الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهل يبطل بخروج الوقت؟
الجواب: لا، إذن ليس دخول الوقت شرطا لصحته ولا خروجه- أي: الوقت- مبطلا له، بل ما دام الإنسان على طهارته فهو على طهارة؛ لأن التيمم طهارة كاملة كما سيتبين إن شاء الله تعالى.
وهل يختلف فيه الحدثان الأكبر والأصغر؟
الجواب: لا، لا يختلفان الأصغر والأكبر سواء؛ لأن المقصود به التدين والتعبد لله عز وجل.
وهل يشرع في غبر الحدث، كما لو كان بدنه نجسا - يعني: عليه نجاسة، ولم يجد ما يغسلها به فهل يتيمم؟
الجواب: في هذا خلاف، والصحيح لا؛ وذلك لأن المقصود من غسل النجاسة هو إزالتها، وهذا لا يحصل بالتيمم فلا فائدة منه، وكما أنه لا يتيمم لنجاسة الثوب، لو كان عليه ثوب ولا يستطيع تطهيره فإنه لا يتيمم له، ولا يتيمم لنجاسة الأرض لو كان في أرض نجسة لا يستطيع الخروج منها، لا نقول: تيمم، إذن التيمم خاص بالحدث الأصغر والأكبر فقط.
التيمم من خصائص الأمة الإسلامية:
التيمم من خصائص هذه الأمة، وكم لله تعالى من فضل على هذه الأمة من الخصائص العظيمة لو لم يكن من ذلك إلا أن الله خصها بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لكان كافيا، فإن هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، والرسول صلى الله عليه وسلم خير رسول أرسل إلى الناس، وخصائص هذه الأمة كثيرة ولله الحمد منها: التيمم؛ حيث قال المؤلف رحمه الله فيما ساقه:
118 -
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل". وذكر الحديث.
"أعطيت" والمعطي هو الله، فضل الله يؤتيه من يشاء؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقسم الغنائم:"إنما انا قاسم والله يعطي". فالذي أعطاه الله عز وجل تفضلا منه وكلاما، وقوله:"خمسا" هذا لا يفيد الحصر، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بمثل هذا العدد في بعض الأحيان مع وجود ما يماثله ولكنه يريد تقريب الشيء؛ ولهذا للنبي صلى الله عليه وسلم خصائص غير هذا؛ ولهذه الأمة خصائص غير هذه، وهذا مثل قوله:"ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم". ويوجد آخرون.
ومثل قوله: "سبعة يظلهم الله في ظله". ويوجد آخرون.
قوله: "لم يعطهن أحد" ممن؟ من الأنبياء وغيرهم. "قبلي"، ولماذا لم يقل: ولا بعدي. لأنه لن يأتي رسول من بعده.
الأول: قال: "نصرت بالرعب مسيرة شهر" نصرت، والناصر هو الله عز وجل {ولينصرن الله من ينصره} [الحج: 40]. وقال تعالى: {فنعم المولى ونعم النصير} [الحج: 78]. وقوله: "بالرعب" أي: الخوف الذي يلقيه الله تبارك وتعالى في قلوب الأعداء كما قال تعالى في بني النضير: {وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} [الحشر: 2]. ولا شك أن الرعب في العدو أقوى سلاحا بفتك به؛ لأن من في قلبه الرعب لا يمكن أن يثبت قدمه لأبد أن يهرب ولا يمكن أن يستقر، فالرعب من أعظم، بل إن لم أقل أعظم سلاح بفتك بالعدو.
وقوله: "مسيرة شهر" يحمل هذا على ما كان معروفا في عهد الرسول - عليه الصلا والسلام- وهو سير الإبل المحملة وليس في كل زمان ومكان؛ لأننا لو قلنا بهذا لكان في زماننا مسيرة شهر يبلغ كل المعمورة مشارق الأرض ومغاربها؛ لأن المراد ما كان معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني: يقول: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا} هذا الشاهد ف"الأرض" هنا "أل" فيها للعموم؛ أي: كل أرض مسجدا، أي محلا للصلاة، وأصله محل السجود، لكن السجود يطلق على الصلاة، فيكون المعنى: مسجدا، أي: محلا للصلاة، أي مكان، : وطهورا" الطهور بالفتح ما يتطهر به، فوصف الله الأرض بأنها طهور، وأطلق ولم يقل: الأرض ذات التراب، ولا ذات الأشجار أطلق، وقال:"طهورا" كما قال: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا {[الفرقان: 48]. ليتطهر به، والأرض طهور كما أن الماء طهور، "فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل" هذه جملة شريطة مكونة من فعل الشرط وهي "أدركته الصلاة"، وجوابه وهو قوله:"فليصل"، وإدراك الصلاة يكون بدخول وقتها فليصل في أي مكان؛ لأنه إن قال: أريد أن أؤخر لأجل أن أتوضأ بالماء.
