الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في قوله تعالى: {فاسجدوا لله واعبدوا} [النجم: 62]. وعليه فيكون معناه معنى حديث أبي هريرة الذي قبله.
الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها:
154 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» . متفق عليه.
- ولفظ مسلم: «لا صلاة بعد صلاة الفجر» .
يقول: «لا صلاة بعد الصبح» «لا» نافية للجنس، و «صلاة» تعني: بناء على هذا الفرض والنفل، وتشمل الصلاة ذات الركوع والسجود، وما ليس بذات ركوع وسجود كصلاة الجنازة، وقوله:«بعد الصبح» يحتمل أن المراد: بعد صلاة الصبح، ويحتمل أن المراد: بعد طلوع الشمس، لكن رواية مسلم تبين أن المراد: بعد صلاة الصبح، ولذلك لا صلاة بعد صلاة الفجر، وكذلك أيضًا ورد في أحاديث أخرى غير حديث أبي سعيد التصريح بأن المراد: الصلاة؛ حيث قال الراوي: «نهى عن الصلاة بعد صلاتين: صلاة الفجر، وصلاة العصر» .
وقوله: «حتى تطلع الشمس» المراد: حتى تطلع كاملة، أو حتى يطلع قرنها الأول والثاني، ولكن مع ذلك سيتبين فيما يأتي - إن شاء الله - في حديث عقبة أن النهي يمتد إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح، «ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس» . «بعد العصر» ، أي: بعد صلاة العصر، «حتى تغيب الشمس» أي: يغيب قرنها الأعلى، يعني: تغيب كلها.
فإذا قال قائل: ما هي الحكمة في ذلك؟
قلنا: الحكمة في هذا أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم «أن الشمس تطلع بين قرني شيطان» ، فإذا رآها المشركون سجدوا لها، وكذلك في الغروب تغرب بين قرني الشيطان، ولعلهم يسجدون لها وداعًا، فهم يسجدون لها استقبالًا عند طلوعها ووداعًا عند خروجها، فنهينا عن الصلاة في هذين الوقتين؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى التشبه بهم.
فلنأخذ الفوائد:
قوله: «لا صلاة» ذكرنا أن المراد: العموم، أي صلاة تكون، لكن نستثني من ذلك شيئًا، ثم هل المراد نفي الصلاة، أو نفي صلاتها، أو نفي كمالها؟
هذه ثلاثة احتمالات، والقاعدة: أن النفي نفي للوجود، فإن لم يمكن فهو نفي للصحة، ونفي الصحة نفي لوجودها شرعًا، أو لوجود المنفي شرعًا، فإن لم يكن بأن دل الدليل على أن المنفي صحيح وجب أن يحمل على نفي الكمال، فهنا هل المراد أن الصلاة منفية وقوعًا بمعنى لا يمكن أن تقع؟ الجواب: لا؛ لأنه ربما يصلي الإنسان في هذا الوقت.
إذن هل هو نفي للصحة أو الكمال؟ نقول: المرتبة الثانية بعد نفي الوجود أن تكون نفيًا للصحة ولابد، فنقول:«لا صلاة» ؛ أي: لا تصح، وليس نفيًا للكمال.
إذن يستفاد من هذا الحديث: أنه لا تصح الصلاة في هذين الوقتين: لا الفريضة ولا النافلة، لا المقضية ولا المؤداة، ولكن هذا الحديث مرادًا، أي: لا يراد العموم، فقد دلت السنة على استثناء أشياء من ذلك، منها: الفريضة، فالفريضة لا نهي عنها، فمتى ذكر الإنسان أن عليه فريضة صلاها ولو في هذين الوقتين.
مثال ذلك: رجل لما صلى الفجر تذكر أنه صلى العشاء بغير وضوء، فهنا يصلي العشاء قبل طلوع الشمس أو لا؟
يصليها حين ذكرها، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها» .
