الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصلون في نعالهم، بل أمر في الصلاة بالنعلين أن يصلي الإنسان فيهما أو يجعلهما عن يساره أو تحت قدميه.
وعليه فنقول: إن الصلاة في النعلين مباحة جائزة، بل نقول: إنها سنة، ولكن لنعلم أن السنن إذا ترتب عليها مفسدة صار تركها أفضا، ومعلوم أننا إذا قلنا للناس: صلوا في النعال يترتب على هذا مفسدة تلويث الفرش وتطهير الفرش، ليس بالأمر السهل والمشقة على من كان حول الإنسان والتهاون في احترام المساجد فمن ثم رأينا علماءنا رحمهم الله لا يفعلون هذا حتى العلماء الحريصين على تطبيق السنة لا يفعلونه خوفا من المفسدة؛ كنت أرى أن هذا من السنة وأفعله بقيت سنوات أفعله أصلي في النعلين فبدأ الناس بدل أن يكونوا إذا دخلوا المسجد رفعوا نعالهم بأيديهم جعلوا يمشون بالنعال وإذا وصلوا الصف خلعوها، فأتوا بالمفسدة وتركوا السنة، فرأيت أن العدول عن هذا أولى خصوصا بعد أن فرشت المساجد بهذا الفراش وكانت في الزمن الأول مفروشة بالرمل، فعلى كل حال: إذا كانت المسألة سنة بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "وإلا فليجعلها عن يساره أو تحت قدميه"، فالمسألة سنة وليست واجبة، فإذا ترتب على السنة مفسدة فإن تركها أولى.
ومن فوائد هذا الحديث: أن التراب طهور - أعني: حديث ا [ي هريرة- كما أن الماء طهور، فيكون التراب في موضعه طهور كما أن الماء كذلك طهور.
أسئلة:
- رجل صلى وبين يديه قبر ولكنه يبعد عنه ستة أذرع؛ هل تجوز الصلاة؟
- في حديث أبي مرثد جمع الرسول صلى الله عليه وسلم لما يتعلق بالقبور بين شيئين متقابلين، ما هما؟
- ما الحكمة في أن النبي نهى عن الصلاة إلى القبور.
- في حديث أبي سعيد وأبي هريرة ما يدل على أن تطهير النجس يكون بغير الماء؟
- ما الفرق بين الأذى والقذر؟
-
حكم الكلام في الصلاة وضوابطه:
- 211 - وعن معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير، وقراءة القرآن". رواه مسلم.
- هذا الحديث له سبب، وسببه: أن معاوية بن الحكم رضي الله عنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فعطس رجل من القوم فحمد الله، فقال له معاوية: يرحمكم الله- خاطبه-، فرماه الناس بأبصارهم؛ - أي: نظروا
إليه نظر إنكار-، فقال: واثكل أمياه، وهذه كلمة تقولها العرب للإشعار بالندم، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه، فسكت رضي الله عنه، ثم انتهت الصلاة، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال رضي الله عنه: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما أحسن تعليما منه صلوات الله وسلامه عليه، والله ما كهرني ولا نهرني، ما كهرني بوجهه فبعث وقطب، ولا نهرني بلسانه، وإنما قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن، أو كما قال، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وأن شأنها التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن، وانتهت القضية، لم يأمره بالإعادة ولا وبخه على الكلام، وإنما علمه هذا التعليم الهادئ الرشيد، وهذا الحديث - كما قلت- له سبب، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تنقسم كالقرآن الكريم إلى قسمين: ابتدائي وسببي، يعني: أن بعضها يكون له سبب، وبعضها لا يكون له سبب، ومعرفة السبب تعين على فهم المعنى والمراد به، وقد ألف العلماء رحمهم الله كتبا في بيان أسباب الحديث منها ما يكون صحيحا، ومنها ما يكون ضعيفا، لكن الحديث صحيح رواه مسلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الصلاة" المشار إليه ليس إشارة تعيين عين ما، وإنما هو تعيين جنس، والفرق بينهما أننا لو قلنا: إنه تعيين عين لكان تحريم الكلام يختص بتلك الصلاة المعينة، وإذا قلنا: تعيين جنس صار المراد: كل الصلوات، وهذا هو المراد أن الإشارة هنا إشارة لتعيين الجنس لا لتعيين العين؛ وقوله:"الصلاة" ما دمنا قلنا للجنس يشمل كل ما يسمى صلاة سواء كانت نافلة، أو غير نافلة، وسواء كانت ذات ركوع وسجود أو لا، "لا يصلح فيها شيء من كلام الناس""شيء" نكرة في سياق النفي فتعم كل شيء سواء كان يتعلق بالصلاة أو لا، وقوله:"من كلام الناس" أي: من الكلام الذي يتخاطب به الناس، هذا مراده قطعا، وليست مراده: مما يتكلم به الناس؛ لأن الناس يتكلمون بالتسبيح والتكبير وقراءة القرآن في الصلاة، لكن من كلام الناس أي: مما يجري بينهم في المخاطبة؛ "إنما هو" إاذ كان اللفظ "هو" المحفوظ فهو ضمير الشأن؛ يعني: إنما شأن الصلاة التكبير وتسبيح الله عز وجل وذلك في الركوع والسجود والاستفتاح، في الاستفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك وفي الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي العلى، والتكبير تكبيرة الإحرام، وهي مقدم التكبير، وهي أوكد التكبيرات، وهي ركن لا تنعقد الصلاة بدونها، وأما بقية التكبيرات فالتكبير في الركوع في المسبوق إذا وجد الإمام راكعا سنة، والتكبير في الانتقالات على القول الراجح واجب، "وقراءة القرآن" تشمل قراءة الفاتحة، وقراءة غيرها، والقرآن هو هذا الذي بين أيدينا، وهو مصدر كالغفران والشكران، "الكفران"، إما بمعنى اسم
الفاعل، وإما بمعنى اسم المفعول، فبمعنى اسم المفعول يكون تقديره: قارئ؛ لأنه جامع كالقرية تجمع ساكنيها، وعلى اسم مفعول يكون مقروءا- أي: متلو- وكلاهما صحيح.
