتكئ عليه.

وقوله: "إلى المرفق" هو كقوله تعالى: {إلى المرافق} ، فهل (إلى) هنا للغاية أو لها معنى آخر؟

إن قلت: للغاية؛ فإن القاعدة الغالبة في (إلى) أن غايتها لا تثبت، وعلى هذا فتكون المرافق غير داخلة، وإن قلت: إنها بمعنى مع، أي: مع المرافق فالمرافق داخلة، ولكن إثبات أنها تأتي بمعنى (مع) يحتاج إلى دليل في اللغة العربية.

قالوا: الدليل قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} [النساء: 2]. أي: مع أموالكم، ولكن هذا فيه نظر، في الآية ضمن الفعل تأكل معنى تضموا أموالهم إلى أموالكم فلا شاهد فيه، ولكن يقال:(إلى) للغاية، والغالب أن الغاية لا تدخل في المغيا، لكن إاذ وجد دليل يدل على أن الغاية داخلة وجب الأخذ به، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدير الماء على مرفقه، وأنه يغسله حتى يشرع في العظم، وعلى هذا يكون معنى (إلى): الغاية، لكن دلت السنة على أن الغاية هنا داخلة، والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بكتاب الله ومراد الله، هنا لم يذكر الابتداء، قال:"إلى المرفق" ولم يذكر الابتداء، وسيأتي - إن شاء الله- في الفوائد: هل الأفضل أن تبدأ بأطراف الأصابع ماشيا بالماء إلى المرفق أو لك أن تبدأ بما شئت؛ لأن المحدود هنا الغاية دون البداية، يأتينا إن شاء الله.

"ثم اليسرى مثل ذلك" يعني: ثلاث مرات، "ثم مسح برأسه" ولم يذكر التكرار، ولم يذكر الأذنين قال:"مسح برأسه"، والباء هنا ليست للتبعيض كما زعمه بعضهم، ولا تأتي في اللغة العربية بمعنى التبعيض أبدا.

قال ابن برهان: من زعم أن الباء تأتي في اللغة العربية "للتبعيض" فقد قال على أهل العربية قولا - أظنه قال-: بما لا يعلمون أو كلمة نحوها، لكن الباء للإلصاق بمعنى: إنك تمر يدك على رأسك.

{وامسحوا برءوسكم} [المائدة: 6]. والرأس حده من جهة الوجه: منحنى الجبهة، وحده من الخلف: الرقبة، وحده من الجانبين: منابت الشعر، وهي في الغالب - غالب الناس- متساوية ولم يذكر الأذنين فيقال: إن عدم الذكر ليس ذكرا للعدم، فإذا جاءنا من طريق آخر أن الأذنين تمسحان فإنه لا معارضة بينه وبين هذا الحديث؛ لأن الساكت لا قال إنه ناف، وهذا هو معنى قول العلماء:"إن عدم الذكر ليس ذكرا للعدم"؛ لأنك لو قلت: إن عدم الذكر ذكر للعدم لكان

ص: 174

هذا الحديث يعارض الأحاديث الدالة على مسح الأذنين، فإذا قلت: ليس ذكرا للعدم، قلنا: الساكت ليس بمتكلم فضلا عن أن يكون سكوته معارضا للصريح.

يقول: "ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات" الكعبان هما: العظمان الناتئان في أسفل الساق، وهما يربطان بين الساق وبين القدم، ويقال في قوله:"إلى الكعبين" ما قيل في قوله: إلى المرفقين".

"ثم اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا". متفق عليه.

"رأيت": أي بعيني؛ أي: أبصرت، "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا"، قلنا: إن "رأيت" بمعنى أبصرت لا بمعنى علمت، وعلى هذا فقوله:"توضأ"، الجملة حال من النبي وليست مفعولا ثانيا؛ لأن رأي البصرية إلا مفعولا واحدا، وليت المؤلف جاء بباقي الحديث؛ لأن باقي الحديث من الناحية المسلكية مهم جدا جدا.