فإن قال قائل: هذا الحديث بينه وبين حديث أبي سعيد عموم وخصوص من وجه، فكيف رجحتم عموم حديث قضاء الصلاة، على عموم حديث النهي عن الصلاة في هذين الوقتين؟ فالجواب: أن قضاء الصلاة الواجبة واجب والأصل في الأمر «فليصلها إذا ذكرها» أنه على الفور، فيقتضي أن تصلى الفريضة من حين أن يعلم بها الإنسان، هذا واحد.
ثانيًا: حديث: «لا صلاة بعد الصبح» قد يستثنى منه أشياء بالنفي وبالإجماع، وقد ذكر العلماء أن العموم إذا خص فإن دلالته على العموم تكون ضعيفة، بل إن بعضهم يقول: إذا خص العموم فإن دلالته على العموم تبطل، لكن الراجح أنها لا تبطل، وأنه لا يخرج من العموم إلا ما استثني بالتخصيص، إذن يستثنى من ذلك قضاء الفريضة، لا يستثنى من ذلك إعادة الصلاة، يعني: إذا جاء إنسان بعد أن صلى الفجر، ودخل المسجد، وصلى الناس؛ فإنه يصلي معهم ولو كان بعد صلاة الفجر، دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الصبح
في مسجد الخيف رأى رجلين لم يصليا، فقال لهما:«ما منعكما أن تصليا معنا؟ » قالا: يا رسول الله، صلينا في رحالنا، فقال:«إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة» . فإنها - أي: الصلاتين - المعادة لكما نافلة، فصرح صلى الله عليه وسلم أنهما يصليان، وأنها نافلة، إذن إعادة الصلاة مستثناة.
يستثنى من ذلك سنة الظهر البعدية إذا جمعها مع العصر؛ لأنه لا يمكن أن يصليها بين الظهر والعصر؛ لأنهما مجموعتان، فيقضيها بعد صلاة العصر، كمريض يجمع بين صلاة الظهر والعصر، فيصلي الظهر، ثم يصلي العصر، ثم يصلي راتبة الظهر البعدية ليست القبلية، ولكن البعدية؛ لأنه لا يتمكن من صلاة الراتبة البعدية إلا بعد صلاة العصر.
يستثنى من ذلك أيضًا ركعتا الطواف، إذا طاف الإنسان بعد صلاة الصبح، أو بعد صلاة العصر، فإنه يصلي ركعتين خلف المقام لما سيأتي في «كتاب الحج» ؛ ولأنهما تبع للطواف.
يستثنى من ذلك أيضًا ركعتا الطواف، إذا طاف الإنسان بعد صلاة الصبح، أو بعد صلاة العصر، فإنه يصلي ركعتين خلف المقام لما سيأتي في «كتاب الحج» ؛ ولأنهما تبع للطواف.
يستثنى من ذلك أيضًا سنة الوضوء، فإنه إذا توضأ الإنسان بعد صلاة الصبح، أو بعد صلاة العصر، يجوز له أن يصلي سنة الوضوء لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه؛ غفر له ما تقدم من ذنبه» .
بناءً على هذه الأدلة نقول بالقول الثاني وهو رواية عن أحمد أنه يستثنى من هذا العموم الفرائض، وكل نافلة لها سبب، هذا هو القول الراجح، وهو رواية عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن كل صلاة لها سبب فإنه يصليها في أوقات النهي، يدل لذلك أن في بعض ألفاظ أحاديث النهي عن الصلاة في هذه الأوقات أنه قال عليه الصلاة والسلام:«لا تحروا الصلاة» . فهو يدل على أن المراد من قصد الصلاة في هذه الأوقات، وأما من صلى لسبب فإنه لم يقصد الصلاة في هذه الأوقات، ويدل لذلك أيضًا أنه إذا كانت العلة هي الابتعاد عن مشابهة المشركين، فإن الصلاة ذات السبب تبعد قصد التشبه بالمشركين، وجهه: أنها مقرونة بسبب، فلها سبب ظاهر يجب مشروعيتها، فلا يكون هناك مشابهة للمشركين.