قلنا له: الأرض طهور، وإذا قال: أؤخر الصلاة لأجد مكانا أطمئن إليه أكثر. قلنا: الأرض مسجد لا عذر لك، عندك طهورك وعندك مصلاك فلا عذر لك.
قال: "وذكر الحديث"، وينبغي أن نذكره لما فيه من الفائدة:"وأحلت لي الغنائم". هذه الثالثة: "ولم تحل لأحد قبلي""الغنائم": ما يأخذه المسلمون من أعدائهم بقتال وما ألحق به، وكانت فيما سبق تجمع وينزل الله عليها نارا من السماء فتأكلها؛ ولذها احتج المكذبون للرسول عليه الصلاة والسلام بقولهم: يأتينا بقربان تأكله النار، فكانوا فيما سبق يجمعون
الغنائم فينزل الله عليها نارا فتأكلها، وإذا حدث أن أحدا غل من الغنيمة - يعني: أخذ منها - لم تنزل النار فيبحث من الغال حتى إذا أدرك وألقى الغلول في الغنيمة نزلت النار فأكلتها، وهذه من آيات الله عز وجل.
الرابعة: "وأعطيت الشفاعة" والشفاعة هنا المراد بها: الشفاعة العظمى التي لا ينالها إلا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي التي تكون حين يصيب الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون في الموقف؛ لأن الموقف مقداره خمسون ألف سنة بأهواله العظيمة التي تجعل الولدان شيبا، فيلحق الناس هم وكرب لا يطيقونه، فيلهمهم الله عز وجل أن يذهبوا إلى آدم أبو البشر خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، ولكنه يتعذر، فيلهمهم الله أن يذهبوا إلى نوح أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، وأثنى الله عليه بقوله:{إنه كان عبدا شكورا} [الإسراء: 3]. ولكنه يعتذر، ثم يأتون إلى إبراهيم بالترتيب الزمني فيعتذر، فيأتون إلى موسى فيعتذر، فيأتون إلى عيسى كل ذلك بإلهام الله عز وجل فلا يعتذر لكنه يتخلى عنها لوجود من هو أحق بها وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه من حكمة الله عز وجل، أن الله ألهمهم أن يذهبوا إلى هؤلاء السادة فيعتذرون بما يعتذرون به.
والخامس منهم لا يعتذر بشيء، ولكنه يحيل المسألة إلى من هو أولى بها وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فيأتون إليه فيشفع لهم عند الله. ويأتي الله تعالى للفصل بين عباده، هذه الشفاعة كما سمعتم لم ينلها أحد من الناس، أشرف البشر ما نالوها، ادخرها الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لا أحد يحجر على الله؛ لأن له الحكم يفعل ما يشاء، إذن أعطيت الشفاعة"، ما هي؟ الشفاعة العظمى التي يعتذر عنها سادات البشر، وينالها محمد صلى الله عليه وسلم.
الخامسة: "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، ويعثت إلى الناس عامة". "كان النبي" المراد بالنبي هنا: الجنس، يعني: النبي من الأنبياء يبعث إلى قومه، وذلك حين تتعدد الأقوام، وإنما قيدت بذلك لئلا يرد علينا رسالة نوح؛ لأن نوحا رسالته إلى أهل الأرض، لكن في ذلك الوقت ما كان هناك أمم متفرقون وأقوام لكل قوم نبي، بل الناس واحد فبعث إليهم نوح وقصته معروفة، "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة"، وقلنا: إن نوحا عليه السلام بعث على الناس عامة لأنهم قومه، لم تتفرق الأمم ولم تكثر الخلائق فكان قومه هم أهل الأرض؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:{رب لا تذر على الأرض من الكفرين ديارا} [نوح: 26]. وأغرق الله أهل الأرض كلهم إلا ثلاثة من بني نوح.
في هذا الحديث فوائد:
منها: منة الله تبارك وتعالى على هذه الأرمة؛ حيث خصها بخصائص لم تكن للأمم من قبلهم، وهذا داخل في ضمن قوله تعالى:{كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110]. ولم يرد سوى هذا اللفظ فيما سواها من الأمم؛ ورد في بني إسرائيل أن الله فضلها على العالمين، لكن قال العلماء: أي: عالمي زمانهم لا على كل العالم؛ لأن هذه الأمة بالاتفاق هي خير الأمم.