باقي الحديث يا إخوان، "ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه"، وهذه مهمة للإنسان من أجل أن يتعبد لله بهذه الصلاة، لكن المؤلف رحمه الله على الاختصار لا يذكر إلا الشاهد أحيانا؛ يذكر الشاهد ولا يستفيد الإنسان منه شيئا، كما سيأتينا - إن شاء الله- في كتاب الصلاة، لكن هنا أقول: غفر الله له، لو أنه ذكر هذا لأفاد فائدة كبيرة وهي: أن الإنسان كلما توضأ صلى ركعتين يجتهد ألا يوسوس فيهما ولا يحدث نفسه، إذا فعل ذلك غفر الله له ما تقدم من ذنبه.

في هذا الحديث فوائد منها: تواضع الصحابة الجم، وجهه: أن هذا خليفة على الجزيرة العربية، على المسلمين عامة؛ الشام، ومصر، والعراق، واليمن، والجزيرة، أمة عظيمة هو خليفة عليهم، ومع ذلك يدعو بالوضوء ليتوضأ أمام الناس حتى يدركوا ذلك بأعينهم، وهذا لا شك أنه تواضع جم.

ومن فوائده: أنه ينبغي للمعلم أن يسلك الوسائل التي تقرب المعنى إلى المتعلم، وجه ذلك: أنه أراهم إياها عمليا؛ لأن التطبيق العملي فيه مع العلم الذي محله القلب أنه يتصور الإنسان، ويبقى في مخيلته هذا الشيء المشاهد ولا ينساه.

ومن فوائده: ذلك أنه أدق في فهم المعنى، أرأيت لو قلت لك: إن القيل حيوان ضخم له خرطوم، وله آذان طويلة، وله أرجل غليظة قصيرة بالنسبة لحجمه، وله خرطوم قوي، ووصفته أدق وصف، هل تدركه مثل ما تدركه لو رايته؟ لا.

ص: 175

إذن لو أني وصفت الوضوء وقلت: افعل كذا وافعل كذا، وافعل كذا بأدق وصف، ثم شاهدته أنت عمليا أيهما أشد إدراكا؟ الثاني أشد.

ومن فوائد الحديث: جواز الوضوء لقصد التعليم، ولكن هل نقول: إن عثمان رضي الله عنه قصد التعليم والعبادة، وأنه إنما خرج عن نية العبادة في إظهار هذا الوضوء فقط، وإلا فهو يريد أن يتوضأ أو أنه توضأ عبثا؟

الظاهر الأول: أنه قصد التعبد، لكن قصد أن يكون أمام الناس من أجل أن يعلمهم.

ينبني على ذلك مسألة مهمة، لو أن إنسانا أراد أن يعلم الأطفال الصلاة وصلى صلاة تامة من أولها إلى آخرها بدون قصد النية لكن يعلمهم فقط، فهل نقول: هذا مشروع او غير مشروع؟ نقول: أما لو قطعه وجزأه وقال للصبي: ارفع يديك قل هكذا، ثم سبحانك اللهم وبحمدك، ثم اقرأ الفاتحة، ثم إذا قرأت الفاتحة اقرأ سورة، ويكلمه كلاما، ثم اركع وقل هكذا هذا لا بأس به وإلا إشكال فيه، لكن قول: الأفضل أن يجعلها عبادة تعبد ليستفيد ويفيد.

يتفرع على ذلك أيضا شيء آخر: بعض الناس في مشاهد التمثيليات يجعلون إنسانا يصلي على أنها تمثيلية وهذا حرام عليه، لا يجوز أن تمثل العبادات تمثيل مشاهدة للمرح أو ما أشبه ذلك، بل يجب الكف عن هذا، وكذلك بعضهم يأتي بقرآن وما أشبه ذلك، كل هذا لا يجوز في مثل هذه الأشياء التي هي للمرح والترويح عن النفس دون قصد التعليم.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه يشرع غسل الكفين ثلاث مرات قبل الوضوء، دليله: أن عثمان فعل ذلك، وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا.

وهل هذا الغسل واجب؟ لا ليس بواجب بل هو سنة، والدليل على أنه ليس بواجب قول الله تبارك وتعالى:{يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلىلصلوة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6]. ولم يذكر غسل الكفين، فدل هذا على أن غسل الكفين قبل غسل الوجه ليس بواجب وإنما هو سنة.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يشترط للوضوء مقارنة الاستنجاء خلافا للعامة، العامة يظنون أنهلا يمكن ان يتوضأ إلا باستنجاء حتى ولو كان مستنجيا قبلها ولو بساعة لابد أن يعيد الاستنجاء وهذا غلط. الاستنجاء الغرض منه تطهير المحل فقط، ولا علاقة له بالوضوء إطلاقا.

