الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هي مقصودة بذاتها حتى نقول: إننا أحدثنا في دين الله ما ليس منه. شروط الصلاة إذن ما تتوقف عليه صحة الصلاة.
شرط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر:
197 -
عن علي بن طلق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف، وليتوضأ، وليعد الصلاة» . رواه الخمسة، وصححه ابن حبان.
«إذا فسا» الفساء معروف، وهو الريح التي تخرج من الدبر، وهل هناك ريح تخرج من غير الدبر؟ نعم، بعض النساء تحس بريح تخرج من فرجها، هذا لا عبرة بها ولا يترتب عليها شيء، لكن الريح التي تخرج من الدبر هي التي تترتب عليها الأحكام.
«إذا فسا أحدكم» هنا فساء، وهناك ضراط الفرق بينهما: ما كان له صوت فهو ضراط، وما لم يكن له صوت فهو فساء، وقوله:«في الصلاة» يشمل ما إذا كان في أول الصلاة أو في آخرها، ويشمل كل صلاة تشترط لها الطهارة، وقوله:«فلينصرف» يعني: من صلاته؛ ولأنها بطلت فلا فائدة من الاستمرار فيها، «وليتوضأ» وذلك لانتقاض وضوئه بالفساد، وليعد الصلاة بعدها من جديد أم يبني؟ من جديد؛ لأنه قال:«وليعد» ، والإعادة: فعل الشيء ثانية.
ففي هذا الحديث فوائد: منها: ما ساقه المؤلف من أجله، وهو أن من شرط صحة الصلاة أن يكون الإنسان متوضئًا؛ لقوله:«فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة» ، وبناء على ذلك لو صلى وهو محدث فإن كان عامدًا فقد أتى ذنبًا عظيمًا، حتى إن بعض أهل العلم كفره، وقال: إذا صلى محدثًا وهو عالم فهو كافر، وعلل ذلك بأنه مستهزئ بآيات الله عز وجل لكن جمهور العلماء على أنه لا يكفر، ولكن قد أتى إثمًا عظيمًا، وإن كان ناسيًا أو جاهلًا فلا إثم عليه، لكن عليه الإعادة، مثال ذلك: رجل صلى المغرب بوضوء، ثم أحدث ولم يتوضأ، ثم صلى العشاء ناسيًا أنه أحدث بعد صلاة المغرب، فصلاة العشاء غير صحيحة؛ لأنه صلى بغير وضوء.
مثال آخر: رجل صلى المغرب بوضوء ثم تعشى وأكل لحم إبل، ولم يعلم أنه لحم إبل، ثم صلى العشاء، وعلم بعد صلاة العشاء، فعليه أن يتوضأ ويعيد صلاة العشاء؛ لأنه صلى بغير وضوء، وإذا كان عليه جنابة فهل هو مثله أو لا؟ نعم هو مثله؛ لأنه يستبيح بالحدث الأصغر ما
لا يستبيحه بالحدث الأكبر، فإذا قدر أن رجلًا قام من الليل وصلى الفجر، ثم رأى على ثوبه أثر الجنابة فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة؛ لأنه صلى بغير طهارة.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز التصريح بما يستحيا منه عند الحاجة؛ لقوله: «إذا فسا أحدكم» والناطق بهذا هو أشد الناس حياء.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الانصراف من الصلاة إذا أحدث الإنسان، وأنه لا يجوز أن يستمر لقوله:«فلينصرف» .
فإن قال قائل: إذا حدث ذلك لي وأنا في الصف أنصرف أم أبقى أتابع بلا نية؟
فالجواب: انصرف حتى تتوضأ وتدرك ما بقي من الصلاة، فإن قال: أستحي أن أنصرف من الصف والناس ينظرون، فنقول: أولًا: لا حياء في مثل هذه الأمور؛ لأنها تعتري كل أحد. ثانيًا: إذا خفت من هذا تضع يدك على أنفك حتى إذا رآك الناس، قالوا: إن هذا الرجل أرعف أنفه، وإرعاف الأنف لكل أحد، وليس فيه حياء، المهم ألا تستمر، بعض الناس حدثني أنهم يستمرون إذا كانوا أئمة يقول: مشكل إذا انصرفت وأنا الإمام سيقولون: فسا إمامنا، وهذه مشكلة، نقول: الحمد الله الحق أحق أن يتبع، انصرف وأمر أحد المصلين أن يتمم بهم الصلاة، فإن لم تأمر أحدًا فللمصلين.
أن يقدموا واحدًا منهم يتم بهم الصلاة، فإن لم يفعلوا صلوا فرادى.
