الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يذكر الله على كل أحيانه». والأذان ذكر، فيجوز أن يؤذن ولو لم يكن متوضئًا، لكن الأفضل أن يكون على وضوء؛ لأنه ذكر، والذكر ينبغي أن يكون الإنسان فيه على طهارة.
فإن قال قائل: وماذا تقولون في الجنب؟
نقول: الجنب أبعد حالًا من المحدث حدثًا أصغر؛ ولهذا نص الفقهاء رحمهم الله على أن الجنب يكره أذانه، ولكن في هذا نظر؛ لأن الجنب يجوز له الذكر ما عدا شيئًا واحدًا وهو القرآن، وما عدا ذلك فإنه يجوز أن يذكر الله عز وجل بجميع أنواع الذكر، فالصواب: أن أذان الجنب ليس بمكروه، وأنه لا بأس أن يؤذن وهو جنب؛ إلا أن الأفضل أن يكون على طهارة.
فإن قال قائل: ما تقولون في حال الناس اليوم إذا كان الإنسان يؤذن في المسجد وهو جنب فماذا يصنع؟
نقول: الأمر سهل يتوضأ؛ لأن الجنب إذا توضأ جاز له المكث في المسجد، ويتوضأ ويؤذن في وقته، ثم يعود إلى محل الاغتسال ويغتسل.
حكم إقامة من لم يؤذن:
191 -
وله: عن زياد بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن أذن فهو يقيم» . وضعفه أيضًا.
«من أذن فهو يقيم» ، يعني: وهو الذي يقيم، و «من» هذه عامة تشمل من أذن بالأصالة، ومن أذن بالوكالة.
المؤذن بالأصالة: أن يكون هذا المسجد له مؤذن خاص فيؤذن، فهو نفسه الذي يقيم.
المؤذن بالوكالة: مؤذن موظف لا يخرج من وظيفته إلا بعد أذان الظهر، فحضر إلى المسجد وقد أذن وكيله، فهل يقيم الأصيل؛ لأنه وكل نائبًا عنه أو يقيم الوكيل؟ يقيم الوكيل لكن لو أقام الأصيل فلا بأس، وله وجهة نظر لأنه يقول: أذن عني لغيابي، والآن قد حضرت، فإذا تشاحنا؛ قال الوكيل في الأذان: أنا أذنت فأقيم، وقال الأصيل: أنا صاحب المنارة فأقيم، فمن نأخذ بقوله؟ الأصيل، أما عند عدم التشاحن فإنه يؤذن الوكيل.
192 -
ولأبي داود من حديث عبد الله بن زيدٍ أنه رضي الله عنهما قال: «أنا رأيته - يعني: الأذان - وأنا كنت أريده. قال: فأقم أنت» . وفيه ضعف أيضًا.
عبد الله بن زيد بن عبد الله بن عبد ربه سبق في أول الأذان أنه رأى في المنام أن رجلًا معه ناقوس، فقال له: أتبيع هذا الناقوس؟ قال: لأي شيء؟ قال: من أجل أن أضرب به عند دخول الوقت، فقال: هل أدلك على خير من هذا
…
وذكره له، لما رآه هو قال: أنا الذي أؤذن؛ لأنه هو صاحب الرؤيا، ولكن سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«ألقه على بلال فإنه أندى صوتًا منك» ، فألقاه على بلال، فكان بلال هو المؤذن وهو الذي يقيم، ولذلك هذا الحديث يقول:«وفيه ضعف أيضًا» .
193 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤذن أملك بالأذان، والإمام أملك بالإقامة» . رواه ابن عدي وضعفه.
194 -
وللبيهقي نحوه: عن علي رضي الله عنه من قوله.
وظيفة المؤذن أنه أملك بالأذان؛ بمعنى: أنه المسئول عن الأذان، يراقب الشمس، يراقب الشفق، يراقب الفجر، ويؤذن على حسب ما جاء في السنة، ولو أراد الإمام أن يؤذن فللمؤذن أن يمنعه؛ لأنه أملك بالأذان، الإمام أملك بالإقامة؛ يعني: أن الإقامة ترجع للإمام.
