الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواب: قال الله عز وجل {لو نشاء جعلنه أجاجا} [الواقعة: 70]. وإذا جعله الله أجاجا لا يمكن أن نشربه مع أنه بين أيدينا، ولم يقل: لو نشاء لم ننزله؛ لأن كون الماء بين أيدينا ولا نستطيع شربه أشد حسرة مما لم نجده.
فالحاصل: أن نعم الله عليك بالتخلي من الطعام والشراب لابد أن تذكر نعمة الله عليك بتحصيل الطعام والشراب، كم من أناس لم يحصلوا عليه إما قدرا وإما شرعا، حرم على بني إسرائيل طيبات أحلت لهم فمنعوا من ذلك شرعا مع أنها طيبة، ويمرض الإنسان ويقال: لا تأكل اللحم الفلاني، أو الطعام الفلاني فيحرم منها قدرا، فهذه من نعمة الله أن الله يسر الطعام والشراب وأحله لك، ومكنك منه هذه نعم، ولو أردنا أن نعد نعم الله علينا سبحانه وتعالى في هذا لبلغ المئات، حتى قيل: إنه لا يمكن أن يوضع الطعام بين يديك إلا والله تعالى فيه أكثر من ثلاثمائة نعمة، ولكننا في غفلة عن هذا، لذلك احتاج العلماء رحمهم الله إلى أن يذكروا آداب قضاء الحاجة، ومعنى قضاء الحاجة يعني:"التخلي عن الأكل والشرب"، لكن من الأدب في الألفاظ أن يكني الإنسان عن الشيء الذي يستحيا من ذكره بما يدل عليه، وهو إذا كنى بما يدل عليه صار حقيقة فيه، وإلا لو رجعنا إلى جانب قضاء الحاجة ماذا تشمل؟ تشمل الذي يذهب يشتري له طعاما أو يشتري شيئا لأهله، لكن لما اصطلح على هذا التعبير صار حقيقة في البول والغائط، إذن قضاء الحاجة مرادفة لأي شيء؟ للتخلي من الطعام، وهو البول والغائط، له آداب قولية ول آداب فعلية عند الدخول وعند الخروج وعند الجلوس، قال المؤلف:
تجنب دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله:
79 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه". أخرجه الأربعة، وهو معلول.
"كان إذا دخل الخلاء" أي: إذا أراد دخوله "وضع خاتمه" أي: أخرجه من أصبعه ووضعه قبل أن يدخل به الخلاء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم إما باليسرى، وإما باليمنى، وذكر بعضهم أن تختمه باليسرى أكثر من تختمه باليمنى، وإنما كان يتختم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قيل له: إن الملوك لا يقبلون الكتاب إلا إذا كان مختوما. فاتخذ خاتما ونقش على فصه "محمد رسول الله" أسفل و "رسول"
في الوسط، و"لفظ الجلالة" فوق، حتى إذا انتهى من الكتاب ختمه بهذا الخاتم، وإنما اختار عليه الصلاة والسلام أن يكون خاتمه خاتما بيده؛ لأنه أحوط له من الضياع وآمن من التلاعب، خصوصا وأنه فيما سبق في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر لباسهم إزار ورداء ليس هناك جيوب يضعون فيها الأشياء، فإذا قدر أنه جعله في ردائه وصر عليه ربما يتلاعب به.
ففي هذا الحديث من الفوائد:
أولا: جواز لبس الخاتم، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبسه ولم ينه عنه.
فإن قال قائل: إذن لماذا لا تقولون: إن لبس الخاتم سنة؟
نقول: لا نقول هذا؛ لأنه لا يظهر في لبسه أدب التعبد، وإنما اتخذه النبي عليه الصلاة والسلام لحاجة وهي الختم الرسمي كما يقولون، وعليه فنقول: إذا كان الإنسان ذا قضاء، أو حكم، أو إمرة، أو وزارة أو ما أشبه ذلك سن له أن يتخذ الخاتم اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وكما عرفتم العلة في ذلك، وأما عامة الناس فإنه يجوز لهم اتخاذه، أما النساء فهو من زينتهن؛ ولهذا أبيح لهن التختم بالذهب، والعقيق، والفضة، وأما الرجال فلا يجوز لهم التختم بالذهب، ويجوز لهم التختم بالفضة.
ولكن لو قال قائل: إذا كنا في عصر لا يلبس فيه الخاتم إلا من كان مغمورا في الناس ومخالفا للمروءة؟
فنقول: إذا كنا في عهد هكذا فالأولى عدم لبسه؛ لأنه لا ينبغي للإنسان أن يعرض نفسه للغيبة، أو يعرض نفسه لما يكرهه الناس منه، أو ما أشبه ذلك، الإنسان يجب أن يحمي نفسه عن الأذى والضرر، حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى أن يهين الرجل نفسه فيتكلم بما لا يطيق.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي الدخول للخلاء بشيء فيه ذكر الله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد دخول الخلاء وضع خاتمه.
فإن قال قائل: إذا كان الإنسان يخشى عليه لو دخل المرحاض ووضعه أن يسرق كما في المجامع، في المساجد، وفي الحرمين وفي غيرها؟