المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شرط استقبال القبلة وضوابطه: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ١

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌شرح مقدمة ابن حجر رحمه الله

- ‌كتاب الطهارة

- ‌1 - باب المياه

- ‌طهارة مياه البحر:

- ‌طهارة الماء:

- ‌كيف ينتقل الماء من الطهورية إلى النجاسة:

- ‌حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم:

- ‌النهي عن البول في الماء الدائم:

- ‌اغتسال الرجل بفضل المرأة والعكس:

- ‌ولوغ الكلب:

- ‌أقسام النجاسات:

- ‌ طهارة الهرة:

- ‌كيف تطهر المكان إذا أصابته نجاسة:

- ‌الحوت والجراد والكبد والطحال:

- ‌2 - باب الآنية

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌حكم اتخاذ أوعية من جلود الميتة:

- ‌حكم الأكل والشرب في آنية الكفار:

- ‌تضبيب الإناء بالفضة:

- ‌3 - باب إزالة النجاسة وبيانها

- ‌تحريم الخمر وأحكامها:

- ‌الحمر الأهلية وحكم نجاستها:

- ‌حكم طهارة لعاب الإبل:

- ‌طهارة المني:

- ‌حكم بول الجارية والغلام والفرق بينهما:

- ‌حكم دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌4 - باب الوضوء

- ‌صفة الوضوء:

- ‌وجوب المضمضة والاستنشاق:

- ‌استحباب تخليل اللحية:

- ‌حكم الدلك:

- ‌صفة مسح الرأس والأذنين:

- ‌فضل إسباغ الوضوء:

- ‌استحباب التيمن:

- ‌المسح على العمامة وشروطه:

- ‌حكم البدء بالبسملة:

- ‌حكم الجمع بين المضمضة والاستنشاق بكف واحدة:

- ‌حكم ما يمنع وصول الماء في الوضوء:

- ‌أذكار الوضوء:

- ‌5 - باب المسح على الخفين

- ‌شروط المسح على الخفين:

- ‌صفة المسح على الخفين:

- ‌حقيقة السفر ومدة المسح للمسافر:

- ‌مدة المسح للمقيم:

- ‌حكم المسح على الخفين في الجنابة:

- ‌6 - باب نواقض الوضوء

- ‌حكم نقض الوضوء بالنوم:

- ‌عدم جواز صلاة الحائض:

- ‌الوضوء من المذي:

- ‌حكم نقض الوضوء بالقبلة:

- ‌خروج الريح:

- ‌مس الذكر:

- ‌القيء والرعاف والقلس:

- ‌حكم الوضوء من لحوم الإبل:

- ‌حكم من غسل ميتا:

- ‌حكم مس القرآن بغير وضوء:

- ‌هل يتوضأ من الحجامة:

- ‌حكم الوضوء من النوم:

- ‌التحذير من الوسواس في الوضوء:

- ‌7 - باب آداب قضاء الحاجة

- ‌تجنب دخول الخلاء بشيء فيه ذكر لله:

- ‌ دعاء دخول الخلاء:

- ‌الاستنجاء بالماء:

- ‌الأماكن المنهي عن التخلي فيها:

- ‌الكلام عند قضاء الحاجة:

- ‌النهي عن مس الذكر باليمين في البول:

- ‌النهي عن الاستنجاء باليمين:

- ‌النهي عن استقبال واستدبار القبلة بغائط أو بول:

- ‌ستر العورة أثناء قضاء الحاجة:

- ‌الدعاء بعد قضاء الحاجة:

- ‌ضرورة الاستجمار بثلاثة أحجار:

- ‌النهي عن الاستجمار بعظم أو روث:

- ‌الأمر بالاستنزاه من البول:

- ‌8 - باب الغسل وحكم الجنب

- ‌الجنابة من موجبات الغسل:

- ‌الاحتلام وأحكامه:

- ‌استحباب الاغتسال من تغسيل الميت:

- ‌حكم اغتسال الكافر إذا أسلم:

- ‌غسل يوم الجمعة:

- ‌حكم قراءة الجنب القرآن:

- ‌حكم نوم الجنب بلا وضوء:

- ‌صفة الاغتسال من الجنابة:

- ‌حكم المكث في المسجد للحائض والجنب:

