الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا رأيت من المستفتي أنه استغرب الحكم - وهذا يعرف بملامح وجهه- فهنا يجب أن تذكر الدليل؛ لماذا؟ لكي يطمئن من وجه، ولئلا يذهب إلى آخرين يستفتيهم ويفتونه بغير علم.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المار بين يدي المصلي مع المدافعة - بل حتى مع عدم المدافعة- شيطان، وذلك لمشابهة الشيطان في محاولة تنقيص العبادة أو إبطالها.
ومن فوائد اللفظ الآخر: أن القرين من الشياطين يأمر بالعدوان والظلم، وهو كذلك؛ ولهذا قال الله عز وجل:{ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عدوة كأنه ولي حميم وما يلقها إلا الذين صبروا وما يلقها إلا ذو جظ عظيم وإما بنزغنك من الشيطن نزغ فاستعذ بالله} [فصلت: 34، 36]. فأرشد الله تعالى إلى مقابلة المسيء من الإنس والمسيء من الجن.
حكم اعتبار الخط سترة:
226 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد فلينصب عصا، فإن لم يكن فليخط خطا، ثم لا يضره من مر بين يديه".
أخرجه أحمد، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن.
قوله: "إذا صلى أحدكم فليجعل". "إذا صلى" أي: إذا أراد أن يصلي، ولو أخذنا بظاهرها لكان إذا فرغ من الصلاة، وهذا غير مراد قطعا، إذن "إذا صلى" أي: إذا أراد أحدكم أن يصلي.
فإن قال قائل: ما الفائدة من إطلاق الفعل على إرادته؟
قلنا: الفائدة من ذلك أن يتبين للمخاطب أن المراد: الإرادة الجازمة التي تستلزم الفعل، هذا هو فائدة التعبير بالفعل على إرادته؛ ولذلك لو أن الإنسان أراد أن يصلي لكن يصلي مثلا بعد ساعة أو ساعتين لا يقال: هذا الفعل مقارنا للإرادة، لكن الفعل يكون مقارنا للإرادة إذا كانت الإرادة قريبة من الفعل.
وقوله: "فليجعل تلقاء وجهه شيئا" أي: شيئا فوق العصا، بدليل قوله:"فإن لم يجد فلينصب عصا" يعني: "إن لم يجد" معناها: التحول من حال عليا إلى حال دونها، فعليه يكون المراد
ب"شيئا" وإن كان نكرة، فالمراد به: شيئا فوق العصا مثل مؤخرة الرجل، فإن لم يجد شيئا فلينصب عصا ينصبها قائمة، وليس يضجعه على الأرض، اللهم إذا كانت الأرض صلبة لا يمكن أن يغرزه فيها فحينئذ يضعه عرضا لا طولا.
فإن لم يكن عصا فليخط خطا، كيف يخط خطا؟ هل يخطه طولا أو عرضا؟ عرضا، وقال بعضهم: ينبغي أن يجعله مقوسا، لكن الحديث كما ترون مطلق، ولا شك أن المراد به، العرض، لكن هل يجعله مقوسا ممدودا؟ الأمر في هذا واسع، "ثم لا يضره ما مر بين يديه" "بين يديه" أي: ما وراء هذه السترة، وليس المراد بين يديه أي بينه وبين السترة، بل من وراء هذه السترة، قال ابن حجر رحمه الله:"ولم يصب من زعم أنه مضطرب" وهو ابن الصلاح رحمه الله، قال: من زعم أنه مضطرب لم يبين اسمه لفائدتين: الفائدة الأولى: أنه لا داعي لذكر الاسم؛ لأن المقصود هو الحكم. ثانيا: أنه ربما يكون أحد من الناس يزعم أنه مضطرب فيكون عدم التعيين مفيدا للعموم- أي: كل من زعم-، والاضطراب: هو اختلاف الرواة في حديث بحيث لا يمكن الجمع ولا الترجيح، والنسخ معروف أنه لابد من تأخر الناسخ، فإذا وجدنا حديثا اختلف الرواة في سنده أو متنه على وجه لا يمكن الجمع ولا الترجيح علمنا بأنه مضطرب، إلا أن نعلم تأخر أحد الحكمين فيكون ناسخا.
في هذا الحديث فوائد، منها: الأمر بوضع السترة لقوله: "فليجعل" وظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون في الفضاء والبنيان، ولا بين أن يخشى مارا أو لا يخشى، وقال بعض أهل العلم: إن ذلك فيما إذا خشي مارا، أما إذا لم يخش مارا فلا حاجة إلى السترة؛ كإنسان دخل المسجد وليس فيه أحد، ويعلم أنه لن يأتي أحد أو إنسان في برية ولا يخشى أحدا يمر فإنه لا يضع السترة، لكن هذا القول ضعيف، والصواب: أن السترة مشروعة سواء خشي مارا أم لا.
ومن فوائد هذا الحديث: التدرج من الأعلى إلى الأدنى، وأن الإنسان ينبغي أن ينشد الكمال أولا، فإن لم يحصل فما دونه، وهذا شيء يكون في مواضع كثيرة، مثلا نقول: في الوضوء الأصل: أن يتوضأ ثلاثا ثم مرتين ثم واحدة، فالتدرج من الأعلى إلى الأدنى كثير ومنه هذا الحديث.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأفضل فيمن أراد أن يستتر بعصا أن يجعله قائما لقوله: "فلينصب عصا" وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إذا أراد ان يضع سترة يركز العنزة على الأرض حتى تكون قائمة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المصلي إلى سترة يجعلها تلقاء وجهه لا يميل عنها يمينا ولا