المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الاحتلام وأحكامه: 103 - وعن أنس رضي الله عنه قال: "قال - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح مقدمة ابن حجر رحمه الله

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب المياه

- ‌طهارة مياه البحر:

- ‌طهارة الماء:

- ‌كيف ينتقل الماء من الطهورية إلى النجاسة:

- ‌حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم:

- ‌النهي عن البول في الماء الدائم:

- ‌اغتسال الرجل بفضل المرأة والعكس:

- ‌ولوغ الكلب:

- ‌أقسام النجاسات:

- ‌ طهارة الهرة:

- ‌كيف تطهر المكان إذا أصابته نجاسة:

- ‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

- ‌2 - باب الآنية

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌حكم اتخاذ أوعية من جلود الميتة:

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الكفار:

- ‌تضبيب الإناء بالفضة:

- ‌3 - باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌تحريم الخمر وأحكامها:

- ‌الحمر الأهلية وحكم نجاستها:

- ‌حكم طهارة لعاب الإبل:

- ‌طهارة المني:

- ‌حكم بول الجارية والغلام والفرق بينهما:

- ‌حكم دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌4 - باب الوضوء

- ‌صفة الوضوء:

- ‌وجوب المضمضة والاستنشاق:

- ‌استحباب تخليل اللحية:

- ‌حكم الدلك:

- ‌صفة مسح الرأس والأذنين:

- ‌فضل إسباغ الوضوء:

- ‌استحباب التيمن:

- ‌المسح على العمامة وشروطه:

- ‌حكم البدء بالبسملة:

- ‌حكم الجمع بين المضمضة والاستنشاق بكف واحدة:

- ‌حكم ما يمنع وصول الماء في الوضوء:

- ‌أذكار الوضوء:

- ‌5 - باب المسح على الخفين

- ‌شروط المسح على الخفين:

- ‌صفة المسح على الخفين:

- ‌حقيقة السفر ومدة المسح للمسافر:

- ‌مدة المسح للمقيم:

- ‌حكم المسح على الخفين في الجنابة:

- ‌6 - باب نواقض الوضوء

- ‌حكم نقض الوضوء بالنوم:

- ‌عدم جواز صلاة الحائض:

- ‌الوضوء من المذي:

- ‌حكم نقض الوضوء بالقبلة:

- ‌خروج الريح:

- ‌مس الذكر:

- ‌القيء والرعاف والقلس:

- ‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

- ‌حكم من غسل ميتا:

- ‌حكم مس القرآن بغير وضوء:

- ‌هل يتوضأ من الحجامة:

- ‌حكم الوضوء من النوم:

- ‌التحذير من الوسواس في الوضوء:

- ‌7 - باب آداب قضاء الحاجة

- ‌تجنب دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله:

- ‌ دعاء دخول الخلاء:

- ‌الاستنجاء بالماء:

- ‌الأماكن المنهي عن التخلي فيها:

- ‌الكلام عند قضاء الحاجة:

- ‌النهي عن مس الذكر باليمين في البول:

- ‌النهي عن الاستنجاء باليمين:

- ‌النهي عن استقبال واستدبار القبلة بغائط أو بول:

- ‌ستر العورة أثناء قضاء الحاجة:

- ‌الدعاء بعد قضاء الحاجة:

- ‌ضرورة الاستجمار بثلاثة أحجار:

- ‌النهي عن الاستجمار بعظم أو روث:

- ‌الأمر بالاستنزاه من البول:

- ‌8 - باب الغسل وحكم الجنب

- ‌الجنابة من موجبات الغسل:

- ‌الاحتلام وأحكامه:

- ‌استحباب الاغتسال من تغسيل الميت:

- ‌حكم اغتسال الكافر إذا أسلم:

- ‌غسل يوم الجمعة:

- ‌حكم قراءة الجنب القرآن:

- ‌حكم نوم الجنب بلا وضوء:

- ‌صفة الاغتسال من الجنابة:

- ‌حكم المكث في المسجد للحائض والجنب:

- ‌جواز اغتسال الزوجين في مكان واحد:

- ‌9 - باب التيمم

- ‌التيمم من خصائص الأمة الإسلامية:

- ‌عدم صحة التيمم مع وجود الماء:

- ‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

- ‌بطلان التيمم بوجود الماء:

- ‌حكم التيمم للجروح عند مخالفة الضرر:

- ‌المسح على الجبيرة:

