الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماء من بين الأصابع، على هذا ستكون آخر واحدة قليلة جدا، ولهذا يكون الإتيان بهذه السنة فيه صعوبة، لكن مع ذلك لابد إذا كان اللفظ محتملا لها، فلابد أن نعمل بها.
وعن عبد الله بن زيد قال: "تمضمض واستنشق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاثا" هذا يحتمل أن يون كحديث علي أن يكون قوله: "يفعل ذلك ثلاثا" يعود على المضمضة والاستنشاق، ويكون قوله:"من كف واحدة" فيكون بهذا مطابقا لحديث علي، ويحتمل أنه يأخذ كفا فيتمضمض به ويستنثر ثم كفا آخر، ثم كفا آخر لقوله:"يفعل ذلك ثلاثا" وهذا هو الأقرب، وعلى هذا يكون في المضمضة والاستنشاق ثلاث صفات: صفة ضعيفة، وصفة لا بأس بها، وصفة قوية، ما هي الضعيفة؟ أن يفصل بين المضمضة والاستنشاق، والتي لا بأس بها وليست بتلك القوية: أن يكون بكف واحدة المضمضة ثلاثا ثلاثا.
والصفة الثالثة أن يأخذ ماء بكف فيتمضمض ويستنشق، ثم كفا أخرى، ثم كفا أخرى المشهور عند الفقهاء أنها كلها جائزة؛ يعني: كلها سنة.
وعلى هذا ينبغي لنا أن نفعل هذه مرة وهذه مرة، ولكن لا شك أن أثبتها وأصحها حديث عبد الله بن زيد؛ لأنه متفق عليه والإنسان مخير، ثم إن من الناس من إذا جمع المضمضة والاستنشاق كل الثلاث في كف واحدة لا يبقى في كفه شيء، فإذا لم يبق في كفه شيء حينئذ تعذرت المضمضة والاستنشاق فنعود إلى الصفة التي دل عليها حديث عبد الله بن زيد، نأخذ كفا للمضمضة والاستنشاق، وكفا أخرى للمرة الثانية، وكفا ثالثة للمرة الثالثة.
حكم ما يمنع وصول الماء في الوضوء:
50 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا، وفي قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء.
فقال: "ارجع فأحسن وضوءك". أخرجه أبو داود. والنسائي.
قوله عليه الصلاة والسلام: "ارجع" يعني: ارجع إلى مكان الوضوء الذي توضأت منه، "فأحسن وضوءك"، يعني: توضأ وضوءا حسنا، وهل المراد بقوله:"أحسن وضوءك" أن يبتدئ الوضوء من جديد؛ أو أن يغسل ما لم يصبه الماء؟ يحتمل هذا وهذا؛ لأن كلا منهما إحسان سواء ابتدأ الوضوء من أوله أو غسل ما لم يصبه الماء من القدم، ولكن القواعد تقتضي أن
يفصل في هذا، فإن كان الزمن بعيدا فإحسان الوضوء أن يعيده من أوله لفوات الموالاة، وإن كان قريبا فإحسان الوضوء أن يغسل ما لم يصبه الماء من القدم.
ففي هذا الحديث فوائد منها: وجوب استيعاب الأعضاء بالتطهير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا أن يرجع فيحسن الوضوء، ويدل لهذا الحكم قوله تبارك وتعالى:{فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6]. فإذا لم يستوعب الوجه لم يمتثل الأمر، وكذلك يقال في اليدين والرأس والرجلين.
ومن فوائده: أنه تجب إزالة ما يمنع وصول الماء، سواء كان قليلا أو كثيرا، حتى وإن كان مثل الظفر، وكلمة "مثل الظفر" يحتمل أن المراد مثل قلامة أو مثل الظفر كاملا، وأيا كان فإنه يدل على أنه إذا حال بين العضو والماء مثل الظفر وجب إزالته، وإلا لم يصدق عليه أنه غسله، ولكن يبقى عندنا مسائل.
المسألة الأولى: الخاتم إذا كان ضيقا فإنه في الغالب يمنع وصول الماء، فهل يجب أن يحركه حتى يدخل الماء بين وبين العضو أو لا يجب؟
نقول: الظاهر أنه يجب إذا كان ضيقا جدا بحيث يمنع وصول الماء فلابد أن يحركه من أجل أن يصل الماء إلى باطنه، ويحتمل ألا يجب، وهذا الاحتمال نأخذه من كون الرسول عليه الصلاة والسلام يلبس الخاتم ولم يرد عنه انه إذا أراد الوضوء أو الغسل نزعه، وهذا الخاتم لا ندري أهو ضيق أو واسع.