هل هذا الحديث يدل على أنه يجوز الوضوء بدون تقدم من استنجاء صحيح؟ قد يقال ذلك؛ لأن الآية الكريمة والواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلموا عن الاستنجاء؛ لأن الاستنجاء عمل مستقل، وهذه المسألة - أعني: هل يصح الوضوء قبل أن يتقدمه استنجاء أو استجمار شرعي- فيها خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: لا يصح الوضوء قبل الاستنجاء فلو أن الإنسان لم يستجمر استجمارا شرعيا وإنما استجمر حتى يبس المحل وأنقى المحل بدون أن

ص: 176

يعتبر ذلك بثلاث مسحات ثم توضأ، فمن قال: إنه لا يصح الوضوء قبل الاستجمار الشرعي والاستنجاء قال: وضوؤه غير صحيح، وإذا كان قد صلى فصلاته غير صحيحة، وإذا قلنا: إنه يصح، وإنه لا علاقة للاستنجاء بالوضوء، وهذا هو القول الراجح قلنا: إن صلاته صحيحة.

ومن فوائد هذا الحديث: تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه، وهل هذا واجب؟ الجواب: لا، لو غسل وجهه أولا ثم تمضمض واستنشق واستنثر فلا بأس، لكن الأفضل أن يبدأ بالمضمضة والاستنشاق؛ لأن المضمضة والاستنشاق فيهما شيء من البطون، يعني: أنها باطنة، فكان البدء بتنظيفها أولى من الظاهرة؛ لأن الوجه ظاهر.

ومن الفوائد: مشروعية الاستنثار، فهل الاستنثار واجب؟ الجواب: لا، الاستنشاق هو الواجب والاستنثار سنة، كما أن المضمضة واجبة، ولفظ الماء سنة وليس بواجب، ثم قال المؤلف:

30 -

وعن علي رضي الله عنه في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومسح برأسه واحدة". أخرجه أبو داود.

31 -

وعن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنهما في صفة الوضوء- قال: "ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه، فأقبل بيديه وأدبر". متفق عليه

- وفي لفظ لهما: "بدأ بمقدم رأسه، حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه".

32 -

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في صفة الوضوء- قال: "ثم مسح صلى الله عليه وسلم برأسه، وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه ظاهر أذنيه". أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن خزيمة.

سبق لنا في حديث حمران مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه أن عثمان دعا بوضوء وذكر الحديث، وهذا أجمع حديث في باب الوضوء، ولهذا جاء به المؤلف رحمه الله عمدة، فكل الروايات التي بعده ما هي إلا تفريع أو ذكر بعض أجزاء هاذ الحديث العظيم.

ص: 177

قال: "وعن علي رضي الله عنه

" الحديث، "مسح": يعني النبي صلى الله عليه وسلم "برأسه" أي: على رأسه، لكن الباء هنا أتت في مكان (على) للإشارة إلى أن المسح استوعب الرأس، فإن الباء تفيد الاستيعاب كما في قوله تعالى: {وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29]. والرأس معروف: هو منابت الشعر، وأما الرقبة والجبهة فليست منه، وقوله: "واحدة" أي: مسحة واحدة، ولا يعارضه حديث عبد الله بن زيد الذي يأتي بعده، فإنما خفف في تطهير الرأس لمشقة غسلها، فإنه لو غسل لكان ذلك مشقة على الإنسان، ولاسيما في أيام الشتاء إذا جعل الماء يتسرب على وجهه ورقبته وثيابه، فلهذا خفف فيه ولله الحمد، ثم جعل واحدة؛ لأنه يحصل بها كمال التعدد، فالتكرار لا يليق أن يقال: يطلب التكرار في موضوع خفف أصل التطهير فيه، فلا ينبغي أن يكرر، قال العلماء: إنه لا تكرار في كل ممسوح.

يستفاد من هذا الحديث: أن الواجب في مسح الرأس مرة واحدة لا يزيد عليها، ويستفاد من ذلك: تخفيف الشريعة الإسلامية وسهولتها ويسرها.