المهم: أن القول الراجح في هذا أنه يستثنى من هذا العموم الفرائض، وكل نافلة لها سبب.
من فوائد هذا الحديث: سد ذرائع الشرك وإن كانت بعيدة؛ لأن أصل الرسالة مبنية على
التوحيد، فكل طريق يمكن أن ينفذ الشيطان إلى قلب الإنسان فيوقع في الشرك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سده سدًا محكمًا.
إذن نأخذ من هذا: أن جميع وسائل الشرك محرمة، لكن الوسيلة قد تكون قريبة، وقد تكون بعيدة، فلعظم المقام سد النبي صلى الله عليه وسلم كل وسيلة ولو كانت بعيدة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن النهي مقيد بالصلاة، صلاة من: صلاة الإنسان، أو صلاة الناس عمومًا؟ صلاة الإنسان، ولذلك لو فرض أن أحدًا من الناس فاتته صلاة الفجر، بل فاتته صلاة العصر، وتطوع بنافلة قبل أن يصليها هو، أيجوز ذلك أو لا؟ نعم، يجوز ذلك؛ لأن العبرة بصلاته هو.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الصبح يطلق ويراد به الصلاة، يفسر ذلك لفظ مسلم، واستعمال الصبح بمعنى الصلاة موجود بكثرة في السنة.
أسئلة:
- النفي في قوله: «لا صلاة بعد الصبح» أنفي الوجود، أو الصحة، أو الكمال؟
- لماذا لا نحمله على نفي الوجود؟
- لماذا لا نحمله على الكمال؟
- الصلاة في هذين الوقتين حرام أو لا؟
- ما الذي يستثنى من قوله: «لا صلاة بعد الصبح، ولا صلاة بعد العصر» ؟
- الحديثان بينهما عموم وخصوص من وجه، ما هو؟
155 -
وله عن عقبة بن عامرٍ: «ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب» .
«وله» أي: لمسلم قوله: «ثلاث ساعات» هذا حصر، لكن الحصر لا يمنع من وجود غيره إذا دل عليه دليل؛ ولهذا تجدون كثيرًا ما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان» . وتارة يقول: «ثلاثة لا يكلمهم الله» ، ويأتي عدد آخر وقوله:«ثلاث ساعات» المراد بالساعة في اللغة العربية وفي الشرع: الوقت المحدد سواء طال أو قصر؛
ولهذا تجدن حديث التقدم من الجمعة: «من جاء في الساعة الأولى
…
من جاء في الساعة الثانية إلى آخره
…
».
مع أن هذه الساعات تختلف طولًا وقصرًا بحسب الوقت والفصول، فالساعة في اللغة: كل وقت محدد طال الزمن أو قصر، إلا إذا قال:«ساعة من نهار» فهي لا تتجاوز النهار، «نهانا أن نصلي فيهن» أي: صلاة فريضة أو نافلة، وذلك لأن (أن) مصدرية، وهي بعد النهي، فإذا أول الفعل بالمصدر، صار كأنه بعد النهي فتفيد العموم، لكن هذا العموم سبق أنه خصص بمخصصات بيناها.
«وأن نقبر فيهن موتانا» . «نقبر» القبر بمعنى: الدفن، يعني: أن ندفن الموتى في هذه الساعات، ثم فسرها فقال:«حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع» ، «بازغة» حال مؤكدة؛ لأن البزوغ والطلوع بمعنى واحد، فتكون «بازغة» حال مؤكدة، لعاملها أو لصاحبها؟ لعاملها، «حتى ترتفع» ، ولم يبين الرفع، لكنه قد بين في أحاديث أخرى:«حتى ترتفع قيد رمح» ، أي: قدر رمح، والمراد بالرمح: ما يرمى به في القتال، وهو نحو متر، وتقريب ذلك في الساعة المصطلح عليها الآن ما بين عشر دقائق إلى ربع ساعة.
«وحين يقوم قائم الظهيرة» ؛ أي: حين يقف واقف الظهيرة، وذلك أن الشمس إذا توسطت السماء صارت كأنها قائمة لا تتحرك، «وحتى تزول» ، وهذا يقدر بعشر دقائق فأقل.