لماذا نقول: يحتمل، ولكن يرد على هذا الأخير - أهو ضيق أو واسع- أنه إذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، فإذا كان يحتمل أنه واسع ويحتمل أنه ضيق وكانت القاعدة عندنا أنه يجب إيصال الماء إلى محل التقرير فإننا لا نأخذ بالاحتمال الثاني الذي يكون ضيقا.
المسألة الثانية: إذا كان الإنسان عليه تركيبة أسنان فهل يجب عليه أن يخلعها عند المضمضة، أو يفصل إن كانت واسعة أو ضيقة، أو يقال: إنه لا يجب استيعاب الفم بالمضمضة؟ الأخير؛ لأن الفقهاء نصوا على أنه لا يجب استيعاب الفم بالمضمضة، وبناء على ذلك لا يجب على الإنسان أن يخلع تركيبة الأسنان ولا أن يخلخلها حتى يصل الماء.
المسألة الثالثة: النساء يستعملن الحناء على رءوسهن، والحناء يتلبد على الرأس، ويمنع وصول الماء، فهل يعفى عن ذلك كما عفي عن مسح رأس الرجل بالعمامة ومسح رأس المرأة بالخمار على القول بذلك أو لا؟
نقول: يعفى عن ذلك، والدليل على هذا من السنة أن الرسول عليه الصلاة والسلام في إحرامه قد لبد رأسه بالعسل والصمغ، وهذا يمنع حتى مباشرة الشعر فيكون هذا له دليل من السنة غير القياس على العمامة والخمار، والنساء يستعملن دائما - كما قلت- الحناء يلبدن على الرءوس.
كذلك أيضا يوجد حلي تربطه المرأة برأسها له عرى تدخل الشعر في هذه العروة من أجل أن يستمسك، وتسمى عند الناس (الهامة)؛ لأنها توضع على هامة الرأس، وهي على قدر الكف، يعني: قطعة من الحلي على قدر الكف تضعها المرأة على رأسها، ثم تخيطها بالشعر - شعر الرأس- بواسطة العرى التي فيها. هل نقول: إنه يجوز أن تمسح عليها أو يجب أن تخلعها أو تخلخلها حتى يصل الماء من تحتها؟
الجواب: يجوز أن تمسح عليها؛ لأنها من جنس الحناء ومن جنس الخمار، بل هي أشد؛ لأنها تخر بنفس شعر الرأس، وما زال النساء يستعملنها فيما سبق وعندهم العلماء ولا ينبهون على هذا.
وهل يعفى عن الشيء اليسير فيمن يشق عليه التحرز من مانع وصول الماء، كأصحاب البويات الذين يستعملونها، يصبغون بها الجدر لا يخلون من أن يتعلق بأيديهم شيء من البوية، فهل يعفى عن ذلك إن كان يسيرا؟
اختار شيخ الإسلام رحمه الله أن يعفى عن ذلك إذا كان يسيرا، وطرد هذا أن اليسير يعفى عنه، ووافقه الفقهاء رحمهم الله في الوسخ الذي يكون بالأظفار، الأظفار الطويلة، يكون تحت الظفر الوسخ يمنع من وصول الماء فهذا معفو عنه، حتى عند الفقهاء رحمهم الله يعفون عن ذلك؛ لأن هذا يشق التحرز منه، ولو قلنا للإنسان: يجب أن تنقب أظافرك عند كل وضوء لكان فيه مشقة، وما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله صحيح لكن فيما يشق التحرز منه، وذلك عند من؟ عند أصحاب البويات الذين يصبغون بها الجدر هؤلاء لا شك أنه يسمح بذلك.