فلو أن مؤذنًا لما رأى الإمام قد تأخر نحو خمس دقائق أو شبهها أقام، قلنا: هذا لا يجوز، هذا اعتداء على حق الإمام، وافتيات عليه؛ لأن الصحابة كانوا لا يقيمون الصلاة حتى يحضر النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إنه تأخر ذات ليلة في صلاة العشاء وجعلوا يطرقون بابه يقولون: يا رسول الله، الصلاة، ولو كان أحد يملك الإقامة لأقاموا، والنبي صلى الله عليه وسلم لو أقاموا لم يغضب عليهم؛ لأنه أوسع الناس صدرًا، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - أنه لما تخلف في الصلح مع بني عامر بن عوف وجاء وجدهم صلوا، قال:«أحسنتم وأصبتم» .
فاتضح الآن أن المؤذن مسئول عن الأذان، والإمام عن الإقامة، إذن أيهما أعظم مسئولية وأشق؟ المؤذن أعظم مسئولية وأشق، لاسيما في العصر الأول لا يوجد ساعات فتجده في آخر
الليل يرقب الفجر، وتجده يرقب الشفق، وعند الزوال كذلك، وعند العصر كذلك، فالمؤذن أشق عملًا من الإمام؛ ولهذا كان الأذان أفضل من الإمامة.
يعني لو قلنا: أيهما أفضل: المؤذن أو الإمام من حيث المرتبة في الأجر؟
قلنا: المؤذن؛ لأن عليه مسئولية أكثر بكثير من الإمام.
قد تقولون: إذا كان الأذان أفضل من الإمامة فلماذا لم يتوله الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، لماذا عدل عنه الخلفاء الراشدون؟
الجواب: لأنهم مشتغلون بالخلافة وتدبير الناس، فهم لا يتفرعون لأن يراقبوا الفجر، أو يراقبوا مغيب الشفق، أو يراقبوا دخول العصر، مشغولون لذلك لم يتولوا الأذان، ولا شك أن الأذان أفضل من الإمامة، أيهما أعظم مسئولية؟ المؤذن أعظم مسئولية من وجه؛ لأن المؤذن يترتب على أذانه صلاة الناس في بيوتهم، وإمساكهم في صومهم، وإفطارهم في صومهم، فيترتب عليه مسئولية كبيرة، ويقال: إن رجلًا كلم زوجته في الليل وأبت أن تكلمه، فقال لها: إن أذن الفجر قبل أن تكلميني فأنت طالق ثلاثا، وكان الطلاق الثلاث في الأول تبين به المرأة، يعني: ما انتشر الإفتاء به بأن الطلاق الثلاث واحدة بعد الصحابة إلا في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إن أذن الفجر قبل أن تكلميني فأنت طالق ثالثًا، فصممت ألا تكلمه، فذهب إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وكان الإمام أبو حنيفة ذكيًا، فقال له: اذهب إلى المؤذن اجعله يؤذن، فذهب إليه فأخبره بالقضية وأنها صعبة، فأذن وهو راجع عند امرأته فقالت: الحمد الله الذي فكني منك، فقال: الحمد لله الذي ردك علي، فالمؤذن في الحقيقة مسئوليته عظيمة، الإمام مسئوليته عظيمة من جهة إمامته للناس يجب عليه أن يتعلم أحكام الصلاة، وأحكام الإمامة، وأن يجعل صلاته على نحو صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال:«صلوا كما رأيتموني أصلي» . وهذا يلزم أن يعرف كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي، وأن يعمل كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعمل، فمن هذه الناحية يكون أعظم مسئولية، بعض الأئمة يصلي بالناس لكن لا يطمئن في الركوع ولا في الرفع منه، ولا في السجود ولا في الرفع عند السجدتين، وهذا خطر عظيم لاسيما إذا كان في المسجد من كبار السن، أو من الضعفاء، فكل واحد منهم عليه مسئولية، لكن عمل المؤذن أشق؛ ولهذا جاء في الحديث الصحيح:«أطول الناس أعناقًا يوم القيامة المؤذنون» .
أسئلة:
- هل يجوز أن يقيم من لم يؤذن؟