ومنها: فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث أعطاه الله تعالى ما لم يعط أحدا من الأنبياء قبله.
ومنها: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث يجمع بعض الأشياء المتشتتة في سياق واحد؛ لأن ذلك أوعى للقلب وأسمع للأذن، ولم يلزم إذا خص عددا معينا في موضع ألا يزيده في موضع آخر كما قد بينا في الشرح.
ومن فوائد هذا الحديث: إعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم هذا السلاح الفتاك في عدوه وهو الرعب، فقد نصر بالرعب مسيرة شهر، وما دون ذلك من باب أولى.
وهل يثبت هذا لأحد من أمته؟ الجواب: إذا كانت الأمة على سيرة نبيها صلى الله عليه وسلم ثبت لها ذلك ولا شك؛ لأن المعنى الذي نصر من أجله الرسول صلى الله عليه وسلم إذا وجد في أمته فالنصر باق كما قال الله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله} [التوبة: 32]. وعلى هذا فنقول: إذا تخلف النصر عن الأمة فلابد أن يكون لذلك سبب، وأسباب الخذلان كثيرة:
منها: المعصية. ومنها: الإعجاب بالنفس. ومنها: عدم الإخلاص في الجهاد كالذين يقاتلون لأجل القومية العربية، أو غيرها من القوميات، فإن النصر ليس مضمونا لعدم الإخلاص؛ لكن قد يكون من اجل أن يسلطوا على الآخرين لا انتصارا لهم، أن النصر إذا تخلف في هذه الأمة فلابد أن يكون له سبب، وأما إذا قامت الأمة بما قام به نبيها صلى الله عليه وسلم وخلفاؤها الراشدون فإنه لابد أن يحصل النصر، ومن تتبع التاريخ علم الشاهد لذلك.
نتكلم الآن عن قوله: "مسيرة شهر" دائما يكون في الحديث مسيرة ثلاثة أيام، مسيرة شهر، وفي القرآن خمسين سنة، خمسين عاما وما أشبه ذلك، فالمسيرة هنا مسيرة الشهر، بأي شيء توزن المسيرة؟ قال العلماء: توزن المسيرة فيما هو غالب في ذلك الوقت، والغالب في ذلك الوقت سير الإبل المحملة على عادة المسافر لا السريعة ولا البطيئة جدا، كل ما وجدت مسيرة يومين أو ثلاثة أيام أو ما أشبه ذلك، فاحملها على أن ذلك على مسيرة الإبل المحملة التي جرت العادة بالقياس بها.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الله جعل الأرض مسجدا وطهورا، والجعل ينقسم إلى قسمين: قسم بمعنى الشرع، وقسم بمعنى التصيير والخلق، ففي قوله تعالى: {وجعلنا الليل لباسا وجعلنا
النهار معاشا} [النبأ: 10، 11]. ما هذا؟ الخلق والتصيير، أي: صبرناه معاشا، {وجعلنا الليا والنهار ءايتين} [الإسراء: 12]. كذلك وفي قوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة} [المائدة: 103]. أي: ما شرع؛ لأن البحيرة موجودة، العرب يفعلون البحيرة، والسائبة والوصيلة والحام، لكن {ما جعل} أي: ما شرع، هنا جعلت الأرض مسجدا من أي القسمين؟ الشرعي.
ومن فوائد هذا الحديث: أن جميع الأرض تصح فيها الصلاة، كل الأرض، فأي إنسان رآك تصلي وقال: صلاتك غير صحيحة في هذا المكان لابد أن تقول: ما هو الدليل؟ وعموم هذا يقتضي صحة صلاة الفريضة في جوف الكعبة، فتصح صلاة الفريضة في جوف الكعبة كما تصح النافلة، وصلاة النافلة ثبتت بها السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين في جوف الكعبة. والأصل أن ما ثبت في النقل ثبت في الفرض، وعندنا هذا العموم:"جعلت لي الأرض مسجدا".
فإن قال قائل: الفريضة لا تصح في الكعبة، ولا في الحجر؟
سألناه هل الكعبة في السماء أم في الأرض؟ فسيقول: في الأرض، إذا قال: في الأرض، قلنا: ما الذي أخرجه من هذا العموم: "جعلت لي الأرض".
