الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدة المسح للمقيم:
56 -
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "جعل النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم". يعني: في المسح على الخفين. أخرجه مسلم.
"جعل النبي"، اعلم أن جعل تنقسم إلى قسمين: جعل قدري وجعل شرعي، فمثال الشرعي قول الله تعالى:{ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} [المائدة: 103]. هذا جعل شرعي أم قدري؟ شرعي ولا يصح أن يكون قدريا؛ لأن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام موجودة، فيكون نفي الجعل هنا للجعل الشرعي، أي: ما شرع الله هذا. والجعل القدري كثير في القرآن: {وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا} [النبأ: 10، 11]. أي جعل هذا؟ هذا جعل قدري، فقول علي رضي الله عنه:"جعل النبي" من أيهما؟ الشرعي.
"ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر" كما في حديث صفوان، "ويوما وليلة للمقيم" تبتدئ من أول لبسه بعد الحدث، وعلى هذا لا يحسب من المدة ما كان قبل المسح بعد الحدث، فلو أن رجلا لبس الخف لصلاة الفجر، ويبقى على طهارة ولم يمسح إلا لصلاة العشاء ابتداء المدة من متى؟ من مسح العشاء؛ ولهذا ربما يبقى ثلاثة أيام وهو مقيم ربما يبقى على الطهارة حتى ينام، ولا يمسح إلا لصلاة الفجر من اليوم الثاني، فتبدأ المدة من صلاة الفجر، وتنتهي عند صلاة الفجر من اليوم الثالث، وإذا بقي على طهارة إلى العشاء يكون صلى بخفيه ثلاثة أيام، وأما قول العامة خمس صلوات؛ فهذا لا أصل له.
وفوائد هذا الحديث لا تزيد على فوائد حديث صفوان إلا في المقيم "يوما وليلة".
57 -
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: "بعث رسول الله صلى الله ليه وسلم سرية، فأمرهم أن يمسحوا على العصائب - يعني: الغنائم- والتساخين- يعني: الخفاف-". رواه أحمد، وأبو داود، وصححه الحاكم.
"بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية" أي: أرسلها لقال العدو، والسرايا نوعان: سرية تبعث من البلد، وسرية تبعث من الجيش تنطلق في أثناء السفر إلى قتال العد من الجيش، "وأمرهم أن يمسحوا على العصائب" يعني: العمائم، وسميت عصائب؛ لأنها يعصب بها الرأس، "والتساخين؛ -يعني: الخفاف-"، وسميت تساخين؛ لأنها تسخن بها القدم، فإن ذلك الخف لابد أن يكون في لبسه إياه تسخين للقدم.
فيستفاد من هذا الحديث:
أولا: مشروعية بعث السرايا، لكن بشرط ألا يكون في هذا البعث إلقاء بالنفس إلى التهلكة، مثل أن يرسل سرية لجيش يبلغ آلافا، فهنا لا يجوز لقول الله تعالى:{ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [النساء: 29].
أسئلة:
- لو كان الدين بالرأي، ما المراد بهذا الرأي؟ بادي الرأي.
- هناك أشياء لا مدخل للعقل فيها مثل؟
- هل الدين يخالف العقل أو لا؟
- ما هي الحكمة من كون المسافر يمسح ثلاثة أيام والمقيم يوما وليلة؟
- هل تعرف شيئا رخص للمسافر فيه ولم يرخص للمقيم؟
عودة للحديث:
لم نكمل الكلام على حديث ثوبان، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأمرهم أن يمسحوا على العمائم والتساخين - يعني: الخفاف-، ما هي العصائب؟ نقول: العمائم، والتساخين هي الخفاف، فلماذا سميت تساخين؟ لأنها تسخن القدم.
في هذا الحديث فوائد؛ منها: مشروعية بعث السرايا سواء كانت تقطع من الجيش أو مرسلة من الأصل من البلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
ومنها: جواز المسح على العمائم وهي التي تعمم على الرأس.