ومن فوائد هذا الحديث: عظم شأن الصلاة، وما أحراها وأجدرها بتعظيم الشأن؛ لأن الإنسان إذا صلى حقيقة - يا إخواننا - ينسلخ من الدنيا ويقبل على الله عز وجل، وجدير بمن انسلخ ليقف بين يدي الله عز وجل أن يكون على أكمل وجه حتى إن بعض السلف لما قرر الأطباء أنه لابد من قطع رجله وافق على ذلك، ولكن قال: دعوني أصلي فإذا دخلت في الصلاة فاقطعوها، لماذا؟ لأنه إذا دخل في الصلاة نسي كل شيء، وصار قطعهم إياها غير مؤلم ولا موجع؛ لأنه مشغول بكونه بين يدي الله عز وجل فالمهم أن إيجاب الطهارة للصلاة دليل على عظم شأنها وأنها جديرة بذلك.
ومن فوائد الحديث: أن من حصل له حدث في صلاته فإنه لا يبني على ما مضى بل يستأنف الصلاة، ويتفرع على هذا أنه لو أحدث في الطواف وقلنا: بأن الوضوء شرط لصحة الطواف، فإنه ينصرف من الطواف وجوبًا ويتوضأ، ويبني على ما سبق أو يستأنف الطواف؟ يستأنف الطواف، وما أعظم مشقة هذا في أيام المواسم.
رجل أحدث في الشوط السابع وبشق الأنفس بلغ الشوط السابع، فنقول: له اخرج وتوضأ،
ومن المعلوم أنه سيجد مشقة في الخروج من صحن المطاف، ثم بوجود محلًا يتوضأ فيه؛ لأن الميضآت ستكون مزدحمة، ربما يمشي كيلوات حتى يجد ما يتوضأ به، ثم إذا رجع نقول: أعد من جديد؛ ولهذا كان القول الذي ينبغي أن يفتى الناس به - لا سيما في المواسم - قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن الوضوء في الطواف ليس بشرط لكنه من كماله، وأما أنه شرط لصحته كما يشترط ذلك في الصلاة فلا دليل عليه، لا في القرآن ولا في السنة، وقد بحث شيخ الإسلام رحمه الله بحثًا مستفيضًا في فتاويه وفي منسكه، بحثًا إذا قرأه الإنسان علم أن القول الصواب هو قول شيخ الإسلام رحمه الله، بأن الطواف لا يشترط له الوضوء لكنه من كماله، ولاسيما في أيام المواسم والزحام الشديد؛ لأن الإنسان يجد حرجًا أن نكلف عباد الله بالوضوء وإعادة الطواف مع عدم وجود دليل يكون له حجة عند الله عز وجل.
إذن من شرط صحة الصلاة: الطهارة من الحدث حتى يتوضأ، فإن نسي أو جهل أعاد الصلاة، وهل مثل ذلك إذا نسي أو جهل النجاسة في ثوبه؟ لا، لو صلى وفي ثوبه نجاسة ناسيًا أن يغسلها فصلاته صحيحة، لو لم يعلم بالنجاسة في ثوبه؟ لا، لو صلى وفي ثوبه نجاسة ناسيًا أن يغسلها فصلاته صحيحة، لو لم يعلم بالنجاسة في ثوبه إلا بعد الصلاة لم يلزمه أن يعيدها، لو كان يعلم بهذه البقعة لكن لم يتيقن أنها نجاسة إلا بعد الصلاة لم يلزمه أن يعيدها، والفرق أن اجتناب النجاسة من باب ترك المحظور، وعدم الوضوء من باب ترك المأمور، والفرق بينهما ظاهر.
أسئلة:
- ما هو الفرق بين شروط الشيء والشروط في الشيء؟
- ما هي الحكمة من وضع الشروط في العبادات شروط وجوب الحج، شروط وجوب الصوم، شروط وجوب الزكاة وغيرها، ما هي الحكمة؟
الحكمة لأجل أن ينضبط الناس في العبادات بحيث يكون أمرهم واحدًا؛ لأنها لو لم تذكر هذه الشروط لكان كل واحد يذهب مذهبًا غير مذهب أخيه، فكان من حكمة الله عز وجل أن تكون هناك شروط للوجوب، وشروط للصحة حتى ينضبط الناس في العبادات ولا يختلف بعضهم عن بعض.
- ما سبب إدخال المؤلف حديث علي بن طلق في شروط الصلاة؟
- هل هناك دليل يؤيد هذا؟
- ما دليل انصراف الرجل من الصلاة إذا أحدث؟
* تكملة الفوائد:
ومن فوائد هذا الحديث أيضًا: أنه لا يجب الاستنجاء من الريح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر إلا بالوضوء.
فإن قال قائل: من لازم الوضوء الاستنجاء؟
قلنا: لا، ليس من لازمه الاستنجاء، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المذي:«يغسل ذكره ويتوضأ» .
فإن قال قائل: هل يقاس على هذا بقية شروط الصلاة، وأنها إذا فقدت وهو يصلي وجب عليه أن ينصرف مثل أن تطير الريح في ثوبه فيبقى عاريًا؛ فهل يلزمه أن يخرج من الصلاة ويلبس الثوب؟
الجواب: نعم، إذ لا فرق، فلو فقد شرط من شروط الصلاة في أثناء الصلاة وجب على المصلي أن يصرف ليأتي بهذا الشرط.