يبقى على هذا: ما الذي يستثنى لننظر؟
أولا: المكان النجس يستثنى، المكان النجس لا يصلى فيه، ودليل ذلك: أنه لما بال الأعرابي في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب عليه ذنوبا من ماء. وهذا يدل على أنه لابد أن تكون أرض المصلي طاهرة، وهذا نص صريج.
ثانيا: قول الله تعالى: {أن طهرا بيتي للطائفين والعكفين والركع السجود} [البقرة: 125]. وهذا يشمل الطهارة الحسية والمعنوية، هذا واحد؛ المقبرة لا تصح الصلاة فيها، ودليل ذلك أمرين:
الأمر الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي مرثد الغنوي: "لا تصلوا إلى القبور".
فإذا نهى عن الصلاة إلى القبور - أي: تجعلها قبله له- خوفا من الفتنة والشرك، فالصلاة بينها من باب أولى ولا شك.
الأمر الثاني: أنه روى الترمذي بإسناد لا بأس به، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام". فالمقبرة لا يصح الصلاة فيها لا فرضا ولا نفلا سواء كان ذلك بين
القبور، أو خلف القبور، أو عن يمين القبور، أو عن شمال القبور، وعلى هذا فإذا كانت مقبرة كبيرة فيها مساحات كبيرة لم يدفن فيها؛ فالصلاة في هذه المساحات لا تصح؛ لأنها داخلة في اسم المقبرة، ومن هنا نأخذ حرص الشارع على حماية التوحيد، وتجنب كل طريق موصل إلى الشرك؛ لأن فتنة القبور ليست هبة بل من أعظم الفتن التي افتتن بها بنو آدم فتنة القبور.
الثالث: "الحش والحمام"، الحمام فيه الحديث الذي سمعتم:"الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام"، والحش من باب أولى، والفرق بينهما: أن الحمام هو المغتسل، والحش هو المحتلى - يعني: الذي يقضي فيه الإنسان حاجته ببول أو غائط-، وكان هذا معروفا عند السابقين، وأدركناه نحن، كان الناس بالأول في بيوتهم كنف تقضى فيها الحاجة فقط، البول أو الغائط، ثم يقوم الإنسان من هذا المكان إلى مكان آخر ليستنجي أو يستجمر، فالمكان الأول هذا يسمى حشا لا تصح الصلاة فيه لهذا الحديث الذي هو الحمام، فإن الحش أخبث من الحمام.
الرابع: أن تكون الصلاة إلى قبر بحيث يكون القبر بين يدي الإنسان، فإن الصلاة في هذا المكان لا تصح؛ لا لأنه نجس أو خبيث أو ما أشبه ذلك، ولكن لأن كون القبر أمامك وسيلة إلى الشرك، فإنه قد يتدرج الناس - ولاسيما الجهال- إلى الصلاة للقبور؛ ولهذا ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:"لا تصلوا إلى القبور".
الخامس: أعطان الإبل وهي مناخها التي تقيم فيها وتأوي إليها، وعلى القول الصحيح: ما تعطن فيه بعد شرب الماء؛ لأن الإبل إذا شربت الماء تنحت قليلا عن مكان الماء ثم وقفت تبول وتروح، فالإبل معاطنها لا تصح الصلاة فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في معاطن الإبل فأيى، قال:"لا"، قالوا: نصلي في مرابض الغنم، قال:"نعم". هل لأن أروائها نجسة وأبواها نجسة؟ لا، ولكن لأن أعطانها مأوى الشياطين؛ لأن الإبل خلقت من الشياطين كما خلق الإنسان من عجل - يعني: أن طبيعتها طبيعة الشياطين - وليس المعنى: أنها من ذرية الشيطان؛ لأن هذا عالم آخر، لكن هذا كقوله:{خلق الإنسن من عجل} [الأنبياء: 37]. يعني: أن طبيعتها طبيعة الشياطين، فتكون معاطنها مأوى الشياطين فلا تصح الصلاة فيها؛ وقال بعض
العلماء: إنها لا تصح الصلاة فيها؛ لأنه يخشى على الإنسان الذي يصلي فيها أن تدعسه الإبل وتهلكه، لكننا لو جعلنا هذه هي العلة لزم أن تصح الصلاة فيها إذا لم تكن موجودة فيها، وظاهر الحديث العموم، وهذا هو الصحيح أنه عام فلا تصح الصلاة في معاطن الإبل، أما ما بركت فيه الإبل لكون صاحبها نزل في أرض يستريح يتغذى أو يتعشى أو ينام ثم بالت وراثت ثم انصرفت، فهذا لا يعد من معاطنها فتصح الصلاة فيه.