وعن عبد الله بن زيد في - صفة الوضوء- قال: " .... ومسح رأسه فأقبل بيديه وأدبر" معنى "فأقبل بيديه وأدبره": أنه مسح بيديه جميعا ولم يمسح بيد واحدة بل باليدين جميعا، أقبل وأدبر: أي بدأ بما هو يستقبل بدنه وهو الناصية وأدبر من الخلف، ولذلك فسره بقوله في اللفظ الآخر:"بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه"، وهذا لا ينافي حديث علي رضي الله عنه؛ لن هذه المسحة في الكيفية فقط؛ لأن الرأس كما تعلمون شعره من الناصية متجه إلى الإمام، وشعره من الخلف متجه إلى الخلف، فإذا مسحه من عند الناصية استقبل بطون الشعر، ويستقبل بالنسبة للخلف ظهور الشعر، ثم إذا عاد استقبل بطون الشعر من الخلف، وظهور الشعر من جهة الناصية هذا هو الحكمة في أن يأتي بالمقدم إلى ما ينتهي من المؤخر، ثم يعود.

وفي الحديث من الفوائد ما سبق الإشارة إليه وهو: أنه لابد من المسح، فلو غسله بدلا عن مسحه فهل يجزئ؟ قال بعض العلماء: إنه يجزئ؛ لأنه انتقال من الأخف إلى الأعلى، والصحيح أنه لا يجزئ؛ لأنه خلاف ما أمر الله به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، ولهذا كان هناك قول ثالث في المسألة وهو: أنه يجزئ الغسل إن أمر يده على رأسه؛ لأنه إذا أمر يده على رأسه صار ماسحا، لكنه جعل في ماء المسح، وهذا القول له حظ من النظر، لكن لو أراد الإنسان التعنت والتنطع فربما يقال: إنه لا يصح حتى ولو مسح يده بعد

ص: 178

غسلها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون - قالها ثلاثا-"؛ ولإنكاره على الذين واصلوا متشددين في صيامهم، فيمكن أن يقال: حتى وإن مسح على رأسه مع الغسل فإنه لا يجزئ؛ لأنه من باب التنطع، والتنطع هلاك.

قال: وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في صفة الوضوء- قال: "ثم مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهامه ظاهر أذنيه" هذا يبين صفة المسح - مسح الأذنين-.

هل يمسح الأذنان؟ الجواب: نعم، يمسح الأذنان مع الرأس لأنهما منه، ولكن كيفية ذلك أن يدخل السباحتين في الأذنين، والسباحتان هما السبابتان، والسبابتان هما ما بين الإبهام والوسطى، سميتا بذلك؛ لأن الإنسان يشير بهما عند التسبيح وعند السب والشتم.

وقوله: "في أذنيه" يعني: في ثقب الأذنين، واختيرت السباحة؛ لأنها هي التي يشار بها عادة ويعمل بها عادة، فلذلك خصت من بين سائر الأصابع.

وقوله: "ومسح بإبهامه ظاهر أذنيه" الإبهامان معروفان، وظاهرهما يعني: ظاهر الأذنين، وهما الجهة التي تلي الرأس، وأما الغضارين فلا يجب مسحها وإنما المسح خاص بالصماخ وظهور الأذنين فقط.

ففي هذا الحديث دليل على مشروعية مسح الأذنين، والصحيح أن مسحهما واجب؛ لأنهما من الرأس، وفيه أيضا: بيان كيفية مسح الأذنين وهو أن يدخل الإنسان السبابتين في صماخيهما ويمسح ب‘بهامه ظاهرهما.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يشرع تكرار مسح الأذنين؛ لأن الحديث ليس فيه التكرار، وقد ذكرنا فيما سبق في مسح الرأس، أنه إنما يمسح مرة واحدة، وكذلك الأذنان؛ لأنهما ملحقان به، ويشبه إلحاق الأذنين بالرأس إلحاق الأنف بالجبهة في السجود، يعني: فهما ليسا عضوين مستقلين لكنهما عضوان تابعان للرأس فيجب مسحهما كمسح الرأس.

33 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاثا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه". متفق عليه.

