الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما معنى الإقبال في قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أقبلت حيضتك"؟
الوضوء من المذي:
63 -
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كنت رجلا مذاء، فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله؟ فقال: فيه الوضوء". متفق عليه، واللفظ للبخاري.
قال: "كنت رجلا مذاء" هل المراد ب"كان" فيما سبق، أو المراد ب"كان" هنا تحقيق هذه الصفة؟
الجواب: الثاني؛ لأن "كان" تأتي ويراد بها تحقيق الصفة دون ملاحظة الزمن، وهي كثيرة في كتاب الله مثل قوله تعالى:{وكان الله غفورا رحيما} [النساء: 96]. {وكان الله سميعا بصيرا} [النساء: 134]. وما أشبه ذلك هذا ليس المعنى أنه كان في زمن مضى، بل المراد تحقيق هذه الصفة بقطع النظر عن الزمان، إذن "كنت رجلا مذاء" ليس فيما سبق، وأني الآن سلمت من المذي.
وقوله: "مذاء" صيغة مبالغة؛ أي: كثير المذي، والمذي فيه لغتان: المذي وهي الأكثر، والمذي بتشديد الياء وهي لغة صحيحة، وهو ماء لزج يخرج عند الشهوة، وليس يخرج بشهوة ولا يلزم منه انتصاب الذكر، بل إذا أحس الإنسان بالشهوة مثلا بتقبيل أو نظر أو تذكر خرج منه هذا الماء، والناس يختلفون فيه منهم المقل، ومنهم المستكثر، ومنهم من لا يعرفه أبدا، علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان من الذين يلحقهم هذا كثيرا، فأمر المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: "أمرت المقداد" قد يقال: لماذا لم يسأل هو بنفسه وقد بين في رواية أخرى أنه استحيا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لأن ابنة النبي صلى الله عليه وسلم زوجته، وهذا يتعلق بالنساء، فاستحيا رضي الله عنه أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يقال: لماذا أمر المقداد؟ أليس هناك صحابة آخرون؟
فالجواب: بلى لكنه يتناوب هو المقدد بن الأسود في الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان عمر رضي الله عنه يتناوب في الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صاحب له. فلهذا أمره أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال:"فيه الوضوء". والمؤلف رحمه الله اختار هذه الرواية لمناسبة الباب وهو "نواقض الوضوء"، وإلا فلهذه القصة مناسبة أيضا في النجاسة، وكيف تزال، وهل المذي نجس أو غير نجس؟ لكن المؤلف - أعني: ابن حجر- اختار في بلوغ المرام هذه الرواية لأن المقصود موجود فيها، فقال:"فيه الوضوء" لكن لا مانع أن نذكر ما يتعلق بهذا فإن المقداد لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يغسل ذكره ويتوضأ". وفي رواية: "اغسل ذكرك وتوضأ".
فأشكل هذا على العلماء: هل معناه أن علي بن أبي طالب سأل النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه كما جاء في بعض الروايات أنه سأل بنفسه، أو أن المعنى أن المقداد لما سأله قال:"اغسل ذكرك" لأن عليا هو الذي يروي الحديث الآن، والذي يروي الحديث سيحكي عن نفسه كأنه هو السائل، وإلا من المعلوم ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجهه إلى المقداد على أنه هو المصاب بهذا، إنما وجهه إلى علي بن أبي طالب باعتبار أن عليا هو الذي رواه فكأنه نقله بالمعنى، أما إذا قلنا:"يغسل ذكره"، فلا إشكال لأن المقداد قد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يكون مذاء فماذا يصنع؟ فقال:"يغسل ذكره"، وقوله:"يغسل ذكره" معلوم أن الذكر يطلق على جميع القصبة ليس على ما أصابه المذي فقط، وإلا لقال: يغسل ما أصابه، بل قال:"يغسل ذكره".