السادس: المغصوب عند كثير من العلماء: الأرض المغصوبة أو أي شيء غصبته من صاحبه وصليت؛ فإن الصلاة لا تصح فيه على قول كثير من أهل العلم، وجه ذلك أن لبسه في هذا المكان معصية ومنهي عنه ولا يمكن أن يكون محلا لطاعة لما في ذلك من التضاد، كيف تقيم مقاما نقول لك: إنك عاص، ونقول في نفس الوقت: إنك مطيع؟ ! هذه منافاة تامة وتناقض، فلا تصح الصلاة في أرض مغصوبة، وعلى هذا فمن بقي في بيته مستأجرا دون رضا صاحب البين؛ فإن صلاته لا تصح ولا صلاة أهله، اللهم إذا كان أهله لا يستطيعون أن يصلوا في مكان آخر، فهنا قد نقول: إنهم مثل الذين حبسوا في مكان غصب تصح صلاتهم لكن إثمها على رب الأسرة.
فإذا قال: إنه باق بالأجرة بدون رضا المؤجر بناء على القانون؛ لأن بعض الدول إذا استأجر الإنسان البيت صار كالمالك لا يمكن لأن يخرج منه إلا إذا طارت نفسه منه. فنقول: إن القانون لا يحلل الحرام، وأنت إذا احتججت بالقانون فإذا أخذت الحجة بقوة السلطان فأنت ظالم لا شك، وإن احتججت بالقانون لأنك جعلته الحكم بين الناس دون حكم الله فإنك على خطر عظيم أن تكون مشركا، الذي يقيم بحجة القانون بغير رضا صاحبه لا يخلو من حالين: إما أن يحتج بالقانون باعتبار السلطة، وأنك لا تستطيع أن تخرجني؛ لأنك مهما رفعت الأمر سيكون بقائي لازم، فهذا نقول: إنه عارض ظالم، ولا إشكال فيه، وإما أن يحتج بالقانون مقدما له على حكم الله ورسوله، فهذا على خطر، ويصح أن نقول: إنه مشرك؛ لأن الله تعالى قال: {اتخذوا أحبارهم ورهبنهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم} [التوبة: 31]. فقال عدى بن حاتم لرسول اله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم، قال:"أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه، ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ " قال: نعم، قال:"فتلك عبادتهم". فالمسألة خطيرة؛ ولهذا أوصي إخواني الذين من غير هذه البلاد أن يبثوا هذا الوعي في العامة أنه لا يجوز لأحد أن يسكن دار تخص غيره بغير رضاه حتى بحكم القانون.
أما الصحيح من أقوال العلماء في هذه المسألة - أي: الصلاة في الأرض المغصوبة-: أن الصلاة صحيحة لكنه آثم، وذلك لانفكاك الجهة؛ لأن الصلاة طاعة من حيث أمر الله بها، والغصب معصية من حيث النهي عن أكل المال بغير حق، ولم يرد النهي عن الصلاة نفسها، لو قيل مثلا: لا تصلي في أرض مغصوبة بهذا اللفظ، لقلنا: الصلاة باطلة، كما قلنا: إن الصلاة تدخل في أوقال النهي بقوله: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع البشمس". فهنا لو صلى الإنسان صلاة ليس لها سبب بعد صلاة الفجر، لقلنا: صلاته باطلة، وهو آثم، لأن النهي هنا عن الصلاة.
فالصحيح: أن الصلاة في الأرض المغصوبة صحيحة لكنه آثم بالبقاء، ووجه ذلك: انفكاك الجهة؛ والنهي لم يرد عن الصلاة نفسها، لو قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تصلوا في الأرض المغصوبة"؛ قلنا: إذن الصلاة باطلة كما قلنا ببطلان صلاة الرجل إذا صلى في وقت النهي.
المهم: ما هو الأصل في الأرض أن تصلح للصلاة أو لا؟ تصلح للصلاة، هذا هو الأصل، فأي إنسان يعترض قل له: هات الدليل، أما حديث عبد الله بن عمر في أنها لا تصح الصلاة في سبع مواطن. فهذا حديث ضعيف، ولا يعول عليه.
ومن فوائد حذا الحديث الشريف: أن جميع الأرض مكان للتيمم، لقوله:"وجعلت الأرض مسجدا وطهورا" كل الأرض، الأرض الحجرية يصح التيمم عليها؟ نعم، الرملية. نعم، الندية؟ نعم، كل الأرض جعلت مسجدا وطهورا.