والثالث: «حين تتضيف الشمس للغروب» ، «حين تتضيف» أي: تميل للغروب، وقيل: حين تشرع في الغروب، والصحيح الأول؛ أنها حين تتضيف للغروب، فإذا كانت عين المغرب بمثلها في المشرق يعني: مقدار رمح حين يدخل هذا الوقت الذي ذكره عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني: حين يبقى على مغيبها مقدار رمح، هذه ثلاثة ساعات، وتسمى هذه الساعات عند الفقهاء: أوقات النهي القصيرة، أضف هذه الساعات الثلاث إلى صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس تكون الأوقات أربعة، ومن صلاة العصر حتى تغرب تكون خمسة، ويجتمع فيما قرب من الغروب النهي الخاص والعام؛ لأنها حين تتضيف يدخل فيها النهي عن الصلاة العصر حتى تغرب الشمس، فهذه أوقات النهي.
هذه الأوقات ينهى فيها عن كل صلاة ليس لها سبب من النوافل والفرائض لا نهي عنها، وسبق الكلام على هذا، لكن بقي الكلام «أن نقبر فيهن موتانا» الحكمة من ذلك لم تظهر لي
جيدًا، لماذا نهى عن دفن الميت في ذلك الوقت؟ لكن الذي يهمنا هو الحكم؛ لأننا نحن معبدون بالأحكام، ولسنا مكلفين بمعرفة الحكم والأسرار؛ لأن هذا قد تعجز عنه عقولنا، لكن نقول: إذا وصلنا بجنازة إلى قبر وقد بزغت الشمس لكن لم ترتفع قيد رمح، فإننا لا ندفن الميت، ننتظر إلى متى؟ حتى ترتفع قيد رمح ثم ندفنه، كذلك أيضًا إذا وصلنا بالميت إلى القبر وقد قام قائم الظهيرة فإننا ننتظر حتى تزول الشمس. كذلك إذا وصلنا بالميت إلى القبر وقد
بقي على غروب الشمس مقدار رمح، فإننا لا ندفنه حتى تغيب الشمس، فيما عدا هذه الأوقات الثلاثة لا بأس أن نقبر الموتى.
فنأخذ الفوائد منها: النهي عن الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة، ويستثنى من ذلك ما تقدمز
ثانيًا: النهي عن دفن الأموات في هذه الأوقات الثلاثة.
ولكن إذا قال قائل: لو اضطررنا إلى الدفن في هذه الأوقات الثلاثة فهل يجوز؟
الجواب: نعم، لو كان هناك ضرورة مثل شدة حرارة الشمس، لا يستطيع المشيعون أن يبقوا في حرارة الشمس حتى تزول الشمس، نقول: هذا ضرورة، أو يكون هناك خوف، فيضطروا الناس إلى أن يدفنوا الميت في هذه الأوقات، فنقول: لا بأس، أو يكون هناك مطر، ننتظر حتى نقدر أنها ارتفعت قيد رمح، وأنها غابت في آخر النهار، ويعرف هذا بالساعة.
ومن فوائد الحديث: جواز دفن الميت في أي ساعة سوى هذه الساعات الثلاث، وجه ذلك: أن النهي عن شيء معين يدل على إباحة ما سوى هذا الشيء، فتكون دلالته على جواز الدفن في أي وقت دلالة مفهوم.
هل يجوز الدفن ليلًا؟ نعم يجوز؛ لأن ذلك ثبت بالسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين، ولم يدفن إلا ليلة الأربعاء في الليل.
فإن قيل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد زجر أن يدفن الرجل ليلًا؟
قلنا: بلى، لكن لسبب؛ لأن هذا الرجل الذي مات ونهى النبي صلى الله عليه وسلم بسببه الصحابة عن الدفن بالليل، أنه مات ولم يحسن كفنه، فصار فيه تفويت شيء مطلوب، فإذا مات الإنسان في الليل ولم نستطع أن نغسله التغسيل الذي ينبغي، أو لم نجد الكفن الذي يطلب، أو ما شابه ذلك، فحينئذ نقول: لا تدفنوا ليلًا، أما إذا كانت الأمور متوفرة كما هو في وقتنا الحاضر فإنه لا بأس بالدفن ليلًا.