- ‌مسائل مهمة في المسح على الجبيرة:

- ‌10 - باب الحيض

- ‌الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌مباحث مهمة في الحيض:

- ‌علامة المستحاضة:

- ‌أحكام الاستحاضة:

- ‌حكم الاغتسال لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌وجوب الوضوء لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌حكم الكدرة والصفرة:

- ‌الاستمتاع بالحائض:

- ‌كفارة وطء الحائض:

- ‌أحكام تترتب على الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌كتاب الصلاة

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌استحباب التعجيل بالعصر وتأخير العشاء:

- ‌حكم الإبراد في صلاة الظهر:

- ‌الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها:

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب:

- ‌الحث على الصلاة في أول الوقت:

- ‌2 - باب الأذان

- ‌صفة الأذان ومعانيه:

- ‌كيفية الأذان:

- ‌لا يشرع الأذان ولا الإقامة لصلاة العيد:

- ‌متابعة السامع للأذان:

- ‌صفة متابعة الأذان:

- ‌حكم أخذ الأجر على الأذان:

- ‌حكم الوضوء للمؤذن:

- ‌حكم إقامة من لم يؤذن:

- ‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

- ‌3 - باب شروط الصلاة

- ‌شرط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر:

- ‌شرط ستر العورة وضوابطه:

- ‌شروط الساتر وضرورة طهارته:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

- ‌حكم صلاة المسافر على الراحلة:

- ‌شرط طهارة المكان وضوابطه:

- ‌الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها:

- ‌ حكم الكلام في الصلاة وضوابطه:

- ‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

- ‌4 - باب سترة المصلي

- ‌صفة السترة للمصلي:

- ‌الأشياء التي تقطع على المصلي صلاته:

- ‌فائدة السترة وحكمها:

- ‌حكم اعتبار الخط سترة:

- ‌مسألة الخط بالتلوين وهل يعتبر سترة

- ‌مسألة حكم العمل بخبر الآحاد والحديث الضعيف:

- ‌5 - باب الحث على الخشوع في الصلاة

- ‌النهي عن الصلاة بحضرة طعام:

- ‌حكم الالتفات في الصلاة وأنواعه:

- ‌حكم البصاق في الصلاة وضوابطه:

- ‌ وجوب إزالة ما يشغل الإنسان عن صلاته:

- ‌التحذير عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة:

- ‌النهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين:

- ‌6 - باب المساجد

- ‌وجوب تنظيف المساجد وتطييبها:

- ‌النهي عن اتخاذ القبور مساجد:

- ‌حكم دخول الكافر للمسجد:

- ‌حكم إنشاد الشعر في المسجد وشروطه:

- ‌حكم إنشاد الضالة في المسجد:

- ‌حكم البيع والشراء في المسجد:

- ‌حكم إقامة الحدود في المسجد:

- ‌تمريض المرضى في المسجد:

- ‌زخرفة المساجد وزينتها:

- ‌تحية المسجد:

الفصل: ‌ ‌الاحتلام وأحكامه: 103 - وعن أنس رضي الله عنه قال: "قال

‌الاحتلام وأحكامه:

103 -

وعن أنس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل- قال: تغتسل". متفق عليه.

- زاد مسلم: فقالت أم سلمة: "وهل يكون هذا؟ قال: نعم، فمن أين يكون الشبه؟ ".

قوله: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل" هذا الحديث نقله المؤلف بالمعنى وأصله: أن أم سليم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا هي احتملت؟ " فتأمل هذا الأدب الرفيع من هذه المرأة؛ حيث خاطبت النبي صلى الله عليه وسلم وقدمت لخطابها ما يقيم لها العذر، وهو قولها:"إن الله لا يستحي من الحق"، فأجابها النبي عليه الصلاة والسلام:"بأنها تغتسل إذا رات الماء"، والمؤلف رحمه الله نقص هذه العبارة مع أنها مهمة وضرورة، فالمرأة ترى في المنام أن أحدا يجامعها فهل تغتسل أو لا؟ كذلك الرجل يرى في المنام أنه يجامع امرأة، فهل يغتسل أم لا؟ حدد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بحد بين واضح قال:"نعم، إذارأت الماء" يعني: رأت الماء الذي هو الجنابة؛ أي: المني فتغتسل.