أولا: وهل لها شروط؟ لننظر، ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يشترط أن يلبسها على طهارة قياسا على الخف، فإن الخف لابد أن يلبسه على طهارة، قالوا: فكذلك العمامة، ولكن هذا قياس غير صحيح لأمرين:
الأمر الأول: أنه لم يذكر عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه أمر الإنسان أن يلبس العمامة على طهارة مع أنه لو كان شرطا لكان مما تتوفر الدواعي على نقله، فلما لم يرد قلنا: الأصل عدم الاشتراط.
الأمر الثاني: أن القياس لابد فيه من مساواة الفرع للأصل، وهنا لا توجد مساواة، وذلك بأن الرجل مغسولة والرأس ممسوح، فتطهير الرأس قد سهل فيه من أصله حيث إنه مسح، فإذا كان سهل فيه من أصله، فلا يمكن أن يقاس الأسهل على ما هو أصعب منه، فيقال: كما سهل في أصله - أصل تطهير الرأس- كذلك يسهل في الفرع وهي العمامة التي تلبس عليه.
ثانيا: هل يشترط أن تكون المدة يوما وليلة، أم يجوز ما دام لابسا على العمامة فإنه يمسح عليها؟ المذهب أنه لابد أن تكون يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر قياسا على الخف، وقد علمتم أن هذا القياس لا يصح؛ لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث لا صحيح ولا ضعيف أنه وقت لمسح العمامة يوما وليلة أو ثلاثة أيام، ثم إن القياس أيضا غير تام لاختلاف الأصل والفرع، على هذا نقول: البس العمامة متى شئت وامسح عليها متى شئت.
ثالثا: هل يشترط في العمامة شرط فوق كونها مطلق عمامة؟ المذهب: نعم، لابد أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة، فالمحنكة أن يدار منها لية تحت الحنك، أو ذات ذؤابة من الخلف؛ حجتهم في ذلك قالوا: لأن الحكمة من جواز المسح على العمامة مشقة النزع، وهذا لا يتحقق في عمامة وضعت على الرأس دون أن تكون محنكة، لكن المحنكة يصعب على الإنسان نزعها، أما ذات ذؤابة فلأن هذه العمامة المشهورة عند العرب وفاقدتها لا تسمى عمامة، ولكن هذا فيه نظر، والصواب أنه يجوز أن نمسح على العمامة الصماء التي ليست ذات ذؤابة، ولا محنكة.
أما الأول فنقول: أين الدليل على أنه لابد أن تكون محنكة، والتعليل بأنه لمشقة النزع؟
يقال: إن هذا لا يقاس على الخف؛ لأن أصل تطهير الرأس مخفف، ثم إنه قد يشق على الإنسان ليمسح الرأس؛ لأن بعض العمائم يكون لياتها كثيرة فلو نزعها بقي وقتا يرد طيها.
وثانيا: أن هناك أذى؛ لأن العمامة لابد أن تكسب الرأس حرارة فإذا كشفها أو نزعها ليمسح الرأس في أيام الشتاء خاصة، فإنه يتأذى بذلك وربما يتضرر؛ لأنه سيقابل رأسه برودة.
فالصواب - إذن-: أنه لا يشترط في العمامة أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة، وأما كون هذه عمائم العرب فإن سلم هذا فالنصوص جاءت مطلقة بدون تقييد.
فإن قال قائل: وهل تجيزون المسح على الطاقية والغترة؟ فالجواب: لا؛ لأنها لا تسمى عمامة، وليس فيها أدنى مشقة، لكن هناك شيء لا يقاس على العمامة وهو القبع الذي يلبس على الرأس في أيام الشتاء، وهو قبع من صوف أو من قطن يلبسه الإنسان على رأسه ويكون له فتحة للوجه وطوق على العنق، فهذا لا شك أن المسح عليه جائز وهو أولى بجواز المسح من العمامة؛ لأن هذا يشق على الإنسان أن يخلعه، وهو أيضا أشد ضررا على الرأس من خلع العمامة؛ لأنه يستعمل غالبا في أيام الشتاء.
فإن قال قائل: وهل تجيزون المسح على الرأس إذا كان ملبدا بالصمغ والعسل وما أشبه ذلك؟