في هذا الحديث دليل على فوائد عديدة، منها: أن الكلام - كلام الآدميين- مبطل للصلاة؛ لقوله: "لا يصلح فيها شيء".
ومنها: أنه لا فرق بين كون الكلام كثيرا أو قليلا، ولا فرق بين أن يكون في النفل أو في الفريضة لعموم "شيء"، ولا فرق بين أن يكون جاهلا أو عالما، ولا فرق بين أن يكون ناسيا ذاكرا لقوله:"شيء" في سياق النفي، لكن الجهل والنسيان سيأتينا - إن شاء الله- الكلام عليهما، وأنهما لا يدخلان في الحديث، والحديث لا يدل عليهما.
ومن وائد الحديث: أنه لا فرق بين أن يكون الكلام من حرف أو حرفين، المهم أن يكون كلاما، فإذا قال المصلي لشخص:"ع" يعني: أمر من الوعي، من وعى يعي ع، فهنا هذا كلام جملة كاملة فتبطل الصلاة مع أنه ليس من حرفين، وإذا تنحنح وقال: اح، اح تبطل أو لا؟ لا تبطل مع أنهما حرفان؛ لأن هذا الخير لا يسمى كلاما، والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق يعرف الكلام من غير الكلام فعبر بالكلام: فما كان كلاما أبطلت به الصلاة، وما ليس كلاما فإنه لا تبطل به الصلاة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ما يتعلق بخطاب الباري - جل وعلا- لا يبطل الصلاة، فلو قال المصلي: رب أسألك، رب أستغفرك، رب أشكرك، فهذا كلام يخاطب به الرب عز وجل، فالصلاة لا تبطل بهذا؛ لأن هذا ليس مما يتداوله الناس بينهم، بل هو دعاء وعبادة، واستثنى بعض العلماء خطاب النبي صلى الله عليه وسلم حيث علمنا أن نقول: السلام عليك أيها النبي، وفي هذا الاستثناء نظر؛ لأن السلام عليك أيها النبي دعاء وليس خطابا كالخطاب العادي، ولذلك يقوله الصحابة وهم بعيدون عن مكان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا يسمعهم أيضا فليس خطاب الآدميين المعتاد، ولكنه دعاء، ولذلك الآن نحن نقول: السلام عليك، وأن لنا مخاطبته، وعليه فالاستثناء فيه نظر؛ لأن هذا دعاء، لكن لقوة استحضار الإنسان بما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم كأنه حاضر بين يديه؛ ولهذا نقول: إن الأثر الذي رواه البخاري عن ابن مسعود قال: "كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات كنا نقول: السلام على النبي". هذا الأثر - وهو في صحيح البخاري- يعتبر اجتهادا من ابن مسعود في مقابلة النص؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علم أمته هذا الدعاء بهاذ اللفظ "السلام عليك"، ولم يقل: قولوا هكذا ما دمت حيا بل أطلق، ولأننا نعلم أن
الصحابة حينما يقولون: السلام عليك لا يريدون خطابه المباشر حتى يقال: إنه قد توفي فلا يباشر بالسلام، ولأنه ثبت في الموطأ بإسناد من أصح الأسانيد أن عمر بن الخطاب خطب الناس يعلمهم التشهد وهو خليفة بلفظ:"السلام عليك أيها النبي". ولم ينكر عليه أحد، ومعلوم أن عمر بن الخطاب أفقه في دين الله من عبد الله بن مسعود، وعليه نقول: ما ذكره ابن مسعود رضي الله عنه فهو اجتهاد، والصواب اتباع النص، وحينئذ لا يصح الاستثناء، لأن بعض الفقهاء يستثنى من ذلك خطاب النبي صلى الله عليه وسلم: نقول: إن هذا ليس خطابا مباشرا كالخطاب المعتاد بين الناس بل هو دعاء.
من فوائد الحديث - بارك الله فيكم-: أن ظاهره أنه لو تكلم بغير قصد فإنها تبطل الصلاة لكن هذا فيه نظر، كيف بغير قصد؟ رجل سقط على رأسه شيء من الرف، وأوجع رأسه، فقال حين سقط عليه:"أح" بمعنى: أتوجع كلام، هل نقول إن صلاته تبطل؟ لا تبطل، لماذا؟ لأن هذا غير مقصود، خرج تلقائيا فلا يضره.
ومن فوائد هذا الحديث: أن التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أركان في الصلاة، يعني أركان أي: لا تصح بدونها؛ لأنه حصر، قال:"إنما هي التسبيح" وهذا هو القول الراجح أن التسبيح في الركوع والسجود من واجبات الصلاة، ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل التسبيح والتكبير من لب الصلاة فلا تصح الصلاة بدونه، ويدل لهذا أيضا أنه لما نزل قول الله تعالى:{فسبح باسم ربك العظيم} [الواقعة: 74]. و {شبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1]. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأولى: "اجعلوها في ركوعكم" وفي الثانية: "في سجودكم"، وأما القول بأنها سنة استدلالا بحديث المسيء في صلاته فنقول ضعيف؛ لأن بعض الأركان أركان لا إشكال فيها لم تذكر في حديث المسيء صلاته، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر للمسيء في صلاته ما أخل به فقط، إذا التسبيح في الركوع والسجود واجب، وقراءة القرآن منها واجب، ومنها ما ليس بواجب، قراءة الفاتحة واجبة لابد منها بل إنها لا تصح الصلاة بدونها بنص الحديث:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".
أما التسبيح والتكبير؛ فتكبيرة الإحرام لا تنعقد الصلاة بدونها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "استقبل القبلة
وكبر". ولأنها مفتاح الصلاة، ولا يمكن الدخول للبيت إلا بمفتاح، وأما البقية ففيها خلاف بين العلماء، والصواب أنها من الواجبات، إن تعمد الإنسان تركها بطلت صلاته وإلا فلا.
