الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النهي عن مس الذكر باليمين في البول:
88 -
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه، ولا يتنفس في الإناء". متفق عليه، واللفظ لمسلم.
قوله: "لا يمسن أحدكم ذكره" فيه إشكال في الإعراب، وهو أن الفعل هنا مفتوح مع كونه يلي "لا" الناهية؟ لأنه اتصل بنون التوكيد، يرد على هذا قول الله تبارك وتعالى:{قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن} [التغابن: 7]. فالثاء آخر الفعل وهي مضمومة والهمزة آخر الفعل وهي مضمومة؛ لأن النون في الآية غير مباشرة، ما الذي حال بينهما وبين الهمزة والثاء؟ واو الجماعة المحذوفة، والمقدر كالموجود، إذن يبنى الفعل المضارع على الفتح إذا اتصلت به نون التوكيد المباشرة لفظا أو تقديرا؛ إذن هو مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد في محل جزم.
وقوله: "لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه" أي: بيده اليمنى، وقوله:"وهو يبول" الجملة حال؛ يعني: في حال البول، "ولا يتمسح من الخلاء بيمينه" يعني: لا يتمسح من الخلاء الذي هو الغائط بيمينه، بل والبول أيضا؛ لأن الخلاء هو قضاء الحاجة أو مكان قضاء الحاجة، "ولا يتنفس في الإناء" يعني: عند الشرب لا يتنفس في الإناء؛ أي: إناء الشرب، وذلك لأنه إذا تنفس فيه فقد يخرج مع النفس شيء يسقط في الماء يقذره على غيره وربما يحدث له شرق إذا تنفس في الماء فيتأذى أو يتضرر، أو ربما يحصل منه - كما قال أحدهم- جراثيم تعلق في الماء فيكون في ذلك ضرر على صحته أو صحة غيره.
فإن قال قائل: ما العلاقة بين قوله: "ولا يتنفس في الإناء"، وبين النهيين قبله؟
قلنا: يحتمل أن أبا قتادة رضي الله عنه رواهما منفردين، بمعنى: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يمسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه"، ثم سمعه في مكان آخر يقول:"لا يتنفس في الإناء"، فجمعهما أبو قتادة في سياق واجدا اختصارا، وربما يقال: إنه لما كذر ايتعلق بالتخلي عن الأكل والشرب ناسب أن يذكر ما تعلق بالشرب فقال: "ولا يتنفس في الإناء".
أما هذا الحديث ففيه فوائد:
أولا: نهي الإنسان عن مس ذكره بيمينه وهو يبول والنهي هنا صريح، وهذا النهي أيضا مؤكد بنون التوكيد، فهل هذا النهي للتحريم أو للكراهة؟ جمهور العلماء على أنه للكراهة
وليس للتحريم؛ لأنه من باب الأدب؛ إذ النهي لا يعدو أحد أمرين إما أن يكون تكريما لليمين، وإما أن يكون لخوف أن تتلوث اليمين بالبول فتكون منتنة، وأيا كان فإن هذا لا يقتضي أن يكون النهي للتحريم، لكن حقيقة الأمر أن القول بأنه للتحريم قول قوي؛ لأنه مؤكد حيث قال:"لا يمسن"، وهذا قول أهل الظاهر أن النهي للتحريم.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز مس الإنسان ذكره بيده اليمنى في غير حال البول، من أين تؤخذ؟ من قوله:"وهو يبول"، وهذا هو الأصل في المفهوم أن يكون مفهوم مخالفة؛ أي: أن المفهوم يخالف المنطوق بالحكم هذا هو الأصل، وربما يقوي هذا الأصل أنه إذا مس ذكره بيمينه وهو يبول صارت عرضة للتلوث بالنجاسة بخلاف ما إذا مسه من غير أن يكون على البول، ومن العلماء من قال: إنه لا يمسن ذكره بيمينه لا حال البول لا غيره، وأنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مس الذكر باليمين حال البول مع أن الإنسان قد يحتاج إليه ففي غير ذلك من باب أولى، وعلى هذا فالمسألة محتملة، وإذا كانت محتملة فما هو الورع؟ عدم المس مطلقا؛ لكننا لا نجزم بأن هذا عام؛ لأن التقييد بكونه يبول لا شك أن له مناسبة وهي الحاجة.
فإن قال قائل: إذا كانت الإنسان لا يستطيع أن يستجمر باليسار فماذا يفعل؟
قلنا: الحاجة لها أحكام وسيأتي - إن شاء الله- الكلام عليها في الحديث الذي بعده.