وفي رواية في غير الصحيحين: "وأنثييه". يعني: خصيتيه، فعلى هذا يغسل الذكر والأنثيين، كل الذكر.
"قال فيه الوضوء" يعني: يغسل ذكره ويتوضأ، وفي بعض الألفاظ:"توضأ واغسل ذكرك". الآن الحديث في بيان حكم المذي هل ينقض الوضوء أو لا؟ ينقض الوضوء، ففي هذا دليل واضح على أنه ينقض لقوله: "فيه الوضوء، ولكن يقال: إذا كان الذكر يمذي دائما لأن بعض الناس يبتلى بهذا بأن يكون كل ما تذكر - ولو يسيرا- أمذى وهو لا يستطيع أن يعالج نفسه من التفكير فإنه يلحق بسلس البول إذا كان لا يستطيع منعه.
هذا الحديث فيه فوائد متعددة: منها: جواز إخبارالإنسان عن نفسه بما يستحيا منه للحاجة، يؤخذ من قوله:"كنت رجلا مذاء" لأن هذا يستحيا منه عادة لكن إذا كان فيه مصلحة فلا بأس ولا يلام عليه الإنسان.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز التوكيل في الاستفتاء؛ لأن عليا وكل المقداد أن يستفتي عنه في هذه المسألة.
ومن فوائده: جواز خبر الواحد في الأمور الدينية؛ وذلك لأن عليا إنما وكل المقداد من أجل أن يأخذ بما يخبر به، ويتفرع على هذا وجوب الأخذ بخبر الواحد.
فإن قال قائل: وهل خبر الواحد يوجب العلم؟ قلنا: لا، لكن العمل أقل من العلم بمعنى أنه قد يجب العمل بما لا يفيد العلم؛ لأن الظن في العمل كاف فمثلا الواحد لا يفيد خبره العلم، بمعنى أنه إذا أخبرك لا يمكن أن يكون في قلبك علم يقيني، لكن في الأحكام يجب العمل به بخبر الواحد.
فإن قال قائل: وهل تقوم به الحجة- أي: بخبر الواحد- في الأمور العقدية؟ فالجواب: نعم، تقوم به الحجة ولا إشكال؛ ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبعث الرسل دعاة إلى الله عز وجل دون أن يكون معهم أناس في هذا البعث، ويكتب أيضا للملوك ويذهب بها واحد من الناس، فالصواب أن خبر الواحد ملزم تقوم به الحجة، أما كونه يفيد العلم أو لا يفيد العلم، فهذا بحث آخر، والصواب أنه يفيد العلم بالقرائن، فمن القرائن أن تتلقى الأمة هذا الخبر بالقبول فإذا تلقته بالقبول - ولو كان عن واحد- فإنه يفيد العلم وأبرز مثال لهذا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات". فإن فرد في أوله فرد مطلق.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن لا يتحدث عند صهره بما يتعلق بالنساء من أين تؤخذ؟ حياء علي رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: هل يجوز أن يمنعه هذا الحياء من التفقه في الدين؟ الجواب: لا؛ ولهذا أمر علي بن أبي طالب المقداد أن يسأل.
ومن فوائد هذا الحديث: كمال أدب الصحابة رضي الله عنهم، وذلك من فعل علي رضي الله عنه حيث تجنب أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام يجب الصراحة، لكنه لما كان هذا من الأمور التي يستحيا منها أمسك عنها علي بن أبي طالب.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الوضوء من المذي؛ لقوله: فيه الوضوء وظاهر الحديث أنه لا فرق بين القليل والكثير، يعني: بالكمية لا بالزمن والاستمرار، وهو كذلك.
ولكن هنا مسألة: وهي أن بعض الناس يبتلى بالوسواس فيتخيل كما حدثت معه الشهوة أنه أمذى ويتعب في الشتاء وفي الصيف، فهل يستجيب لهذا الوهم أو لا؟ الجواب: لا يستجيب لهذا الوهم؛ لأن الأصل عدمه؛ ولأنه لو استجاب لاستطرد به الشيطان وصار يوهمه في أشياء أعظم من هذا لذلك نقول: لا يستجيب لهذا الوهم وليعرض عنه.