198 -
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» . رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه ابن خزيمة.
«لا يقبل الله» نفي القبول تارة يراد به: رد العبارة المستلزم لعدم صحتها ووجوب إعادتها، وتارة يرادبه: أنها لا تقبل؛ بمعنى: أن السيئة التي في هذه العبادة تربو على المفسدة، أو السيئة التي خارج العبادة تربوا على مصلحة الصلاة فلا تقبل، وهذا لا يستلزم الفساد، والأصل أن نفي القبول يعني رد العبادة، فإذا وجد دليل يدل على أنها تقبل مع هذا الذي انتفى القبول من أجله صار معنى ذلك: أن السيئة التي منعت القبول تكون محيطة بهذه الحسنة.
مثال الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» . معنى نفي القبول هنا: الرد، وأن العبادة لا تجزؤه، وعليه أن يعيدها.
ومثال الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرافًا فسأله؛ لم يقبل له صلاة أربعين يومًا» . فنفي القبل هنا لا يعني الرد؛ لكن يعني أن ذهابه إلى العراف وسؤاله إياه سيئة تحيط بحسنة، هذه العبادة وإن كانت هي صحيحة غير مردودة، ولهذا لا نقول لهذا الرجل: يجب أن تعيد الصلاة بعد مضي أربعين يومًا.
وقوله: «حائض» أي: متصفة بالحيض، يعني: قد حاضت، وليس المراد أنها متلبسة بالحيض؛ لأن الحائض لا تصح منها الصلاة مطلقًا، لكن المراد: أنها بلغت بالحيض.
وقوله: «إلا بخمار» الخمار ما يخمر به الرأس؛ أي: يغطى به.
ففي هذا الحديث فوائد منها: أن العبادات قد تقع مقبولة أو مردودة، فما هو الضابط؟ الضابط ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» . وفي لفظ: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» ، فهذا الضابط في المردود، وما عدا ذلك فهو مقبول.
ومن فوائد هذا الحديث: أن المرأة إذا بلغت وجب عليها عند الصلاة أن تستر رأسها بالخمار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار» . سكت عن بقية البدن، سكت عنه لأحد أمرين: إما أن يكون بقية البدن ليس من العورة في الصلاة، وإما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سكت عنه لأن ستره معلوم، فلننظر: الوجه سكت عنه فماذا نقول؟ نقول: سكت عنه؛ لأن ستره في الصلاة ليس بواجب، سكت عن اليدين والقدمين هل نقول: لأن سترهما معلوم، أو لأن كشفهما معلوم؟ يحتمل هذا وهذا؛ ولذلك اختلف العلماء رحمهم الله في وجوب ستر الكفين والقدمين في أثناء الصلاة، فمنهم من قال بالوجوب، ومنهم من قال بعدم الوجوب، والقول بعدم الوجوب أظهر، والقول بالوجوب - أي: وجوب الستر - أحوط، وعلى هذا فنأمر المرأة قبل أن تصلي أن تستر الكفين والقدمين، لكن لو أنها صلت مكشوفة الكفين والقدمين ثم جاءت تسأل فهل نأمرها بالإعادة أو لا؟ لا نأمرها؛ لأن الأظهر في الدليل عدم ستر الكفين والقدمين، يعني: هناك شيء يكون على سبيل الاحتياط يؤمر به الإنسان قبل فعله، أما بعد أن يفعل فما وجب على سبيل الاحتياط لا يمكن أن يقوى على إبطال العبادة.
ومن فوائد هذا الحديث: التفريق بين الصغيرة والبالغة؛ لأن قوله: «حائض» وصف مؤثر، مفهومه: أن غير الحائض تصلي بدون خمار، فالمرأة التي لم تبلغ ولو بلغت إحدى عشرة سنة، أو اثنتي عشرة سنة، أو ثلاث عشرة، أو أربع عشرة سنة ولو تبلغ، عورتها في الصلاة ما بين السرة والركبة كما قال الفقهاء رحمهم الله، بمعنى: أنها لو صلت وقد انكشفت ذراعها، أو عضدها، أو رقبتها، أو ساقها فصلاتها صحيحة؛ لأنها لم تكن بالغة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الحيض يحصل به البلوغ، وجه ذلك: تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين الحائض وغير الحائض، فلولا أن هناك تمييزًا بينهما بأن تكون الحائض مكلفة، ومن لم تحض غير مكلفة لكان تعليق الحكم بهذا الوصف عديم التأثير.
فإن قال قائل: وهل يحكم ببلوغ الأنثى بالنفاس؟
فالجواب: لا، وهذا مما يفرق فيه بن الحيض والنفاس؛ لأن حملها لا يكون إلا بإنزال،