- ‌جواز اغتسال الزوجين في مكان واحد:

- ‌9 - باب التيمم

- ‌التيمم من خصائص الأمة الإسلامية:

- ‌عدم صحة التيمم مع وجود الماء:

- ‌حكم التيمم من الجنابة وصفته:

- ‌بطلان التيمم بوجود الماء:

- ‌حكم التيمم للجروح عند مخالفة الضرر:

- ‌المسح على الجبيرة:

- ‌مسائل مهمة في المسح على الجبيرة:

- ‌10 - باب الحيض

- ‌الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة:

- ‌مباحث مهمة في الحيض:

- ‌علامة المستحاضة:

- ‌أحكام الاستحاضة:

- ‌حكم الاغتسال لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌وجوب الوضوء لكل صلاة للمستحاضة:

- ‌حكم الكدرة والصفرة:

- ‌الاستمتاع بالحائض:

- ‌كفارة وطء الحائض:

- ‌أحكام تترتب على الحيض:

- ‌النفاس:

- ‌كتاب الصلاة

- ‌1 - باب المواقيت

- ‌استحباب التعجيل بالعصر وتأخير العشاء:

- ‌حكم الإبراد في صلاة الظهر:

- ‌الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها:

- ‌الفجر الصادق والفجر الكاذب:

- ‌الحث على الصلاة في أول الوقت:

- ‌2 - باب الأذان

- ‌صفة الأذان ومعانيه:

- ‌كيفية الأذان:

- ‌لا يشرع الأذان ولا الإقامة لصلاة العيد:

- ‌متابعة السامع للأذان:

- ‌صفة متابعة الأذان:

- ‌حكم أخذ الأجر على الأذان:

- ‌حكم الوضوء للمؤذن:

- ‌حكم إقامة من لم يؤذن:

- ‌فضل الدعاء بين الأذان والإقامة:

- ‌3 - باب شروط الصلاة

- ‌شرط الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر:

- ‌شرط ستر العورة وضوابطه:

- ‌شروط الساتر وضرورة طهارته:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

- ‌حكم صلاة المسافر على الراحلة:

- ‌شرط طهارة المكان وضوابطه:

- ‌الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها:

- ‌ حكم الكلام في الصلاة وضوابطه:

- ‌حكم الحركة في الصلاة وضوابطها:

- ‌4 - باب سترة المصلي

- ‌صفة السترة للمصلي:

- ‌الأشياء التي تقطع على المصلي صلاته:

- ‌فائدة السترة وحكمها:

- ‌حكم اعتبار الخط سترة:

- ‌مسألة الخط بالتلوين وهل يعتبر سترة

- ‌مسألة حكم العمل بخبر الآحاد والحديث الضعيف:

- ‌5 - باب الحث على الخشوع في الصلاة

- ‌النهي عن الصلاة بحضرة طعام:

- ‌حكم الالتفات في الصلاة وأنواعه:

- ‌حكم البصاق في الصلاة وضوابطه:

- ‌ وجوب إزالة ما يشغل الإنسان عن صلاته:

- ‌التحذير عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة:

- ‌النهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين:

- ‌6 - باب المساجد

- ‌وجوب تنظيف المساجد وتطييبها:

- ‌النهي عن اتخاذ القبور مساجد:

- ‌حكم دخول الكافر للمسجد:

- ‌حكم إنشاد الشعر في المسجد وشروطه:

- ‌حكم إنشاد الضالة في المسجد:

- ‌حكم البيع والشراء في المسجد:

- ‌حكم إقامة الحدود في المسجد:

- ‌تمريض المرضى في المسجد:

- ‌زخرفة المساجد وزينتها:

- ‌تحية المسجد:

الفصل: ‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

سوف يسمح وجب أن يصلي في الثوب ولا إشكال وإن لم يغلب على ظننا ذلك فالقول بأنه يصلي عريانًا قوي.