ومن فوائد هذا الحديث: أن من تكلم في صلاته جاهلا فلا إعادة عليه، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر معاوية بإعادة الصلاة، ولو كانت صلاته باطلة لأمره بالإعادة لوجوب الإبلاغ على النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أخل الرجل الذي دخل وصلى بغير طمأنينة علمه، وهذا القول؛ أعني: من تكلم في صلاته جاهلا فلا إعادة عليه هو الراجح لدلالة الحديث عليه، وهو عدم الأمر به في مقام الحاجة؛ أي: حاجة الأمر لو كان واجبا؛ ولأنه يوافق القاعدة الشرعية وهي: "أن جميع المحظورات إذا فعلها الإنسان جاهلا فلا شيء عليه"، هذه قاعدة خذها معك، لم نأخذها من كتاب فلان أخذناها من كتاب رب العالمين:"كل المحظورات في كل العبادات إذا فعلها الإنسان جاهلا فلا شيء عليه"، الدليل قوله تعالى:{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286]. فقال الله تعالى: "قد فعلت". {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} [الأحزاب: 5]. خذها من كلام رب العالمين، فإذا كان هناك شخص جاهل قد تربى في البادية مثلا، وكان الناس يأتون إليه وهو يصلي ويقولوا: السلام عليكم، فيقول: وعليكم السلام مرحبا بفلان في حال الصلاة، لكن ما يدري أنها حرام تبطل صلاته أو لا؟ لا تبطل بناء على هذه القاعدة، معاوية بن الحكم رضي الله عنه شمت العاطس لكنه جاهل؛ ولذلك لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
بقي النسيان: هل تبطل الصلاة فيما لم تكلم ناسيا؟ الجواب: لا، على القول الراجح؛ لأن النسيان والجهل قرينان في كتاب الله {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} ولأن كليهما غير مقصود، الجاهل ما قصد انتهاك الحرمات، والناسي كذلك ما قصد انتهاك الحرمات.
إذن نقول: من تكلم ناسيا أو جاهلا أو سبق لسانه أو تكلم بغير قصد؛ فصلاته صحيحة، إذا تكلم لمصلحة الصلاة فهل نقول: إنها لا تصلح الصلاة؛ لأن هذا كلام لمصلحتها لا لمنافاتها وهذا يحصل أحيانا، أحيانا يخطئ الإمام فنقول له: سبحان الله، يعني مثلا: يسجد مرة واحدة
ثم يقوم فنقول: سبحان الله فيجلس، فيقال له: سبحان الله يريد أن يسجد، فيقال له: سبحان الله فماذا يصنع؟ بعض العلماء يقول: إذا ارتبك الإمام إلى هذا الحد فإن تنبيهه بالكلام جائز ولا تبطل الصلاة؛ لماذا؟ لأنه لمصلحة الصلاة، واستدلوا بحديث ذي اليدين، أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم مع الصحابة ومع ذي اليدين لمصلحة الصلاة، ولكن هذا القول ليس بصحيح، بل نقول: إذا تكلم بكلام الآدميين بطلت الصلاة ويعيدها من جديد، وأما قصة ذي اليدين فإن كلام النبي صلى الله عليه وسلم ومحاورته الصحابة كان قبل أن يعلم بأنه سلم قبل التمام؛ ولهذا لما أيد الصحابة ذا اليدين تقدم وصلى ما ترك، وفرق بين من يكون في صلاة ولكن يتكلم لمصلحتها عمدا، وبين من لا يعلم أنه في صلاة لظنه تمامها، فالاستدلال بحديث ذي اليدين فيه نظر.
فإذا قال قائل: هل مثلا للمأمومين أن يتكلموا في هذه الحال أن يتكلم واحد منهم فتفسد صلاته لإصلاح صلاة الآخرين؟
نقول: إذا لم يمكن إلا بهذا فيحتسب ويتكلم، أما إذا أمكن بأن ننبهه بآية من كتاب الله مثل أن يقول:{وكبره تكبيرا} [الإسراء: 111] ويقول: {يأيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا [الحج: 77]. أو إذا كانت ركوعا {واركعوا مع الركعين} [البقرة: 43]. ويقصد التلاوة لا يقصد التنبيه، فإذا أمكن أن يكون الإنسان نبيها ينبه بشيء من القرآن بقصد قراءة القرآن فغنه لا يعدل إلى الكلام لحصول المقصود بدون إفساد الصلاة.
بقية الحديث لم يذكره المؤلف لكن فيه من أهم فوائده: أن المصلي إذا عطس يحمد الله سواء كان قائما أو راكعا أو ساجدا أو جالسا؛ لأنه ذكر وجد سببه في الصلاة، وهو لا ينافي الصلاة فيكون مشروعا؛ لأن الصلاة كلها تسبيح وتكبير وقراءة قرآن، وهذا القول هو الراجح خلافا لمن كره حمد المصلي إذا عطس فالصواب أنه سنة.
وهل يقاس عليه كل ذكر وجد سببه في الصلاة؟ قاس بعض العلماء على ذلك كل ذكر وجد سببه في الصلاة، وعلى هذا فإذا كان حول الإنسان من يذكر النبي صلى الله عليه وسلم والمصلي يستمعه فإنه يصلي عليه، وأيضا لو سمع المؤذن وهو يصلي فإنه يتابعه، ولكن هذا فيه نظر؛ لأن الأصل ألا يتشاغل الإنسان بشيء سوى الصلاة.
لماذا استثنينا حمد العاطس؟ لورود الدليل، وما عدا ذلك ففي الصلاة شغل عما سواها فلا يشتغل، ولو أننا فتحنا الباب لكان الإنسان إذا سمع من حوله- من يقرأ بلوغ المرام- جعل
يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم دائما وفي هذا نظر ظاهر، فالصواب أن نقول: الصلاة فيها شغل، وما ورد التشاغل به في الصلاة فعلى العين والرأس وما سواه يبقى على الأصل.