زاد مسلم: فقالت أم سلمة وهي إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم: "وهل يكون هذا؟ " قال: نعم، فمن أين يكون الشبه؟ " يعني: هل المرأة لها ماء كماء الرجل؟ قال: "نعم"، ثم أتى بدليل حسي واقعي: وهو الشبه، فإن الإنسان يشابه أمه ويشابه أباه، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام:"فمن أين يكون الشبه؟ " لولا أن ماء الرجل يخالط ماء المرأة ما كان هناك شبه للطفل بأمه.

فالحديث فيه فوائد منها: الأدب العالي للصحابة رضي الله عنهم وذلك يتمثل في قول أم سليم: "إن الله لا يستحي من الحق".

ومنها: وصف الله تعالى بالحياء لقولها: "لا يستحي من الحق"، ولو كان الحياء ممتنعا على الله لامتنع عليه الحياء مطلقا من حق وغير حق، فلما نفى أن يستحي من الحق دل على أنه تعالى يستحي من غيره، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أن الله يوصف بالحياء، وهو صفة حقيقية ثابتة لله على الوجه اللائق به، وليس كحيائنا نحن، بل بينه وبين حيائنا كما بين الإنسان وذات الله عز وجل، فهو لا يشبه حياء المخلوقين، وبهذا الطريق وعلى هذا الأساس نسلم من كل شبهة، وتطمئن قلوبنا أيضا؛ لأن مذهب أهل السنة - والحمد لله- هين سهل، فيه براءة للذمة، وفيه إعمال للنصوص كلها، فنحن نثبت الحياء لله على وجه يليق به ولا يشبه حياء المخلوقين، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام وصف الحياء إثباتا لا نقيا؛ حيث قال:

ص: 322

"إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرا". فقال: إن الله حيي كريم.

فإن قال قائل: إن الله لا يوصف إلا بالكمال، فهل الحياء كمال؟

فالجواب: نعم، هو كمال؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الحياء شعبة من الإيمان". والإيمان كمال، زقال عليه الصلاة والسلام:"إن مما ادرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت". وهذا الحديث له معنيان:

المعنى الأول: أن الذي ليس عنده حياء يصنع ما يشاء وإلا يبالي.

والمعنى الثاني: أنك إذا أردت أن تفعل شيئا وهو لا يستحيا منه فافعله: "اصنع ما شئت"، وكلا المعنيين صحيح.

فإن قال قائل: هل من الحياء أن يسكت الإنسان عن الشيء من دين الله يشكل عليه؟

فالجواب: لا، ليس هذا من الحياء، بل هذا من الخوف والجبن وضعف الشخصية، والواجب: أن يسأل الإنسان عن كل شيء يتعلق بدينه، لاسيما بعد أن انقطع الوحي بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم فإننا الآن قد آمنا أن ينزل الوحي بتحريم شيء حلال أو إيجاب شيء غير واجب، فليسأل ولا يستحي نعم، إذا كان الشيء مما يستحيا من التصريح به فليكني عنه، وباب الكناية واسع، وإذا كان مما لابد أن يصرح به لكن أراد الإنسان أن يكون السؤال بينه وبين المسئول فليؤخر لا بأس، أما إذا كان خاليا من هذا فإن الحياء يعني الجبن، وضعف الشخصية، وهو حرام بهذه المثابة، الواجب على الإنسان أن يسأل كما أمر الله تعالى:{فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: 43].

ومن فوائد هذا الحديث: أن النساء يحتلمن كما يحتلم الرجال لقولها؛ رضي الله عنها" "هل على المرأة غسل إذا هي احتلمت"، و"إذا" في الغالب تقال للشرط المحقق، لكنها شرط للزمان لا للوقوع، بخلاف "إن" فإنها شرط للوقوع.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الاحتلام بلا إنزال لا يجب فيه الغسل حتى لو أحس الإنسان باللذة ولكن لم يخرج شيء فلا غسل عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيد هذا بما إذا رأت الماء.