أسئلة:

- ما دليل وجوب ستر العورة في الصلاة من القرآن والسنة؟

- ما شروط الساتر؟

- ما ضابط الصفيق الذي يحصل به الستر؟

أما العورة التي يجب سترها فإني لم أذكرها لكم، ولكن ذكر فقهاء الحنابلة أنها ثلاثة أنواع: مغلظة، ومخففة، ومتوسطة، فقالوا: المغلظة: عورة المرأة الحرة البالغة، قالوا: كلها عورة في الصلاة إلا وجهها، وعرفتم الخلاف في الكفين والقدمين. المخففة: عورة الذكر من سبع سنين إلى عشر سنين، فإنها الفرجان فقط - يعني: السوأتان ذكره، ودبره فقط -، أفخاذه وأعلى أفخاذه، وما حول الدبر وما حول القبل ليس من العورة، العورة فقط السوأتان الذكر والدبر، هذا المخففة الذكر من سبع سنين إلى عشر سنين، وما عدا ذلك متوسطة ما بين السرة والركبة يدخل في هذا الذكر الذي تم له عشر سنوات إلى آخر عمره، يدخل في ذلك الأمة، يدخل في ذلك الأنثى الصغيرة والحرة إذا لم تبلغ.

هذه أحكام العورة عند فقهائنا - رحمهم الله تعالى -، وأنا شخصيًا أقلد المذهب في هذا؛ لأني لم أستطع أن أصل إلى شيء معين من السنة، وفرض العاجز هو التقليد لقوله تعالى:{فسألوا أهل الذكر إن كمتم لا تعلمون} [النحل: 43].

‌شرط استقبال القبلة وضوابطه:

الآن نبدأ درسًا جديدًا وهو استقبال القبلة، وهو واجب بالكتاب والسنة؛ أما في الكتاب فقال الله تبارك وتعالى:{قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [البقرة: 144}. هذا نص صريح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يستقبل بيت المقدس إلى سنة وأربعة أشهر أو سبعة أشهر، ثم أمر بالتوجه إلى الكعبة، أما صلاته قبل ذلك لما كان في مكة فالظاهر أنه يستقبل الكعبة؛ لأنه لا حاجة لا يستقبل بيت المقدس، ويبعد جدًا أن يستقبل بيت المقدس والكعبة بين يديه، لكن لما قدم المدينة ووجد اليهود يتجهون إلى بيت المقدس توجه عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس أخذا بقوله تعالى: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90]. أو لأي سبب رآه صلى الله عليه وسلم، لكنه مع هذا يتطلع إلى أن يتجه إلى قبلة أخرى؛ ولهذا قال الله عز وجل: {قد نرى تقلب

ص: 506

وجهك في السماء} [البقرة: 144]. كلمة {قد نرى} تدل على استمرار تقلب وجهه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لم يقل: «قد رأينا» ، قد نرى فعل مضارع يدل على الاستمرار فكان ينظر إلى السماء لعله يصرف فصرفه الله عز وجل إلى الكعبة.

وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن الكعبة قبلة الأنبياء كلهم، وأن اتجاه اليهود إلى بيت المقدس من تحريف الكلم عن مواضعه، ومن صنيع اليهود، وليس من شريعة الله، وأيا كان فالكعبة هي قبلة النبي صلى الله عليه وسلم وأمته إلى يوم القيامة، أما السنة فسيأتينا - إن شاء الله تعالى - بيان الأدلة من السنة على وجوب استقبال الكعبة ووجوب استقبال الكعبة لا شك أنه عين الحكمة والصواب والرحمة؛ لأنها تجمع الأمة الإسلامية على اتجاه واحد وهو الكعبة فما ظنكم لو كان كل إنسان يتجه إلى ما يريد لكان الناس في المسجد الواحد يختلفون، لكن الله تعالى - بحكمته ورحمته - جعل الكعبة واحدة، ثم اختار عز وجل أن تكون الكعبة؛ لأنها أول بيت وضع للناس، وأشرف مكان على وجه الأرض هي الكعبة، فكان هذا حكمةً أخرى أن يتجه الناس إلى هذا البيت العتيق الذي هو أول بيت وضع للناس.