فإذا قال قائل: لو حصل أمطار غزيرة، فهل يجوز أن نؤخر؟
فالجواب: نعم، نؤخر؛ لأن ذلك يؤدي ألا يدفنه الناس على وجه مطلوب، هذا من جهة، من جهة أخرى: يؤدي إلى أن القبر يمتلئ ماء فيؤخر.
والخلاصة: أن هذا الحديث - حديث عقبة بن عامر - يؤدي إلى جواز الدفن في جميع أوقات الليل والنهار، إلا هذه الأوقات الثلاثة.
156 -
والحكم الثاني عند الشافعي من حديث أبي هريرة بسندٍ ضعيفٍ. وزاد: «إلا يوم الجمعة» .
«الحكم الثاني» هو في الواقع ليس حكمًا، لكن الحكم في المسألة الثانية وهي:«حين يقوم قائم الظهيرة» ؛ لأن حديث عقبة بن عامر فيه ثلاث مسائل، والحكم واحد وهو النهي، ولذلك نعتبر عبارة المؤلف رحمه الله فيها تسامح، فالمراد: الحكم في المسألة الثانية هي: «حين يقوم قائم الظهيرة» .
يقول: عند الشافعي من حديث أبي هريرة بسند ضعيف، وزاد:«إلا يوم الجمعة» الشاهد: هو قوله: «إلا يوم الجمعة» فاستثنى يوم الجمعة؛ أي: أنه ليس فيه نهي عند زوال الشمس، وهذه المسألة فيها خلاف عند الفقهاء رحمهم الله منهم من قال: إن يوم الجمعة ليس فيه نهي، يعني: نهي عند قيام الشمس، لكنهم لم يستدلوا بهذا الحديث الضعيف، استدلوا بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا دخلوا المسجد صاروا يصلون حتى يحضر الإمام بدون نكير، وهذا يدل على أن الحكم المتقرر عندهم: أنه لا نهي عن الصلاة يوم الجمعة.
ومن العلماء من قال: إن الجمعة كغيرها. وهذا أقرب إلى الصواب، وإن كان الأول أقرب للصواب، لأن كون الصحابة يفعلون ذلك، يبعد أن يكونوا يفعلونه بدون أن يطلعوا على ترخيص الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الذي ينكر: ما يفعله بعض الناس اليوم، تجده متقدمًا إلى الجمعة، صلى ما كتب له، ثم جعل يقرأ القرآن، فإذا بقي على الزوال عشر دقائق أو نحوها قام يصلي، وهذا رأيناه كثيرًا، هذا هو الغلط؛ لأن هؤلاء لم يفعلوا كفعل الصحابة، يعني: لم يبقوا يصلون حتى جاء الإمام، بل هم جالسون، فلما جاء وقت النهي قاموا يصلون، لكن على رأي من يرى أنه لا نهي يوم الجمعة، يعني: ليس فيه النهي عند الزوال يباح لهم ذلك، لكن نقول: لا ينبغي لكم أن تتسلطوا على الصلاة في وقت اختلف العلماء في جواز الصلاة فيه، وظاهر هذا اللفظ «إلا يوم الجمعة» أنه لا فرق بين من كان في المسجد - أي: مسجد الجمعة -، ومن كان خارجه، وهذا نعم إذا صح الحديث فلا فرق، لكن إذا استدللنا بفعل الصحابة؛ فالصحابة إنما يفعلون
ذلك فيما إذا حضروا الجمعة، فيكون هذا خاصًا فيمن حضر يوم الجمعة، له أن يصلي حتى يأتي الإمام.
157 -
وكذا لأبي داود: عن أبي قتادة نحوه.
