الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه يضع العصابة على الجرح، ويمسح عليه ويغسل الباقي ولا حاجة للتيمم هذا أقرب ما يكون من الأقوال، وأقرب ما يكون إلى القياس.
وعلى هذا فنقول: إاذ حصل للإنسان جرح يضره الماء غسلا ومسحا، وقد عصب عليه عصابة فإنه يمسح هذه العصابة ويكفي، فإن كان يضره الغسل والمسح والإعصاب- بمعنى: أن بقاءه هاويا للهواء والشمس أقرب للشفاء- فهنا يتعين التيمم. هذا أقرب الأقوال في هذه المسألة.
مسائل مهمة في المسح على الجبيرة:
ويبقى النظر في مسائل: هل يشترط أن يضع هذه الجبيرة على طهارة كما قلنا ذلك في الخفين؟ في هذا خلاف بين أهل العلم، منهم من قال: إنه يشترط لأنه ساتر ممسوح بدلا من غسله فيجب أن يكون على طهارة كالخف، ومنهم من يقول: لا يشترط أن يكون وضعه على طهارة أولا لأنه لا يمكن القياس؛ لأن بين مسح الخفين ومسح الجبائر فروقا كثيرة.
وثانيا: أنه يأتي الإنسان على حين غرة لا يتمكن من الوضوء مثلا إنسان سقط من السيارة وانكسرت رجله أو يده كيف نقول إنه يلزمه أن يذهب ويتطهر ثم يجبرها؟ ، هذا فيه مشقة، وربما إذا برد محل الكسر يصعب جدا جبره، فالصواب إذن أنه يشترط أن تكون على طهارة.
المسألة الثانية: هل تمسح في الحديث الأكبر والأصغر - أعني: الجبائر-؟
الجواب: نعم، تمسح في الحدث الأصغر والأكبر؛ لأن مسحها ضرورة ليس اختيارا كالخف فيجوز أن يمسح عليها في الحدث الأصغر والأكبر.
المسألة الثالثة: هل لها مدة معينة؟ الجواب: لا ليس لها مدة معينة؛ لأن هذه ضرورة فتقدر بقدرها، وبناء على هذا نقول: متى برئ الجرح أو جبر الكسر وجبت إزالتها ولا يجوز إبقاؤها بعد ذلك.
فإذا جبر الكسر أو برئ الجرح فهل يلزمه أن يعيد الاغتسال إن كان قد اغتسل عن جنابة أو الوضوء أو لا يلزه؟ الصواب: لا يلزمه؛ لأن هذه الطهارة طهارة كاملة، وإذا كانت طهارة كاملة حسب ما أمر فإنه لا يلزمه أن يعيد الغسل ولا الوضوء.
فإن قال قائل: ألستم تقولون: إنه لو عدم الماء وتيمم عن جنابة أو عن وضوء ثم وجد الماء فإنه لا يصلي إلا بعد استعماله؟
فالجواب: بلى، لكن هناك فرق بين طهارة التيمم وهذه الطهارة: هل الطهارة تعتبر طهارة ماء؛ لأنه غسل بقية جسده ومسح على الجبائر، فالطهارة إذن طهارة ماء، وطهارة التيمم طهار التراب بدل، فإذا وجد المبدل منه تعين استعماله، هذا هو الفرق.
المسألة الرابعة: هل يجوز المسح عليها فيما لو وضع عليها شيئا من الحرير، يعني: جعل الربط أي العصابة من الحرير وةهو رجل، هل يجوز المسح عليها أو لا يجوز؟
نقول: يجوز المسح عليه إذا كان يتضرر بحلها؛ لأن المسح عزيمة وليس رخصة حتى نقول إنه لا يستباح في المعصية، بل نقول: يجوز المسح عليه ما دام يخشى الضرر بحلها.
لو قال قائل: إذا كان يمكنه أن يحلها ثم يعيدها هل يلزمه ذلك؟
نقول: إذا كان لا يتضرر بهذا ولا يخشى على نفسه من الضرر؛ لأن الحكم يدور على علته مثل بعض اللزقات التي تكون على موضع الألم، أحيانا يكون في الإنسان ألم في صدره أو في ظهره أو في أحد أعضائه فيضع عليه لزقه. نقول: إذا كان لا يتضرر بخلعها وجب عليه أن يخلعها ثم يعيدها بعد ذلك، وإن كان يتضرر أو يخشى الضرر فإنه لا يلزمه، وهذا يقع كثيرا فيمن يكون عليه لزقة في ظهره، ويقع عليه جنابة، ويقول: أنا إذا خلعتها لا أتضرر غاية ما هنالك أن تفوت عليه هذه اللزقة فنقول: هذا لا يضر؛ لأن ثمنها قليل، وما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، والواجب غسل جميع البدن؛ أما إذا كان يخشى منها الضرر فلا، فإن الله تعالى قد رفع الحرج عن هذه الأمة.