ولكن ما الفرض في استقبال القبلة؟ أما من أمكنه مشاهدة الكعبة فالفرض أن يتجه إلى عين الكعبة، وأما من لا يمكنه فالفرض أن يتجه إلى جهتها، والجهة كلما ابتعد الإنسان عن مكة اتسعت الجهة، وكلما قرب ضاقت الجهة، وأما قول بعض العلماء: من كان في المسجد الحرام فقبلته الكعبة، ومن كان بمكة فقبلته المسجد، ومن كان خارج مكة فقبلته مكة هذا ليس بصحيح، إنما يقال: من أمكنه مشاهدة الكعربة ففرضة أن يتجه إلى عين الكعبة، ومن لم يمكنه ولو في مكة اتجه إلى جهتها - أي: جهة الكعبة -، وكما قررنا أنه كلما بعد الإنسان عن الكعبة اتسعت الجهة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة:«ما بين المشرق والمغرب قبلة» . وقال لهم: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا» . فدل هذا على أنهم إذا اتجهوا للجنوب كل الجنوب يكون قبلة، أو إلى الشمال فكل الشمال يكون قبلة؛ ولهذا قال:«شرقوا أو غربوا» .

ص: 507

يستثنى من وجوب استقبال القبلة: العاجز عن استقبال القبلة مثل أن يكون الإنسان مريضًا لا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة، ودليل سقوطها عنه قول الله تبارك وتعالى:{لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286]. وقوله: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16].

الثاني: الخائف على نفسه من عدو، أو سيل، أو نار؛ فيتجه حيث كان وجهه؛ لقول الله تعالى:{فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا} [البقرة: 239]. ومعلوم أن الرجال الهاربين أو الركبان الهاربين فسوف يهربون إلى الجهة المخالفة للجهة المخوفة، والجهة المخوفة قد تكون شمالًا، أو جنوبًا، أو شرقًا، أو غربًا.

الثالث: النفل في السفر، وسيأتي إن شاء الله.

ولكن كيف تعرف القبلة؟ أما من كان يشاهد الكعبة فتعرف بالمعاينة، وأما من لا يمكنه مشاهدة الكعبة فتعرف بأدلة سماوية الشمس والقمر والنجوم، الشمس تشرق من المشرق وتغرب في المغرب، وكذلك القمر، وكذلك النجوم، وبعض النجوم ثابت في مكانه أو يتحرك قليلًا هذه العلامات، فإذا قدر أنك شرقي مكة فما قبلتك؟ الغرب، وإذا كنت غربي مكة، فقبلتك الشرق، إذا كنت بالجنوب فقبلتك الشمال ما بين مشرق الشمس ومغربها، وفي الشمال الجنوب ما بين مشرق الشمس ومغربها، وكذلك يقال في القمر والنجوم، النجوم من أثبتها وأقواها؟ القطب، ونحن في جهتنا هنا لا نشاهد إلا القطب الشمالي؛ لأن الأفق فيه قطبان شمالي وجنوبي نحن نشاهد الشمالي، فالشمالي يقولون: إنه نجم خفي لا يراه إلا حديد البصر، في غير ليالي القمر خفي جدًا إلا أن حوله نجم قوي واضح، وهو الجدي فهذا يدور حول القطب، ولذلك تجد مسافة دورانه مثل القرص الصغير؛ لأنه قريب من القطب، كلما بعدت النجوم عن القطب صار مدارها أوسع؛ ولهذا كان الناس عندنا منذ زمن يستدلون عليها بالجدي، الجدي هنا في منطقتنا يكون خلف أذن المصلي اليمنى إذا جعله خلف أذنه اليمنى فقد استقبل باب الكعبة، إذن يستدل بالشمس والقمر والنجوم هنا يعني في عصرنا الآن يسر الله - ولله الحمد - آلات وأجهزة تدلك على اتجاه القبلة، وإذا قدر أنها لا تصيب عين الكعبة فإنها تصيب قطعًا جهة الكعبة، وكفى لأنه ليس لنا أن نتعمق ونقول: لابد أن نصيب عين الكعبة وهي بعيدة عنا، ولكن الجهة يسرها الله - ولله الحمد - على وجوه شتى، وهي الآن سهلة المنال وسهلة العلم وهذا من التوفيق، لكن لو فرض أن الإنسان لم يجد ولا يعرف النجوم ولا الشمس ولا القمر ولا يجد آية يستدل بها فإنه يتحرى، وأي جهة يركن إليها ويميل إليها يتجه إليها وهذا قد يقع، يخرج الإنسان للبر وليس عنده علم من أدلة القبلة، وليس عنده من يسأله؛

ص: 508

فنقول: انظر ما تطمئن إليه نفسك واتجه إليه {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115]. من ذلك ما ذكر المؤلف رحمه اللهك

202 -

وعن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ مظلمةٍ، فأشكلت علينا القبلة فصلينا، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا إلى غير القبلة، فنزلت: {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115]» . أخرجه الترمذي وضعفه.