"استيقظ": أي صحى من النوم، وقوله:"من نومه" لم يقيد بنوم ليل أو بنوم نهار، ولكن قوله:"فإن الشيطان يبيت" يفيد أن المراد بالنوم هنا: نوم الليل، وسيأتي الكلام عليه في الفوائد إن شاء الله.

ص: 179

وقوله: "فليستنثر ثلاثا" الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد استنشاقه، يعني: أن تستنشق الماء أولا ثم تستنثره. وقوله: "ثلاثا" أي: ثلاث مرات، ولم يبين هل لكل استنثارة غرفة أن إنه يستنثر بغرفة واحدة؟ والجواب: أن هذا مما يتسامح فيه إن شاء بغرفة واحدة، وإن شاء بثلاث غرفات.

وقوله: "فإن الشيطان يبيت على خيشومه"(أل) هنا للجنس وليست للعهد، فلا يخص شيطانا معينا؛ بل المراد جنس الشياطين.

أسئلة:

- كيف يمسح أذنيه؟

- ما هو ظاهر الأذنين؟

- ما معنى الاستنثار؟

وقوله: "إذا استيقظ أحدكم من نومه" قلنا: إن كلمة "نوم" عامة، وطريق العموم فيها أنها مضافة، والمفرد المضاف يكون للعموم، وقوله:"فإن الشيطان" قلنا: المراد بـ "أل" هنا الجنس، يعني: ليس شيطانا معينا بل جنس الشياطين.

"يبيت على خيشومه" أي: على أنفه؛ لأن الخيشوم تطلق على الأنف كله، وتطلق على العظام الرقيقة التي هي داخل الأنف.

في هذا الحديث فوائد منها: أمر من استيقظ من النوم أن يستنثر ثلاثا، يستفاد من قوله:"فليستنثر ثلاثا"، وهل هذا الأمر للوجوب أو لا؟ نقول: الأصل في الأمر الوجوب لاسيما وأن النبي صلى الله عليه وسلم علل ذلك بأمر يجب التنزه عنه، وهو أثر الشيطان الذي يبيت على الخيشوم.

ومن فوائد هذا الحديث: تكرار التطهير ثلاثا لقوله: "فليستنثر ثلاثا" فهل يؤخذ من هذا أن إزالة النجاسة لابد أن تكون بثلاث غسلات، وأنه لا يكتفى بمرة واحدة ولو زالت النجاسة؟

يحتمل هذا وهذا، ويحتمل أن يقال: إنه يقاس عليه بقية النجاسات كما ذهب إليه بعض الفقهاء، وقال: إنه يشترط في إزالة النجاسة أن تكون بثلاث غسلات، والمذهب - كما هو معروف عندكم- لابد من سبع غسلات.

ومن فوائد هذا الحديث: اعتبار التثليث في كثير من الأحكام الشرعية كما في هذا الحديث ونظائره.

ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قرن الحكم بعلته، وقرن الحكم بالعلة له فوائد:

منها: العموم إذا كانت هذه لعلة موجودة في غير ما نص عليه.

ص: 180

ومنها: تنشيط الإنسان على العمل أو نفوره منه؛ فإن كان في خير فإنه ينشط، وإن كان في غيره فإنه يهرب ولا ينشط، وهذا من باب الترهيب لقوله:"فإن الشيطان يبيت على خيشومه".

ومنها: ثبوت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن علمه بأن الشيطان يبيت على خيشومه لا يدرك بالحس؛ فإنه لو اجتمع أهل الأرض كلهم على أن يطلعوا على هذا ما اطلعوا عليه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك عن طريق الوحي؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب.

ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره العموم، أي: عموم الأمر بالاستنثار في كل نوم لقوله: "من نومه"، ولكن العلة تقتضي التخصيص حيث قال:"فإن الشيطان يبيت على خيشومه". فمن العلماء من أخذ بالعموم، وقال: إن تعليل بعض أفراد العام بعلة لا يقتضي التخصيص. ومن العلماء من قال: بل العلة تخصيص العام، وعلى كل حال: الاحتياط أن يستنثر الإنسان ثلاثا حتى في نوم النهار؛ لأن اللفظ يحتمله، وعود العلة على بعض أفراده لا يقتضي التخصيص، كما أن عود الحكم على بعض الأفراد داخل في التخصيص.