فإن قال قائل: إذا كانت الأرض رملية أو ندية، أو حجرية فليس فيها غبار فلا يصح التيمم بها؟
قلنا: من قال أنه يشترط أن يكون فيها غبار والحديث عام، والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الناس يسافرون في أيام الشتاء، وأيام الشتاء ما بين أمطار أو طل أو ما أشبه ذلك، وهو عليه الصلاة والسلام سافر إلى تبوك وفي طريقه الرمال الكثيرة، والناس يتيممون، على هذا فالتيمم على أي نوع من أنواع الأرض جائز سواء كان فيها تراب أو لا.
فإن قال قائل: أليس قد جاء في هذا الحديث: "جعلت تربتها لنا طهورا"؟
فنقول: إن كانت هذه اللفظة محفوطة - يعني: عن النبي صلى الله عليه وسلم فهي من ذكر بعض أفراد العام بما يوافق حكم العام، وذكر أفراد العام بما يوافق حكم العام لا يفيد التخصيص كما هو معروف، اللهم إلا إذا كان هذا المخصص لوصف يقتضي الحكم، كما لو قلت: أكرم الطلبة، ثم قلت: أكرم المجتهد، فهنا يكون التخصيص، أما اللقب الذي هو مجرد اسم فهذا ليس
بتخصيص، وهذا ما تجدونه أحيانا في بعض المجادلات ببين الفقهاء يقولون: مفهوم هاذ مفهوم لقب، ومفهوم اللقب ليس بحجة.
قلنا طريقان: إما أن نقول: هذا ذكر بعض أفراد العام بما يوافق العام، وهذا لا يقتضي التخصيص لما حققه أهل العلم في أصول الفقه، ومن آخر ما رأيت الشيخ الشنقيطي رحمه الله في كتابه "أضواء البيان" وهذا هو الذي عليه الجمهور، وإما أن نقول: إن هذا بناء على الغالب.
فإن قال قائل: ما تقولو في قول الله: {فأمسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6]؟
فالجواب: أن "من" هنا لا يلزم أن تكون للتبعيض، بل هي لبيان الجنس أو للابيتداء؛ ولهذا جاء في حديث عمار بن ياسر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما ضرب الأرض نفخ في كفيه قبل أن يسمح وجهه، فالصواب: إذن: أن جميع الأراضي يصح التيمم منها بدون استثناء، لكن اشترط الله في ذلك أن تكون طيبة، قال:{صعيدا طيبا} [النساء: 43].
ومن فوائد الحديث: أنه لا يجب طلب الماء قبل دخول الوقت؛ لقوله: "أدركته الصلاة".
ومن فوائده: الإشارة إلى فعل الصلاة في أول وقتها.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز لمن دخل عليه وقت الصلاة ولم يجد الماء أن يصلي بالتيمم، وإن كان يعلم وجود الماء في آخر الوقت لقوله:"أدركته الصلاة".
وقال بعض أهل العلم: إذا علم وجوده في آخر الوقت لزمه التأخير، وله حظ من النظر؛ لأن تقديم الصلاة في أول وقتها سنة، واستعمال الماء عند وجوده واجب.
ومن فوائده: أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها ولو لعالم بوجود الماء قريبا لقوله: "فليصل"، ويعضده قوله تعالى:{إن الصلوة كانت على المؤمنين كتبا موقوتا} [النساء: 103].
ومن فوائد الحديث: حل الغنائم لهذه الأمة؛ لقوله: "وأحلت لي الغنائم".
ومن فوائده: جواز النسخ في الأحكام سواء كان ذلك باعتبار النبوات أو باعتبار الشريعة الواحدة، يعني: باعتبار الشرائع، أو باعتبار الشريعة الواحدة.
ومن فوائده: فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم بإعطاء الشفاعة؛ لقوله: "وأعطيت الشفاعة".
ومن فوائده: إثبات الشفاعة، والعلماء رحمهم الله، بل هذه الأمة- اتفقوا - فيما أعلم- أن الشفاعة العظمى ثابتة، يعني: قال بذلك السني والبدعي، أما الشفاعة في أهل الكبائر فعند المعتزلة والخوارج لا تثبت؛ لأنهم يرون أن فاعل الكبيرة مخلد في النار، ولا يمكن أن يشفع فيه، والصحيح أنها ثابته، ولذلك أدلة معروفة في كتب العقائد.