ومن فوائد هذا الحديث: أنها - أي: المرأة- ومثلها الرجل لو رأى بعد استيقاظه أثر الجنابة وتيقن أنه مني وجب عليه الغسل، وإن لم يذكر احتلاما؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مدار

ص: 323

الحكم على رؤية الماء، وهذا يقتضي أنه متى رؤي الماء وجب الغسل؛ ولهذا قيد بعض الفقهاء هذه فقال: من موجبات الغسل: خروج المني دفقا بلذة من غير نائم، وقصده بذلك: أن النائم قد ينزل ولا يحس بنفسه، لكنه إذا استيقظ رأى أثر الجنابة فهنا يجب الغسل.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجب الغسل بانتقال المني إذا لم يخرج لقوله: "إذا هي رأت الماء". وهذا القول هو الراجح، وقد ذهب بعض أهل العلم إى أن المني إذا انتقل ولكن لم يخرج لفتور الشهوة أو لغير ذلك من الأسباب فإنه يجب عليه الغسل، لكن هذا قول ضعيف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قيد وجوب الغسل برؤية الماء؛ لأن الشيء في باطنه لا يعتبر شيئا؛ ولهذا أجسامنا ممتلئة بالعذرة، وممتلئة بالبول، ولا يكون هذا نجسا، حتى إن العلماء ضربوا مثلا، قالوا: لو أن رجلا حمل وهو يصلي قارورة فيها نجاسة، وظاهرها طاهر مفصول والغطاء محكم؛ فالصلاة غير صحيحة، ولو حمل طفلا فالصلاة صحيحة، مع أن بطنه مملوء بالقاذورات؛ لأن الشيء في معدنه ليس له حكم.

فائدة: هل الإحساس بانتقال الحيض كخروجه؟

إذن نقول: هذا الحديث يدل على أن الإنسان لو أحس بانتقال المني لقوة شهوته ولكن لم يخرج فلا غسل عليه، وهل مثله انتقال الحيض؛ يعني: لو أن المرأة أحست بانتقال الحيض لكن لم يخرج الدم فهل نقول: انتقاله كخروجه؟

الجواب: إن قلنا: إن انتقال المني كخروجه، صار انتقال الحيض كخروجه، وإن قلنا: لا، صار انتقال الحيض ليس كخروجه، وتظهر الفائدة في امرأة صائمة أحست قبل غروب الشمس بقليل بأن الحيض انتقل، ولكن لم يخرج إلا بعد غروب الشمس؛ فعلى القول بأن الانتقال كالخروج يكون صومها باطلا، وعلى القول الراجح صومها صحيح؛ لأنه لم يخرج إلا بعد غروب الشمس.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجب الغسل مع الشك؛ يعني: إاذ وجد النائم بللا بعد استيقاظه ولا يدري أهو جنابة أم بول أم مذي ما يدري، هل يجب عليه الغسل أم لا؟ لا يجب.

من أين نأخذ هذا؟ من قوله: "إذا رأت الماء". لم يقل: إذا ظنت الماء، أو إذا غلب على ظنها، قال:"إذا رأت الماء"، فإذا استيقظ النائم ورأى بللا ولا يدري أهو عرق، أو بول، أو مذي، أو

ص: 324

سائل آخر أو مني، فليس عليه غسل، ولكن هل يجب عليه ان يغسل ما أصابه؟ نقول: نعم يغسله احتياطا، أما الغسل فلا يجب، ولا فرق في ذلك بين أن يتقدم نومه ما يثير الشهوة أو لا ما دام على شك، فالأصل براءة الذمة، وهذا الحديث يدل على ما ذكرنا.

ومن فوائد الحديث: الفائدة العظيمة وهي أن الشريعة الإسلامية مبنية على الحقائق لا على الأوهام، ولا على الظنون إلا فيما طلب من الإنسان فعله فلا حرج عليه أن يبني عل ظنه أنه أتى بالفعل المطلوب، لكن الأوهام الطارئة على أصل ثابت هذه لا عبرة بها في الشريعة، وهذه قاعدة من أحسن قواعد الإسلام حتى يبقى الإنسان غير متحير ولا قلق، وإلا لبقي الإنسان في أوهام لا نهاية لها، أما ما طولب الإنسان به وغلب على ظنه أنه اداه فإن الظن يكفي ولهذا قلنا: إذا شك هل طاف سبعة أشواط أو ستة وغلب على ظنه أنها سبعة، كم تكون؟ سبعة، كذلك أيضا في الصلاة شك هل صلى ثلاثا أو أربعا وغلب على ظنه أنها أربعا فهي أربعا، لكن الصلاة فيها سجود السهو، والطواف ليس فيه سجود السهو؛ لأن أصله ليس فيه السجود فكذلك سهوه.