ونضرب لهذا مثلا بحديث جابر: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة". إذا نظرنا إلى أول الحديث: "قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم"، قلنا: إن الشفعة ثابتة لكل شريك باع شريكه نصيبه المشترك سواء كان من الأراضي أو من السيارات أو من المعدات أو غيره لعموم قوله: "في كل ما لم يقسم" حتى في الثياب، وإذا نظرنا إلى قوله:"فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق" قلنا: إن هذا يقتضي أن يكون المراد بالعموم في قوله: "في كل ما لم يقسم": الأراضي فقط؛ لأنها هي التي يقع فيها الحدود ويصرف فيها الطرق، ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله هل الشفعة واجبة في كل شيء أو في الأرض التي تجب قسمتها أو تجوز حسب الاختلاف المعروف عند العلماء، ومن ذلك قوله تعالى:{والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر} [البقرة: 228].

وهذا عام، المطلقات تشمل من لزوجها الرجعة عليها ومن لا رجعة له عليها، لكن قوله:{بعولتهن أحق بردهن في ذلك} يقتضي أن يكون المراد بالمطلقات هنا الرجعية، والعلماء جمهورهم على الأول: أن جميع المطلقات يلزمهن أن يتربصن ثلاثة قروء ولم يلتفتوا إلى تخصيص الحكم في بعض الأفراد ولا شك أن الاحتياط الأخذ بالعموم سواء في هذا أو في هذا، يقول:

34 -

ص: 181

وعنه - يعني: أبي هريرة أيضا رضي الله عنه: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده". متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.

الجملة الأولى في هذا الحديث مطابقة تماما للجملة الأولى في الحديث الذي سبقه، لكن ما بعدها يخالفهما؛ في الحديث الأول فيه الأمر، والحديث الثاني فيه النهي:"فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا" يعني: حتى يغسلها بعد النوم ثلاثا، أي: ثلاث مرات.

"فإنه لا يدري أين باتت يده". متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، فإنه - أي: المستيقظ- لا يدري أين باتت يده، وقوله:"لا يدري" أي: لا يعلم أين باتت يده، من المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يريد: لا يعلم أباتت معه في الفراش أو باتت في مكان منفصل لا يريد هذا إطلاقا، لكن يريد: لا يعلم أين باتت يد من حيث التصرف والعمل، فقد تكون حركت إلى أماكن قذرة أما ما أشبه ذلك. هذا قول بعض العلماء، ولذلك سيأتي أنهم يقولون: إنه إذا باتت يده في جراب أو نحوه مما يتيقن الإنسان أنها لم تصب شيئا نجسا؛ فإنه لا يدخل في هذا الحديث، وقيل:"لا يدري أين باتت يده" من الناحية الغيبية، وهو أنه ربما يكون الشيطان قد عبث بيده في منامه، كما أنه يبيت على خيشومه يبيت على يده ويلوثها بأقذار أو أنجاس تؤثر في الإنسان، وهذا الأخير هو الأقرب.

على هذا نستفيد من هذا الحديث فوائد منها: أن الإنسان إذا استيقظ من النوم فإنه لا يجوز أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا للنهي، والأصل في النهي التحريم.

ومنها: هل يجوز أن يغمس بعضها لقوله: "فلا يغمس يده"؟ لا؛ لأن الأصل فيما أضيف إلى اليد أن يكون عاما لها، واليد إذا أطلقت فإنها إلى الكف، وإذا قيدت إلى المرفق تقيدت به، لكن عند الإطلاق تكون إلى الكف، ويحتمل أن يقال: نرجع إلى القاعدة العامة "أن المنهي عنه يتناول النهي فيه جزأه وكله"، وأن غمس بعض اليد كغمس اليد كلها، وهذا هو الأصح؛ لأن الأصل في النهي عنه أن يعم جميع المنهي عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"، وعلى هذا فيكون النهي شاملا لغمس اليد كاملة أو غمس جزء منها.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجب تطهير ما يشك في كونه نجسا لقوله: "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده"، وهذا مبني على أن التعليل هذا يعني أنه ربما تلوثت يده بنجاسة وهو لا يدري، لكن هذا القول ضعيف، ولذلك لما كان هذا التعليل هو الذي ذهب إليه بعض العلماء

ص: 182