ومن فوائد هذا الحديث: أن اليمين خير من اليسار وهذا مطرد في الأمر الكونية والأمور الشرعية، أما الأمور الكونية فلا يخفى علينا جميعا أن الله تعالى جعل في اليمين من القوة ما ليس في اليسار فهي التي يأخذ بها ويكتب بها، ويأكل بها، ويحمل بها الثقيل، وهذا من الميزة القدرية، وأما الشرع فكما رأيتم أنه نهى عن مس الذكر باليمين في حال البول، والمس باليسار لا بأس به.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز التصريح بلفظ البول، وأنه لا يعد مخالفا للحياء؛ لأن الذي عبر به أحيا الناس وهو النبي عليه الصلاة والسلام، فقال:"وهو يبول" وأما ما يستعمله الناس الآن إذا أراد أن يبول يقول: أطير الماء فهذا لا أصل له، بل قال صاحب الفروع رحمه الله: الأولى أن يقول: أبول، ولا يقول: أريق الماء؛ لأن البول ليس ماء؛ ولأن التعبير بالبول ومشتقاته وارد في السنة، قال النبي عليه الصلاة والسلام في البول:"أما أحدهما فكان لا يستتر من البول". وهنا المشتق وهو يبول، فالصواب جواز التعبير بهذا.
فإذا قال قائل: إنه يعتبر مخالفا للمروءة، أعني: التصريح بالبول في عرفنا الآن، فهل نقول: العرف كما يغير المعاني فهو أيضا يغير الأحوال، أليس المرجع في الإيمان إلى ما تقتضيه الكلمة في العرف قبل أن نرجع إلى ما تقتضيه في اللغة، فإذا كان العرف المطرد عند الناس كراهة التصريح بالبول ومشتقاته وعبروا عن ذلك بكناية تدل عليه، وليس فيها محذور شرعي فعندي أنه لا بأس بها؛ ولهذا قال صاحب الفروع:"الأولى"، ولم يقل: يجب، بل قال: الأولى، ولعله في عرفه - صاحب الفروع- لم تصل الحال إلى ما وصلت إليه اليوم، فإن لفظ البول اليوم جدا مكروه عند الناس في غير الحديث، الحديث يقبله الناس إذا مر به، لكن في الكلام العادي لو قلت: أبول، أو بلت اليوم، عند العامة ماذا يقول؟ يستقذر جدا ويقول: هذا ما يصلح، فلا أرى مانعا إذا كان هذا عند الناس من الألفاظ التي يستحيا منها ويكنى عنها بما يدل عليها من غير محذور شرعي لا أرى في ذلك بأسا.
أسئلة:
- ما حكم التخلي في طريق الناس؟
- لماذا سماه الرسول صلى الله عليه وسلم اللاعنين؟ لأنه تسبب في لعن نفسه.
- مر علينا في هذه الأحاديث إثبات صفة من صفات الله ما هي؟
- هل جاءت هذه الصفة في القرآن الكريم؟
- ما موقف أهل السنة والجماعة من مثل هذه الصفة؟
- ماذا تسمى هذه الصفات عندهم؟ تسمى صفات فعلية.
- هل يدل هاذ الحديث على تحريم هذه الهيئة- اللذان يتحدثان وهما يتغوطان-؟
- في حديث أبي قتادة في آخره: "ولا يتنفس في الإناء"، ما صلة آخر الحديث بأوله؟
- هل القيد في حديث مس الذكر باليمنى في أثناء البول هو قيد شرطي أو وصفي؟
- قوله: "لا يتمسح من الخلاء" ما معنى "من" هنا؟
- ما المراد بيتخلى البول أو الغائط؟
نعود إلى الحديث: قوله: "ولا يتنفس في الإناء" ذكرنا أن بعض العلماء علل بأنه ربما يخرج منه أشياء مؤذية، وبعضهم علل بأنه ربما يشرق، فعلى الأول يكون النهي خاصا بما إذا كان يريد غيره أن يشرب من هذا الإناء وعلى الثاني يكون عاما، والحديث عام فعلى هذا نقول: لا يتنفس في الإناء حذرا من أن يتقابل النفس والماء فيحصل بذلك الشرق ويتأذى الإنسان أو يتضرر.
ومن فوائد هذا الحديث: النهي عن التمسح من الخلاء باليمين، لقوله:"ولا يتمسح من الخلاء بيمينه"، وهل هو مكروه أو محرم؟ ذكر بعض العلماء أنه حرام؛ لأنه هو الأصل في