الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول: " نهى أن يصلي الرجل". والرجل يطلق في الأصل على البالغ كالمرأة على البالغة، وقد يطلق على مجرد الذكورية والأنوثية، وقوله:"مختصرا" فسره بقوله: معناه أن يجعل يده على خاصرته، والخاصرة: ما فوق الحقو تسمى خاصرة، وعلله في حديث البخاري، عن عائشة أن ذلك فعل اليهود، فهل قوله:"الرجل" وصف للاحتراز، أو نقول: هو لقب ليس وصفا، فلا يدل على مفهوم ولكنه علق الحكم بالرجال بناء على أن غالب الخطابات الشرعية تكون للرجال؛ لأن الرجال هم أعظم مسئولية من النساء؟ الثاني هو المتعين، فالمرأة كالرجل في هذا.
فمن فوائد هذا الحديث: النهي عن الاختصار في الصلاة، وهو ما عبر عنه الفقهاء بقولهم:"وتخصره" وهل هذا معلل؟ الجواب: بين في رواية البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنه كان فعل اليهود، فإذا كان فعل اليهود فما مناسبته لباب الخشوع في الصلاة؟ إذا قلنا: إن العلة أنه تشبيه باليهود؛ فالعلة فيه التشبيه، وإذا قلنا: إن العلة في ذلك أنه يدل على أن الإنسان قد سرح قلبه؛ لأن هذه علامة من علامات غفلة القلب، فتكون وجه المناسبة للباب واضحة؛ لأن غفلة القلب تنافي الخشوع.
النهي عن الصلاة بحضرة طعام:
230 -
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب". متفق عليه.
"إذا قدم العشاء" هو: ما يؤكل في العشي، والعشي هو آخر النهار، والغداء ما يؤكل في الغدو، والغدو أول النهار، يقول:"إذا قدم" سواء قدمه الإنسان لنفسه أو قدمته زوجته، أو قدمته أخته، أو أمه، أو الخادم، "العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب".
مثال هذه الصورة: رجل قدم له العشاء وقد أذن للمغرب، فنقول: تعش ثم صل المغرب، والحكمة من هذا: لئلا يشتغل قلبه بالطعام الذي قدم له، واشتغال القلب ينافي الخشوع.
فيستفاد من هذا الحديث فوائد؛ منها: أن العشاء كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر وقت العصر قبل المغرب، وقد كان الناس على هذا برهة من الزمان وإلى عهد قريب، ثم لما صار الناس يشتغلون عن أكل الغداء في أول النهار قلت رغبتهم في العشاء قبل الليل، وصاروا يتعشون بعد صلاة العشاء، فنقول: لو قدر أن أحدا يتعشى قبل صلاة العشاء، قلنا له: إذا قدم العشاء فابدأ به قبل صلاة العشاء.
ومن فوائد هذا الحديث: مراعاة الشريعة الإسلامية المطهرة لحال الإنسان، ووجه ذلك: أنه إنما أمر أن يتقدم العشاء قبل صلاة المغرب؛ لأن نفسه متعلقة به فأعطي للإنسان الحرية بتناول الطعام.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه إذا لم يقدم العشاء، ولكن الإنسان جائع والعشاء في القدر فإنه يقدم صلاة المغرب؛ وذلك لأن تعلق النفس بالعشاء المقدم أقوى من تعلقها بالعشاء الذي على النهار، فلا يقول الإنسان: أنا جائع وأنتظر نضوج الطعام، ثم أتعشى، نقول: لا؛ لأن التعلق به وهو في القدر ضعيف فلا يكون كالمقدم.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره لا فرق بين أن يخاف فوات صلاة الجماعة أو لا؛ لأن الحديث عام، وعلى هذا فيكون تقديم العشاء- بل تقديم الطعام وهو يشتهيه- عذرا في ترك صلاة الجماعة، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما على ورعه- يتعشى وهو يسمع قراءة الإمام ويبقى حتى ينتهي.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره أنه يقدم العشاء ولو خاف فوات الصلاة- أي: خروج الوقت-، ولكن هذا غير مراد؛ لأنه لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها، وليس هذا من الأعذار التي تبيح إخراج الصلاة عن وقتها.
فإن قال قائل: إذا كانت الصلاة التي قدم الطعام في حضورها تجمع بما بعدها، فهل له أن يجمع؟
فالجواب: نعم له ذلك؛ لأن كل عذر يسقط الجماعة فإنه يبيح الجمع.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره أن الإنسان يأكل حتى يشبع، ولا نقول: كل لقمة أو لقمتين ثم قم؛ لأنه ربما يزداد تعلقا بالطعام إذا أكل منه لقمة أو لقمتين، وعليه فنقول: له أن يأكل حتى يشبع ثم يقوم للصلاة ليكون فارغ القلب.
ومن فوائده: أنه يقاس على الطعام إذا حضر كل ما يشتغل به القلب، والقياس حينئذ صحيح، قياس مماثل أو قياس مساواة، وعلى هذا فإذا كان الإنسان ليس عليه إلا ثياب قليلة، واشتد عليه البرد وقد سمع إقامة الصلاة فهل يذهب ويصلي مع اشتغال قلبه وتألمه من البرد، أو نقول: البس ثم صل؟ الثاني: وكذلك لو كان حر مزعج يحتاج إلى أن يغتسل حتى ينشط
ويزول عنه الحر، فنقول كذلك يعذر فنأخذه قاعدة عامة:"كل مشغل عن حضور القلب في الصلاة فإنه يبدأ به قبل الصلاة ما لم يخش خروج الوقت".
231 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى، فإن الرحمة تواجهه". رواه الخمسة بإسناد صحيح. وزاد أحمد: "واحدة أو دع".
قوله: "إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصى" الحصى: المراد به: الذي فرش به المسجد، وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تفرش المساجد بالحصى الصغار، وقوله:"فإن الرحمة تواجهه" يعني: أنه إذا سجد على الحصى مع شدته وصلابته فإن الرحمة تواجهه؛ أي: يكون ذلك سببا للرحمة، وذلك لمشقة السجود عليه؛ لأن هناك فرقا بين أن يسجد على حصى أو يسجد على فراش، فالحصى نقول: لا تمسحه، دعه على ما هو عليه، واسجد عليه لتنال بذلك الرحمة حيث قمت بالسجود لله عز وجل مع صعوبته.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان ألا يعبث في الصلاة فلا يتحرك إلا لحاجة لقوله: "فلا يمسح الحصى" ومنها أنه إذا احتيج إلى الحركة فإنها تتقدر بقدرها وهذا تفيده رواية الإمام أحمد: "واحدة أو دع".
ومنها: أن المساجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت تفرش بالحصى؛ لأنه أنظف من التراب، ولعل الرمل حول المدينة قليل، وإلا فالرمل أسهل للناس، وكانت المساجد إلى زمن قريب تفرش بالرمل.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه كلما صعبت العبادة على وجه لا يمكن دفع الصعوبة به فإنه يزداد الأجر لقوله: "فإن الرحمة تواجهه"، ولكن هل يطلب الإنسان المشقة مع إمكان التسهيل؟ لا؛ ولهذا لو كان الإنسان في البر والماء بارد وأمكنه أن يسخن الماء فهل الأفضل أن يتوضأ ويغتسل بالماء البارد، أو نقول: سخن الماء؟ الثاني بلا شك؛ لأن الله يقول: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم} [النساء: 147] لكن إذا كان لابد من مشقة للعبادة؛ فهنا نقول: الجر على قدر المشقة.