158 -
وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد منافٍ، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعةٍ شاء من ليل أو نهار» . رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وابن حبان.
قوله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد مناف» وجه الخطاب إليهم؛ لأنهم هم القائمون على المسجد الحرام، و «مناف» ما صلته بالرسول عليه الصلاة والسلام هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فهو الأب الرابع؛ لأنهم هم القائمون على المسجد الحرام ولهم السلطة أن يمنعوا أو يفسحوا، فقال:«لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى» يعني: فيه «أية ساعة شاء من ليل أو نهار» بعد الفجر، بعد العصر، عند قيام الشمس، في أي وقت لا تمنعوه؛ وذلك لأن المسجد لله عز وجل {وأن المساجد لله} [الجن: 18] ، وقد قال الله عز وجل:{ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه} [البقرة: 114]. انتبهوا إلى كلمة {أن يذكر فيها اسمه} بدل اشتمال من قوله: {مساجد الله} يعني: أن النهي منصب على هذا، على منع ذكر اسم الله في المساجد، وكذلك لو منع المساجد أصلًا، وأقفل الباب في وقت الناس يحتاجون إليه بغير سبب شرعي.
من فوائد هذا الحديث: أولًا: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في توجيه الخطاب إلى من هو أليق به، وأخص به لقوله:«يا بني عبد مناف» . وهل يعني ذلك أنه لغير القائمين على المسجد الحرام أن يمنعوا؟ لا، لكن الحكم واحد، لكن وجه الخطاب إليهم لكونهم هم الولاة عليه، نظير ذلك - أي: نظير توجيه الخطاب إلى من هم أليق به من غيرهم -: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج» . وهذا الأمر للشباب وغيرهم، كل من يريد الزواج وفيه شهوة الزواج، فإنه يؤمر بهذا.
ومن فوائد هذا الحديث: نهي من قام على المسجد الحرام أن يمنع أحدًا طاف فيه بسلطة الولاية.
انتبهوا لهذا القيد: أن يمنع أحدًا طاف فيه بسلطة الولاية؛ لأن الرسول عمم، قال:«أية ساعة شاء من ليل أو نهار» ؛ وإنما قيدت ذلك لأجل أن نرد قول من يقول: إن المسجد الحرام
ليس فيه نهي عن الصلوات؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هنا خاطبهم خطاب ولي، يعني: لا تحملنكم الولاية على أن تمنعوا الناس من الصلاة في المسجد أو الطواف.
يبقى النظر: هل للإنسان أن يطوف أو يصلي، هذا إذا اشترط عندنا الآن الخطاب للولاة على المسجد الحرام، الخطاب للناس هل يصلون أو لا؟
الحديث في الحقيقة ليس فيه دليل على جواز الصلاة في المسجد الحرام في أي وقت؛ لأن كون الصلاة تجوز أو لا تجوز لا يخاطب بها الولاة، من يخاطب بها؟ عامة الناس، فإذا أراد أحد أن يصلي فلا تمنعوه؛ ولذلك قلت لكم: لا تمنعوا بسلطة الولاية، لكن لو قام يصلي في وقت النهي ومنعوه بحكم الشرع؛ لهم ذلك؛ لأن هذا من باب منع المنكر.
انتبهوا لهذه النقطة؛ لأن بعض العلماء رحمهم الله قالوا: هذا الحديث يدل على أن الإنسان في المسجد الحرام يصلي في أي ساعة، فيقال: هذا غلط، الخطاب موجه لبني عبد مناف بحكم الولاية، يعني: لا تمنعه، أما كونه يصلي أو لا يصلي، فهذا يرجع إلى الأدلة الأخرى، إذا كان في وقت يصلي فيه جواز أن يصلي، وإلا فلا.