«نزلت» يعني: الآية. يقول: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة» وهذا في سفر لا شك، وأنهم لو كانوا في المدينة لم يشكل عليهم، وقوله:«فأشكلت علينا» الإشكال هو ضد الوضوح، وكأنهم تشاوروا فيما بينهم فأشكل عليهم الأمر، وهذه الجملة تدل على أن القوم تحروا واجتهدوا، قوله:«فصلينا، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا إلى غير القبلة» . «لما طلعت الشمس» يعني: بعد أن انجلى الغيم وطلعت الشمس. «إذا نحن صلينا إلى غير القبلة» .

«لما طلعت الشمس إذا نحن» «إذا» هذه يسمونها إذا الفجائية. «إذا نحن» يعني: فاجأنا أننا صلينا إلى غير القبلة، فنزلت هذه الآية:{فأينما تولوا فثم وجه الله} ، والآية التي نزلت ليست:{فأينما تولوا} ، التي نزلت {{ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} ، لكن أحيانًا يقولون نزلت الآية ويقتصرون على بعضها، {فأينما تولوا} هذه جملة شرطية {فثم وجه الله} جواب الشرط، و (ثم) بمعنى: هناك ومن باب الاستطراد، نسمع كثيرًا من الناس يعبر عن (ثم) يقول:(ثم) وهذا غلط ظاهر؛ لأن (ثم) حرف عطف، وليست (ثم) التي ضمنت ظرفًا.

ففي هذا الحديث دليل على فوائد منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؛ لأنه لو كان يعلم الغيب لعلم أين تكون القبلة.

ومنها: أن من اجتهد أو تحرى ولم يصب القبلة فليس عليه إعادة؛ لأن الله تعالى قال: {فأينما تولوا فثم وجه الله} ، ولكن يشترط في هذا ألا يكون فرط في التقصي عن القبلة، فإن كان فرط فعليه الإعادة؛ لأنه ترك شرطًا من شروط الصلاة. مثال المفرط: رجل نزل ضيفًا عند قوم وأراد الصلاة، ولم يسأل أهل البيت أين القبلة، لكن وقع في قلبه أن القبلة إلى جهة ما، فصلى إلى هذه الجهة، وتبين أنه إلى غير القبلة؛ فهذا يعيد الصلاة؛ لأنه لم يتق الله ما استطاع، أخل يركن من أركان الصلاة دون أن يتقي الله ما استطاع، فإن قال له أهل البيت: القبلة هاهنا وصلى إليها ثم تبين أن أهل البيت مخطئون فليس عليه شيء؛ لماذا؟ لأنه اتقى الله ما استطاع،

ص: 509

أهل البيت أدرى به وجهوه إلى هذه الجهة، فلا يلزمه أكثر من هذا، فإن سأل صبيًا قال له: أين القبلة؟ فقال له: القبلة هذه، ثم تبين أنه خطأ يعيد أو لا؟ يعيد، لماذا؟ لأن الصبي لا يوثق به، فهو مفرط إذا اعتمد على قول الصبي؛ ولهذا ينبغي للإنسان إذا نزل ضيفًا على أحد وهو يريد أن يصلي أن يسأل صاحب البيت أين القبلة، حتى لا يقع في خطأ.

ومن فوائد هذا الحديث: أن القرآن الكريم قد ينزل ابتداء، وقد يكون له سبب، من أين تؤخذ؟ لقوله:«فنزلت: {فأينما تولوا فثم وجه الله}» .

ومن فوائد الحديث: أن الله تعالى واسع عليم محيط بكل شيء {فأينما تولوا فثم وجه الله} إلى أي جهة {فثم} ، أي: فهناك، أي إلى الجهة التي اتجهتم إليها وجه الله، وما مقصود المصلي باتجاه القبلة إلا أن يكون الله قبل وجهه كما جاء في الحديث الصحيح.