هناك مادة أخرى غير البوية تلصق بالجلد وتأبى أن تنقى من الجلد، حتى تضع عليها بنزين - والبنزين عادة يزيل البويات- لا فائدة فماذا نعمل؟
على كل حال: أنا ذكرت هذا من أجل أن تتحرزوا منه وإلا لا شك أنه إذا عجز الإنسان عنه أنه يعفى عنه، لكن نحث الإنسان على ألا يقربه، والحمد لله الآن الوسائل المانعة من ذلك كثيرة، يوجد قفازات من البلاستيك، إذا أردت أن تستعمل فالبسها وإلا فتحرز منها لأنها خطيرة.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الأمر بالمعروف، وجهه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره أن يحسن الوضوء، ولكن إذا قال قائل: هذا فعل، والفعل المجرد عند الأصوليين لا يدل على الوجوب؟ فيقال: هذا فعل جرى امتثالا لقول الله تبارك وتعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [آل عمران: 104]. وما وقع من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام امتثالا، فإن له حكم الأمر الذي امتثله.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ترك المأمور لا يعذر فيه بالجهل، بل لابد من فعله، وجهه: أن هذا الرجل إما جاهل وإما ناس، إما جاهل يحسب أن الماء قد شمل جميع القدم، أو يحسب أنه لا يجب شمول الماء لجميع القدم أو ناس ومع ذلك لم يستفصل الرسول صلى الله عليه وسلم منه بل أمره أن يحسن الوضوء.
ومن فوائد هذا الحديث: اشتراط الموالاة إذا حملنا قوله: "أحسن" على إعادة الوضوء، وقد اختلف العلماء رحمهم الله في الموالاة هل هي شرط في الوضوء أو لا؟ والظاهر أنها شرط؛ لأن الوضوء عبادة واحدة، وإذا لم يوال بين أجزائه تفكك.
لو قال قائل: لك أن تغسل وجهك الساعة التاسعة صباحا، ثم تغسل اليدين الساعة العاشرة، ثم تمسح رأسك الساعة الحادية عشر، ثم تغسل رجليك الساعة الثانية عشر هل يقول: إن هذا الرجل توضأ؟ حقيقة ما توضأ، وإنما غسل أعضاء، ثم إن قوله تعالى:{يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6]. عطف عليها، ومن المعلوم أن جواب الشرط يلي المشروط مباشرة، بدليل أنه يربط بالفاء الدالة على الترتيب والتعقيب، فإذا قلنا: غسل الوجوه يأتي مباشرة. قلنا: وما عطف عليه يأتي مباشرة أيضا، وهذا استنباط جيد بالنسبة للدلالة من الآية.
فإذا قال قائل: وهل يشترط الترتيب؛ بمعنى: أنه إذا كان الذي لم يصبه الماء من الأعضاء الأولى فهل يغسل ما تحته؟ يعني: لنفرض أنه في اليد هل نقول: اغسل اليد ثم امسح الرأس ثم اغسل الرجل، أو يسقط الترتيب؟
الجواب: لا يسقط الترتيب، بل يغسله وما بعده، ونظير ذلك: لو أن الإنسان نسي الركوع، سجد من قيام ثم ذكر هل نقول: اركع ولا تسجد، او اركع وائت بما بعده؟ الثاني؛ لأنه لابد من الترتيب لكن بعض أهل العلم يقولون: إن الترتيب يسقط بالجهل والنسيان، وبناء على هذا القول لا بأس أن يغسل ما لم يغسله من الأعضاء ويقتصر على ذلك، لو وقع هذا في غسله، يعني: إذا وجد الإنسان - بعد أن اغتسل من الجنابة- أن عليه ما يمنع وصول الماء إلى تحته، فهل نقول: أزل المانع واغسل ما تحته، أو نقول: أزل المانع واغتسل كاملا؟
الجواب: الأول؛ لأن الغسل ليس فيه الترتيب، في الغسل ابدأ بالرأس أو بالرجلين كله واحد الترتيب إنما هو في الوضوء؛ ولهذا قال الله تعالى:{وإن كنتم جنبا فاطهروا} [المائدة: 6]. ولم يذكر من أين نبدأ.