من فوائد هذا الحديث: أن الطواف ليس بصلاة؛ لأنه قال: «لا تمنعوه أي ساعة» ، وقد ذكرت لكم أن الفاعل الذي هو غير ولاة الأمر يرجع أمره إلى الشرع، هل نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن الطواف في الأوقات الخمسة أوقات النهي؟ لا، وهذا مما يؤيد ما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله أن الطواف ليس بصلاة، وأن الطهارة فيه ليست بشرط، وسبق الكلام على هذا.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجوز لولاة الأمور أن يمنعوا الناس من حقوقهم، لكن إذا اقتضت المصلحة أن يمنعوهم من حقوقهم فلهم ذلك، الدليل: فعل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وأشياء كثيرة، لكن نذكر منها: الإنسان إذا طلق زوجته ثلاثًا بفمٍ واحد، من حقه أن يراجعها، يعني: إذا قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، من حقه أن يراجعها في أي عصر كان؟ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر لما تتايع الناس في هذا وصاروا يكثرون الطلاق الثلاث منعهم من الرجوع وحرم الزوجة عليهم مع أن الحق لهم، لهم أن يراجعوا، لكن رأى من المصلحة أن يمنعهم من هذا الحق حتى يمتنعوا من الطلاق الثلاث؛ لأن الطلاق الثلاث محرم، من اللعب بكتاب الله.
أمهات الأولاد تباع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأبي بكر، أم الولد من هي؟ الأمة التي أتت بولد من سيدها كانت تباع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، وأبي بكر
وصدر من خلافة عمرو ثم تجرأ الناس على التفريق بين الأم وولدها، وهو طفل صغير ينصهر قلبها والولد يبكي لها، فمنعهم عمر من بيع أمهات الأولاد مع أن لهم أن يبيعوها؛ إذن نقول: ليس لولي الأمر أن يمنع الناس من حقوقهم إلا لمصلحة، أو حاجة، أو ضرورة.
ومن فوائد هذا الحديث: الرد على طائفة مبتدعة: الجبرية يقولون: ليس للإنسان مشيئة ولا إرادة، وفعله مجبور عليه، ولا شك أننا لو أتينا بواحد منهم وجلدناه أشد الجلد، وقلنا: اعذرني يا أخي أنا مجبور، لا يوافقون؛ ولهذا احتج سارق كما روي عن عمر أتي بسارق وأمر بقطع يده، فقال: مهلًا يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت إلا بقدر الله، قال: ونحن ما نقطع يدك إلا بقدر الله، وأيضًا عمر رضي الله عنه يقطع يده بقدر الله، وشرع الله، وذاك يسرق بقدر الله دون شرع الله.
أسئلة:
- فهمنا من الأحاديث السابقة أن أوقات النهي بالاختصار ثلاثة، وبالبسط خمسة؟
- ما هو القول الراجح فيما يجوز في هذه الأوقات؟
- المؤلف ساق حديث جبير بن مطعم في هذا الباب، لماذا؟
- استدللنا من هذا الحديث على أن الطواف ليس بصلاة، وجه ذلك؟
159 -
وعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الشفق الحمرة» . رواه الدارقطني، وصححه ابن خزيمة، وغيره وقفه على ابن عمر.
«الشفق» يشير إلى آخر وقت صلاة المغرب إلى أن يغيب الشفق، فما هو الشفق أهو الحمرة أو البياض؟ بين في هذه الحديث - سواء عن ابن عمر أو عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشفق هو: الحمرة التي تكون إثر غروب الشمس، وهذه الحمرة تستمر إلى نحو تسعين دقيقة، ربما تزيد قليلًا أو تنقص، يعني: ربما تصل إلى (75) دقيقة، وربما تصل إلى (90) دقيقة حسب الفصول، لكن متى غاب الشفق، يعني: متى ابيضت جهة الغروب، فمعنى ذلك: أن وقت المغرب انتهى ودخل وقت العشاء، إذا تأملت الترتيب وجدت أن هذا الحديث ينبغي أن يجعل فيما سبق، إذ ليس هذا مكانه؛ إذ إنه ينبغي أن يلي بيان أوقات الصلوات الخمس، لا أن يكون في سياق أوقات النهي، لكن لعل المؤلف رحمه الله حين كتب الكتاب غفل عن هذا، وكل إنسان معرض للنسيان.