المهم: أن هذه من نعمة الله عز وجل أن الشريعة الإسلامية تحارب القلق محاربة تامة، والحمد لله هذا من تيسير الله، لو أن الإنسان كلما أصيب بما يوجب الشك ذهب مع الشك ما قر له قرار ولا اطمأن له بال، لكن من نعمة الله هو ما ذكرته لكم، كذلك مر علينا من قبل قصة الرجل الذي يجد في نفسه شيئا ويشكل عليه أخرج منه أو لا فقال:"لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا".

ومن فوائد هذا الحديث - ولا سيما زيادة مسلم-: جواز استكشاف الأمر حتى من الكبراء؛ بمعنى: أن الإسلام جعل للإنسان الحرية أن يستكشف عن الأمر الذي يمكن إدراكه وذلك في قول أم سلمة: "هل يكون ذلك" وهي تخاطب الرسول، وهي تعلم رضي الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقر أن المراة تحتلم؛ لأنه من لازم حكمه أن عليها الغسل إذا رأت الماء أن يكون الاحتلام واقعا، فهي قد عرفت أن الرسول أقرها لكن استكشفت كيف يكون ذلك، وهل يكون؟

فمن فوائده: جواز الاستكشاف عما يمكن إدراكه وبيانه، أما ما لا يمكن فالاستكشاف عنه غلط؛ ولهذا قال الإمام مالك رحمه اله في الذي سأل عن كيفية الاستواء قال: السؤال عنه بدعة لكن ما يمكن إدراكه لا بأس أن تسأل.

ومن فوائد هذا الحديث: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم التواضع الجم؛ حيث إن زوجته تتكلم تقول:

ص: 325

هل يكون هذا؟ وربما يظن السامع أنها تعترض وحاشاها من ذلك، ولكنها تريد أن تستكشف، بينما لو أن أحدنا كلمته زوجته في مثل هذا جاءت امرأة تستفتيه وقال: عليك كذا وكذا، فقالت الزوجة: كيف يصير علي كذا وكذا هل يمكن؟ ماذا يقول؟ على كل حال هذا: من خلق النبي عليه الصلاة والسلام وحسن سيرته، ولكن يا إخوان إذا مر عليكم مثل هذا وقيل: هذا من سيرة الرسول، هذا من خلقه، هل المراد أن تعلموه علما نظريا؟ لا، أبدا المراد أن تطبقوه، وإلا فما الفائدة، فينبغي للإنسان أن يمارس مثل هذه الأمور، وأن يعود نفسهعلى ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعتاده في أهله.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي تعداد الأدلة وتنويعها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعم"، وهذا دليل شرعي يكتفى به عند كل مؤمن، وأضاف إلى هذا الدليل دليلا حسيا، وهو قوله:"فمن أين يكون الشبه؟ ".

ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للمستدل أن يذكر الدليل الذي يقتنع به المخاطب من الناحيتين الشرعية والحسية وكذلك العقلية إذا أمكن؛ لأنه كلما ازدادت الأدلة ازداد الإنسان طمأنينة، ويدل لهذا الأصل العظيم: أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال: {رب أرني كيف تحي الموتى} ، فقال الله له:{أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: 260]. فليس الخبر كالمعاينة، فأراه الله عز وجل ذلك فيما أمره به أن يفعل ففعل؛ فرأى كيف يحيي الله الموتى عز وجل.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه ربما يستدل بالشبه على ثبوت النسب لقوله: "فمن أين يكون الشبه؟ "، ويؤيد هذا ما ورد في قصة عتبة بن أبي وقاص حينما زنى فولد له ولد من الزنا، فلما مات عتبة تنازع اخوه سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة في هذا الولد الذي ولد، عبد بن زمعة قال: يا رسول الله، هذا أخي ولد على فراش أبي، وقال سعد: هذا ابن أخي عتبة عهد به إلي، وقالسعد للرسول عليه الصلاة والسلام: يارسول الله، انظر شبهه، فنظر إليه النبي عليه الصلاة والسلام فراىشبها بينا بعتبة فأعمل هذا الشبه لم يلغه، ولكنه احال الحكم على سبب أقوى وهو الفراش، فقال عليه الصلاة والسلام:"الغلام لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش، وللعاهر الحجر"، فثبت الآن أن هذا الغلام أخ لسودة بنت زمعة، زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنه لما رأى الشبه بين لعتبة قال لها:"احتجبي منه يا سودة". فهنا أعمل الشبه، مع أن الولد شرعا الذي حصل فيه التنازع لمن؟ لزمعة شرعا، يرثه إخوانه ويرثونه

ص: 326