ومن فوائد هذا الحديث: في الروايات الأخرى أنه يجب غسل الذكر والأنثيين من المذي، وهل هذا تعبدي أو محسوس؟ ينبني على خلاف العلماء في قوله:"يغسل ذكره" هل المراد يغسل ذكره منه، فيكون مخصوصا بما أصابه المذي، فإذا قلنا: بهذا القول وقد قيل إنه قول الجمهور، إذا قلنا بهاذ القول صار غسله محسوسا أن أو تعبديا؟ محسوسا؛ لأن النجاسة يجب غسلها، كما لو كانت على ثوب أو عضو آخر، وإذا قلنا: إنه يجب غسل الذكر الأنثيين كما هو القول الراجح صار هذا تعبديا غير معقول، لكن ما الحكمة إذا كان غسله تعبديا؟ قال
العلماء: الحكمة من ذلك أن غسل الذكر والأنثيين يوجب تقلص القنوات التي منها المذي وأن هذا تطهير وعلاج فإنه يقلل.
وقال بعضهم ولعلهم - أعني: القائلين بذلك-: قد مارسوا الغنم، قالوا: إن ضرع الشاة إاذ غسلته بماء بارد تقلص الحليب، على كل حال نقول: هو تعبدي لكن له فائدة وهي أن المذي يتقلص حتى ينقطع بإذن الله، بنى على هذا بعض العلماء - إذا قلنا: إنه تعبدي- فلابد فيه من نية، وإذا قلنا: عن شيء محسوس لم نحتج إلى نية وكيف يتصور أن يغسله الإنسان بلا نية؟ يتصور أن رجلا حصل منه المذي وانغمس في بركة ولم ينو غسل الذكر، فإن قلنا: إنه تعبدي لم يجزئه ذلك؛ لأنه ما نوى، وإذا قلنا: أجزأه فلأن النجاسة لا يشترط لها نية؛ ولهذا لو نزل المطر على ثوب معلق في السطح فإنه يصير طاهرا وإن لم يعلم به الإنسان.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يمنعه الحياء عن التفقه في دين الله، لأن الله لا يستحي من الحق؛ ولهذا كانت النساء تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمور التي يستحيا منها، حتى إن عائشة رضي الله عنها أثنت على النساء اللاتي يفعلن هذا، فقالت:"نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين".
ولكن إذا دار الأمر بين التصريح والتلميح- مع أن الحاجة تزول بالتلميح وتتم المصلحة- هل الأولى التلميح أو التصريح؟ الأولى التلميح؛ لأننا نجد في القرآن الكريم أن الله يكني عن الجماع بالإتيان بالمس، وما أشبه ذلك مما يدل على أن التلميح أحسن، إلا إذا كان صاحبك لا يعرف التلميح فلابد أن تصرح، فلو سأل سائل شخصا فقال: إني أتيت أهلي في رمضان وهو لا يعرف ما معنى "أتيت" هذا لابد أن يصرح؛ لأنه ربما يفهم أتيت أهلي في رمضان أني قدمت عليهم من السفر، فإذا كان المسئول لا يفهم التلميح فلابد أن تصرح، أما إذا كان يفهم العبارة التي يحصل بها المقصود فيكفي، كذلك إذا كان الشيء لابد فيه من التصريح، فصرح؛ ولهذا لما جاء الرجل يعترف بالزنا عن النبي عليه الصلاة والسلام قال له:"أتيتها" قال: نعم، قال له:"أنكتها"- لا يكني صراحة- قال: نعم، لأن هذا لابد أن يصرح به.
أسئلة:
- لماذا اختار علي المقداد دون سائر الصحابة؟
- ولماذا استحيا علي أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم؟
- المذي فيه لغتان ما هما؟
- ما هي حقيقة المذي؟