ومن فوائد الحديث - وهو أيضا من أهم ما يكون-: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث يذكر الحكم ويذكر العلة، الحكم في هذا الحديث ما هو؟ إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، علته" إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"، وهذا ينبغي لكل إنسان يعلم أن يعلل إذا أمكنه؛ لأنه إذا علل جمع بين الدليل النقلي والدليل العقلي، وازداد طمأنينة المخاطب بالحكم، وعرف به سمو الشريعة، وأنها لا تأتي بحكم إلا وله علة ومناسبة، وهذا من أحسن ما يكون في التعليم، ولكن هذا إذا كان لذكر العلة فائدة، أما إذا لم يكن لذكر العلة فائدة والمستفتي عامي فلا يحسن أن تذكر له العلة، أما الدليل فيذكره له حتى يعرف أنه قد بني الحكم على دليل، لكن العلة ما يذكرها، لو ذكرت للعامي يجب أن يكون إبدال البر بمثله مثلا بمثل سواء بسواء، والعلة في ذلك أنه مكيل مطعوم، وقال بعض العلماء: العلة أنه مكيل فقط، وقال آخرون: العلة أنه مطعوم فقط، ماذا يكون فكره؟ يشوش، يقول: ما هذا الكلام، لكن لو قلت: هذا حرام ربا، انتهت فلكل مقام مقال، لكن أنا أحب أن يذكر لكل إنسان الدليل، خصوصا إذا رأيته أنه يستطعم منك ذكر الدليل، أو رأيت أنه مشوش يستغرب فاذكر له الدليل؛ لأن ربط الناس بالأدلة الشرعية في القرآن والسنة له أهمية كبيرة حتى يعرف الناس أنهم يمشون على بصيرة، وعلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكل مقام مقال، لكن هذا هو الأصلح والذي أود أن أجد الناس عليه، فمثلا نقول: إن النية شرط في الوضوء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"، من أكل وهو صائم ناسيا فصومه تام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه". وهكذا حتى يحصل ارتباط الناس بأدلة الكتاب والسنة.
أسئلة:
- سبق لنا على أن الكلام في الصلاة مبطل لها، فما الدليل؟
- إذا قال قائل: لماذا لم يأمر معاوية بإعادة الصلاة؟
- هذا الحديث له سبب فما هو؟
- هل ما يقتضيه هذا الحديث من رفع الإثم والقضاء على أنه جهل يطابق القواعد العامة في الشريعة؟ نعم، فما هي القواعد العامة؟
- هل يشمل هذا جميع العبادات؟
212 -
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن قال: "إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته، حتى نزلت: {حفظوا على الصلوت والصلوة الوسطى وقوموا لله قنتين} [البقرة: 328]. فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام". متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قوله: "إن كنا" هذه (إن) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف وجوبا، ويسميه النحويون ضمير الشأن، والتقدير: أنه أي الشأن، وقال بعضهم: إنه يقدر ضمير مناسب للسياق، وليس شرط أن يكون ضمير الشأن هو المفرد المذكر الغائب، وبناء على هذا القول يكون التقدير: إننا كنا نتكلم، لكن الذين اضطروا إلى أنه ضمير الشأن قالوا: لأجل أن يكون ما بعده جملة هي خبر الضمير، ويدل لكونها مخففة من الثقيلة وجود اللام في الخبر "لنتكلم"؛ ولهذا لو حذفت اللام وقيل: إن كنا نتكلم" تحتمل أن تكون نافية؛ ولهاذ يقال: إن هذه اللام اللام الفارقة.
قوله: "حتى نزلت {حفظوا على الصلوت} [البقرة: 238]. والمحافظة على الصلاة تشمل المحافظة على شروطها وأركانها وواجباتها ويكمل ذلك مكملاتها، فمثلا لو صلى على غير وضوء لم يحافظ عليها، ولو صلى وفي ثوبه قذر وقد علم به لم يحافظ، ومن أخرها عن وقتها لم يحافظ، فالمحافظة إذن هي القيام بشروطها، وأركانها، وواجباتها، وتكميل ذلك بالمكملات، وقوله: {على الصلوت} هذه عامة، وقوله: {والصلوة الوسطى} خاصة، والمراد بالصلاة الوسطى: هي صلاة العصر، وقد اختلف فيها العلماء على أقوال كثيرة، وإن الإنسان ليعجب أن يكون مثل هذا الخلاف مع أن الحديث صريح صحيح في أنها صلاة العصر كما فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال في يوم الخندق: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر". وهذا نص صريح ولا ينبغي أن يكون فيه الخلاف، فهي إذن صلاة العصر، وعليه تكون صلاة العصر أفضل الصلوات ثم يليها صلاة الفجر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى البردين دخل الجنة". والبردان: هما الفجر والعصر، وقوله: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم على أن تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا".
{وقوموا لله} : وقوموا في الصلاة كما قال الله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة} [المائدة: 6]. والمعنى: قوموا في الصلاة لله، "اللام" للاختصاص؛ يعني: هذا يجب فيه الإخلاص، وفي قوله:{لله} الإشارة إلى وجوب القنوت لقوله: {قنتين} ولهذا قدم الإخلاص
على العمل، {وقوموا لله قنتين} ؛ لأنه إذا كان الإنسان قائما لله فإنه سوف يقنت، والمراد بالقنوت هنا: السكوت عن كلام الناس؛ ولهذا قال: "فأمرنا بالسكوت"، وإذا قال الصحابي:"أمرنا" فالآمر الرسول صلى الله عليه وسلم "بالسكوت" أي: السكوت عن كلام الآدميين؛ يعني: عن تكليم الرجل صاحبه في الصلاة، وليس عن السكوت مطلقا؛ لأن الصلاة فيها كلام، "ونهينا عن الكلام" أي: كلام الآدميين، ففي هذه الآية بيان السبب؛ يعني: أنها نزلت لسبب، وسيأتي.
هذا الحديث فيه فوائد منها: جواز النسخ في الأحكام الشرعية، وهذا هو المتفق عليه بين العلماء - علماء الشريعة- أن النسخ جائز في الأحكام، ومعنى كونه جائزا أي: غير ممتنع، لكنه واجب إذا اقتضت المصلحة؛ لذلك ستجدون في كتب الأصول أن النسخ جائز، ومرادهم بالجواز: عدم الامتناع، لكنه في وقته يكون واجبا بمقتضى حكمه الله عز وجل، لأن حكمه الله تستلزم أن يشرع الأحكام في وقتها المناسب، لا نقول هذا من عقولنا كما تقول المعتزلة إننا نوجب على الله أو نحرم على الله، لا، لكننا نقول هاذ بمقتضى حكمته؛ لأن الحكيم هو الذي يضع الأشياء في مواضعها، والنسخ جائز في جزء من الشريعة، وجائز في كل الشريعة، أما في جزء من الشريعة ثابت في شريعتنا وشريعة من قبلنا، فالنسخ في شريعتنا كثير؛ يعني: إلى عشر مواضع النسخ في الشرائع السابقة أيضا قال الله تعالى: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبت أحلت لهم} [النساء: 160]. إذن التحريم صار بعد التحليل {طيبت أحلت لهم} هذا نسخ الشريعة كاملة أم نسخ جزء منها؟ نسخ جزء منها.
ويجوز أن تنسخ الشريعة كلها، لكن هذا في شريعتنا لا يمكن، لماذا؟ لأن هذه الشريعة آخر شريعة أنزلها الله لعباده، ولا يمكن أن ينسخها شيء، بل هي ناسخة لجميع الشرائع السابقة.
إذا قال قائل: هل هو جائز عقلا؛ يعني: بعد أن عرفنا أنه واقع شرعا، هل هو جائز عقلا؟
نقول: نعم جائز عقلا، وما المانع منه إذا اقتضت المصلحة أن يرفع الحكم الأول ويثبت الحكم الثاني؟ عقلا لا مانع، بل إن العقل يقتضي لزوم النسخ إذا دعت الحاجة إليه أو المصلحة، اليهود يقولون: ليس هناك نسخ في الشرائع؛ ولهذا كفروا بشريعة الإنجيل، وكفروا بشريعة القرآن ولكن يقال: فبحكم الله {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسراءيل على نفسه} [آل عمران: 93]. حرم الله عليكم طيبات أحلت لكم بعد أن كانت حلالا، وقولهم ساقط، بعض علماء الشريعة قال: لا نسخ في الشريعة الإسلامية، وتأول تأويلا بعيدا، قال: إن الأصل في الحكم إذن نزل أنه شامل لجميع الأمكنة والأزمنة، فإذا نسخ فعموم الزمان بهذا النسخ
خص بهذا النسخ فنسميه تخصيصا ولا نسميه نسخا؛ إذن هذا الخلاف لفظي أم معنوي؟ لفظي ومع ذلك هو غلط، لماذا نهاب عن كلمة النسخ والله عز وجل يقول:{ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} [البقرة: 106]. فأثبت الله النسخ، وقال عز وجل:{وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطن في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطن} [الحج: 52]. لكن هذه [الآية] الاستدلال بها فيه شيء من الضعف؛ لأن ما ألقاه الشيطان ليس بشرع، فالمهم أن النسخ ثابت بالقرآن والسنة، وأنه لا مانع منع عقلا، وأن تسميته تخصيصا مع الإقرار به ما هو إلا خلاف لفظي لا معنى له ولا وجه له.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الصحابة رضي الله عنهم في الصلاة لا يتكلمون كلاما لغوا بل لا يتكلمون إلا لحاجة؛ ولهذا قد يكلم أحدنا صاحبه بحاجته.
ومن فوائد هذا الحديث: أن القرآن نازل من عند الله كله وبعضه لقوله: "حتى نزلت".
ومن فوائده: أن القرآن نزل مفرقا لا جملة واحدة، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله:{وقرءانا فرقنه على الناس على مكث} [الإسراء: 106]. يعني: قليلا قليلا، وقال عز وجل:{وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك} ؛ يعني: أنزلناه كذلك مفرقا لأي شيء؟ {لنثبت به فؤادك ورتلنه ترتيلا} [الفرقان: 32].
ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات علو الله عز وجل؛ لأن الذي يتكلم بهذه الآية من؟ الله، وإذا كانت نازلة لزم أن يكون المتكلم بها عاليا، وهذا أمر - أعني: علو الله عز وجل تطابقت عليه الأدلة بجميع أنواعها الكتاب والسنة، والإجماع والعقل، والفطرة، وسبق الكلام على هذا في عدة مواضع.
ومن فوائد هذا الحديث: عناية الله تبارك وتعالى بالصلوات؛ حيث أمر بالمحافظة عليها.
ومن فوائد هذا الحديث: فضيلة صلاة العصر لقوله: {والصلوة الوسطى} ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها صلاة العصر فلا يعتد بخلاف ذلك، حتى إن بعضهم نقل الإجماع على أنها صلاة العصر؛ لأن ما سوى ذلك باطل يعارض كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: ما معنى كونها الوسطى، هل هي في العدد أم في الفضل؟
قلنا: إن شئت فقل بالعدد، وإن شئت فقل بالفضل، أما العدد فالفجر صلاة نهارية؛ لأنها بعد طلوع الفجر يليها الظهر؛ والثالثة: العصر، والرابعة: المغرب، والخامسة: العشاء، وإن شئت فقل: بالفضل، وهذا هو الأهم، فتكون الوسطى بمعنى: الفضلى، ودليل هذا قوله تعالى:{وكذلك جعلنكم أمة وسطا} [البقرة: 143]. أي: عدلا خيارا، وقوله:{كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: 110].
ومن فوائد الآية الكريمة التي تضمنها الحديث: وجوب الإخلاص لله لقوله: {وقوموا لله قنتين} [البقرة: 238].
ومنها: وجوب الصلاة قائما لقوله: {وقوموا} وهذا في الفريضة، فيصلي الإنسان قائما؛ فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب. وهل على المصلي على الجنب أجر كأجر القائم؟ الجواب: نعم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما". ويستثنى من ذلك النافلة فإنها تجوز من قادر على القيام، ولكنه على النصف من أجر القائم؛ يعني أن يصلي قاعدا وهو قادر على القيام إلا أنه في الأجر أنقص ممن يصلي قاعدا، ويستثنى من ذلك العجز، لا يلزمه القيام كما في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، ويستثنى من ذلك الخائف كما لو كان الإنسان مستترا بجدار عن عدو ويخشى إن قام أن يبصره العدو، فهنا له أن يصلي قاعدا، ويستثنى من ذلك من صلى إمامه قاعدا فإنه يتبعه فيصلي قاعدا، وهل يشترط في ذلك أن يكون هذا الإمام إمام الحي أو لا يشترط؟ من العلماء من اشترط ذلك، وقال: إنه إذا لم يكن إمام حي فإنه ينحى عن الإمامة ويؤم الناس غيره، ولا حاجة إلى أن يصلي بالناس بخلاف إمام الحي، فإنه صاحب السلطان في مسجده فلا يتقدم عليه أحد ويصلي قاعدا للعجز، ولا يصلي من وراءه قعودا، ولكن ظاهر الحديث يخالف ذلك، وهو عموم قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا". وعلى هذا فيدخل المأموم الذي يصلي إمامه قاعدا فيما استثنى من وجوب القيام.
ومن فوائد هذا الحديث: تفسير السنة بالقرآن فإن قول زيد: "أمرنا بالسكوت"- والآمر هنا النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر القنوت بالسكوت، وقد يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسر القنوت بالسكوت تفسيرا مطابقا وإنما فسره باللازم، وأن القنوت محله القلب، وأن يخشع الإنسان لربه عز وجل، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا، فكون النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نوعا من لازم القنوت وهو السكوت، وأيا كان فإن هذه الآية تدل على وجوب سكوت الإنسان عن كلام الناس.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز إخفاء الفاعل إذا كان معلوما؛ لأن كل أحد يسمع الصحابي يقول: "أمرنا"، و"نهينا" لا ينصرف ذهنه إلا إلى الرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كقوله تعالى:{وخلق الإنسن ضعيفا} [النساء: 28]. فأخفي الخالق لأنه معلوم وهو الله تبارك وتعالى.
ومن فوائد الحديث: جواز النسخ؛ لأن حكم الكلام أولا الإباحة ثم صار حراما.
ومن فوائد هذا الحديث أيضا: أن القرآن نازل منجما، وهذا أمر قطعي أنه نزل منجما، ولكن هل نزل منجما من عند الله تبارك وتعالى، يعني: أن الله تكلم به ثم تلقاه جبريل ونزل به في حينه، أو أن الله كتبه في اللوح المحفوظ وصار جبريل يتلقاه من اللوح المحفوظ؟
الأول هو المتعين لقول الله تبارك وتعالى: {فإذا قرأنه فاتبع قراءانه} [القيامة: 18]. ومعلوم أن الذي قرأه جبريل؛ لكن كون الله يطلق قراءة جبريل على قراءته يدل على أن الله قرأه على جبريل، ثم قرأه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إن ثبت أنه كتب في اللوح المحفوظ أولا- يعني: جميع القرآن كتب في اللوح المحفوظ- ثم نزل من عند الله عز وجل يتكلم به في حينه؛ فلا مانع ولا معارض، لكن حتى الآن لم يثبت أن القرآن كتب في اللوح المحفوظ قبل أن يتكلم الله به.
ومن فوائد الحديث: عموم علم الله تبارك وتعالى؛ لأن الله أنزل هذه الآية حين علم أن الناس يتكلمون في صلاتهم، وهذا أمر معلوم؛ أي: أن الله بكل شيء عليم، معلوم مجمع عليه.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان ألا يحدث نفسه في حال الصلاة؛ لأن حكمة النهي عن كلام الناس بعضهم لبعض هو أن يكون القلب مقبلا على الله عز وجل لا ينصرف لغيره، فيستفاد منه أنه لا ينبغي للإنسان أن يتشاغل بحديثه مع نفسه، كما كان أكثر الناس في أكثر صلواتهم على هذا الوجه، ولا يسلط الشيطان إلا إذا دخل الإنسان في الصلاة فتح له من أبواب التفكير والوساوس ما لم يطرأ على بال؛ لأن الشيطان عدو يجري من ابن آدم مجرى الدم، فهو حريص على إفساد عبادته؛ ولهذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتفل على يسارنا ثلاث مرات، ونستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
213 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء". متفق عليه - زاد مسلم: "في الصلاة".
قوله: "التسبيح للرجال" يعني: قول: سبحان الله، كما جاء ذلك مفسرا في بعض روايات البخاري، وإن لم يأت مفسرا فهو واضح أن التسبيح قول:"سبحان الله"، وقوله:"للرجال" يعني: الذكور، فلا يخرج به من دون البلوغ، "والتصفيق" يعني: ضرب إحدى اليدين بالأخرى، "للنساء" جمع نسوة أو جمع امرأة، يحتمل هذا وهذا، ولكن حتى لو قلنا: جمع نسوة، فإن نسوة جمع امرأة، فيكون (امرأة) من المفردات التي لا تجمع من لفظها، كما أنه يوجد جموع ليس لها مفرد من لفظها مثل: الإبل، ما مفرد الإبل؟ فإنها ليس لها مفرد من لفظها، واللغة واسعة، إذن "للنساء" نقول: يشمل البالغة وغير البالغة، وقوله:"في الصلاة" يشمل الفريضة والنافلة؛ لأن "أل" للعموم.