هنا إشكال: وهي كلمة (ثم) ظرف مكان، فهل الله عز وجل في المكان الذي اتجهت إليه؟

الجواب: لا، ولا يمكن ذلك فهو في السماء على عرشه، لكنه في الجهة التي اتجهت إليها، وإن كان فوق والمواجهة لا تنافي العلو، أرأيت لو وقفت عند غروب الشمس فانظر إلى الشمس أين تكون؟ قبل وجهك وهي في السماء وهي مخلوقة، فكيف بالخالق عز وجل.

ومن فوائد الحديث: من هذه الآية إثبات وجه الله تبارك وتعالى لقوله: {فثم وجه الله} وهل هو وجه حقيق؟ الجواب: نعم، هو وجه حقيقي، فلله تعالى وجه لكنه لا يماثله شيء؛ لقوله تعالى:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]. والجواب: علينا في أمور الغيب أن نؤمن بها دون أن نسأل عن كيفيتها؛ لأن أمور الغيب أعمق من أن تحيط بها عقولنا، فلا نسأل ولا نتصور إلا ما جاء به النص فقط، فنثبت أن الله وجهًا ولكننا لا نسأل عن كيفية وجهه ولا نقر كيفيته في أذهاننا، وهذه قاعدة في جميع أمور الغيب، أريحوا أنفسكم لا تتكلفوا السؤال، لو كان السؤال عن مثل هذه الأمور خيرًا لكان أول من يفعله الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان بيان كيفية هذه الأمور خيرًا لبينه الله عز وجل كما قال تعالى:{ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء} [النحل: 89]. فأرح نفسك، ولا تتعدى ما جاء في الكتاب والسنة من أمور الغيب المتعلقة بالله عز وجل، أو المتعلقة باليوم الآخر، أو المتعلقة بأحوال البرزخ، أو غير ذلك، كل الأمور الغيبية؛ لأنها فوق مستوى العقول.

أسئلة:

- سبق لنا أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة، فما دليلك؟

-

ص: 510

استقبال القبلة يسقط في مواضع، ما هي؟

- لو اجتهد الإنسان في تحري القبلة ولم يصب فهل تصح صلاته، وما الدليل؟

- ما هو الواجب استقباله فيما إذا كان الإنسان قريبًا من الكعبة أو بعيدًا؟

203 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» . رواه الترمذي، وقواه البخاري.

«ما بين» (ما) اسم موصول مبتدأ، و (بين) جملة صلة الموصول، و (قبلة) خبر المبتدأ يعني: قبلة للمصلي، والخطاب هنا لمن كان قبلتهم الجنوب أو الشمال.

مثال الأول: أهل المدينة وأهل الشام هؤلاء قبلتهم الجنوب. ومثال الثاني: أهل اليمن فهؤلاء قبلتهم الشمال، فـ «ما بين المشرق والمغرب قبلة» لكل من كانت قبلته بين المشرق والمغرب سواء من جهة الشمال أو من جهة الجنوب، وهذا يدل على ما سبق فيمن بعد عن الكعبة ففرضه استقبال الجهة.

فيستفاد من الحديث فوائد، منها: تيسير هذه الشريعة؛ حيث امتدت جهة القبلة عند البعد عن معاينة الكعبة.

ومنها: أنه لا يضر الانحراف عن مسامته القبلة ما دام في الجهة، الدليل قوله:«ما بين المشرق والمغرب» ، فإن ما بين المشرق والمغرب بالنسبة لمن قبلتهم الجنوب بعيد جدًا، ومع ذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم قبلة.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يلزم الإنسان أن يتكلف بطلب مسامته القبلة، حتى إن بعض الناس ربما يهدم مسجدًا قائمًا عامرًا مع انحراف يسير يعفى عنه، فإن هذا لا يجوز، إذا أوسع الله علينا فعلينا أن نوسع.

ومن فوائد هذا الحديث: أن خطابات الشرع قد تكون عامة، وقد تكون خاصة، ويعين ذلك الحال والقرائن، فنحن نعلم مثلًا أن هذا الخطاب لا يصلح إلا لمن؟ لأهل المدينة ومن كان مثلهم ممن قبلته الجنوب، وبالعكس لأهل اليمن ومن كان مثلهم ممن قبلته الشمال فمن قبلته الشرق أو الغرب ماذا نقول له؟ نقول: ما بين الشمال والجنوب قبلة فالمساحة بعيدة والحمد لله.

ص: 511