الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنه يزداد إيمانًا بلا شك، وقولنا: خارجة عن المألوف؛ لأن المألوفات قد لا تؤثر في الإنسان تأثيرًا بينًا لأنها مألوفة عنده كطلوع الشمس وغروبها، لا شك أنها من آيات الله العظيمة ومع ذلك هي عند الناس مألوفة لا تؤثر ذلك التأثير، لكن لو يحصل كسوف أو أشياء أخرى في الشمس أو القمر ازداد الإنسان إيمانًا؛ إذن الإيمان يزيد باليقين القار في القلب وبالأعمال. قال رحمه الله:
حكم دخول الكافر للمسجد:
243 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلًا، فجاءت برجل، فربطوه بسارية من سواري المسجد» . الحديث. متفق عليه.
«بعث خيلًا» أي: للقتال والجهاد في سبيل الله، «فأسروا رجلًا» جاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل يقال له: ثمامة بن أثال، جاءوا به وكان قد خرج يعتمر فأصابوه في الطريق فأتوا به وهو من أشراف أهل اليمامة وله كلمة فيهم، ربطه النبي صلى الله عليه وسلم بسارية أي: بعمود من ساري المسجد، والغرض من ربطه شيئان: الأول: أن يشاهد صلاة المسلمين. والثاني: أن فيه نوع من الإهانة أن يكون رجل يربط بعمود من عمد المسجد، هذا فيه نوع من الإهانة، لأنه كان شريف قومه.
وقول المؤلف رحمه الله: « .... الحديث» يعني: إلى آخر الحديث يشير إلى أن الحديث مطول، وأنه اختصره وأتى بالشاهد فقط، القصة: أنه لما جاءوا به وربطوه في المسجد مر به النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: «ماذا عندك؟ قال له: «إن تقتل تقتل ذام دم» يعني: تقتل مستحقًا للقتل، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن أردت المال فسل ما تشاء، ثلاثة أشياء خير النبي صلى الله عليه وسلم فيها «إن تقتل تقتل ذا دم» ، أي: مستحقًا للقتل، و «إن تنعم تنعم على شاكر» ، «وإن تريد المال فسل ما شئت» تركه النبي عليه الصلاة والسلام جاء في اليوم الثاني ومر به، وقال:«ماذا تريد؟ » قال: ما قلته: «إن تنعم تنعم على شاكر» ، ولم يذكر إن تقتل تقتل ذا دم، ولا إن كنت تريد المال فسل، أتى بشيء واحد يعرض بأن النبي صلى الله عليه وسلم يمن عليه ويطلقه وأنه سينعم على شاكر فتركه، في اليوم الثالث مر به وقال:«ماذا عندك» فأعاد عليه قال: عندي ما قلت لك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطلاقه؛ فوقع هذا المن من رسول الله صلى الله عليه وسلم موقعه من هذا الرجل الكبير، فخرج من المسجد وذهب واغتسل، ثم جاء فدخل المسجد، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، تشهد وأعلن ذلك في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فبشره النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: بشره بالخير، ثم أقسم أنه كان لا يرى وجها أبغض إليه من وجه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: وإن وجهك اليوم لأحب الوجوه إلي، وكنت لا أرى دينًا أبغض إلي من دينك، وإن دينك اليوم أحب إلي من كل دين. فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
وأمره أن يذهب إلى عمرته؛ فذهب واعتمر ودخل مكة يلبي بغير تلبية المشركين، تلبية المشركين يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك، هو قد دخل بالتلبية الخالصة بالتوحيد فأنكرت عليه قريش، وقالوا له: صبأت، قال: لا، أسلمت مع محمد صلى الله عليه وسلم، والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة إلا بأذن النبي صلى الله عليه وسلم، لما قال هذا وكانوا هموا بقتله قال بعضهم لبعض: لا تقتلوه يحبس عنا الطعام؛ لأن مكة غير ذي زرع، فتركوه ومنع صدور الحنطة إليهم، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده وتقول: أنت تصل الرحم وتكسب المعدوم، وذكروا من صفاته عليه الصلاة والسلام وأخبروه بما قال ثمامة بن أثال، فشفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة أن يبعث إليهم بالحنطة صلة للرحم. وتعظيمًا للبيت، وإن كان هؤلاء مشركين. هذه قصة ثمامة بن أثال، وفيها عبر وهي: أن المن قد يكون خيرًا من الانتقام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو قتله قتله على الكفر ولم يستفد هذه الفائدة العظيمة: إعلانه في مكة التي أهلها مشركون أنه تابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن يحصل أنهم يتشفعون به إلا ثمامة ليرسل لهم الطعام.
وفيه أيضًا: دليل على أنه يجوز للإمام أن يمن على الأسير بغير فداء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم من عليه.