فإذا قال قائل: هل الرجل رجع؟ لابد؛ لأن بعض الناس تأتي أوامر - وهذه نبهت عليها لأنها مهمة- ثم يقول: ما ورد عن الصحابة، فنقول: ما هو شرط، نحن متعبدون بما نسمع وليس من شرط ذلك أن نعلم أن الصحابة عملوا به أو لم يعملوا به، فمثلا الدعاء يوم الجمعة من دخول الإمام إلى أن تنتهي الصلاة حري بالإجابة، فهل يدعو الإنسان بين الخطبتين، أو نقول: لا تدع بين الخطبتين لأن الصحابة ما فعلوه؟ الجواب: الأول يدعو بين الخطبتين؛ لأن الأصل أن الصحابة سوف يفعلون ما أمروا به أو ما دلوا عليه من الحق هذا هو الأصل، وكونه يقول: لا يمكن إلا أن نعلم أنهم عملوا؛ هذا خطأ، لكن إذا علمنا أنهم عملوا على خلاف ما يقتضيه الأمر المطلق حينئذ يكون الأمر المطلق مقيدا بعملهم، وأظنكم تعرفون الفرق بين الأمرين، يعني: الأمر إذا ورد ولم نعلم أن الصحابة فعلوه نقول: يبقى الأمر على ما هو عليه، لكن إذا علمنا أنهم فعلوه على وجه معين نتقيد بهذا الوجه المعين، مثال ذلك:"العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما". هل نقول: اعتمر في الصباح والمساء لتكفر ما بينهما؟ لا؛ لأن الصحابة عملوا بهذا، لكن ما عملوا على ا، هم يكررون العمرة كل يوم أو كل أسبوع، بل نقل شيخ الإسلام رحمه الله اتفاق السلف على كراهة الإكثار من العمرة والموالاة بينها ذكره في الفتاوى. على كل حال هذه مسائل دقيقة، مسألة العمل.
إذا قال قائل: إذا قلتم باستحباب الدعاء بين الخطبتين أتقولون برفع اليدين؟
نقول: الأصل في الدعاء أن من آدابه رفع اليدين ولا بأس أن نرفع الأيدي، ورفع اليدين في الدعاء ينقسم إلى أربعة أقسام:
1 -
قسم ورد الشرع بأنه لا رفع فيه إلا في حالة معينة.
2 -
وقسم ورد الشرع بعدم الرفع فيه مطلقا.
3 -
وقسم ورد الشرع برفع اليدين فيه.
…
4 - وقسم مسكوت عنه.
الأول: الذي ورد رفع اليدين فيه في أشياء معينة؛ الدعاء في الخطبة - خطبة الجمعة- رفع اليدين في الدعاء في خطبة الجمعة، سواء من الإمام الخطيب أو من المستمعين هذا بدعة أنكره الصحابة على مروان بن الحكم، ولكن ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه "رفع يديه في الدعاء في الاستسقاء والاستغفار".
الثاني: ما ورد في عدم الرفع مطلقا؛ وذلك في الدعاء في الصلاة أي في أثناء الصلاة كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو في صلاته ولا يرفع يديه، يدعو بين السجدتين ويداه على فخذيه، لا يرفعهما.
الثالث: السكوت عنه والأصل فيه الرفع، لكن قد يتبادر للإنسان أنه لم يحصل الرفع مثل قوله عليه الصلاة والسلام إذا فرغ من دفن الميت:"استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت"، فإن ظاهر الحال أنهم لا يرفعون أيديهم؛ لأن الراوي لم يقل ثم رفع يده ودعا مثلا، ولكن لو رفع إنسان يده وقال: هذا هو الأصل، لا نستطيع أن ننكر عليه بدون دليل بين.
الرابع: الذي ورد الرفع فيه مطلقا؛ مثل الدعاء يوم عرفة؛ وعلى الصفا والمروة.
أسئلة:
- ما الذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "ارجع فأحسن وضوءك"؟
- هل الأمر بالإحسان أمر بالإعادة أو بالتكميل؟
- في الحديث ما يدل على الأمر بالمعروف ما هو؟
- هل يفرق بين القليل والكثير؟
51 -
وعنه رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد". متفق عليه.
"كان رسول الله"، ذكر العلماء رحمهم الله في أصول الفقه أن "كان" تدل على الدوام غالبا، إذا كان خبرها فعلا مضارعا "كان يغتسل"، "كان يقرأ"، "كان يفعل"، لكنه ليس دائما، وما وجد مطلقا من قول بعض العلماء أن كان للدوام فمرادهم غالبا والدليل على هذا: الأحاديث الواردة، تجد مثلا حديث:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة سبح الغاشية"، وحديث آخر:"كان يقرأ بالجمعة والمنافقين".