وسبب هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى من أصحابه التنبيه بالضرب على الأفخاذ فقال: "إذا نابكم شيء فليسبح الرجال وليصفق النساء". "التصفيق" قلنا: ضرب إحدى اليدين على الأخرى، والمراد باليدين: الكفان؛ لأن اليدين إذا أطلقت فهما الكفان، وإن قيدت فبما تتقيد به، لكن كيف يكون هل ببطن كل يد على بطن الأخرى، أو بظهر كل يد على ظهر الأخرى، أو بظهر اليمنى على بطن اليسرى، أو ببطن اليسرى على ظهر اليمنى، أو أنه عام؟ عام، المهم أن يكون بضرب إحدى الكفين على الأخرى حتى يكون له صوت قيد ذلك بعضهم بأن يكون بأصبعيه، لكن هذا لا يصلح. فنقول: التصفيق هو أن تضرب المرأة بإحدى كفيها على الأخرى بحيث يكون لذلك صوت.
ففي هذا الحديث فوائد: وهو أن الإنسان في صلاته إذا تشاغل بشيء لا يصده عن الصلاة فلا بأس فها هو النبي صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي وهو يصلي. أو نقول للناس: سدوا آذانكم، لا، فإذا كان لا يشغله فلا بأس، ومن المعلوم أن الإنسان إذا نابه شيء فسوف يسمعه أو يراه، فإذا سمعه أو رآه فهذه الوظيفة يسبح الرجال ويصفق النساء.
فإن قال قائل: ما الحكمة في أن يأتي بالتسبيح دون الحمد مثلا، يعني: لم يقل الرسول: فليحمد الله؟ لأن هذا يقع كثيرا في النسيان، ينسى الإمام فيزيد أو ينقص أو يقوم في مكان القعود، أو يقعد في مقام القيام، والنسيان مما ينزه الله عنه؛ فناسب أن يكون التنبيه بالتسبيح الدال على تنزيه الله عن كل نقص.
ومن فوائد هذا الحديث: أن التسبيح لا يبطل الصلاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، أو أخبر به خبرا على وجه الإقرار، ولو كان يبطل الصلاة ليبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة تبطل به.
فإن قال قائل: لو عدل المصلي إذا نابه شيء إلى غير التسبيح بأن تنحنح أو جهر بما يقرأ به فلا بأس؟ سيأتينا - إن شاء الله.
ومن فوائد هذا الحديث: أن العمل للمصلحة أو الحاجة في الصلاة لا يبطلها، وذلك لقوله:"والتصفيق للنساء"؛ لأن التصفيق عمل لكنه للحاجة أحيانا أو للمصلحة؛ إن كان لسهو الإمام فهو لمصلحة الصلاة، وإن كان لشيء ناب الإنسان بأن استأذن عليه أحد أو ما أشبه ذلك فهو للحاجة.
ومن فوائد هذا الحديث: حكمة الشريعة الإسلامية في التفريق بين الرجال والنساء حسب ما تقتضيه الحكمة، والحكم هنا: أن صوت المرأة ينبغي ألا يسمعه الرجال إلا للحاجة، والمرأة لو سبحت لسمعها الرجال، وربما تكون رخيمة الصوت فيفتتن بها السامع؛ فلهذا أمرت بالتصفيق دون التسبيح، وأمر الرجال بالتسبيح؛ لأن صوت الرجال مع الرجال ولا يتأثر به النساء.
ومن فوائد هذا الحديث: أن اختصاص النساء بالتصفيق فيما إذا كن في صلاة مع جماعة الرجال، فهل إذا كانت الجماعة نساء محضة تسبح المرأة أو تصفق؟ إن نظرنا إلى عموم اللفظ قلنا: إنها تصفق؛ لأن الحديث مطلق، وإن نظرنا إلى المعنى قلنا: لا بأس أن تسبح؛ لأنه لا يسمعها إلا النساء، ولكن الأخذ بظاهر اللفظ أولى أن نقول: تصفق ولو لم يكن معها إلا جماعة النساء.
ومن فوائد هذا الحديث: أن التصفيق للنساء في الصلاة، أما في غير الصلاة فإنه لا شك أن الأولى للإنسان ألا ينبه بالتصفيق خوفا من أن يتشبه بالنساء، بل ينبه باللفظ، خلافا لبعض الناس إذا دعا شخصا ولم ينتبه صار يصفق، وكان الذي ينبغي عليه ألا يصفق إذا دعاه ولم ينتبه، يكرر الدعوة ويرفع صوته.
فإن قال قائل: ماذا تقولون فيما يحدث عند الإعجاب بالشيء فيصفق له؟
الجواب: أنا لا نرى في ذلك بأسا؛ لأن هذا اصطلاح حادث جرى عليه الناس كلهم المسلمون وغير المسلمون، وهو عنوان على إعجاب الشخص بما سمع أو بما رأى، ولا ينافي الحديث فيقوله:"فليسبح الرجال، وليصفق النساء"؛ لأن هذا في الصلاة.
فإن قال قائل: أليس الله يقول في المشركين: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} [الأنفال: 35]. المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق؟
قلنا: بلى، قال الله هذا، لكن هؤلاء المشركين جعلوا هذا عبادة يتعبدون الله بذلك، وهذا الذي أعجب بالشيء لم يجعل ذلك عبادة؛ ولهذا جاز للمرأة أن تنبه بالتصفيق وهو مما يفعله المشركون عند المسجد الحرام تعبدا لله عز وجل.
أسئلة:
- من مقاصد الشريعة ألا تخرج المرأة صوتها للرجال، من أين يؤخذ هذا؟
214 -
وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه قال:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء". أخرجه الخمسة، إلا ابن ماجة، وصححه ابن حبان.
"رأيته يصلي"، ولم يذكر هذه الصلاة أنافلة هي أم فريضة؟ ولكن لا يهمنا ذلك كثيرا، يعني: قد تكون فريضة، وقد تكون نافلة، وقوله:"في صدره أزيز" الأزيز: صوت القدر إذا كان يغلي، "والمرجل" القدر، والقدر إذا كان يغلي يكون له صوت معروف يعرفه كل من سمعه، وقوله:
" من البكاء"(من) هنا للتعليل أي: من أجل البكاء، ويجوز أن تكون بيانية أي: تبين السبب، لكن المعنى الأول أقصر وأوضح، والبكاء معروف، والبكاء له أسباب: تارة يكون سببه الإيلام والحزن، وتارة يكون سببه عكس ذلك: الفرح، والانبساط، والسرور كم إنسان ضحك حين بشر، وكم من إنسان بكى حينما جزن، والغالب الثاني؛ أي: أنه يكون من الحزن والألم وما أشبه ذلك، وبكاء الصبيان كثير؛ لأنهم لا يستطيعون أن يعبروا عن أنفسهم بالألم أو الحزن إلا بهذه الطريقة، وهذه الطريقة فطرية يتساوى فيها بنو آدم كلهم عربهم وعجمهم، اجمع أطفالا مختلفين بأن تجعل واحدا من العجم، واحدا من العرب، واحدا من البربر، واحدا من أي نوع، ثم حركهم تحريكا يؤلمهم فيصيحون، يختلفون أو لا يختلفون؟ لا يختلفون؛ لأن هذا أمر فطري طبيعي.
قال أهل العلم: وبكاء الصبي فيه فائدة عظيمة، خصوصا الصغار الذين هم في المهد، يقولون: لأن الصغار لما لم يتمكنوا من السير على الأقدام وتحريك الدم وفتح الأمعاء جعل الله تعالى هذا البكاء بدلا من الرياضة بالقدم واليد فهو يفتح الأمعاء وينشط الجسم ويجري الدم، أما بالنسبة للصغار الذين فوق ذلك فإن الإنسان يتألم إذا سمعهم يبكون - لا شك- رحمة بهم- وشفقة لكن الأولى أن يدعهم حتى يسكنوا وتطيب نفوسهم من البكاء، أما الأولى أن يهدئهم؟
فيما أرى - والعلم عند الله- إذا كان بكاؤهم لطلب الانتقام فهذا دعه ما تطيب نفوسهم إلا بهذا، لو أنك حاولت إسكاتهم انكبتت نفوسهم، أما إذا كان عن ألم أو نحو ذلك، فهنا ينبغي أن تحاول إسكاتهم بكل طريقة.
في هذا الحديث فوائد منها: خشوع النبي صلى الله عليه وسلم، لأن هذا البكاء لم ينتج إلا عن حضور القلب وتصور ما يقول.
ومنها: أن البكاء وإن ظهر له صوت لا يبطل الصلاة، وهذا هو مراد المؤلف رحمه الله بسياق هذا الحديث في هذا الباب فإذا وجد الصوت من المصلي من البكاء فإن صلاته لا تبطل، وإن كان بعض العلماء يقول: إذا بان حرفان بطلت الصلاة، ولكن هنا سؤال: هل ينبغي للإنسان أن يتقصد البكاء والنحيب العالي الرفيع، أو الأولى أن يجعل المسألة على حسب الطبيعة؟ الثاني بلا شك هو الأولى، وأما ما يتكلفه بعض الناس في قيام رمضان من النحيب فهذا يذم صاحبه، إلا أن يكون بلا اختياره، لأن الشيء الذي يكون بلا اختيار لا يلام عليه؛ لأنه لا يستطيع أن يعارضه.
ومن فوائد هاذ الحديث: جواز تشبيه الأعلى بالأدنى إذا قصد بذلك التقريب، وجهه:
بكاء الرسول عليه الصلاة والسلام أعلى من أزيز القدر، أليس كذلك؟ لكن شبه به للتقريب، ونظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر". وكذلك في حديث الوحي كأنه سلسلة على صفوان. فهذه الأمثلة التقريبية لا تستلزم بأي حال من الأحوال التماثل بين المشبه والمشبه به فكل له حكمه.
215 -
وعن علي رضي الله عنه قال: "كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان، فكنت إذا أتيته وهو يصلي تنحنح لي". رواه النسائي، وابن ماجه.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه من آل البيت وهو أشرف آل البيت، وهو صهر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه تزوج ابنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة أفضل بنات النبي عليه الصلاة والسلام، تزوجها أفضل آل النبي صلى الله عليه وسلم سوى النبي صلى الله عليه وسلم، وعثمان رضي الله عنه تزوج بنتي الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا يسمى ذا النورين، وأبو بكر تزوج ابنته رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكروا أن رجلا من الرافضة ورجلا من أهل السنة تنازعوا أيهما أفضل: علي أو أبو بكر؟ فتحاكموا إلى ابن الجوزي رحمه الله فقال لهما - أي للرجلين-: أفضلهما- يعني: علي بن أبي طالب، وأبو بكر- من كانت ابنته تحته. أيهم؟ الضمائر تعود على من؟ فذهب الرجلان يتنازعان في موضع الضمير على من يرجع، لكن الرجل تخلص لا شك وهذا مما يفتح الله به على الإنسان حين المضايقات أن ييسر الله له شيئا يتخلص به وهو حق.
إذن في هذا الحديث يقول: "كان لي مدخلان" كلمة "مدخل" تصلح أن تكون اسم زمان، أو اسم مكان، فهل نقول: إن هذين المدخلين يعني: في النهار وفي الليل، أو من باب وباب آخر؟
الأول: هو المتعين، أي: مدخلان فهما اسما زمان يعني: مدخل بالليل، ومدخل في النهار.
"فكنت إذا أتيته وهو يصلي تنحنح""إذا أتيته" يعني: لأدخل عليه، وكأن في الحديث محذوفا تقديره: فاستأذنته "تنحنح لي" والنحنحة معروفة، يظهر أن لها صوتا، أحيانا يكون الصوت لا تستطيع أن تدرك منه حرفا، وأحيانا لا تستطيع [إذن] "تنحنح لي" يعني: ليبين أنه يصلي.
ففي هذا الحديث فوائد، منها: أن في هذا منقبة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث مكنه الرسول صلى الله عليه وسلم من مدخلين أحدهما في الليل والثاني في النهار.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيته وهو كذلك، وكان يصلي في بيته إلا الفريضة،