نرجع إلى المقصود من المؤلف لسياق هذا الحديث: ففيه دليل على جواز ربط الأسير من حيث الجملة سواء في المسجد أو في السوق أو في البيت المهم ربط الأسير، والأسير يخير فيه الإمام بين أمور: القتل، والمن مجانًا، والفداء بأسير مسلم، والفداء بمال، أو منفعة يخير فيه، وهل هذا التخيير على حسب شهوته وإرادته، أو على حسب المصلحة؟ الثاني؛ لأن كل من له ولاية على شيء فالوةاجب عليه أن يراعي المصلحة فيما خير فيه، لا يراعي مصلحته الشخصية، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأربعة خيارات أن يمن عليه، فإذا كان الإنسان يعلم أن هذا الأسير إذا من عليه لكونه شريفًا يرى أن المن عليه كبير أن يمن عليه وتكون العاقبة والنتيجة حميدة.
من فوائد هذا الحديث: جواز دخول الكافر المسجد؛ لأن ثمامة ما ربط في اسارية إلا بعد دخوله المسجد، فهل يجوز دخول الكافر المسجد أو لا؟ يجوز، بعض العلماء يقول: لا يجوز مطلقًا، واستدلوا بقول الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28]. وقالوا: إذا كان الكافر يمنع من دخول حرم مكة وإن كان في غير المساجد، فالمساجد التي هي بيوت الله من باب أولى، وأجابوا عن حديث ثمامة بأنه منسوخ، ولكن هذا ليس بصواب؛ لأن لمكة وحرمها من التعظيم والتشريف
والإكرام ما ليس لغيرها؛ ولهذا لا يوجد بقعة يشرع لقاصدها أن يحرم إلا مكة، فلا يمكن أن يقاس عليها غيرها، وادعاء النسخ يحتاج إلى شيئين:
الأول: العلم بالتاريخ.
والثاني: تعذر الجمع، فإن لم يتعذر الجمع فهو واجب، وإذا لم نعلم التاريخ فيجب التوقف، إذن الصحيح أنه يجوز أن يدخل الكافر المسجد، ولكن هل هذا بلا قيد أو بقيد؟ يجب أن يكون بقيدة، فإذا علمنا أنه دخل المسجد ليأخذ صورة يعرضها على قومه ويقول: انظروا إلى مساجد المسلمين، وانظروا إلى الكنائس عندنا كيف تكون الكنائس مرصعة بالذهب وموشاة بالنقوش وما أشبه ذلك، وهذه مساجدالمسلمين، فهذا يمنع منعًا باتًا ولا يمكن أن يمكن من دخول المسجد لما في ذلك من الضرر على المسلمين فهذا يمنع، كذلك إذا خيف منه الإضرار بالمسجد كتخريق فرشه وإفساد أنواره وما أشبه ذلك، فإنه يمنع بلا شك؛ لأن هذا لو وقع من غير الكافر منع فكيف بالكافر.
الثالث: أن يدخل المسجد لمصلحة المسجد كرجل مهندس فني دخل ليصلح المسجد يصلح أضواءه أو مكبر الصوت فيه أو غير ذلك فهذا لا شك أنه جائز؛ لأن دخوله الآن لمصلحة المسجد وليس في دخوله ضرر.
الرابع: أن يدخل المسجد ليطلع على صلاة المسلمين لا لقصد الشماتة بهم، ولكن ليتعرف على الإسلام كيف هو وكيف العبادات فهذا جائز، بل مطلوب لعل في ذلك دعوة له للإسلام فهذا مطلوب.
الخامس: أن يدخل المسجد ينتفع بدخوله كما لو دخل ليشرب من الثلاجة التي في المسجد أو دخل المسجد لهبوب رياح باردة، أو لحرارة شمس أو ما أشبه ذلك فهنا نمكنه من الدخول حتى يرى أن في الإسلام فسحة، وأن الإسلام يراعي مصلحة البشر إذا لم يكن في ذلك ضرر على الدين، والقاعدة أنه إذا تضمن دخول الكافر المسجد إضرار بالمسجد أو بسمعة المسلمين فإنه يمنع، وإذا كان لمصلحة الداخل كشرب ماء، أو استظلال عن شمس، أو اتقاء لبرد فهذا جائز، وإذا كان للدعوة إلى الإسلام ومعرفة عمل المسلمين في صلاتهم فهذا مطلوب، وكذلك لو كان لمصلحة المسجد إذا لم يوجد مسلم يقوم مقامه، فإذا وجد مسلم يقوم مقامه فلا ينبغي أن يؤتى بكافر.
ومن فوائد هذا الحديث: أن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم سواري؛ أي: أعمدة وهذا معروف، ولكن كلما قلت الأعمدة في المسجد فهو أفضل حتى لا تحول الأعمدة بين المصلين.
فإذا قال قائل: وهل يجوز أن يصلي الناس بين الأعمدة في الجماعة؟