129 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "من السنة ألا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للصلاة الأخرى". رواه الدارقطني بإسناد ضعيف جدا.
يقول: "من السنة" اعلم أن الصحابي إذا قال: "من السنة" فتارة يكون المراد بها الواجب، وتارة يكون المراد بها المسنون المستحب، ووجه ذلك: أن السنة هي الطريقة، والطريقة إما أن تكون واجبة، وإما أن تكون سنة.
مثال الأول: الواجب أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن الرجل يصلي أربعا مع الإمام وهو مسافر، ويصليركعتين وحده فقال: تلك هي السنة، هذه الواجبة، ومثالها في الواجب أيضا قول أنس رضي الله عنه: "إذا تزوج الرجل البكر على الثيب، أقام عندها سبعا ثم قسم- أو قال: ثم دار
وإذا تزوج الثيب قام عندها ثلاثا". قوله: "من السنة" هنا يعني: السنة الواجبة، ومن ذلك أيضا قول ابن عباس رضي الله عنهما حين جهر في قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، قال: "إنما فعلت ذلك ليعلموا أنها سنة". يعني: واجبة.
أما السنة التي تكون للاستحباب فهو ما جاء في حديث ابن مسعود- وإن كان فيه شيء من النظر-: "من السنة وضع الكف على الكف تحت السرة". ومعنى هذا الحديث هذه سنة ليست بواجبة ولكنها سنة مستحبة.
هذا الذي معنا إذا صح هذا الأثر "من السنة ألا يصلي" هل هي من السنة الواجبة أو من السنة المستحبة؟ يحتمل الأمران، وإنما استحبت على سبيل الاحتياط.
أما معنى هذا الحديث فظاهره أن الرجل إذا تيمم للصلاة فإنهيتيمم للصلاة الأخرى، لكن هل المراد للصلاة الأخرى يعني إذا دخل وقتها أو للصلاة الأخرى ولو في وقت الأولى كالصلاتين مجموعتين؟ إن نظرنا إلى ظاهر الحديث وقلنا: يتيمم للصلاة الأخرى، فظاهره أنه إذا سلم من الصلاة الأولى تيمم للصلاة الثانية، لكن الظاهر لي أنه غير مراد، وأن مراده للصلاة الأخرى يعني: في وقتها، وهو بمعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم للمستحاضة:"توضئي لكل صلاة" أي: لوقتها، لكن هذا الأثر - كما ترون- أثر ضعيف جدا، ولم يقل المؤلف: له شاهد.
وعلى هذا فنقول: الحديث ضعيف لا يعمل به، ونبقى على الأصل من أن الإنسان إذا تيمم لصلاة وبقي على طهارته فإنه لا يلزمه إعادة التيمم إذا دخل وقت التيمم، وقد قررنا هذا في أول كتاب التيمم، وبينا أن التيمم مطهر رافع للحدث إلى متى؟ إن أن يزول سبب إباحته إما بوجود الماء إن كان التيمم عن عدم الماء، وإما بزوال العذر إذا كان لعذر هذا هو الصحيح.
ما حكم هذه الصيغة "من السنة" إذا قالها الصحابي، هل نقول: إنها موقوفة أو إنها مرفوعة؟
قال أهل المصطلح: إنها مرفوعة، لكنها مرفوعة حكما؛ لأن الراوي لم يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم قالها أو فعلها، أو فعلت عنده وأقرها، أو قيلت عنده وأقرها، إنما قال:"من السنة" فإذا رأيت "من السنة" من قول الصحابي فإنه مرفوع حكما؛ لأن الصحابي لا يمكن أن يقول من السنة إلا وهو يريد سنة الرسول عليه الصلاة والسلام لاسيما إذا قال ذلك على سبيل الاستدلال، فإنه إن قال ذلك على سبيل الاستدلال، فمعلوم أن الدليل إنما هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم.